أسعار الأسماك واللحوم اليوم 26 أبريل    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 26 أبريل 2024    مايكروسوف تتجاوز التوقعات وتسجل نموا قويا في المبيعات والأرباح    طريقة تغيير الساعة في هواتف سامسونج مع بدء التوقيت الصيفي.. 5 خطوات مهمة    «هنصحى بدري ولا متأخر؟».. سؤال حير المواطنين مع تغيير توقيت الساعة    المستهدف أعضاء بريكس، فريق ترامب يدرس إجراءات ضد الدول التي تتخلى عن الدولار    البنتاجون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ «ATACMS»    بلينكن ل نظيره الصيني: لا بديل عن الدبلوماسية وجهاً لوجه    عاجل - قوات الاحتلال تقتحم نابلس الفلسطينية    سيول جارفة وأتربة، تحذير شديد اللهجة من الأرصاد بشأن طقس اليوم الجمعة    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    أذكار وأدعية ليلة الجمعة.. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا    بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. توجيهات الصحة بتجنُّب زيادة استهلالك الكافيين    مع بداية التوقيت الصيفي.. الصحة توجه منشور توعوي للمواطنين    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    سرقة أعضاء Live.. تفاصيل صادمة في جريمة قتل «طفل شبرا الخيمة»    رئيس لجنة الخطة بالبرلمان: الموازنة الجديدة لمصر تُدعم مسار التنمية ومؤشرات إيجابية لإدارة الدين    نجم الأهلي السابق يوجه رسالة دعم للفريق قبل مواجهة مازيمبي    ناقد رياضي: الزمالك فرط في الفوز على دريمز الغاني    طارق السيد: ملف بوطيب كارثة داخل الزمالك.. وواثق في قدرات اللاعبين أمام دريمز    إعلان نتيجة مسابقة المعلمة القدوة بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    عاجل.. رمضان صبحي يفجر مفاجأة عن عودته إلى منتخب مصر    أبرزها الاغتسال والتطيب.. سنن مستحبة يوم الجمعة (تعرف عليها)    إصابة 8 أشخاص في تصادم 3 سيارات فوق كوبري المندرة بأسيوط    انطلاق حفل افتتاح مهرجان الفيلم القصير في الإسكندرية    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    بشرى سارة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال رسميًا    يونيو المقبل.. 21364 دارسًا يؤدون اختبارات نهاية المستوى برواق العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر    نقابة محاميين شمال أسيوط تدين مقتل اثنين من أبنائها    رمضان صبحي يحسم الجدل بشأن تقديم اعتذار ل الأهلي    «زي النهارده».. استقالة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من مشيخة الأزهر 26 أبريل 1935    ليلى زاهر: جالي تهديدات بسبب دوري في «أعلى نسبة مشاهدة» (فيديو)    "أكسيوس": مباحثات سرية بين مصر والاحتلال لمناقشة خطة غزو رفح    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميا    عاجل - محمد موسى يهاجم "الموسيقيين" بسبب بيكا وشاكوش (فيديو)    ذكري تحرير سيناء..برلماني : بطولات سطرها شهدائنا وإعمار بإرادة المصريين    "حزب الله" يعلن ضرب قافلة إسرائيلية في كمين مركب    عاجل - بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024 فعليًا.. انتبه هذه المواعيد يطرأ عليها التغيير    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    بالصور.. مصطفى عسل يتأهل إلى نهائي بطولة الجونة الدولية للاسكواش    هاني حتحوت يكشف تشكيل الأهلي المتوقع أمام مازيمبي    مواقيت الصلاة بالتوقيت الصيفي .. في القاهرة والإسكندرية وباقي محافظات مصر    برج العذراء.. حظك اليوم الجمعة 26 أبريل 2024 : روتين جديد    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    أنغام تبدأ حفل عيد تحرير سيناء بأغنية «بلدي التاريخ»    استشاري: رش المخدرات بالكتامين يتلف خلايا المخ والأعصاب    لوحة مفقودة منذ 100 عام تباع ب 30 مليون يورو في مزاد بفيينا    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    حكايات..«جوناثان» أقدم سلحفاة في العالم وسر فقدانها حاستي الشم والنظر    حدثت في فيلم المراكبي، شكوى إنبي بالتتويج بدوري 2003 تفجر قضية كبرى في شهادة ميلاد لاعب    عاجل - "التنمية المحلية" تعلن موعد البت في طلبات التصالح على مخالفات البناء    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    المحكمة العليا الأمريكية قد تمدد تعليق محاكمة ترامب    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللواء أ. ح حسام سويلم يكتب:
الرهانات الخاسرة في حرب غزة
نشر في الوفد يوم 23 - 08 - 2014

مع دخول العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة أسبوعه الرابع، تثبت وتؤكد الأحداث أن جميع رهانات أطراف الصراع رهانات خاسرة، سواء في ذلك المتورطين فيه بشكل مباشر وهم اسرائيل من جهة وفصائل المقاومة في غزة - وعلى رأسهم حماس والجهاد الاسلامي
من جهة أخرى، أو المتورطين بشكل غير مباشر، وأعني بهم الأطراف الأخرى التي تقف في الخلف تحرك الأطراف المباشرين طبقاً لمصالحهم وأهدافهم، وأعني بهم بالنسبة لإسرائيل الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، وبالنسبة لحماس والجهاد الاسلامي نجد ايران وتركيا وقطر، والتنظيم الدولي لجماعة الاخوان، يقومون بالتسليح والتمويل والتحريض والتوجيه واصدار التكليفات بما يتفق مع مصالحهم وأهدافهم.
وليست الرهانات الخاسرة لاطراف الصراع مقصورة فقط على الحرب الدائرة حالياً، وهى الثالثة في قطاع غزة منذ انقلاب حماس على السلطة الفلسطينية واستيلائها على القطاع عنوة في عام 2007، حيث سبقتها حربان عام 2009، وعام 2012، بل كانت ولاتزال رهانات أطراف الحرب خاسرة في جميع هذه الحروب الثلاث، مما يؤكد على أنها حروب عبثية لم تحقق أي أهداف ذات مغزى، رغم ما تكبده سكان غزة في هذه الحروب من خسائر بلغت عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من الجرحى، وما خلفته من مئات الآلاف من اليتامى والأرامل، ناهيك عن آلاف المنشآت والمنازل التي هُدمت، وأدت الى خسائر مادية بلغت مليارات الدولارات، والدليل على أن كل رهانات أطراف الحرب كانت ولاتزال خاسرة، وأن أيا من الأهداف التي تعرض أطراف الصراع تحقيقها من وراء كل حرب من هذه الحروب الثلاث لم يتحقق منها شىء، حيث يعود الوضع في غزة داخلها وحولها عقب كل حرب إلى نفس الوضع الذي كانت عليه قبل الحرب، ومنذ عام 2007 كما هو لم يتغير.
القوى التي وراء إشعال الحرب واستمرارها
وإذا كانت أحزاب اليمين المتشدد في اسرائيل هى التي تضغط على رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو، وتحرضه على الاستمرار في الحرب وتصعيدها الى مستوى المطالبة باعادة احتلال غزة، وهو ما لا يستطيع نتنياهو ومقاومته بالنظر لقوة اليمين المتشدد في اسرائيل والذي يشكل القسم الأكبر من وزاراته، ومنهم ليبرمان وزير الخارجية الذي هدد بالاستقالة اذا لم يصدر مجلس الوزراء المصغر الذي يدير دفة الحرب قراراً بشن الحرب البرية، وهو ما استجاب له نتنياهو رغم ادراكه ما سيتسبب فيه ذلك القرار من وقوع خسائر بشرية قد تكون جسيمة بين جنود الجيش الاسرائيلي، وهو في ذلك يخشى تفكك حكومته التي تضم تحالف أحزاب يمينية متطرفة، وعينه على الانتخابات القادمة التي يريد أن يفوز فيها حزبه الليكود، فإن حماس في المقابل نجدها في الواقع لا تملك ارادتها ولاقرارها، ذلك لأنها اسيرة قرارات وتوجيهات الدول والمنظمات التي تقوم بتمويلها وتسليحها، ونعني بها ايران وتركيا وقطر والتنظيم الدولي للإخوان، وما تصدره هذه الجهات لحماس من قرارات وتوجيهات بكيفية اثارة الأزمات التي تشعل الحرب ثم مسارها، والامتناع عن القبول بأي وقف لأعمال القتال حتى توافق عليها هذه الجهات، وهو ما انعكس بوضوح في قيام حماس بخطف ثلاثة مستوطنين اسرائيليين قبل الحرب ثم قتلهم دون وجود أي مبرر لذلك إلا استفزاز اسرائيل لشن الحرب انتقاما لهم، رغم أنه كان من الممكن مقايضتهم بالافراج عن مئات من المعتقلين الفلسطينيين كما حدث من قبل في مبادلة الجندي شاليط بأكثر من ثمانين سجيناً باشراف مصر، الا أن حسابات الجهات التي تتحكم في القرار الحمساوي تنهض على أساس استفزاز اسرائيل لشن حربا تخدم أهداف ومخططات هذه الجهات، وأبرزها توريط مصر في حرب مع اسرائيل وتفشيل تشكيل حكومة فلسطينية تحت رئاسة أبو مازن، كما انعكس ذلك أيضاً في رفض حماس المبادرة المصرية لوقف اطلاق النار، وادخال تركيا وقطر على خط الأزمة مع الدول الغربية في اجتماع باريس، والزعم بأن مصر لا تساند الشعب الفلسطيني في صراعه ضد اسرائيل باغلاقها معبر رفح.
الأهداف السياسية والاستراتيجية لاطراف الصراع
لابد أن نُذكر في البداية بوجود هدف مشترك بين أطراف الصراع - سواء المباشرين أو غير المباشرين - يتمثل في السعي لتحقيق المخطط الاسرائيلي المعروف ب «خطة جيورا آيلاند لانهاء الصراع العربي -الاسرائيلي» والذي يتمثل في استقطاع 750 كيلو متراً مربعاً من شمال سيناء وضمهم الى قطاع غزة لتوسيعه ليكون مقراً للدولة الفلسطينية، وضم الضفة الغربية الى المملكة الاردنية في إطار بناء الأردن الكبير، وبذلك يتم تفريغ قضية الصراع العربي الاسرائيلي من فحوها، وفي المقابل اعطاء مصر مساحة مساوية من صحراء النقب في الجنوب، ومنح مصر 12 مليار دولار مقابل ذلك، وهى الخطة التي سبق أن رفضها الرئيس الأسبق حسني مبارك، في حين وافق عليها الرئيس السابق محمد مرسي لأنها تصب في مصلحة حماس الفرع الرئيسي من الاخوان، كما وافقت على هذه الخطة الولايات المتحدة لأنها تخدم مشروعها الأكبر لاقامة الشرق الأوسط الجديد، وتفتيت المنطقة عرقياً وطائفياً حيث تعطي هذه الخطة الحق لاسرائيل للاستيلاء على بقية سيناء، كما تخدم أيضاً أهداف حلفاء حماس في تركيا وقطر والسودان وايران، لما يسببه هذا المخطط على تقليص مساحة مصر ونفوذها ويقوض أساسيات الأمن القومي المصري.
وانطلاقاً من هذا الهدف الاستراتيجي بعيد المدى لكل من اسرائيل وأمريكا وحماس، يمكن أن نفهم الأهداف التكتيكية الآنية للحرب الدائرة حالياً في غزة، حيث أعلنت حماس وحلفاؤها ضمن أهدافهم فتح معبر رفح بشكل مستمر دون قيود، ووضعه تحت الاشراف الدولي، وهو بالطبع ما رفضته مصر بكل قوة لأنه يخل بسيادتها على أراضيها، فضلاً عما قد يستتبعه ذلك من انشاء منطقة حرة حول هذا المعبر يطلق يد حماس في حفر أنفاق التهريب دون تدخل أمني من جانب مصر، وهو ما يعيدنا الى السيناريو الذي كان قائما أثناء فترة حكم جماعة الاخوان التي أطلقت يد حماس في سيناء على نطاق واسع، سواء في امتلاك الأراضي أو منح الجنسية المصرية وأيضاً حرية حفر الأنفاق الى جانب فتح معبر رفح بشكل دائم دون قيود، وكان ذلك أحد أسباب ثورة الشعب والجيش في 30 يونية والاطاحة بنظام حكم هذه الجماعة.
أما باقي أهداف حماس من وراء استفزاز اسرائيل لاشعال الحرب، والتي تتمثل في فتح جميع المعابر، وادخال جميع السلع والكهرباء والوقود ومواد البناء، وفك الحصار الاقتصادي والمالي، وضمان حرية الصيد والملاحة في 12 ميلاً بحرياً، وحرية الحركة في المناطق الحدودية لقطاع غزة، وعدم وجود منطقة عازلة، فضلاً عن الغاء جميع الاجراءات والعقوبات الجماعية بما في ذلك الافراج عن جميع المعتقلين، وهى أهداف وإن كانت من حيث ظاهر الأمر تصب في صالح الشعب الفلسطيني، إلا أن وراءها أهدافاً أخرى غير معلنة، أبرزها إفساد المصالحة الفلسطينية واجهاض مبادرة تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم جميع الفصائل الفلسطينية برئاسة محمود عباس رئيس المنظمة، وبالتالي اعادة حماس الى الصورة باعتبارها عضواً فاعلاً ومؤثراً في البيئة الاقليمية، وأنها صاحبة القرار في الساحة الفلسطينية بل شريك رئيسي في قرار الحرب والسلم بالمنطقة، وأن تميز نفسها وأن تظهر بالافعال أنها هى المقاومة وأن المقاومة هى حماس، لأنها وجدت نفسها بعد انهيار حكم الاخوان في مصر، معزولة ومحاصرة وغير قادرة على تحمل أعباء قطاع غزة المالية منها والسياسية، ولأنها ارادت أيضاً هذه المصالحة لأخذ المزيد من الوقت لتستكمل خطوات العودة إلى الاحضان الايرانية بعد أن جفت خزينتها من الأموال السائلة، بعد أن نجحت مصر في تدمير واغلاق 90٪ من الأنفاق عبر الحدود مع شمال سيناء في منطقة ممر فلادلفيا «2 كيلومتر * 14 كيلومتر) وتجميد مصر لأموال جماعة الإخوان التي كانت تتدفق على حماس وما يحياه سكان القطاع من أزمة معيشية خانقة، حتى إن حكومة حماس لا تملك المال الكافي لدفع رواتب الموظفين أو تأمين الكهرباء والوقود والماء لحوالي 1.8 مليون نسمة، كما أن نسبة العاطلين في القطاع تبلغ نحو 50٪ هذا فضلاً عن رغبة حماس في تحسين موقعها في المعادلة الاقليمية، ومن ثم فإن حماس من خلال موقفها المتعنت في رفض المبادرة المصرية، فإنها تحاول أن تفرض نفسها على مصر من موقع القوة، وتعطي ايران موقفاً ساخناً ليصبح بالامكان انعاش «فسطاط الممانعة والمقاومة» الذي يضم ايران وسوريا وحزب الله وحماس والقاعدة، وليس غريباً أن هذا القرار التوريطي الذي اتخذته حماس، كانت اسرائيل تنتظره على أحر من الجمر لتقوم بكل ما قامت وتقوم به حالياً من تدمير ممنهج للبنية الاساسية العسكرية - خاصة الصاروخية - لحماس والفصائل الأخري في غزة، ناهيك عن نسف عملية المصالحة وتشكيل حكومة وحدة فلسطينية، وهو العملية التي ترفضها اسرائيل لأنها تقضي على ما حققته من انجازات في احداث انفصال جغرافي وسياسي بين السلطة الفلسطينية في الضفة وحماس في غزة، وتعيد الوحدة واللحمة الفلسطينية من جديد، وتخفيف حدة الحصار الدولي على التنظيم الدولي للاخوان، واحراج مصر ودول الخليج.
أما من جهة الأهداف الاسرائيلية من وراء شن الحرب، فبجانب الرد الانتقامي على مقتل الثلاثة مستوطنين قبل بداية الحرب، وما سبق الاشارة اليه حول افساد المصالحة الفلسطينية، وتشكيل حكومة موحدة والابقاء على الانقسام الجغرافي والسياسي بين السلطة الفلسطينية وبين الفصائل الأخرى المتشددة في غزة، كما تخشى اسرائيل أنه في حالة تدمير حماس، أن تظهر منظمات فلسطينية أخرى أكثر تشدداً ترتبط بالقاعدة وداعش، فإن اسرائيل انتهزت فرصة اطلاق حماس وحلفاؤها صواريخهم ضد المدن والأهداف الاستراتيجية في وسط وجنوب اسرائيل، لكي تضع حداً لاستمرار بقاء الترسانة الصاروخية في قطاع غزة، وضرورة ازالتها إما سياسياً بقرار دولي أو من خلال العمل العسكري الاسرائيلي بتدميرها وتدمير الأنفاق التي تستخدم في تخزينها والاطلاق منها ضد المدن الاسرائيلي، وكما أعلنت اسرائيل رسميا على ألسنة قادتها في بداية الحرب أنهم لا يريدون تدمير حماس، بل استمرارها، ولكن منزوعة من الصواريخ التي تهدد اسرائيل، لذلك امتنعت اسرائيل عن استهداف قادة حماس السياسيين وحلفائها، رغم معرفة جهاز الأمن الاسرائيلي «الشاباك» لأماكنهم، واقتصرت التصفيات الجسدية على القادة العسكريين، خاصة المسئولين عن تخطيط وادارة العمليات العسكرية وتطوير وتجميع الصواريخ وغيرها في أنظمة التسليح، وأيضاً المسئولين عن تخطيط وحفر الأنفاق تحت الأرض، أمثال اسماعيل العكلول الناشط في منظومة الصواريخ بكتائب القسام، ومحمود حسني نخالة نائب رئيس الجهاد الاسلامي، وأحمد محمود شعبان مسئول العمليات البحرية في كتائب القسام، واللواء تيسير البطش قائد شرطة غزة، ومازالت تستهدف أيضاً قيادات عسكرية مهمة في حماس والجهاد الاسلامي، أمثال محمد ضيف قائد كتائب القسام، ومروان عيسى نائبه،ويحيى السنوار، وروحي مشتهي، وخليفة الجعبري، واسرائيل في خطتها لتدمير أو نزع سلاح الصواريخ من قطاع غزة لا تريد تكرار ما سبق في الحروب السابقة من ترك هذه المسألة معلقة بعد وقف اطلاق النار، ثم العودة مرة أخرى للمربع رقم واحد، حيث تتوقع اسرائيل إذا ما انتهت هذه الحرب دون حسم قضية الصواريخ أن تزيد حماس وحلفاؤها مستقبلاً من حجم ترسانة صواريخهم، بل وتنويعها وتطويرها وبما يمكنها مستقبلاً من اتباع استراتيجية «الاغراق الصاروخي» لضرب الاهداف الاسرائيلية بأعداد كبيرة من الصواريخ لإحداث خسائر مادية وبشرية جسيمة في المدن الاسرائيلية، وبما يكسر الارادة الاسرائيلية، سواء اعتماداً على ايران أو كوريا الشمالية، حيث أشارت صحيفة «ديلتيجراف» إلى أن حماس تتفاوض مع كوريا الشمالية لشراء صواريخ ومعدات اتصال تقدر بملايين الدولارات لسد ما تم استهلاكه وقصفه في الحرب الدائرة حالياً، وبعد استنزاف الاحتياطي الخاص بها، وقد حدد نتنياهو الهدف السياسي من استمرار الحرب في قوله: «حتى يتحقق الهدوء للمواطن الاسرائيلي لفترة طويلة» هذا بجانب التأكيد على هدف مهم وهو دعم الرادع الاسرائيلي في المنظومة الأمنية الاسرائيلية.
العمليات الجوية والبرية الإسرائيلية
بدأت اسرائيل عملياتها العسكرية بشن هجمات جوية بمقاتلات «إف 16» ضد أهداف البنية العسكرية لحركات المقاومة في غزة، والتي شملت بشكل رئيسي الأنفاق ومواقع اطلاق الصواريخ ومراكز القيادة والسيطرة وأماكن تواجد القيادات العسكرية للفصائل الفلسطينية، ومراكز التدريب ومعسكرات كتائب القسام، وألقت حوالي 150 قنبلة شديدة الانفجار مخصصة لضرب أهداف على عمق تحت الأرض، وهى أمريكية الصنع زنة الواحدة واحد طن، بحيث ينهار تحت وطأتها مبنى من ثمانية طوابق، مما تسبب في ابادة عشرات الأسر خاصة في الغارات الجوية ضد حي الشجاعية، وأبرز القنابل التي استخدمت ضد الأنفاق GBU 28 - GBU39 الموجهة بالليزر وقنابل الفوسفور الأبيض ذات التأثير المميت، والقنابل الانشطارية والارتجاجية، بالاضافة لطائرات بدون طيار «هرمز 900» محملة بصواريخ «هيل فاير»، وخلال المرحلة الأولى من الحرب والتي خُصصت للهجمات الجوية واستمرت 10 أيام، تم تنفيذ 3000 غارة جوية ألقت 2500 طن متفجرات نجحت في تدمير 1500 هدف شملت 92 منصة صواريخ، 21 مركز قيادة، 250 فتحة نفق، 8 ميادين تدريب، 7 مؤسسات حكومية، 1800 مسكن، سقط خلالها 250 قتيلاً و1800 جريح معظمهم من المدنيين، خاصة أن الكثافة السكانية العالية في القطاع والتي تصل الى 8199 فرد/ كيلومتر مربع داخل مدينة غزة تزيد من حجم الخسائر البشرية.
وعندما لم تنجح الهجمات الجوية في اجبار حماس وحلفائها على الامتناع عن قصف المدن الاسرائيلية بالصواريخ، وتحت ضغط وزراء اليمين المتشدد خاصة أفيجدور ليبرمان وزير الخارجية ورئيس حزب «اسرائيل بيتنا» الذي هدد بالاستقالة إن لم يبدأ الهجوم البري، ومن العسكريين نائب وزير الدفاع الذي اضطر نتنياهو لإقالته لاعطائه تصريحات مشابهة، اضطر نتنياهو للأخذ برأي مجلس الوزراء المصغر الذي يضم وزراء متشددين، وأعلن عن المرحلة الثانية من الحرب وهى الهجوم البري، وكانت رئاسة الاركان الاسرائيلية قد استعدت له منذ بداية الحرب بحشد أربعة لواءات عاملة «لواء جولاني، لواء جفعاني، اللواء 35 مظلات، لواء الشباب الطلائعي» شرق قطاع غزة وعلى الطريق 32، وتمركزت أمام المعابر الرئيسية: ايريز في الشمال، كارني «المنطار» وكيسوفيم وناحال عوز شرق غزة، كيرم شالوم «كرم أبو سالم» وصوفا في الجنوب، في ذات الوقت الذي جرى فيه تعبئة 18000 فرد من الاحتياطي، والوحدة الخاصة «سيرت ماتكال»، وبذلك أمكن حشد حوالي 57000 جندي زادت بعد ذلك الى 86000 جندي بعد تعبئة 16000 من الاحتياط، 200 دبابة، 350 عربة مدرعة، 4 كتائب مدفعية وراجمات صواريخ للحرب البرية، وقد وضعت هذه القوات تحت قيادة الجنرال سامي ترجمان قائد المنطقة الجنوبية، وكان قد أصيب في بداية المعركة ولكنه عاد لتولي مهامه من مركز القيادة المتقدم في «ريعيم» شرق كيسوفيم، كما أصيب في الحرب أيضاً قائد لواء جولاني العقيد غسان عليان.
وتحددت أهداف هذه المرحلة في تدمير مستودعات ومواقع اطلاق الصواريخ والأنفاق التي تنطلق منها، واحتلال شريط حدودي بعمق 3 - 4 كيلومترات غرب الحدود الاسرائيلية مع قطاع غزة وهو ما تم التمهيد له بقصف جوي ومدفعي كثيف ضد المناطق الموجودة في هذه الشريحة الملاصقة للحدود مع اسرائيل، الى مستوى الابادة وتسويتها بالأرض في أحياء بيت لاهيا، وبيت حانون، والشجاعية والزيتون وجباليا، وتل النوى وخزاعة بعد أن طلبت اسرائيل من سكانها ترك منازلهم واللجوء الى وسط وغرب قطاع غزة، حتى تحكم سيطرتها البرية على هذا الشريط الحدودي مستقبلاً، وتم شن الهجمات البرية عبر أربعة محاور: المحور الأول عبر معبر إيرينز في اتجاه بيت لاهيا وبيت حانون، والمحور الثاني عبر محور المنظار «كارفي» في اتجاه جنوب غزة لعزلها عن وسط وجنوب غزة، ويعاون هذا الهجوم هجوم آخر عبر معبر كيسوفيم في اتجاه شمال خان يونس، ثم محور رابع من معبر كرم أبو سالم في اتجاه رفح وذلك بهدف تشتيت جهود الفصائل الفلسطينية على طول وعرض قطاع غزة، وفوق وتحت الأرض، وتحت قصف جوي ومدفعي ومن البحر، وحددت القيادة الاسرائيلية لهذه العملية فترة زمنية من أسبوع الى عشرة أيام، وقد استخدمت فيها معدات استشعار الكترونية لتحديد أماكن الأنفاق، ومعدات هندسية ثقيلة ومشاة لتدميرها، وقدرت اسرائيل أنه من خلال تدمير الأنفاق ومستودعات الصواريخ واحتلال شريط حدودي داخل غزة بعمق 3- 4 كيلومترات يمكن كسر ارادة حماس وحلفائها والموافقة على المبادرة المصرية لحل المشكلة، والقبول بوقف النار، كما ضغط وزراء يمينيون مطالبون باجراء اجتياح بري كامل للقطاع رغم المردودات السلبية لمثل هذا الاجتياح والمتمثلة فيما ستتكبده القوات البرية الاسرائيلية من خسائر بشرية قد تكون جسيمة، وهو ما تراهن عليه حماس وحلفاؤها، ولكن نتنياهو حدد عمق الهجوم البري بما لا يتجاوز 5 كيلومترات، وحرصت القيادة الاسرائيلية على اصدار بيانات تطالب سكان هذا الشريط البري بإخلاء مساكنهم تجنباً لوقوع خسائر فيهم.
وقد صادف الهجوم البري الاسرائيلي تأييداً ودعماً من الشارع قدرت نسبته بحوالي 86.5٪ من الشعب الاسرائيلي، وقد حرص وزير الدفاع الاسرائيلي موشي يعلون على عدم اعطاء آمال عريضة حول نتائج العملية البرية، وأن لا ضمان لنجاح العملية مائة بالمائة رغم الحرص على إنجاحها في تنفيذ أهدافها، وأوضح أن اسرائيل قد تدفع ثمناً من أرواح جنودها، ذلك أن القتال البري يعني احتكاكاً أكبر مع مقاتلي حماس داخل الأنفاق التي تحرص حماس على عمل كمائن للاسرائيليين داخلها، لذلك حرصت اسرائيل على أن يتم اقتحام أراضي غزة وتنفيذ المهام داخلها بأقصى سرعة والخروج منها بأقصى مكاسب سياسية وأمنية، وقد عبر قائد لواء المظلات - العميد اليعازر طوليدانو - عن فلسفة الهجوم في قوله لجنوده: «نحن مصممون على ضرب العدو بلا هوادة، ولا تدعوهم يرفعون رؤوسهم، واحفظوا هاتين القاعدتين جيدا: واصلوا الاندفاع الى الأمام بكل قوة، وألا نعود قبل القضاء عليهم».
وبإقحام نتنياهو لقواته البرية في المعركة فوت الفرصة على أي من معارضيه داخل الوزارة أو خارجها بأن يتهمه بأنه لم يعمل كل ما هو ممكن من أجل انجاح هذه العملية، وبذلك قطع نتنياهو هو الطريق على محاسبة الاسرائيليين له على عدم التجاوب مع مطالب غالبيتهم ووزراء الجناح اليميني في الوزارة لاطلاق الهجوم البري، كما حرص نتنياهو أيضاً من جانبه على اعطاء ايحاء بأنه قد يتم تصعيد في الأهداف المحددة للهجوم البري في ضوء تطور أعمال القتال وردود الأفعال الحمساوية، فإذا ما نفذت حماس تهديداتها بتكثيف اطلاق الصواريخ وبما قد يؤدي مثلاً الى احراق أو تدمير المصانع الكيماوية في حيفا، فقد تصعد اسرائيل بتوسيع التوغل البري والقصف الجوي بما يؤدي إلى شبه إبادة لمناطق كاملة من غزة، كما حدث في القصف الجوي لمنطقة الشجاعية وأدى الى وقوع خسائر بشرية جسيمة، أما حماس من جهتها فقد كان رهانها على قبول الدخول في المعركة البري على أساس ايقاع أعداد كبيرة من القتلى والجرحى والأسرى في صفوف الإسرائيليين، وبما يشكل ضغطاً شعبياً اسرائيلياً على نتنياهو يجبره على إيقاف اطلاق النار.
وكان لجهود أجهزة المخابرات الاسرائيلية - خاصة المخابرات العسكرية وجهاز «الشاباك» الخاص بالأمن القومي - دور رئيسي في الحصول على معلومات شبه يقينية عن أماكن الأهداف والشخصيات الفلسطينية المطلوب تصفيتها، حيث من المعلوم أن لإسرائيل حوالي 45000 عميل داخل الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة، يوفرون معلومات مؤكدة وموثوقة عن الأهداف الفلسطينية، لاسيما تحركات القيادات الفلسطينية المطلوب تصفيتها، فضلاً عما توفره الطائرات بدون طيار من معلومات لحظية عن أماكن وتحركات الأهداف وسرعة اصطيادها، وبناء على ما وفرته أجهزة المعلومات الاسرائيلية من معلومات أمكن تصفية أكثر من 220 ناشطاً مسلحاً، واعتقال 125 آخرين، واكتشاف 32 نفقاً منها 5 أنفاق متجهة الى داخل اسرائيل، وتدمير 34 فتحة أنفاق، وفي المقابل خسرت اسرائيل 73 جندياً فضلاً عن 3 مدنيين داخل اسرائيل، وذلك حتى أول أغسطس، كما أشارت المصادر الاسرائيلية إلى أنه حتى هذا التاريخ هاجمت الطائرات 3200 هدف بما في ذلك 395 منصة صواريخ، و50 منشأة لتصنيع الأسلحة والصواريخ، و37 مركز قيادة.
ولقد كانت الحرب النفسية على أشدها بين الطرفين طوال فترة الحرب ولاتزال، واستخدمت فيها وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الكثير من آيات القرآن من طرف حماس، والتوراة من قبل الاسرائيليين، حيث اهتمت الادارة الخاصة بالاعلام في الجيش الاسرائيلي بالقاء مسئولية ما يحدث لشعب غزة من معاناة على عاتق حماس، وأنها تعمل لحسابها وتطيع ما يصدر لها من تعليمات من طهران وأنقرة والدوحة، بينما يختبئ قادة حماس تحت الأرض غير عابئين بما يقع من خسائر لشعبها، أما حماس فقد اهتمت بتبليغ الشعب الاسرائيلي حقيقة ما يتعرض له جنوده من خسائر بشرية جسيمة تخفيها قيادة الجيش، وما وصل إليه حال سكان المدن الاسرائيلية الذين يبقون ساعات طويلة في المخابئ للوقاية من الصواريخ، وتوقف رحلات الخطوط الجوية الدولية.
تقصير وعيوب في العملية البرية
ورغم ما حققته القوات الاسرائيلية من نجاح ملحوظ في تنفيذ مهامها فإن عيوباً كثيرة برزت، ربما كان أبرزها رفض 60 جندياً اسرائيليا الاشتراك في الحرب لعدم اقتناعهم بجدواها، وطرح المعلق العسكري في «هآرتس» عاموس هارئيل أسئلة حول «عيوب تقشعر لها الأبدان في عملية الجيش» منها استخدام ناقلات جنود قديمة استخدمها الجيش الأمريكي في فيتنام «كانت سبباً في مقتل الجنود على متنها»، وأضاف أن ثمة خللاً أيضاً في عدم الجهوزية للقيام بعملية برية، مشيراً الى أن الجيش لم يشارك في عملية برية منذ سنوات طويلة، خصوصاً في قطاع غزة، «فضلاً عن التآكل في مستويات التدريب في السنة الأخيرة»، كما عبر معلقون آخرون عن رأيهم فإن «اسرائيل تبحث عن سُلم يقودها لوقف النار خشية تكبد جنودها خسائر فادحة في الأرواح في أعقاب مقتل 13 جندياً من لواء جولاني النخبوي في حي الشجاعية، مما تسبب في تبدل المزاج العام في اسرائيل مع نشر وسائل الاعلام صور الجنود القتلى، فحل المزاج العكر محل نشوة ضرب القطاع، وهو ما رد عليه عدد من زعماء اليمين الاسرائيلي، ومنهم زعيم حزب المستوطنين «البيت اليهودي» - نفتالي بلينيت - الذين عارضوا أي وقف لاطلاق النار، الذي قال: «إن اسرائيل أمام مفترق طرق تاريخي، والآن الوقت للحسم، والهدف هو أن يصبح قطاع غزة مثل الضفة الغربية بلا صواريخ وبلا أنفاق»، وأضاف: «رغم أننا ضربنا حماس بقوة، فإنه لم يتم القضاء عليها.. إن مقاتلينا أزالوا الصدأ،.. وليس أمامنا سوى حماية بيتنا من صواريخهم، والشعب كله موحد بشكل غير مسبوق منذ سنوات.. وإذا لم نقم بهذه المهمة الآن، فسنلاقي في المستقبل عدواً مسلحاً ومدرباً أضعاف ما هو عليه اليوم»، أما وزير الداخلية «جدعون ساعر» فقد قال: «يجب استغلال اللحظة لكسر روح حماس كي لا يعود القتال الى مربعه الأول» وأضاف: «يجب تفكيك البنى التحتية الارهابية لتستوعب حماس وسائر التنظيمات الارهابية قوة الردع الاسرائيلية، بما يؤثر ايجابياً على فرصة استعادة الهدوء لمدى طويل»، اما الجنرال شاؤول موفاز رئيس حزب كاديما فقد رفض القبول بأي هدنة بدعوى أن ذلك يعرض الجنود للخطر، وإذا كانت القيادة الاسرائيلية تخطط لمرحلة ثالثة من القتال «فيجب أن تكون جباية ثمن مباشر من قادة حماس وقادة الذراع العسكرية، وعلى الحكومة أن تحدد الهدف الذى تريده في اليوم التالي للحرب، ولكن ممنوع أن تعود الى مربع الجولان القتالية المتكررة، بل ينبغي انهاء هذا الواقع من هذه الجولات»، وأضاف موفاز: «إن حماس تخاف من الاسئلة القاسية بعد الحرب، فصور الدمار الذي لحق بالقطاع نتيجة عدوان واعتداءات حماس واضحة لقادة الحركة المختبئين، ولذلك يحاولون الابتعاد عن المحاسبة، ويرددون شعارات النصر المزعوم، ولن نقف مكتوفي الأيدي ازاء مواصلة هذه الاعتداءات الصاروخية المنطلقة من غزة».
حجم قوة حماس وصواريخها وأنفاقها
أما على جانب حماس فيبلغ حجم قواتها 20000 مقاتل منهم 10000 في كتائب القسام، بالاضافة إلى 20000 القوة التنفيذية، وهم مسلحون بصواريخ مضادة للدبابات RPJ، كورنيت، هاونات 82 مم و120مم، رشاشات خفيفة ومتوسطة وثقيلة، وصواريخ أرض/ جو قصيرة المدى تطلق من الكتف سام 7 و9، وعربات جيب دفع رباعي ونصف نقل، يشاركهم في الحرب سرايا القدس من تنظيم الجهاد الاسلامي، واللجان الشعبية، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، وكتائب الناصر صلاح الدين التابعة لمنظمة فتح، ويبلغ اجمالي حجم هذه القوات حوالي 5000 مقاتل بنفس التسليح السابق، أما أسلحة الصواريخ المتواجدة مع هذه القوات فيبلغ اجماليها نحو 10000 صاروخ، وتنقسم إلى نوعين: النوع الأول: قصير المدى وهى القسام، ناصر، القدس، الأقصى، ومداها في حدود 15 كيلومتراً وتشكل حوالي ثلاثة أرباع حجم الصواريخ، وهذه تطول فقط المستوطنات القريبة من الحدود مع قطاع غزة.
أما النوع الثاني: متوسط المدى، وهى التي تشكل خطورة على المدن الاسرائيلية في وسط اسرائيل، وهى صناعة ايرانية وسورية وتصل الى غزة مجزأة من السودان ثم تنقل عبر الأنفاق الى داخل غزة حيث يتم تجميعها، أو من ليبيا الى غزة، وأنواعها: فجر 5 - مدى 75 كيلومتر، R- 160 مدى 150 كيلومتر، M-302 مدى 160 كيلومتراً، M-75 مدى 75 كيلومتراً وهى تشكل ربع مخزون الصواريخ، وقد تم اطلاق 2310 صاروخاً حتى يوم 20 يوليو أصاب اسرائيل 1790 صاروخاً منها 250 صاروخ R160 والباقي صدته بطاريات القبة الحديدية الاسرائيلية المضادة للصواريخ، وضمن ما تم اطلاقه من صواريخ أطلقت كتائب المقاومة الوطنية التابعة للجبهة الديمقراطية حوالي 520 صاروخاً، وقد حرصت حماس على تخزين هذه الصواريخ داخل شبكة أنفاق تم بناؤها تحت مدن قطاع غزة بطول وعرض القطاع وعلى عمق يصل الى 20 متراً يبلغ عددها 1200 نفق، اعتباراً من عام 2006 الذي تم فيه خطف الجندي شاليط من معبر كرم أبو سالم، وقد استثمرت حماس في بنائها 140 مليون دولار سنوياً، وقد اتبعت حماس في تنفيذ شبكة الأنفاق الأساليب التي سبق أن اتبعتها الصين وفيتنام في حروبهما، وحديثاً حزب الله في حرب جنوب لبنان بهدف تهريب الصواريخ وتخزينها وإطلاقها من مواقع مجهزة لذلك والتسلل الى داخل اسرائيل، وقد اكتشفت اسرائيل النفق الأكبر في أكتوبر الماضي بطول 2.5 كيلو متر وعمق 18 متراً وجدرانه مشيدة ب 800 طن أسمنت، وعرضه يسمح بنقل جنود وأسلحة وصواريخ خلال أي مواجهات مسلحة، وهو يبدأ من خان يونس وينتهي في حقل زراعي في كيبوتس العين الثالثة، وهو مجهز بسكة حديد خفيفة لنقل الصواريخ، وعربات نقل سريعة وفتحات جانبية تشكل كمائن لمن يقتحم النفق الى جانب تفخيخ بعض الأنفاق لتفجيرها في حالة اقتحامها بواسطة الاسرائيليين، وهو ما تسبب في مقتل واصابة أكثر من ثلاثين جندياً يوم 30 يوليو عند اقتحام أحد الأنفاق، وتعتمد اسرائيل على تقنيات استشعار أمريكية لتحديد أماكن الأنفاق ومساراتها وتدميرها، الا أن حماس تبني نفق جديد مقابل كل نفق يتم تدميره، وقد نجحت الأنفاق التي شقها رجال المقاومة الى داخل أراضي اسرائيل في تنفيذ عملية نوعية بتسلل مجموعة مقاتلين عبر أحد الأنفاق الى قرية استيطانية في ناحال عوز وتمكنت من قتل 10 جنود اسرائيليين، وهو ما أحدث انخفاضاً في الروح المعنوية للجيش والشعب في اسرائيل، خاصة مع تكرار مثل هذه العمليات النوعية خلال الحرب البرية عندما تمكن مقاومون من التسلل الى عدد من الكيبوتزات داخل اسرائيل وأهمها كيبوتز «شعارها نجيب» وأحدثوا خسائر في القوات الاسرائيلية، وكانت أجهزة المخابرات الاسرائيلية قد قدرت في أحد تقاريرها الى رئيس الوزراء قبل الحرب باحتمال تسلل أعداد من الفلسطينيين قد يصلون الى 300 - 400 فرد مرة واحدة عبر الأنفاق الى داخل اسرائيل للقيام بهجوم كاسح في وقت واحد ضد أحد التجمعات السكانية في المستوطنات، وقتل أكبر عدد من المستوطنين منها، وقدرت أن مثل هذا الهجوم قد يقع في عيد رأس السنة اليهودية في 25 سبتمبر.
وقد قامت اسرائيل برد انتقامي سريع على قتل جنودها في ناحال عوز، بقصف وحشي مكثف لأهداف استراتيجية منتقاة داخل قطاع غزة أبرزها تدمير كامل لمحطة الكهرباء الرئيسية ومخازن الوقود والتي تمد قطاع غزة بثلثي احتياجاتها من الكهرباء وخطوط نقل الكهرباء القادمة من اسرائيل، كذلك استهداف رموز حركات المقاومة.. ومنها منزل نائب رئيس حركة حماس اسماعيل هنية، وأوضح أبو عامر القيادي في الجبهة الديمقراطية، وأنيس أبو شمالة رئيس بلدية البريج، فضلاً عن تدمير مقار فضائية الأقصى واذاعة الأقصى ومستشفى الشفاء، ومدارس الأونروا وعدد من المساجد بدعوى وجود مخازن للصواريخ داخلها، وهو ما حصرته اسرائيل في ضرب 70 هدفاً تابعة لحركات المقاومة، وهو ما أدى الى زيادة النازحين الى وسط وغرب غزة الى حوالي 150 ألف غزاوي.
صعوبة اتخاذ القرار في اسرائيل
والمشاهد والمراقب لما يجري داخل دوائر صنع القرار الاسرائيلي يمكنه ان يتأكد من وجود ضغوط من الوزراء اليمينيين وقادة الجيش على نتنياهو، وبدعم شعبي لتوسيع رقعة الحرب، أو اتخاذ قرار بوقف الحرب وسحب قوات الجيش من القطاع، مشيرين الى نجاح عملية تسلل عناصر المقاومة الى مستوطنة نحال عوز ومقتل 10 جنود باعتبارها نقطة تحول في الحرب تستوجب قراراً حاسماً من قبل الحكومة، وأن ما يجري لا يجب حصره في أنه مجرد معركة بل هى حرب بكل المعاني تشمل كل العمق الاسرائيلي، خاصة مع التسليم بصعوبة كشف الأنفاق وتدميرها، وأنه كان يجب على نتنياهو أن يصارح الشعب الاسرائيلي بخطورة الأنفاق، وأنه لولا العملية البرية التي تم اقرارها في الأسبوع الثالث من الحرب لما تم الكشف عن خطورة الأنفاق، كما يواجه نتنياهو معضلة أخرى تتمثل في عدم مقدرته على مقاومة الضغط الامريكي عليه بوقف الحرب، والحاجة الى خفض حدة التوتر مع الامريكيين، أما القرار المهم الذي يتعين على نتنياهو، فهو أن يحدد الأسلوب الذي سيلجأ عليه لتجريد قطاع غزة من الصواريخ، إما بواسطة قرار دولي، وبالتالي تحديد الآليات التي يتعين تشكيلها لتحقيق هذا الهدف، ومراقبة كل ما يدخل الى القطاع من أسلحة ومواد بناء حتى لا تستخدم في تنفيذ أعمال ارهابية ضد اسرائيل، أو أن عليه الاستمرار في الحرب حتى يتم تدمير كل أنواع وسائل القتال من صواريخ وأسلحة أخرى، وهو ما سيحتاج وقتاً أطول للقتال في الانفاق وفوق الأرض وبالتالي توقع المزيد من الخسائر في أفراد الجيش.
وقد كشف ياكوف أويدور مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الاسرائيلي عن صعوبة القرار الذي سيتعين على نتنياهو اتخاذه، عندما أشار في تقرير له نشرته «وورلد تريبيون» الى أن «حماس تظهر قدرات غير مسبوقة وسط عدم قدرة الحكومة الاسرائيلية على اتخاذ أي قرار»، وأضاف: إن «الشعور بأن اسرائيل لا تسيطر على الموقف بل تم جرها اليه، ربما يكون هو الجانب الأشد صعوبة خلال الاسابيع القليلة القادمة»، وأكد أويدور ضرورة أن تتخذ اسرائيل القرار اما بوقف أو توسيع الحرب البرية في قطاع غزة، وذلك في ضوء هدف حيوي يتمثل في تدمير الأنفاق ومخزون الصواريخ، ولتحقيق ذلك يوجد خياران إما عملية عسكرية مطولة وصعبة لانهاء الهجمات الصاروخية على اسرائيل أو وقف اطلاق النار وهو ما قد يؤدي الى جولة اخرى من العنف في المستقبل، خاصة أنه لا يمكن تجاهل خطورة قدرة حماس والجهاد الاسلامي على انتاج صواريخ بعيدة المدى وطائرات دون طيار.
إسرائيل تقارن بين حربي غزة ولبنان 2006
يناقش مجلس الوزراء المصغر في اسرائيل صيغة أعدتها وزارة الخارجية لمشروع قرار من مجلس الأمن ينهض على نفس مفهوم قرار المجلس 1701 الذي انتهت بموجبه حرب لبنان 2006، وباعتباره النموذج الأفضل لها لانهاء حرب في غزة، وقد استبق نتنياهو إقرار هذا المقترح باتصالات مع مسئولين دوليين في محاولة لتشكيل آلية دولية تدفع باتجاه تجريد قطاع غزة من السلاح والاشراف على دخول وتهريب واستخدام الأموال ومواد البناء والوسائل القتالية، حيث يرى نتنياهو في القرار 1701 خطورة تضمن تعزيز الردع في مواجهة حماس، كما حقق القرار 1701 ردعاً في مواجهة حزب الله بامتناعه منذ عام 2006 نهائياً عن اطلاق أي صواريخ ضد اسرائيل، رغم مناشدات حماس له بفتح جبهة ثانية ضد اسرائيل خلال حروب 2009، 2012، 2014 في غزة، ورغم ما يمتلكه حزب الله من ترسانة ضخمة من الصواريخ الايرانية.
وقد قارن خبراء استراتيجيون في اسرائيل بين أداء حزب الله في حرب 2006 وحماس في 2014، ولم ينكروا أن اسرائيل واجهت مفاجآت في الحرب الأخيرة، لا تقتصر فقط على وصول الصواريخ الى تل أبيب وحيفا وبئر سبع، ولكن أيضاً في استراتيجية حماس لإعداد قطاع غزة للحرب والتخطيط لها وإدارتها، وقدرتها القتالية، وتوصل هؤلاء الخبراء الى نتيجة مفادها أن المواجهة داخل لبنان لم تكن امام تنظيم ارهابي، بل أمام جيش دولة وإن كان يحمل اسم حزب الله، فان المواجهة التي تخوضها اسرائيل اليوم أيضاً لا يمكن أن توصف بأنها ضد مجموعة «مخربين ارهابيين» وانما تواجه ما يشبه جيش دولة معادية.
وفي مقارنته بين حماس وحزب الله قال سكومو جازيت رئيس المخابرات العسكرية السابق في اسرائيل نجحت الحركة في غزة في تشكيل جيش كبير ومنظم جيداً، جيش لديه قيادة عامة تتمتع بسيطرة مركزية فاعلة وقيادة عسكرية، وفعلت ذلك بجهود تنظيمية ضخمة، وبأفضل ما يمكن رغم الظروف الصعبة التي يحياها قطاع غزة، حيث قامت بتخزين وبناء مستودع هائل من الصواريخ ذات المدايات المختلفة والقادرة على الوصول الى أي هدف في اسرائيل»، وقد أثار حديث «جازيت» نقاشا اسرائيليا خاصة لدى قوله «علينا الفهم والاستيعاب بأنه يقف أمامنا عدو يختلف عما عرفناه وعلينا التعود على صورة الوضع الجديد، فهذا ينطوي على أبعاد سياسية وعسكرية»، وفي اطار المقارنة بين حربي لبنان 2006 وغزة 2014، فإن وجهة النظر الاسرائيلية أن حماس تعتمد في قتالها الحالي في غزة على نفس طرق الحرب والوسائل التي بلورها حزب الله في حرب لبنان بمساعدة الحرس الثوري الايراني، فقامت ببناء منظومة دفاعية متفرغة في غزة، حيث تم تقسيمها الى ستة ألوية تنتشر من شمال القطاع وحتى جنوبه، وتتولي مسئولية القطاعات التابعة لها، ويضم كل لواء أربع كتائب عسكرية تتمتع بقدرات مستقلة في مجالات عدة، كتركيب عبوات ناسفة وإطلاق الصواريخ المضادة للدبابات، وتفعيل القناصة وقوات الدفاع عن مستودعات الصواريخ والأنفاق، أما اطلاق الصواريخ ضد اسرائيل، فانه يتم السيطرة عليها مركزياً من القيادة العسكرية لكتائب القسام، سواء من حيث تحديد الأهداف التي يتم ضربها في اسرائيل وتوقيت الضرب أو عدد ونوع الصواريخ التي يتم ضربها، وفي هذا الصدد ومن حيث المقارنة أيضاً فإن صواريخ حزب الله أكثر تطوراً من تلك التي تملكها حماس، رغم أن المصدر واحد وهو ايران مع وجود نقطتي ضعف رئيسيتين في صواريخ حماس، سواء من حيث قلة أعداد الصواريخ متوسطة المدى، ويرجع ذلك الى وضع الحصار المفروض على غزة وصعوبة الامداد بالصواريخ بحراً وجواً، واقتصار الامداد على عمليات التهريب براً وعبر سيناء فقط، هذا في حين يحصل حزب الله على صواريخه من ايران بحراً وجواً رأساً الى لبنان، وبراً عبر الأراضي السورية، الى جانب نقطة ضعف اخري في جانب حماس على الصعيد النوعي، حيث اضطرت حماس الى تخفيف وزن الرأس الحربي المتفجر لكي تزيد من مدى الصواريخ لتصل الى المدن الرئيسية في اسرائيل المتواجدة على مسافات تتراوح بين 80 و170 كيلومتراً كما اعتبر الطرفان - حزب الله وحماس - أن أسلوب اختطاف الجنود الاسرائيليين، هو الأمثل للضغط على اسرائيل وكأوراق مساومة.
وعلى المستوى السياسي يوجد تشابه أيضاً بين حزب الله وحماس في تحدي السلطة الوطنية سواء في حكومة لبنان بالنسبة لحزب الله أو السلطة الفلسطينية بالنسبة لحماس، وذلك لحساب قوى خارجية مثل ايران وتركيا وقطر، ناهيك عن البعد الايديولوجي الذي يحكم سياسة التنظيمين حزب الله وحماس، والمتمثل في ولاء حزب الله للولي الفقيه في ايران، وولاء انتماء حماس لجماعة الاخوان والتنظيم الدولي، وطبقاً للمؤرخ العسكري الاسرائيلي أوري ميليشتاين فإن حماس لم تعد تتصرف كتنظيم ارهابي، وانما كتنظيم عصابات يتطور، وتؤدي مهماتها بشكل يفوق سلوكياتها قبل عشر سنوات، وينبع تطور قدراتها عن تعقب نقاط ضعف جيوش الدول الغربية فضلاً عن الجيش الاسرائيلي واستغلالها، وتعقب نقاط القوة واضعافها وضربها، وأخطرها التخوف من الخسائر البشرية، وإذا كان الجيش الاسرائيلي يعتبر من أقوى جيوش المنطقة، الا أن انعكاسات قوته تتمثل فقط في المواجهات مع جيوش نظامية مثله، أما قدرته على مواجهة تنظيمات ارهابية وابادتها فقد صارت موضع شك، فهو غير مجهز ولا مدرب على خوض حرب عصابات داخل المناطق المبنية وفي الأنفاق تحت الأرض، وقد تأكد ذلك بوضوح عندما عجزت الطائرات الاسرائيلية عن ضرب فتحات الانفاق التي يتم منها اطلاق الصواريخ بينها القاذف والصاروخ تحت الأرض، وهو ما شكل مفاجأة تكتيكية خطيرة للجيش الاسرائيلي، واضطر للاعتماد على عمليات المشاة في تطهير الانفاق من الصواريخ وقيادات وقوات حماس وأسلحتها المتواجدة فيها، وهو الأمر الذي يفرض على اسرائيل تطوير منظومة قتالية جديدة تناسب هذا النوع الصعب من الحروب، كما فعلت روسيا مؤخراً.
وتبقى المقارنة الأهم بالنسبة للاسرائيليين هى: هل ستؤدي الحرب في غزة الى سقوط حكومة نتنياهو، كما فعلت حرب لبنان الثانية بحكومة يهودا أولمرت؟ واذا كان من الصعب الاجابة عن هذا السؤال فمازالت الغالبية العظمى من الاسرائيليين «86٪» تدعم سياسة نتنياهو تجاه غزة وتطالب باستمرار العملية البرية والقصف الجوي، ومواصلة ضرب حماس بحل حاسم وليس بالتعادل، ولا حتى الانتصار بالنقاط، كما يرى الاسرائيليون أنه بعد وصول القتلى الاسرائيليين الى حوالي 70 جندياً، وشل مطار بن جوريون جزئياً، وسقوط أكثر من ألف صاروخ، وانهيار السياحة مما أدى الى خسائر مادية تتعدى 50 مليار دولار، فإن وقف الحرب حالياً يعتبر من وجهة نظر الرأي العام الاسرائيلي غير مقبول، رغم أن التردد يزداد داخل المجلس الوزاري الأمني المصغر، وما يتم تسريبه من اجتماعات هذا المجلس بأن نتنياهو أكثر من يدعم توجه سرعة التخلص من الحرب والتوصل الى حل سياسي، ولقد اعترف بعد التوغل البري في غزة أن حماس سعت لجر اسرائيل الى الداخل، كما فعل حزب الله عندما نجح في توريط القوات البرية في مستنقع الجنوب اللبناني في 2006، وأنه أمر بالتوغل البري تحت الضغط الشعبي واليمين المتشدد لعدم توافر اي خيار آخر بعد أن فشلت القوات الجوية في تدمير الأنفاق ومنع اطلاق الصواريخ.
تحسب طرفي الصراع لكيفية انهاء الحرب في اليوم التالي:
يتساءل كثير من المراقبين عن السبب في صعوبة توصل طرفي الصراع الى قرار بوقف القتال، وبدء مفاوضات، وذلك رغم الجهود الدولية العديدة للوصول الى ذلك، وما تم تقديمه من مبادرات أبرزها المبادرة المصرية، الاجابة عن هذا التساؤل تتمثل في قضيتين تفرضان أنفسهما على هذه الأزمة:
أ- القضية الأولى: وهو الوضع الذي ستكون عليه الأزمة وأطرافها عند توقف القتال، حيث لن يستمر القتال الى ما لا نهاية، ولكن حتما ستأتي لحظة سيتوقف فيها، وعندها سيجد كل طرف يدعي لنفسه أنه المنتصر في هذه الحرب، وبالتالي عليه أن يُقدم للشيعة ما يدلل به على الانتصار، ولذلك فانه من الآن وحتى تحل لحظة وقف جدى لاطلاق النار، نجد كل طرف عينه على هذه اللحظة التي سيدعي فيها النصر لنفسه، وبالتالي يمهد الأرض منذ بدء القتال ليفرض واقعاً عند نهايته يثبت بها أنه هو المنتصر، سواء بالنسبة لحماس أو بالنسبة لاسرائيل، فبالنسبة لحماس من المتوقع أن تثبت انتصارها من خلال تمكن صواريخها من الوصول الى العمق الاسرائيلي وضربه لأول مرة في تاريخ الصراع العربي - الاسرائيلي، وما كبدته من خسائر بشرية جسيمة في القوات الاسرائيلية، أما بالنسبة لاسرائيل فيمكنها أن تزعم بدورها النصر بما حققته على الأرض من انجازات في تدمير البنية الأساسية للصواريخ والأنفاق، واحتلال شريط حدودي حول غزة، كما ستمنع اسرائيل حماس من ادعاء النصر بأنها تمكنت من فتح المعابر، حيث سيستمر اغلاق المعابر حتى يتم التوصل الى اتفاق نهائي يتم في اطاره ضمان أمن اسرائيل من نيران صواريخ حماس، وحتى يتم تحقيق ذلك سيستمر القتال حتى ينجح كل طرف في تحقيق ما يسعى اليه من كسر ارادة الطرف الآخر، ويمكنه من ادعاء النصر لنفسه، وهو أيضاً ما يحتاج الى وقت حتى يمكن للدول الكبرى أو مجلس الأمن أن تفرض رؤيتها على الجانبين، ومن هنا يمكننا أن نفهم ما يبذله كل طرف من جهود مستميتة لتحصيل صورة انتصار قبل نضوج مساعي التهدئة، واذا كانت حكومة نتنياهو ستواجه بعد توقف القتال استجوابات واتهامات عديدة بالتقصير مما أدى الى سقوط اعداد كبيرة من القتلى بين جنود الجيش، وأنها أهملتها معالجة مشكلة الصواريخ قبل تفاقمها، وأن الجيش لم يوجه من بدء عمليته ضربة قوية بما فيه الكفاية، ولم يكتسح كل القطاع من بداية الحرب، بل انجر نتنياهو وحكومته وراء حماس التي أملت حجم المواجهة ومدتها، وحقيقة الأمر أن نتنياهو يفكر قبل اتخاذ أي قرار بصورته ووضعه في اليوم التالي لوقف الحرب، وما الذي يعرض أكثر مكانته للخطر، أما مواصلة الحرب أو وقفها، فاذا ما واصلها سيواجه ارتفاع عدد القتلى من الجنود، واذا اوقفها فسيضطر لمواجهة خيبة الأمل والانتقادات من الداخل، لذلك فإن مستقبله السياسي لن يكون سهلاً، أما حماس فانها تخاف بدورها في اليوم التالي من اسئلة قاسية حول تسببها فيما لحق شعب غزة من خسائر بشرية ومادية جسيمة بينما قادة حماس كانوا مختبئين في الأنفاق، وأن ما يدعون من انجاز بضرب مدن العمق الاسرائيلي لم يحقق أي ميزة استراتيجية، فلا دمار حصل في هذه المدن مقارنة بما حصل في غزة من دمار، كما أن القتلى في العمق الاسرائيلي لم يتجاوز فردين مقارنة بآلاف القتلى والجرحى من شعب غزة، وحيث تعتبر حماس أن مقتل 1000 فلسطيني مقابل اسرائيلي واحد يعد انتصاراً من جانبها، وأن ما تردده حماس من شعارات النصر المزعوم والمقاومة ما هى إلا شعارات جوفاء ليس لها واقع ازاء ما تكبده شعب غزة من خسائر والذي لم يحظ بأي اهتمام من جانبها، مع وجود اتهام آخر يوجه الى حماس فإنها تسعى في النهاية لمصلحتها فإن تعقد بعد انتهاء الحرب مؤتمراً للمانحين تحصل من ورائه على ملايين الدولارات لا يستفيد منها الشعب سوى الفتات، ناهيك عما تسببت فيه حماس من تمكين اسرائيل من احتلال شريط حدودي حول غزة، وبرفضها المبادرة المصرية مما أدى الى اطالة زمن الحرب ومضاعفة خسائرها، هذا فضلاً عن اتهام آخر خطير سيتعين على حماس مواجهته وأثبتته أحداث الحرب، وهو أن حماس لا تملك قرارها، بل إن القرارات تملى عليها من الخارج فمن يقومون بتمويلها وتسليحها من طهران وأنقرة والدوحة والتنظيم الدولي للاخوان، وبما يتفق وأهداف ومصالح حكومات هذه العواصم، ولو على حساب أرواح ودماء شعب غزة، بل إن مصادر اتخاذ القرار في حماس صارت متعددة بين قادة حماس في الداخل وقادة حماس في الخارج، وهو ما انعكس بوضوح فيما حدث يوم 29 يوليو عندما وافق خالد مشعل رئيس حماس على حضور حماس مؤتمراً لجميع ممثلي المنظمات الفلسطينية يُعقد في القاهرة، ثم بعد ساعة واحدة أعلن محمد ضيف قائد كتائب القسام من داخل غزة عن رفضه هذا الاقتراح، وجميعها حقائق تثبت وتؤكد أن حماس تعلي مصالحها على المصالح الوطنية، وتعطي لتحالفاتها السياسية والايديولوجية مع أطراف في الخارج أسبقية على مصالح الشعب الغزاوي، وقد رفضت حماس المبادرة المصرية لوقف اطلاق النار عندما لم تتجاوز الخسائر البشرية في شعب غزة 200 قتيل، وذلك لمجرد أن تعليمات حلفائها في الخارج فرضوا عليها رفض أي مبادرة تأتي من مصر، ثم اضطرت بعد ذلك للتعامل مع هذه المبادرة بعد أن تعدت الخسائر عدة آلاف، هذا مع الوضع في الاعتبار حقيقة مهمة أثبتتها أحداث الحرب أنه كلما زاد حجم الخسائر البشرية في اسرائيل زادت ضغوط اليمين المتشدد في اسرائيل على نتنياهو بالثمن المقابل لهؤلاء القتلى، والثمن يتمثل في اجراءين: الأول هو تكثيف القصف الجوي والمدفعي لجميع التجمعات السكانية في قطاع غزة لاحداث أكبر حجم من الخسائر البشرية تشكل ضغطاً شعبياً على حماس يؤدي الى كسر ارادتها، أما الاجراء الثاني فهو الإصرار على تدمير الأنفاق ومخزون الصواريخ مهما كانت الخسائر في المقابل، وهو ما يؤدي الى اطالة زمن الحرب.
ب - القضية الثانية: وهى المتعلقة بالصواريخ والأنفاق، فرغم اعتراف خالد مشعل بأن حماس لا تنتظر ايقاع خسائر مادية في اسرائيل من جانب هذه الصواريخ، ولكن احداث تأثير سياسي يتمثل في تعطيل الحياة في اسرائيل وتكبيدها خسائر اقتصادية، وهو ما يعني أن القصف الصاروخي لحماس ضد اسرائيل لم يحقق أي هدف استراتيجي، وهي مشكلة تواجهها اسرائيل من خلال أسلوبين: الأول عسكريا ويتمثل في الاستمرار في تدمير الأنفاق وما بها من مخزون صواريخ، ولكن يكبد الجنود الاسرائيليين خسائر بشرية جسيمة، ويحتاج وقتا، الى جانب استخدام نظام القبة الحديدية في اعتراض وتدمير الصواريخ قبل وصولها الى اسرائيل، وقد نشرت اسرائيل ثماني بطاريات من هذا النظام لتحقيق هذا الهدف، ونجحت في اعتراض 20٪ من الصواريخ التي أطلقت، لذلك سارعت الادارة الامريكية لدعم اسرائيل ب 225 مليون دولار لانتاج بطاريات أخرى كما حصلت اسرائيل على أجهزة استشعار امريكية متقدمة لكشف اماكن الأنفاق، كما أن استمرار بقاء قوات اسرائيلية في حزام أمني بعمق 3- 4 كيلو مترات حول شمال شرق قطاع غزة يمكن أن يقلل من مدى الصواريخ، وأيضاً تراهن اسرائيل على أن اطالة زمن الحرب سيكون كفيلاً باستنزاف مخزون صواريخ حماس، فضلاً عن تفعيل عامل الردع بالقصف الجوي لتكبيد قطاع غزة أكبر قدر من الخسائر المادية والبشرية، وتحميل حماس مسئولية ذلك وعجزها عن حماية شعبها، أما الأسلوب الثاني فهو سياسياً ويتمثل في تحميل المجتمع الدولي مسئولية نزع سلاح الصواريخ من قطاع غزة، بنفس أسلوب نزع الأسلحة الكيماوية من نظام بشار الأسد في سوريا، وهو ما ترفضه فصائل المقاومة الفلسطينية باعتباره يجردها من سلاح الردع المضاد في مواجهة الرادع الاسرائيلي المتمثل في قواتها الجوية والبرية المتفوقة، وقد أبدت اسرائيل بشكل غير مباشر استعدادها لتلبية جميع مطالب حماس المشار اليها آنفا، وتشمل فتح جميع المعابر، وبما يسمح بتوصيل جميع المواد والاحتياجات مع السماح بالصيد في مياه إقليمية بعمق 12 ميلاً بحرياً، والإفراج عن المعتقلين، ولكن مقابل نزع كامل لسلاح الصواريخ بضمان واجراءات دولية تكفل عدم عودة حماس لامتلاك وتطوير الصواريخ وبناء الأنفاق.
كما لا يمكن تجاهل أسباب أخرى لعدم التوصل الى وقف النار حتى اليوم، وهو ما يتعلق بضعف الادارة الأمريكية وعجزها عن لي الذراع الاسرائيلية بل إن اسرائيل هاجمت موقف وزير الخارجية الامريكي جون كيري واتهمته بأنه لا يأخذ بعين الاعتبار نزع سلاح غزة، في حين أن واشنطن تملك أوراقاً ضاغطة لو استخدمتها لما استطاع نتنياهو أن يتوسع في قصف سكان غزة، ذلك أن الاسلحة الاسرائيلية جميعها امريكية الصنع، ولواشنطن حق النظر في طريقة استخدامها، بل إن أوباما وافق على استعراض الذخائر الجوية التي استهلكتها اسرائيل في الحرب، الى جانب 225 مليون دولار لدعم شبكة صواريخ «القبة الحديدية»، وما يصح على واشنطن ينطبق أيضاً على العواصم الأوروبية في دعمها لاسرائيل ناهيك عن سبب آخر يتمثل في الانقسامات الفلسطينية في داخل حركة حماس.
رؤية تحليلية
لابد من ادراك حقيقة مهمة وهى أن هدف حماس من وراء إشعال هذه الحرب هو محاولة استعادة وهج جماعة الاخوان التي تم إعلانها ارهابية في مصر والسعودية والامارات واستعادة مكانة داعمي هذه الجماعة الاقليمية في قطر وتركيا تحت غطاء قضية فلسطين، ولا يخضع لمثل هذه الألاعيب، والابتزاز الا من لا يعلم تاريخ وطبيعة هذه الحركة التي تكفر بالوطنية والقومية، وتسعى فقط الى السيطرة على مقدرات الدول العربية والاسلامية بالمتاجرة بشعارات دينية براقة هى كلمات حق يراد بها باطل كتطبيق الشريعة والحدود والحكم بما أنزل الله واقامة دولة الخلافة.. الى غير ذلك من الشعارات التي تجد للأسف آذانا صاغية لدى الشباب الذين لا يعرفون حقيقة دينهم وتم تلويث عقولهم بمفاهيم باطلة عن الدين اخطرها استخدام العنف لتحقيق مصالح وأهداف جماعة الاخوان، وهذا الموقف من حماس موقف سياسي لا علاقة له بالدعم الفلسطيني المراق على مذابح الأيديولوجيا الاخوانية، كما لا علاقة له بالدين الذي يتاجرون به.
ويبدو أن مجلس الوزراء الاسرائيلي المصغر أعاد النظر في سياسته لكيفية الخروج من الحرب، بعد أن قاربت شهراً وتكبد فيها الجيش الاسرائيلي خسائر بشرية جسيمة، كما ثبت أن الاستمرار في عملية هدم الانفاق بالاسلوب القائم سيزيد من حجم هذه الخسائر، لذلك توصل المجلس الوزاري المصغر الى قرار بإنهاء العملية العسكرية من جانب واحد بعد الانتهاء جزئياً من تدمير الانفاق المتجهة نحو داخل اسرائيل «5 أنفاق» وعلى قاعدة «الهدوء مقابل هدوء، والنار بالنار» وعلى اساس أن عامل الردع حقق هدفه في منع حماس من استمرار قصف اسرائيل، لأن الثمن المقابل سيكون فادحاً على الشعب الغزاوي بمعاودة القصف الجوي والمدفعي الاسرائيلي، ومن الواضح أن اسرائيل التي تعمل بموجب مصالحها تريد انسحاباً من جانب واحد لا يلزمها بالدخول في مفاوضات مع حماس، تضطر معه في النهاية لفتح المعابر ورفع الحصار، ولذلك لا يعتقد متخذو القرار في اسرائيل بثمة جدوى من اجراء تسوية في الوقت الراهن، بل تبقى الحرب مفتوحة للرد على أي قصف صاروخي من جانب حماس، سواء من خلال القصف الجوي والمدفعي أو باستمرار بقاء القوات في الشريط الحدودي، رغم اعادة انتشارها وانسحابها من بعض المناطق في اطار المحافظة على أمن القوات الاسرائيلية وعدم تهديدها بعمليات اختطاف جنود مع الاستعداد للرد باستئناف العمليات الهجومية البرية عند اللازم، مع استمرار قيادات حماس في دائرة الاستهداف، وعدم تحقيق أي من مطالبها، طالما استمرت حماس وحلفاؤها على إصرارهم بالاحتفاظ بصواريخهم، هذا مع ابقاء الباب مفتوحاً للتفاوض غير المباشر من خلال مصر وأمريكا، وابداء استعداد اسرائيل للتجاوب مع كثير من مطالب حماس في حالة قبولها بمبدأ تجريد قطاع غزة من الصواريخ، وهذا المفهوم الاسرائيلي كان السبب الرئيسي وراء امتناع اسرائيل عن إرسال وفدها للتفاوض إلى القاهرة أخيراً، وبذلك وضعت اسرائيل حماس وظهرها للحائط، فإما القبول بنزع سلاح الصواريخ، أو استمرار حالة الحرب طبقاً للاستراتيجية الاسرائيلية وفي اطار الأثمان والأثمان المقابلة.
كما ترفض اسرائيل العودة الى ترتيبات وقف إطلاق النار عام 2012 الذي تم تحت اشراف نظام حكم الإخوان السابق في مصر وبضمانه، وذلك بدعوى أن هذه الترتيبات لم تضمن لاسرائيل منع حماس من تعزيز مخزونها الصاروخي، بل مكنها من تطوير هذا المخزون الصاروخي كما ونوعاً، واذا كانت الصواريخ التي تم اطلاقها حتى الآن لم تنجح في إحداث خسائر مادية جسيمة في المدن والأهداف الاستراتيجية الاسرائيلية فإن ذلك يرجع في الأساس الى أنها كانت تقصف باعداد فردية من الصواريخ المتوسطة المدى «4 - 6 صواريخ» مرة أو مرتين في اليوم بالنظر لمحدودية مخزون الصواريخ متوسطة المدى، فإذا ما سمح أي اتفاق نهائى لحماس بالاحتفاظ بصواريخها، فانه في اطار سعي حماس لتطوير مخزونها الصاروخي كماً ونوعاً أنه في أي حرب قادمة بعد عدة سنوات من المتوقع أن تقوم حماس بقصف المدن الاسرائيلية بعشرات الصواريخ بما يسمى باستراتيجية «الإغراق الصاروخي» مما يؤدي حينئذ الى خسائر بشرية ومادية جسيمة لا تتحمل اسرائيل رفاهية احتمال وقوعها، ويفرض عليها بالتالي في اليوم منع وقوع هذا السيناريو الخطير بوضع ترتيبات من اليوم تمنع ذلك، لذلك وحتى لا يتكرر تهديد اسرائيل بالصواريخ مرة أخرى بعد عدة سنوات، وبأسوأ مما حدث في الحرب الحالية بالنسبة لها، فانها ستطالب بآلية دولية تضمن عدم تهديد سكانها وأراضيها مرة أخرى، وبضمانات وإشراف دولي مستمر، فضلاً عن مراقبة دولية تضمن صرف الأموال التي يتم تحويلها للقطاع لأغراض مدنية، واستخدام مواد البناء لاقامة بني مدنية فقط، وليس في حفر الأنفاق والاستحكامات العسكرية، وذلك بنفس الاسلوب الذي يجري به تصفية ترسانة الاسلحة الكيماوية في سوريا حالياً، وهى الشروط التي أعلنها نتنياهو بقبول وقف دائم لاطلاق النار تجنبا لضغوط أعضاء اليمين المتشدد في وزارته، ومراعاة لأغلبية الرأي العام الاسرائيلي الذي يطالب 86٪ منه باستمرار الحرب وهو ما يفسر استدعاءه ل 16000 جندي احتياط أخيراً.
أما على صعيد مستقبل الأوضاع في قطاع غزة بعد الحرب، فمن المتوقع إذا ما تم حل مشكلة الصواريخ والأنفاق أن يكون للسلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن دور في ادارة شئون القطاع تحت لافتة حكومة وحدة وطنية، خاصة فيما يتعلق بالاشراف على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، طبقاً لترتيبات اتفاقية عام 2005 وبوجود ممثلين عن الاتحاد الاوروبي، وحتى تتحمل السلطة الفلسطينية مسئولية تنفيذ أي اتفاق نهائى لوقف النار، اما اذا فشل طرفا الحرب في التوصل الى اتفاق نهائي، بالنظر لصعوبة موافقة حماس وحلفائها على تجريد القطاع من صواريخ المقاومة، حتى وإن وافقت اسرائيل على باقي شروط حماس فان القتال من المتوقع أن يتجدد مرة أخرى ولكن بوتيرة أشد عنفاً عن السابق سعياً وراء كل طرف لكسر ارادة الطرف الآخر، ولكن سيكون ذلك بثمن باهظ على كلا الطرفين في شكل خسائر بشرية ومادية جسيمة، فبجانب تكثيف القصف الجوي الاسرائيلي ضد مدن قطاع غزة، فقد تقوم القوات الاسرائيلية بضغط من اليمين المتشدد بتوسيع رقعة الهجوم البري، الى جانب استهداف شخصيات سياسية في حماس والجهاد الاسلامي حرصت اسرائيل على عدم استهدافهم في السابق، أما من جانب حماس وحلفائها فانها ستواصل قصف المدن الرئيسية في اسرائيل ولكن من المتوقع بكثافة صواريخ أقل حتى تحافظ على باقي مخزونها منها، خاصة من النوع متوسط المدى، مع توجيه جهد رئيسي لقتل أكبر عدد من الجنود الاسرائيليين وأسر بعضهم للمساومة عليهم مستقبلاً، خاصة من وحدات المشاة والمظلات المرافقين للوحدات الهندسية التي تقوم بهدم الأنفاق، وسيستمر القتال حتى ينجح أحد طرفي الصراع في كسر إرادة الطرف الآخر، ولكن في جميع الاحوال ستتجنب القيادة العسكرية الاسرائيلية الرضوخ لمطالب اليمين المتشدد باجتياح كامل للقطاع واعادة احتلاله، لما يسببه ذلك من خسائر بشرية جسيمة للقوات الاسرائيلية.
ومع التسليم بحسن الأداء العسكري لفصائل المقاومة في غزة خلال قتالها، وهوما انعكس في عمليات نوعية ناجحة على المستوى التكتيكي تسببت في إحداث خسائر بشرية جسيمة بالقوات الاسرائيلية، مثل التي نفذتها مجموعات مقاومة تسللت عبر الأنفاق الى داخل الحدود الاسرائيلية وفاجأت الاسرائيليين بهجمات قوية قبل أن تنسحب سليمة الى داخل غزة، إلا أن حصيلة مثل هذه العمليات على المستوى الاستراتيجي لم تحقق أهدافاً ذات قيمة، بل زادت من حدة الانتقام الاسرائيلي ضد المدنيين في غزة، على نحو المذبحة التي أحدثها القصف الجوي في أحياء الشجاعية وخزاعة، ويرجع ذلك في الأساس الى الفارق الكبير في الميزان العسكري بين اسرائيل وفصائل المقاومة لصالح الأولى، وذلك على المستويين الكمي والنوعي، حتى فيما يتعلق بالقصف الصاروخي الذي جرى ضد المدن والأهداف الاستراتيجية بصواريخ فردية، فإنه لم يحدث تأثيراً مادياً يذكر، وهو ما كان يجب أن تتحسب له فصائل المقاومة جيداً قبل اتخاذ قرار الحرب، وحتى لا يتكبد شعب غزة ما تكبده من خسائر بسبب قرار سياسي خاطئ باستفزاز اسرائيل بخطف وقتل ثلاثة مستوطنين، وكان يمكن قبل قتلهم مقايضتهم بالإفراج عن مئات المعتقلين الفلسطينيين على النحو الذي جرى في صفقة تسليم الجندي شاليط، وهو ما يفرض اعادة النظر في أسلوب اتخاذ القرارات السياسية بالحرب، وحتى لا يتحمل نتيجة خطئها الشعوب العربية.
وإذا كان بعض المحللين يرجعون طول زمن القتال الذي قارب شهراً كاملاً الى عدم قدرة اسرائيل على حسم المعركة الحالية على الأرض، مما يجعلها عاجزة عن فرض شروطها في الهدنة على الرغم من تفوقها العسكري الكبير، وهم في ذلك يسترجعون حروباً سابقة حسمت فيها اسرائيل الموقف لصالحها في أيام معدودة، مثل حرب 1967 إلا أن حقيقة الأمر في حرب غزة عام 2014 تختلف كثيراً عن سابقتها، وذلك من حيث الهدف الاستراتيجي الذي تسعى اسرائيل لتحقيقه من وراء دخولها هذه الحرب، وبالتالي الزمن اللازم لتحقيقه بواسطة قواتها، حيث تحدد الهدف في تدمير البنية العسكرية لحماس - خاصة الصاروخية والأنفاق - وليس اجتياح القطاع أو القضاء على حماس، وهذا الهدف في حد ذاته يحتاج وقتاً طويلاً نسبياً لاكتشاف الأنفاق ثم اقتحامها بالوحدات الهندسية والمشاة لتدميرها وما بداخلها من مستودعات صواريخ ومواقع اطلاقها ومنصاتها وعناصر تحرسها، وما ينتج عن هذا النوع من القتال من خسائر شديدة في القوات الاسرائيلية التي تقتحم مواقع مجهولة ومفخخة بالنسبة لها، إلا أن هناك اصراراً من القيادات السياسية والعسكرية في اسرائيل على حتمية تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي مهما تكبدوا من خسائر وأياً كان الوقت اللازم، وتتفاقم المشكلة امام اسرائيل انها تواجه شبكة واسعة من الأنفاق بطول قطاع غزة وعرضها ذات ثلاثة أنواع، الأول تخرج منه فتحات تطلق منه القواذف صواريخها ثم تعود الى داخل الأنفاق مما يصعب على الطائرات اصطيادها وتدميرها، ونوع ثاني من الأنفاق يأتي من سيناء الى رفح الفلسطينية يُنقل عبرها الصواريخ القادمة من ليبيا والسودان الى غزة، أما النوع الثالث من الأنفاق وهو الأخطر فهو الذي تنتهي فتحاته داخل الاراضي الاسرائيلية، ويستهدف المواقع والمستوطنات الحدودية، وتسبب في مقتل عشرات من الجنود الاسرائيليين، وكان أبرزها عملية ناحال عوز التي قُتل فيها حوالي عشرة جنود اسرائيليين.
وتثير قضية الصواريخ والانفاق سؤالا مهما حول كيفية تمويل حماس لهذا التسليح وبنيته الهندسية، حيث كشف الصراع الحالي في غزة عن نطاق العسكرة الضخمة الذي تحولت إليه حماس في السنوات الأخيرة، حيث يتراوح ثمن الصاروخ متوسط المدي من طراز (فجر 5) أو (G - 75).. إلخ - إلي مئات وآلاف الدولارات، أما الصواريخ الأخري قصيرة المدي - مثل القسام والأقصي.. إلخ. فإن حماس تصنعها ويتكلف الواحد منها بضع مئات من الدولارات، كما أن تهريب الأسلحة ونقلها إلي غزة يكلف ملايين الدولارات سنويا. أما حفر الأنفاق والذي يستغرق وقتا، فإنه يتطلب موارد واسعة تقدر بملايين الدولارات، إضافة إلي مئات الأطنان من الخرسانة والحديد، وكل هذا الإعداد العسكري يفوق بكثير قدرة حماس علي تمويل هذا الكم، في حين تقول إنها تعاني ضائقة مالية ضخمة، في حين أنها معزولة سياسيا وجسديا عن مصر. وقد كشفت أجهزة الاستخبارات الغربية ان قطر وتركيا والتنظيم الدولي للإخوان أصبحوا المصادر الرئيسية لتمويل البنية العسكرية لحماس، وانضمت إليهم إيران أخيراً بعد أن كانت قد قطعت تمويلا لحماس بسبب موقفها المعارض لبشار الأسد في سوريا وإغلاق مكاتبها في دمشق. وقد وجد أردوغان في وضع حماس ولجوئها إليه، الفرصة بأن يحل محل إيران، ويصبح الراعي الرئيسي للحركة الإسلامية الفلسطينية، ويتم نقل الأموال التركية إلي غزة بالحقائب عبر سعاة وصرافين عبر قنوات غير رسمية، وبذلك تحولت تركيا بالنسبة لحماس، مثل إيران بالنسبة لحزب الله.
وتقودنا عملية تمويل حماس بواسطة تركيا وقطر وإيران إلي موقف حماس من مصر، حيث تستغل حماس حربها مع إسرائيل لشن حرب سياسية وإعلامية موازية مع مصر، وذلك في محاولة يائسة وبائسة لنزع أهمية الدور المصري من أي تسوية للأوضاع في غزة، غير مدركة لحقيقة مهمة تتمثل في أن نقل مصر حضاريا وسياسيا وجغرافيا وعسكريا هو الذي فرض عليها هذا الدور، ليس حاليا فقط، لكن عبر التاريخ، وهو ما أدركه رؤساء دول في النطاقين الإقليمي والدولي وتفاعلوا معه، منهم عاهل السعودية الملك عبدالله الذي أبلغ أمير قطر بأن التسوية الوحيدة المعتمدة لدي دول الخليج هي المبادرة المصرية، وأن أي محاولة لتعطيلها هي عمل عدائي وغير مسئول وكذا كان موقف الملك عبدالله الثاني ملك الأردن. أما علي المستوي الدولي فقد أكد جون كيري وزير الخارجية الأمريكية، وكذا وزراء المجموعة الأوروبية في مؤتمر باريس الأخير أن المبادرة المصرية هي النافذة الوحيدة المتاحة والممكنة لحل الأزمة في غزة، ناهيك عن رفض زعيم المنظمة الفلسطينية حضور مؤتمر باريس لعدم مشاركة مصر فيه. أما الموقف الرافض للدور المصري من جانب قطر وتركيا وإيران وحماس، فإنه يرجع في المقام الأول إلي نتائج ثورة 30 يونية في مصر والتي أطاحت بنظام حكم جماعة الإخوان التي تنتمي إليها نظم الحكم في هذه الدول، وتأثير التنظيم الدولي للإخوان عليها، وفشل مخططهم - بمساندة أمريكية - لتدمير منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة أبومازن قبل الحرب الأخيرة بعدة أسابيع، فإنه يرجع في الحقيقة إلي محاولة هروب حماس من واقع ما بعد انهيار تجربة جماعة الإخوان في مصر، وتعليق وزر غزة في رقبة أبومازن، وتلغيم منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وتفجيرهما من الداخل، وتحميلهما مسئولية هذه الحرب، والتي ثبت أن التخطيط لها سبق خطوة المصالحة الوطنية، والتي شعر أبومازن بأنها خديعة من جانب حماس لها ما وراءها، مثل خديعة اتفاق مكة المكرمة الذي رعته السعودية منذ سنوات، في حين كانت حماس تخطط لانقلاب عام 2007 لتطيح بالسلطة الفلسطينية وبأبومازن من غزة. وكما كانت حماس ومن هم وراءها يستهدفون من وراء إشعال هذه الحرب توريط مصر فيها، فإنهم كانوا يستهدفون أيضا توريط الأردن عندما اقترحت قطر انتقال خالد مشعل للإقامة في عمان بدعوي اقترابه من ساحة الجهاد في فلسطين، وهو ما رفضته حكومة الأردن قائلة إنه كان يتعين علي مشعل أن يقيم داخل غزة وليس في الأردن. أما الأغرب من كل ذلك فهو موقف حزب الله في لبنان الذي أعلن دعمه ومساندته لفصائل المقاومة في غزة، وعندما طالبته هذه الفصائل بأن يفتح جبهة جنوب لبنان التي يسيطر عليها الحزب ليطلق منها الصواريخ علي شمال إسرائيل، ليخفف ضغط الأخيرة علي غزة، نجده يرفض ذلك بدعوي عدم إحراج الحزب، بينما يدعو حسن نصر الله رئيس هذا الحزب مصر للمشاركة في الحرب إلي جانب حماس، وينتقد ويهاجم مصر علي عدم مساندتها حماس. وبالطبع ليس هذا الموقف غريبا علي حزب الله الذي يتلقي أوامره من طهران، والمتورطة مع أمريكا في خطته الأخيرة لإشعال المنطقة، وإطلاق صراع بين ما يطلقون عليه «الهلال الشيعي» و«القوس السني»، ويؤدي إلي تفتيت الدول العربية تنفيذاً لمخطط الشرق أوسط الكبير الذي أعلنه جورج بوش عام 2003 وجار تنفيذه في المنطقة بعد أن صادف نجاحا في العراق والسودان وليبيا وسوريا واليمن وفلسطين، وتتبقي الجائزة الكبري الكبري المتمثلة في مصر، والتي تقف بعد ثورة 30 يونية عائقا وحائط صد منيعاً ضد تنفيذ هذا المخطط. ومن هنا يبرز الدور القذر الذي تلعبه حماس لخدمة هذا المخطط الاستعماري من خلال تهورها واندفاعاتها نحو اتخاذ قرارات ومواقف غير مسئولة، أشبه ما تكون بمغامرات - كقرار خطف وقتل الثلاثة مستوطنين الذي تسبب في إشعال الحرب - تخدم أعداء الأمة العربية من أجل ما تتلقاه من أموال منهم، ولو علي حساب أرواح ودماء شعب غزة، وهو ما لن يغفره لها التاريخ ولا شعب غزة ولا الأمة العربية. وهنا علينا أن نُذكِّر أنفسنا بحقيقة مهمة تؤكد ما سبق أن توصلنا إليه من أن حماس لا تخدم مصلحة الشعب الفلسطيني بقدر ما تخدم مصلحتها ومصالح التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الذي تنتمي إليه حماس، وكذا مصالح الدول الأخري التي سبق الإشارة إليها، وهذه الحقيقة تتمثل في أن قطاع غزة منذ انسحبت منه إسرائيل في عام 2005 من جانبها ووقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية آنذاك، وحتي عام 2007 تاريخ انقلاب حماس علي السلطة الفلسطينية وسيطرتها علي القطاع، لم تتعرض غزة لأي هجوم إسرائيلي. ولكن منذ استولت حماس علي القطاع تعرض هذا القطاع لثلاث حروب من جانب إسرائيل في عام 2008، ثم عام 2012، وأخيرا عام 2014 تكبد فيه سكان قطاع غزة آلاف الخسائر البشرية، فضلا عن خسائر مادية بمليارات الدولارات، وبالتالي فشلت حماس في حماية شعب غزة وتنمية موارده، وهي المهمة الرئيسية التي يجب أن تضطلع به وتم علي أساسها انتخاب شعب غزة لها، بل إن حماس أوردت شعب غزة موارد التهلكة منذ توليها السلطة بإشعال حرب كل أربع سنوات لحساب مصالح وأهداف قوي أخري في الدائرتين الإقليمية والدولية علي حساب أرواح ودماء ومصالح شعب غزة، ولم تحقق حماس أي مكاسب للشعب الغزاوي.. لا علي الصعيد السياسي ولا الأمني ولا الاقتصادي، بل تعتبر حماس أن أي نقد لسياستها وسلوكياتها هو خذلان لأهل غزة وللمقاومة الفلسطينية، وهذه مزايدة رخيصة مرفوضة، خاصة إذا ما أقرنت حماس ذلك بالمزايدة علي الدور المصري الذي لا يستطيع أي أحد أن يتجاهل أو ينكر التضحيات التي قدمتها مصر من أجل القضية الفلسطينية عبر طول تاريخها، إلا أن يكون جاحداً أو جاهلاً أو عميلاً لقوي خارجية معروفة تسعي لتشويه الدور المصري، وتوظف حماس لهذا الغرض.
وإذا كانت حماس تريد من وراء إشعال هذه الحرب - بجانب توريط مصر فيها - محاولة استعادة شعبيتها فلسطينيا وعربيا، وأن تغسل سمعة التنظيم الدولي للإخوان بعد الإطاحة بحكمه في مصر، والعودة للخريطة السياسية بعد التهميش عقب عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، وتحلم بأن أي إنجاز تحصل عليه سيكون بمثابة انتصار لها، فإن حماس للأسف قد فشلت أيضا في تحقيق هذا الهدف بعد أن كفر الشعب الفلسطيني بحماس كمنظمة أو مشروع دولة يمكن أن يحمي الفلسطينيين ويدافع عن حقوقهم المشروعة، وبعد أن أثبتت حماس للجميع محليا وإقليميا ودوليا أنها تابعة لقوي أخري لا يهمها مصالح الفلسطينيين. وكما فشلت حماس في تشويه الدور المصري، فقد فشلت أيضا حضانات الرفض في أنقرة والدوحة في التشويش علي هذا الدور رغبة منها في إكساب هذا المحور الجديد صوتا لم يكن يوما له، وسوطا لتنفيذ مخطط أخفقت العاصمتان تماما في إنجازه، وهو مخطط حقير قائم علي بث أكاذيب حول إغلاق مصر لمعبر رفح أمام الجرحي، وأن مصر تخنق المقاومة التي قدمتها خدمة لإسرائيل وترسل مساعدات غذائية وصحية فاقدة الصلاحية، وهي أكاذيب مفضوحة لم تفلح أبواق الدعاية المسموحة في العاصمتين إلي جانب طهران في إقناع أحد بها، وبالتالي لم تفلح أبدا في إحراج مصر، حيث لم يعرها المسئولون في مصر أدني اهتماما، حيث شاهد الجميع معبر رفح مفتوحا أمام الجرحي الفلسطينيين، وأمام إرسال المساعدات الطبية والغذائية لشعب غزة، كما بقيت المبادرة المصرية أساسا متينا للمفاوضات يكن البناء عليها لإيجاد حل دائم للأزمة الدامية في غزة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.