عودة الفنان محسن محيي الدين للدراما الرمضانية كانت بمثابة عودة لجيل جميل غاب كثيراً عن الشاشة بروحه وفنه، يعود الفنان الكبير بدورين مختلفين من خلال مسلسلي «فرق توقيت» و«المرافعة» بأداء متجدد ومختلف يعيد للأذهان إبداعه في اليوم السادس ووداعا بونابرت، لفت محيي الدين منذ المشاهد الأولى للمسلسلين النظر ليس فقط لأنها عودة بعد غياب 23 عاماً، لكن لأنه عاد بقوة بتقديم الأدوار المركبة لشخصيتي رجل الأعمال والأب الذي يتعامل بمشاعر متضاربة مع ابنائه.. حاورناه عن عودته وأعماله ورؤيته للفن من جديد فقال: كيف ترى ردود الفعل على مسلسلي «فرق توقيت» و«المرافعة»؟ - سعيد أن العملين نافسا بقوة ضمن الأعمال الكثيرة المعروضة في شهر رمضان، هناك تفاعل كبير مع المسلسلين وردود الفعل جيدة جداً سواء عن القصة أو الصورة أو النجوم المشاركين في العمل، وأنا سعيد للعودة للشاشة الصغيرة خاصة وأن العملين يقدمان رسالة محترمة إحداهما اجتماعية في اطار سياسي والأخرى تتناول قصة قابيل وهابيل والتفكك الاسري الذي يمثل أزمة حقيقية في المجتمع. الأب في مسلسل «فرق توقيت» يجمع بين الحزم والكوميديا مع أبنائه.. فلماذا قررت تقديمها بهذا الشكل؟ - لأن الشخصية في مسلسل فرق توقيت له ابن ملتزم للغاية في معاملاته والذي يجسدها أحمد صلاح السعدني، وابن آخر يبدو مستهتراً وهو ياسين «تامر حسني» ولكنه عبقري في نفس الوقت ولديه أفكار اعلانية قوية تجعله قادراً على العمل بجدية في شركة الاعلانات التي يعمل بها أفراد الأسرة ولذلك كان على الأب أن يربط بين الشخصيتين، وبالمناسبة هذه الشخصية قريبة الى قلبي لأنني أشعر أنها من المجتمع فلا يوجد أب جاد طوال الوقت او كوميدي طوال الوقت لكن من الطبيعي أن الأبناء يتبعون آباءهم، العمل يرصد ما حدث في الاسرة المصرية التي هى نموذج مصغر للمجتمع الذي يأكل بعضه. ما رأيك في موضة المسلسلات الكثيرة المقدمة بطريقة الفلاش باك؟ - طريقة معروفة في الدراما والسينما وأنا فوجئت أن أغلب الأعمال المقدمة يتم تقديمها بنفس الشكل هذا العام، ولكن هذا لا يمثل ضرراً ما دام له مبرر درامي والمخرج يقدمه بشكل جيد ومسلسلا «المرافعة» و«فرق توقيت» يتناولان نفس الفكرة ولكن بشكل مختلف تماما وأعتقد أن هذه الطريقة تجذب نظر الجمهور منذ اللحظات الأولى. ألم تتخوف من تقديم شخصية رجل أعمال ينضم للاخوان خاصة وأنه النموذج الأفضل الواضح في «المرافعة» مع شقيقه المنضم للحزب الوطني؟ - شخصية جلال أبو الوفا مثل أي رجل أعمال ليس له ميول سياسية وأعتقد أن هذا واضح من تجسيدي للشخصية ففي أحد المشاهد أنتقد الاخوان ولكن جلال يضطر للانضمام اليهم لأن شقيقه جال أبو الوفا منضم لحزب معارض للاخوان وهو الحزب الوطني، العمل سياسي من الدرجة الأولى رغم أنه يدور في اطار اجتماعي لكنه تناول مصر التي تعرضت للهدم من جماعة ارهابية حاولت كل السيطرة على حلم ابنائها، فالشخصية أعتقد أنها بمرور الأحداث ستكتشف الخبايا السياسية السيئة لكل حزب هدفه الكرسي قبل حماية مصر. «المرافعة» يتناول مشاهد لطالما كنت تنتقدها منها مشاهد تعاطي الهيروين او الرقص فلماذا وافقت على المشاركة فيها؟ - المسلسل لا يوجد به مشاهد خادشة خاصة التي تخصني بالاضافة الى أن المخرج عمر الشيخ تعامل مع المسلسل بشكل أراه محترماً للغاية، تناوله لمشهد تعاطي الهيروين دلالة أنه يحذر من هذا السلوك وليس ترغيباً فيه وتناول مشاهد الكباريه الذي تغني فيه المغنية بشكل محترم ولائق والعمل بعيد عن أي ابتذال وأنا لا أدافع عنه لانني أشارك فيه لكن هناك عدداً كبيراً من الأعمال التي تتناول ألفاظاً خادشة للحياء تعرض في الدراما غير مقبولة لكني أعتبر ان العملين اللذين أشارك فيهما ظهرا بشكل محترم لا أخجل من مشاركتي فيهما. تتعامل مع فنانين شباب مثل تامر حسني وأحمد صلاح السعدني وآخرين من جيل الكبار مثل فاروق الفيشاوي.. كيف ترى تعاقب الأجيال؟ - الممثلون عادة لا يتغيرون كل جيل له آلياته التي تساعده سواء كان شاباً أو عجوزاً على النجاح، أرى أن التغير الحقيقي الذي حدث في نوعية الوسائل التكنولوجية التي يتم تقديم الأعمال الفنية من خلالها، الممثل هو أداة في يد المخرج هو من يحركه ويخرج منه اداء جيداً، الممثل فقط تظهر قدرته في احترام هذا المخرج، وأعتقد أن الممثل لابد أن يتعامل مع الفن انه رسالة وليس سبوبة الهدف منها جمع المال فقط. هل هذا سر غيابك عن الفن طوال السنوات الماضية؟ - لم أتغيب عن الفن ولكني اهتممت فقط بأنواع معينة منه تتناسب مع رغباتي فأنا قدمت عدداً كبيراً من برامج الاطفال وأراها مهمة جداً في تربية النشء والاطفال مظلومون دائما سواء في التعليم أو التثقيف وأعتقد أن هذا ايضاً رسالة وكانت متابعاً جيداً للوسط الفني لكنني أردت ان أشارك فيه عبر برامج الاطفال وايضاً أخرجت أفلاماً قصيرة وآخرها فيلم «خيط ضعيف». البعض فسر ظهور لحيتك بأن التزامك كان سبب اعتزالك؟ - ومعني ذلك أنني لم أكن ملتزماً أو أنني احرم الفن، على العكس الالتزام لا علاقة له بالاعتزال، لكن هناك أسباباً تجعلني كفنان أبتعد عن اعمال بعينها وأعود بأعمال اخرى، هناك ظروف فرضتها الأنظمة السياسية جعلتني وجيلي ولا نملك القدرة على العمل في تلك الاجواء الديمقراطية النظرية التي توهمك أنك تعيش عصر الحيرة في الوقت الذي تمنع فيه من تقديم عمل جيد محترم فإما ان تقدم أعمالا من وجهة نظرهم وأما ان تقدم عملاً تافها لا يحمل رسالة حتى لا تتعارض مع الانظمة، اتجاهي للإخراج كان نقطة تحول مهمة في حياتي ولكنها لم تكتمل لأسباب عندما رفضت الرقابة فيلمي «انتفاضة» الذي تدور قصته عن شباب مصريين سافروا الى اسرائيل وعاشوا هناك وتزوجوا من اسرائيليات، الرقابة رفضت الفيلم دون أسباب وبعدها قدمت الفكرة كثيراً، هناك اسباب كثيرة جعلتني أبتعد، وأتمنى أن أستطيع تقديم اعمال بها الرسالة التي أتمناها بعد عودتي. كيف ترى مستوى الاعمال الفنية بعد فترة غيابك؟ - للأسف طبيعة الاعمال السينمائية والدرامية تعكس الواقع الاجتماعي والسياسي الذي تعيشه مصر وطالما كان هذا دور الفن ان ينقل الواقع ولكن ان يجمله ولا يكتفي بنقله فقط ان يقدم رسالة لتحسين هذا الواقع لكن ما تابعته في السينما او التليفزيون يؤكد أن المجتمع أصبح كله بلطجية ونصابين وحرامية فمصر أفضل من ذلك بكثير وفيها نماذج مشرفة تستحق ايضاً أن نقدمها ولا نكتفي فقط بعرض السيئ منها، الفن له دور إيجابي في توعية الناس وتثقيفها وتغييرها للأفضل، وأعتقد أن تدني السلوك في الشارع يأتي من مستوي الأعمال الفنية التي تستهين بعقل المشاهد. معنى ذلك اننا نحتاج مرة أخري لسينما يوسف شاهين؟ - سينما يوسف شاهين مازالت موجودة وبقوة ولكن الفارق ان هناك عدم اهتمام بها ورغبة في إبعادها عن الساحة هناك مخرجون كبار موجودون على الساحة الفنية أراهم امتداداً حقيقياً ليوسف شاهين علي رأسهم يسري نصر الله ومحمد أمين وغيرهما فهم اسماء كبيرة ومحترمة ولديهم رؤية ولكن للأسف الازمة في المنتجين وفي نوعية الاعمال التي يختارونها ليقدموها للجمهور في حين غياب الانواع الاخري التي تحافظ على توعية المجتمع. ومتى تعود للإخراج من جديد؟ - أجهز لفيلم الخطاب الاخير وأتمنى أن أقدمه بوجهة نظري وبالحرية التي أتمناها وأتمنى ان تكون عودتي للدراما خلقت لي جمهوراً جديداً من الشباب والكبار لم يعاصروني منذ 23 عاماً.