سامحينى يا أماه وأنا أرسل لكِ هذا النداء فلم أكن أدرى أن للضنا مكان في قلب الأمهات.. أتذكرين يوم رحل عنا أبى بعد أن بعنا ما نملك ليغسل كلوتاه... لقد رحل عنا الحب لنواجه الشقاء، ولكنى وجدت فيكِ الكبرياء فلم نأكل من نهديك ولم تذرفى الدمع في رجاء كسرة خبز... رأيتك تذهبين للسوق بعد الغروب لتجمعى فضلات الخضراوات أو أرجل الفراخ لنسد بها رمق الحياة، أو تسهرين لحياكة فساتين بنات الجيران وتغزلين لى «شيرز» بما تبقى من خيوط الأصواف عطاء المحسنات لتحمينى من برد الشتاء، لسعتنى دموعك وهى ترفرف على خديك في صمت الشتاء ولسانك يرد يا رباه، رأيت شبابك يذوى وجدرك يجف وعيناك تذبلان وأنت تتحولين من امرأة جميلة إلى بقايا إنسان، مكان هذا الإحساس يختفى ويهز الكيان، إلى أن جاءت ليلة شاهدتك فيها تتأبطين رجل لم يكن فى الحسبان وهو يدخل الدار ويحتل الفراش وتخبرينى أنه زوجك فى الحلال، وجدت أن أبى لم يعد له مكان فكنت أترك الغرفة لأتيح لكما اللقاء.. كنت أتمزق يا أماه كيف أحرمك من متعة الحياة وكيف أعيش في هذا المكان إلى أن سمعته في ليلة ليلاء وهو يقول: شوفيلك حل يا أنا يا هو في هذا المكان!! رأيتك تبكين وتتعطفين فأبيت أن أكون سبب الأحزان، فلم يكن أمامى بديل إلا الرحيل، فغادرت الحياة ليتلقفنى الطريق إلى صديقى حمدان أتلمس عنده الجواب فكان هو الآخر على هذا المنوال طريق الحنان فاقد الأمان. ومع الأيام تعلمت كيف أنزع الحياة من أنياب الجوع والحرمان فارتكبت كل المعاصى وأهدرت ما تبق فى من كيان، كنت أتناول كل ما يعيننى على نسيان وتوهان فلم تعد أحاسيس الكرامة والكبرياء لهما مكان ولا الزمان له أيام عرفت كيف يعيش الحيوان خائفا مذعورا من كل إنسان، واحسرتاه فلم يعد لله فى قلبى مكان، وفى ساعات الضياع كنتِ على ذاكرتى بدوام أتمنى رؤيتك واشتاق للأحضان وللمساتك وقبلاتك قبل المنام، وكنت في أوائل الأيام اختفى خلف الجدران أبكى وصورتك لم تفارق عيناى، وفي لحظات كنت أسأل نفسى هل أنا إنسان أم حيوان، هل طردت من جنات الحياة لأعيش طريداً بفتات من النفايات وأقول في نفسى هل يمكن أن ينصلح الحال أعود مرة أخرى إنسان ينمو ويتزوج ويكون له أبناء؟ هل لكائن مثلى آمال وأنا أعيش خارج منظومة الحياة.. كلما جال هذا بخاطرى كنت ازداد حقدا وحقارة.. عندما يعرف المرء أنه لكى يقاوم إحساس الظلم يرتكب ظلما أقبح مما كان.. صدقينى يا أماه إن الكلاب أفضل منى وهى تمرح في الشوارع لا تخاف عسكرى مرور أو رجل شرطة، وعندما أمسح زجاج سيارة استجدى حسنة أرى نظرات الضيق فى العيون... هل هؤلاء يا أماه بشر مثلى لهم قلوب تنبض بالحب والحنان... هل تتصورين يا أماه انى صادقت قطة عرجاء لا تستطيع الخروج في وضح النهار خوفاً أن يمسك بها بعض الأطفال فيسكبون عليها الجاز ويطلقون النيران.. كانت تنتظرنى كل مساء عندما آتيها بما تيسر من فتات فتأكل وتنام في حضنى أدفئها وتدفئنى وقد عز دفء الإنسان.. لقد أطلقت عليها اسمك حتى إذا ما ناديتها يحمل اسمك فى نفسى همسة حنان.. هل الحيوان يا أماه يعرف العرفان وقد عز عند الإنسان.. وقد كانت القطة في حضنى تموء بالرضا والعرفان.. خبرينى يا أماه هل إذا ما كفرت بالناس أكون قد كفرت بالله؟ أم مازال هناك أمل في رضاه فيعيد لى الامل وقد ضاع وأصبحت هيكل إنسان بلا كيان، قلب ينبض لجسد مات ولم يعد له في الحياة مكان. وداعا يا ملاكى وبارك الله فيك وأعانك على ما أنت فيه. التوقيع ابنك الحبيب الذى كان وأصبح بلا كيان. عضو الهيئة العليا