لم يكن سعيد صالح مجرد كوميديان ساخر، بل كان فناناً شاملاً.. جاء في الزمن الخطأ.. ولو كان حظه وفيراً لعاش في أراضي خصبة بحيث تمكنه من إظهار مواهبه فكثير منها ظهر مصادفة أدهشت أسماء كبيرة، حين غني ولحن مسرحياته من أشعار فؤاد حداد وصلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم وغيرهم.. قدم لنا فناً أعاد لنا بصورة أو بأخري شخصية الفنانين الشاملين الأجانب، فنحن لا نعرف هذا النموذج بالشكل المتكامل.. فأغلب تجاربنا لم تكتمل في مجال الفنانين الشاملين.. وأظن أنه آن الأوان لأن تخرج أغاني سعيد صالح إلي النور مثلما أوصي هو في حياته.. فقد أكد أن هناك أكبر من سبعمائة وخمسين أغنية غناها ويجب أن يسمعها جمهوره بعد رحيله. سعيد صالح حينما زار لبنان في نهاية السبعينيات وكانت الجماهير العربية قد عرفته من مسرحيتي «مدرسة المشاغبين» و«العيال كبرت» عرض عليه المخرج اللبناني صفي الدين نجم وهو أحد نجوم المسرح التجريبي يعرفه المسرحيون في مصر، حيث زارنا في أغلب دورات مهرجان المسرح التجريبي، وكنت أتمني أن يكتمل المشروع الذي يضم أثني عشر مسرحية تعرض علي مدار كام كامل.. وكان سعيد صالح متحمساً، إلا أن الظروف الأمنية في بيروت وقتها لم تكن تشجع علي المسرح أو السينما ولا لأي فن، باستثناء بعض المغامرين من الفنانين الذين تحدوا الحرب اللبنانية وانتشرت وقتها مسرح الشارع ومسرح القهوة، الذي ينتقل بين الأحياء وانتشرت أيضاً القاعات الصغيرة التي مازال كثير منها ناجحاً أمام سطوة الفنون التي تحاول عرقلة أبوالفنون الذي هو المسرح، كما تعلمنا. أما سعيد صالح فقد وقع أسيراً للعشوائية الفنية، بحيث لم ينفذ مشروعاً متكاملاً يليق بمواهبه الكوميدية الساخرة والأداء الغنائي الشجي، فضلاً عن أنه لم يستطع أن يصد جيلاً جديداً من الكوميديانات حاولوا أن يزيحوا السابقين، والثابت أن ساحة الكوميديا لم يصمد فيها سوي عادل إمام، الذي احتفظ بذكاء خاص وحكمة، في التعامل مع الإعلام مكتوباً ومسموعاً ومرئياً.. ويبدو أنه تعلم من ذكاء عبدالحليم حافظ الكثير، وأما سعيد صالح فقد تألق في المسرح ولكن المسرح لم يكن وفياً له بالقدر الكافي.. وكان مزمعاً أن يمثل أكثر من مسرحية علي غرار «كعبلون» وأغانيها كلها من ألحانه، والإنتاج وقف عائقاً ولهذا فقد ترك تراثاً من الأفكار سجلتها مذكراته ولم تخرج إلي النور، وأعتقد أننا في حاجة إلي خروج تلك الأوراق المتناثرة وإعادة صياغتها بحيث أنها قد تفيد جيلاً من الفنانين يبغون الإصلاح في مسرحنا المعاصر.. وأما السينما فلم يكن سعيد صالح في مكانه الصحيح وكثير من المخرجين استثمروا نجاحه المسرحي واستنسخوا منها أعمالاً سينمائية.. لكنها خرجت بصورة لا تعطي حقه.. مات سعيد صالح رحمه الله وترك لنا هذا الكم من الفن المميز.. كان حاضراً بكثافة في كل أعماله في مشهد واحد في فيلم «زهايمر» كان يشير إلي فنان كبير ذى بصمة وتاريخ.