ما أشبه اليوم بالبارحة.. هجوم إسرائيلى على غزة، قصف وحشى بالطائرات، قوات الاحتلال تتوغل برياً فى القطاع، سقوط مئات الضحايا من الفلسطينيين، الأممالمتحدة تؤكد أن أغلب الضحايا من النساء والأطفال. عناوين مكررة وسيناريو معاد تقريباً فى كل مرة تشن فيها قوات الاحتلال عمليات عسكرية فى قطاع غزة، كل مرة تقدم إسرائيل على ارتكاب مجازر بشعة تحصد مئات بل آلاف الأرواح البريئة بتعمدها قصف المنازل والمدارس التى أنشأتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ومراكز الإيواء.. حتى المستشفيات والمساجد وسيارات الإسعاف - ربما أرادت إسرائيل أن تريح الجرحى من آلامهم – لم تسلم من القصف وفى كل مرة تكون الحجة أن المقاومة الفلسطينية تستخدم هذه الأماكن كقاعدة لإطلاق الصواريخ على إسرائيل وهو ما يهدد أمنها، تلك هى الذريعة التى تسوقها إسرائيل دائماً لتبرير العدد الكبير من الضحايا المدنيين خاصة النساء والأطفال. لكن القضية ليست الصواريخ التى تطلق على إسرائيل من القطاع، القضية هى عقدة غزة التى أوجزها إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق فى جملة واحدة حينما قال: «أتمنى أن أصبح ذات يوم لأجد البحر قد بلع غزة بالكامل».. هذا ما قاله إسحاق رابين، أحد أكثر القادة الإسرائيليين دهاء إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي انطلقت في عام 1988، واستمرت عدة سنوات، وهو تعبير واضح وصريح ويختصر عقدة غزة بالنسبة لإسرائيل. وعلى مدار سنوات الاحتلال الطويلة، كانت غزة و«طنجرة الضغط» كما يسميها الإعلام الإسرائيلى قنبلة موقوتة بحق، دخولها مشكلة والانسحاب منها مشكلة أكبر، وتركها في حالها مسألة أصعب وأصعب. لم يترك الإسرائيليون شيئاً إلا جربوه في غزة: الهجوم عن بعد، والاحتلال الطويل، ثم تسليمها للسلطة، فالانسحاب منها، ثم فك الارتباط نهائياً، وشن هجمات دموية، وهذه الهجمات غالبا ما يكون ضحاياها من الأطفال. ففي 2005 انسحبت إسرائيل فعلاً من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك ب «خطة فك الارتباط أحادي الجانب»، وأخلت إسرائيل 21 مستوطنة في القطاع ومعسكرات الجيش الإسرائيلي، بقرار من رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت آرييل شارون. وأجبر شارون 8600 إسرائيلي على ترك المستوطنات وقال إنه لا مبرر بعد الآن ليقول أحد إن إسرائيل تحتل القطاع. جرى الانسحاب كما أراد شارون، لكن كابوس القطاع ظل يطارد الإسرائيليين ومنذ الانسحاب لم تتوقف الصواريخ والعمليات، ونفذت إسرائيل عدة عمليات وكانت عملية «أول الغيث» في 25 سبتمبر 2005 هي العملية الأولى بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، واستمرت العملية سبعة أيام وجرى خلالها تدمير مخارط لتصنيع صواريخ «القسام»، ومخازن للأسلحة، ومقرات ومراكز خدمات لوجيستية لحماس، وكانت تستهدف هذه العمليات منع إطلاق صواريخ «القسام»، ودمرت إسرائيل من أجل ذلك الهدف عشرات المنازل شمال غزة. بعد عام واحد، في يونية 2006، حدث تطور مفاجئ ومنحى خطير في العلاقة بين غزة وإسرائيل، إذ نجحت حماس وفصائل أخرى عبر نفق طويل يمتد ل 300 متر من تنفيذ هجوم مباغت على موقع كرم أبوسالم العسكري وأخذت معها الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. وأعلنت إسرائيل فوراً بدء عملية باسم «سيف جلعاد» دمرت خلالها محطة كهرباء غزة ومئات المنازل، قبل أن تتطور عمليتها إلى برية موسعة، وعرفت باسم «أمطار الصيف» واستمرت نحو شهر وجرت خلالها مهاجمة البيوت وعدد من الجسور، واستشهد خلال العملية نحو 394 فلسطينياً، أغلبهم من النساء والأطفال. وفي فبراير 2008، عادت إسرائيل من جديد ونفذت عملية «الشتاء الساخن» التى استمرت حتى مارس واستشهد نحو 170 فلسطينياً. في نهاية العام وتحديداً في 27 ديسمبر 2008، شنت إسرائيل إحدى كبرى عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية وعرفت باسم «الرصاص المصبوب»، بدأت العملية بهجوم جوي مركز على غزة أدى إلى مقتل 89 شرطياً تابعين لحماس، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع، خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوما، نحو 1400 شهيد أغلبهم أطفال ونساء، ودمرت أكثر من ألف منزل في غزة. وبعد أربع سنوات وفي 2012، شنت إسرائيل عملية عامود السحاب، وأدت العمليات إلى استشهاد أكثر من 200 فلسطيني وجرح 500 وخلفت دماراً كبيراً. والآن، بعد عامين فقط، تنفذ إسرائيل في غزة عملية «الجرف الصامد» التى لن تكون العملية الأخيرة بالطبع التى أسفرت حتى الآن عن استشهاد أكثر من 600 فلسطيني بينهم عائلات كاملة وجرحت أكثر من ثلاثة آلاف ودمرت ألفي منزل، وبالطبع كان أغلب الضحايا من النساء والأطفال.. وأكدت منظمة الأممالمتحدة للطفولة (اليونيسيف) أن ثلث الضحايا المدنيين في النزاع الدائر حالياً هم من الأطفال. كل هذا لم يحرك ساكناً لدى الدول التى تدعى الدفاع عن حقوق الإنسان، حتى الأممالمتحدة اكتفت بتصريحات جوفاء وعندما أرادت المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأممالمتحدة نافي بيلاي الدعوة إلى إجراء تحقيق بشأن ما يحدث فى غزة لم ترد أن تتهم إسرائيل صراحة بارتكاب جرائم حرب وأشارت لها بكلمة «قد تكون» قد ارتكبت جرائم حرب.