ما يؤسف له إنكار بعض قيادات المؤسسات الدينية واقعة مقتل مالك بن نويرة، وإنكارهم بجهل وبعنف ما ذكره الأزهرى الشاب، الملقب بخطيب التحرير، قيام الصحابي خالد بن الوليد الملقب بسيف الله المسلول بقتل مالك بن نويرة وزواجه بزوجته، والطريف أنهم استنكروا الواقعة بشدة وهاجموا الأزهرى الشاب واتهموه بأنه يتقول على الصحابى الجليل ويشوه صورته، واستنكارهم هذا وهجومهم يعنى بالضرورة أنهم لم يقرأوا ولم يسمعوا عن الواقعة طوال حياتهم، أو حسب التعبير العامة «ميح» والحمد لله. لهذا كان من الضرورى، بل من واجبنا نحن وغيرنا أن نرشد هؤلاء «الميح» بعض قيادات المؤسسات الدينية إلى المصادر التى ذكرت الواقعة مختصرة ومفصلة، وهى كثيرة، نذكر منها حسب الترتيب الزمنى لمؤلفيها: كتاب جمهرة النسب لابن الكلبى المتوفى عام 204ه، وكتاب الردة للواقدى المتوفى عام 207ه، والطبقات الكبرى لابن سعد ت 230ه، وتاريخ اليعقوبى ت 284ه، وتاريخ الرسل والملوك للطبرى ت 310ه، والواقعة كما رواها اليعقوبى فى تاريخه، بدأت بتوجيه سيدنا أبي بكر رضى الله عنه إلى قتال مانعى الزكاة، حيث: كتب إلى خالد بن الوليد أن ينكفئ إلى مالك بن نويرة اليربوعي، فسار إليهم، وقيل إنه كان نداهم، فأتاه مالك بن نويرة يناظره، واتبعته امرأته، فلما رآها خالد أعجبته فقال: والله لا نلت ما في مثابتك حتى أقتلك، فنظر مالكاً، فضرب عنقه، وتزوج امرأته، فلحق أبو قتادة بأبي بكر، فأخبره الخبر، وحلف ألا يسير تحت لواء خالد لأنه قتل مالكاً مسلماً. فقال عمر بن الخطاب لأبي بكر: يا خليفة رسول الله! إن خالدا قتل رجلاً مسلماً، وتزوج امرأته من يومها. فكتب أبو بكر إلى خالد، فأشخصه، فقال: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إني تأولت، وأصبت، وأخطأت. وذكر الواقدى فى كتاب الردة: ثم ضرب خالد عسكره بأرض بني تميم، وبث السرايا في البلاد يمنة ويسرة، قال: فوقفت سرية من تلك السرايا على مالك بن نويرة، وإذا هو في حائط له، ومعه امرأته وجماعة من بني عمه. قال: فلم يعلم مالك إلا والخيل قد أحدقت به، فأخذوه أسيرا، وأخذوا امرأته معه، وكانت بها مسيحة من جمال. قال: وأخذوا كل ما كان من بني عمه، فأتوا بهم إلى خالد بن الوليد حتى أوقفوه بين يديه. قال: فأمر خالد بضرب أعناق بني عمه بديا ، فقال القوم: (إنا مسلمون فعلام تضرب أعناقنا) ؟ قال خالد: (والله لأقتلنكم) ، فقال له شيخ منهم: (أليس قد نهاكم أبو بكر أن تقتلوا من صلى إلى القبلة)، فقال خالد:(بلى قد أمرنا بذلك، ولكنكم لم تصلوا ساعة قط) . قال: فوثب أبو قتادة إلى خالد بن الوليد، وقال: (إني أشهد أنه لا سبيل لك عليهم) ، قال خالد: (وكيف ذلك) ، قال: (لأني كنت في السرية التي قد وافتهم، فلما نظروا إلينا قالوا: من أنتم، قلنا: نحن المسلمين، فقالوا: ونحن المسلمين، ثم أذنا وصلينا وصلوا معنا) . فقال خالد: (صدقت يا قتادة، إن كانوا قد صلوا معكم فقد منعوا الزكاة التي تجب عليهم، ولا بد من قتلهم). قال: فلم يلتفت خالد بن الوليد إلى مقالة الشيخ، فقدمهم وضرب أعناقهم عن آخرهم. قال: وكان قتادة قد عاهد الله أن لا يشهد مع خالد مشهدا أبدا بعد ذلك اليوم. قال: ثم قدم خالد مالك بن نويرة ليضرب عنقه، فقال مالك: (أتقتلني وأنا مسلم أصلي إلي القبلة)، فقال له خالد: (لو كنت مسلما لما منعت الزكاة ولا أمرت قومك بمنعها، والله لما قلت بما في منامك حتى أقتلك) . قال: فالتفت مالك بن نويرة إلى امرأته فنظر إليها ثم قال: (يا خالد، بهذا تقتلني) . فقال خالد: (بل لله أقتلك برجوعك عن دين الإسلام/ وجفلك لإبل الصدقة ، وأمرك لقومك بحبس ما يجب عليهم من زكاة أموالهم) ، قال: ثم قدمه خالد فضرب عنقه صبرا. فيقال إن خالد بن الوليد تزوج بامرأة مالك، ودخل بها، وعلى ذلك أجمع أهل العلم. وبعد تولى عمر بن الخطاب الخلافة التقى متمم بن نويرة شقيق مالك فقال له(حسب رواية ابن سعد فى طبقاته): ما أشد ما لقيت على أخيك من الحزن! فقال: كانت عيني هذه قد ذهبت. وأشار إليها. فبكيت بالصحيحة فأكثرت البكاء حتى أسعدتها العين الذاهبة وجرت بالدمع.