بالطبع تتذكرون جيدا فيلم حلاق السيدات، بطولة عبد السلام النابلسي، وإسماعيل ياسين، وزينات صدقى، وكريمة، وإستفان روستى، تأليف أبو السعود الإبياري، وإخراج فطين عبد الوهاب، هذا الفيلم تم إنتاجه عام 1960، وقبل عرضه تضمنت الأفلام السينمائية العديد من المشاهد فى محلات الكوافير، تذهب السيدة وتجلس بين يدى الحلاق أو الكوافير لكي يفرد شعرها أو يصففه أو يقوم بقصه. لقد حاولت أن أعثر على دراسة أو وثيقة تذكر لنا: متى عرفت مصر الكوافير فى العصر الحديث؟، وما هو أقدم محل افتتح فى مصر؟، والحقيقة فشلت كل الجهود، لكن على الأرجح هذه المهنة دخلت مصر مع الاحتلال البريطاني، وانتشرت مع ظهور السينما وتعليم الفتيات، وأيضا مع نزول المرأة المتعلمة إلى العمل فى الوظائف المختلفة، فقد أصبحت المرأة فى حاجة إلى من يساعدها على تجميلها. زمان كانت عملية تجميل النساء تقوم بها سيدة عرفت ب«الماشطة» وأخرى ب«البلانة»، كانت الأخيرة تساعد الفتيات ليلة عرسهن، والزوجات على التجمل لأزواجهن، ومن المشاكل الخطيرة التي كانت تواجه أغلب الفتيات والسيدات كيفية فرد شعرهن المجعد، او حسب التعبير العامى: «الأكرت»، وكانت الفتاة ذات الشعر المجعد تسمى: «الكارتة»، وفى بعض الحالات يقال لها: الكدش. وأذكر زمان كنا نسمع البعض يصف الفتاة ذات الشعر المجعد بالقرعة، وقد جاء هذا الوصف فى المثل الشعبى القائل: القرعة تتباهى بشعر بنت أختها»، صحيح لم تكن الفتاة قارعه أى أنها بدون شعر، بل ان شعرها يمكن ان تقول عليه أكرت أو كدش أو ليفة، وأذكر ان الأطفال كانوا يزفون هذه الفتاة حتى منزلها: ال كارته أهه أهه. هذه الفتيات والسيدات كن يستعن بالماشطة لفرد شعرهن، وكانت الأخيرة تستعين فى ذلك بتحويجة لعطار أو بزيوت أو بالفزلين. وعندما عرفت مصر الكوافير، أو حلاق أو مزين السيدات، فى القرن التاسع عشر خلال فترة الاحتلال الإنجليزي، لجأت الفتيات والسيدات من الطبقات الثرية والمتعلمة إليه لفرد شعورهن وتصفيفه، وأذكر ان الكوافير كان يستخدم المكواة، وهى تشبه المقص فى الشكل، وتطورت الحياة واخترع الغرب مواد طبية لفرد الشعر. بعض الرجال شعروا بالقلق من ترك بناتهم وزوجاتهم بين يدى رجل غريب يمسك فى شعرها يقص ويصفف ويفرد، صحيح أنها تذهب إليه بموافقته لكى يقوم بتجميلها من أجله، لكنه فى النهاية غريب عنها، فكيف يمسك بشعرها، ما هو حكم الشرع؟، هل هذا حرام أم حلال؟. كنت أظن وأنا أقلب فى فتاوى دار الإفتاء منذ مائة عام، أننى سوف أعثر على هذا السؤال فى أكثر من صياغة موجها إلى المفتى خلال فترة الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات والستينيات، وقد قمت بالتفتيش فى الفتاوى المطبوعة للدار، والفتاوى التى نشرت من السجلات فى نهاية فترة د.على جمعة، لكن للأسف لم أعثر على هذا السؤال خلال هذه الفترات بالصياغة التى وضعتها، والمدهش أننى عثرت على رسالة واحدة خلال فترة الستينيات عام 1966، يسأل فيها الرجل عن كيفية تعامل زوجته مع شعرها، حيث إن الماء يفسد شعر المرأة، فكيف تتطهر من الجنابة، الرسالة حررها نائب مأمور كتب يقول: « المرأة المتحضرة الآن تحتفظ بشعرها بالصورة التى أعدها الحلاق، ومن هذه الصور ما يستمر شهورا، وقد تمتد إلى سنة دون أن يمسه الماء لما تتكلفه هذه العملية من المال، وقد تتكرر عملية الاتصال الجنسى كثيرا لاسيما فى أول عهدها بالزواج، فهل من الجائز شرعا أن تتم الطهارة من الجنابة مع احتفاظ المرأة بشعرها على الصورة السابق إيضاحها، مع أن الماء قد لا يصل إلى بشرة الرأس؟». الطريف أن المفتى آنذاك الشيخ أحمد هريدى، تعامل مع السؤال فقط ولم يتناول شرعية جلوس زوجة السائل بين يدى رجل غريب، ولا حتى أبدى اندهاشه من بقاء زوجة الرجل لفترة قد تمتد لسنة دون أن تستحم أو تتطهر من الجنابة أو حتى تغسل شعرها، لماذا؟، الله أعلم.