ظاهرة الاحتلال العسكرى فى العالم أخذت فى الانقراض إلى حد ما بعد انتهاء الحرب العالية الثانية، وقليلاً من شعوب العالم هى التى تعانى من هذه الظاهرة، وتحولت وتطورت أشكال الاحتلال والحروب خلال القرنين الأخيرين، ولم يعد هناك احتلال عسكر ى واضح وصريح إلا فى فلسطين، وأصبح الشعب الفلسطينى هو الشعب الوحيد فى العالم الذى لم يحصل على حقه فى أن يكون له دولة مستقلة ذات سيادة، فى مقابل أن إسرائيل المحتلة أصبحت دولة، ولها السيادة الكاملة على الأراضى الفلسطينية التى احتلتها، وأيضاً على الأراضى التى يعيش عليها الفلسطينيون. ومع هذا تضن إسرائيل على الشعب الفلسطينى المحتل، وتقف ضد إرادة الحياة لهذا الشعب، وترفض أن تكون له دولته على الأرض التى يعيش عليها، وترفض أن يكون له مطار وميناء وطرق وآليات الحياة، وتصر أن يكون شعباً ذليلاً تابعاً، وأن تتحكم فى مقدراته، وأدوات العيش والحياة الإنسانية الكريمة. وطوال عقود مضت منذ عام 48 وحتى الآن أجيال الشعب الفلسطينى مازالت تناضل من أجل الحياة والاستقلال، ومازال العالم الغربي والأمريكى يقف ضد هذا الحق، وفى نفس الوقت يضمن للشعب الإسرائيلي حق الحياة والأمن، دون مراعاة لأبسط حقوق الإنسان الفلسطينى أن يعيش، وأن يحافظ على آدميته. وكشفت الحرب الأخيرة على غزة حجم الغل والكراهية التى تتمتع بها الغطرسة اليهودية تجاه الشعب الفلسطينى، وخاضت ضده إحدى حروب الإبادة الجماعية، ولم يهتز العالم أو الإنسانية بشكل إيجابى ليعمل من أجل إنقاذ هذا الشعب، بل لم يتحرك المجتمع الدولى بشكل إيجابى من أجل رفع الظلم والمعاناة عن كاهل هذا الشعب المسكين، ولكن هذا الشعب الجبار مازال يناضل ويكافح من أجل العيش الحر الكريم. وإذا كانت المفاوضات التى تستضيفها القاهرة الآن من أجل التوصل إلى تهدئة أو هدنة أو وقف مؤقت للحرب، فهذا ليس كافياً، وعلى العالم الحر والضمير العالمى أن يفيق قليلاً، وأن يسعى أيضاً لأمن وتأمين حياة هذا الشعب مثلما يحرص على تأمين حق إسرائيل فى الحياة، وأن تنتقل المفاوضات الحالية بعد التوصل إلى مرحلة إيقاف الدم المسال، إلى حوار عالمى من أجل التوصل إلى حل دائم لمشكلة الشعب الفلسطينى، والتوصل إلى شكل الدولة الكاملة ذات السيادة التى تستطيع أن تحمى حق الشعب الفلسطينى فى الحياة، وأن تقوم الأممالمتحدة بدور إيجابى، وأن تنهى دورها المحدود فى إغاثة اللاجئين، وأن تدعو العالم الحر إلى مساندة الطرفين فى الوصول إلى حلول نهائية من أجل ضمان حق العيش، ولن يتم هذا الأمر إلا إذا ساعد الفلسطينيون أنفسهم، ووقعوا على اتفاق روما، والذى سوف يتيح لهم محاكمة مجرمى الحرب الإسرائيليين، ووقتها سوف تضطر أمريكا والغرب للنظر بجدية نحو منح الشعب الفلسطينى حق الحياة والأمن، مثلما يعطونه للشعب الإسرائيلي بل ويضمنون له الأمن والأمان على حساب الشعب الفلسطينى.