يطلقون عليه في السويس «خال السوايسة» والخال كما يقولون .. والد. تعرفه بيوت السويس وشوارعها وحواريها وأشجارها وعصافيرها وحصاها.. وهواها. وتعرفه أيضا عظام الشهداء ودماؤهم وقبورهم.. وهو الوحيد الذي جمع بين هدير المدافع وأنغام السمسمية. إذا كنت في أي مكان بالسويس وأردت الوصول إليه فما عليك إلا أن تنطق اسمه فقط .. وفوراً ستجد المئات يتطوعن لتوصيلك إليه. هو الفدائي البطل والمجاهد الكبير والشاعر الفذ وبطل المصارعة.. ابن الأرض محمد أحمد غزالي أو كابتن «غزالي». التقيته في مكتبته الصغيرة بالسويس.. كان عائدا لتوه من صلاة العشاء، ولأول وهلة لمحت في صوته نبرة قلق.. وعلي الفور سألته: لماذا القلق الذي أراه في عينيك وألمحه في نبرات صوتك؟ فابتسم قائلاً: انا ما أعرفش القلق.. كل الحكاية ان الأحداث متلاحقة والسويس مولعة ولا أحد يعرف ما يخفي القدر! هل أنت خائف من بكرة؟ - لا.. أبدا.. مصر بتتولد من جديد، ومصر الجديدة هتكون أحسن.. وعلي فكرة مصر مرت عام 1951 بالتجربة التي نعيشها حالياً. تقصد 1952؟ - .. لا .. أعني 1951 ففي هذه السنة كانت الحركة الوطنية قد بلغت عنفوانها بقيادة الوفد.. وكان النضال الشعبي ضد الاحتلال الإنجليزي وفساد القصر قد وصل قمته، وظلت مصر في حالة مخاض حتي كان الميلاد مع ثورة 1952، ووقتها كنت بطلاً في المصارعة وشعرت أننا قادرون علي صناعة المعجزات. وبالفعل حقق عبدالناصر نهضة كبيرة لمصر في الخمسينيات والستينيات. ولكنه هو نفسه الذي قادنا إلي هزيمة يونيو 1967! - كانت مؤامرة ضد مصر.. فنحن في منطقة ليس مسموحاً لنا أن نكبر عن حد معين.. فإما ان نكون توابع أو حلفاء. وعبدالناصر أراد أن تكون مصر «سيدة» ولهذا تآمر عليه الغرب.. ومات الرجل مسموما أو مهموما ومات معه مشروعه المنحاز للشعب، والذي جعل لمصر مكانة كبيرة في أفريقيا وآسيا. ولماذا مات مشروع عبدالناصر معه؟ - السادات يا سيدي.. السادات كان مدرباً سياسياً أكثر من عبدالناصر فعبدالناصر كان صعيدي.. دوغري.. مباشر .. اللي في قلبه علي لسانه، ولكن السادات كان يلعب بالبيضة والحجر. اشتغل مع القصر ومع الألمان وكان داهية، ولكنه جاء بمشروع آخر في مواجهة المشروع الاقتصادي الناصري.. ونتيجة لسياسات السادات تحولت مصر إلي «سداح مداح».. وجمع السادات حوله اللصوص والحرامية والمزورين والأفاقين، وكانت مصيبته السودا في اختيار حسني مبارك نائبا له. لأنه جاب واحد ما يفهمش في أي حاجة، وعميل رسمي للصهيونية العالمية، وبالمناسبة الصهيونية هي التي قتلت السادات وأفسحت المجال أمام مبارك لحكم مصر ورد مبارك الجميل فقدم خدمات جليلة لإسرائيل.. لقد كان عميلاً رسمياً لإسرائيل. إذا كان عميلا كما تقول لماذا لم تسانده إسرائيل وتمنع سقوطه وتحول دون انتهاء حكمه؟ - هذه آخرة العمالة.. بعد أن تمتصه و«تجيب» آخره ترميه علي قارعة الطريق، وإسرائيل فعلت بمبارك ذلك بعد أن فكك مصر وشوه أجيالاً، وكان حريصا علي أن يتخرج في التعليم شباب يأكل ويشرب فقط.. ولا يعرف معني الحرية أو الوطن. ولكن أحد هذه الأجيال هو الذي حمل علي عاتقه إشعال شرارة ثورة 25 يناير. - الثورة دي لها ظروف مختلفة، صحيح الشباب دعا إليها، ولكن كل المصريين شاركوا فيها لكي يتخلصوا من حكم أفظع من حكم النازي. تقصد أن مبارك كان أكثر قسوة من هتلر؟! - والله كان هتلر أكثر إنسانية من مبارك الذي استعمل أدوات الشر كلها واستعان بالشياطين لكي يبقي جاثما علي صدور المصريين. من تقصد بالشياطين؟ - كل من عمل مع مبارك وسانده. مثل من؟ - الأسماء معروفة للجميع .. بعضهم في طرة الآن وبعضهم مازال حراً. وهؤلاء حالياً أكثر شراسة من قبل.. لأنهم خائفون علي أنفسهم من دخول «طرة». أشعر وكأنك تدافع عن «عبدالناصر» رغم أنك رأيت الموت في عهده عشرات المرات حينما انضممت للمجاهدين عام 1967؟ - إحنا في السويس عملنا مقاومة دون أن يطلب منا أحد ذلك.. وقفنا وقلنا اليهود مش هيخشوا السويس إلا لما يموت آخر طفل سويسي، وكان في السويس وقتها ما بين 600 و700 رجل والباقي تم تهجيرهم خارج المدينة، ومن 5 يونيو 1967 وحتي 20 سبتمبر من ذات العام شكلنا مجموعات وأنقذنا 16 ألف ضابط وجندي من الموت في السويسوسيناء وساعدناهم علي العودة للقاهرة، وعندما تسللنا إلي سيناء كنا بجد عشرات العساكر المصرية مهروسين علي الأرض بعد أن قتلهم الصهاينة بالمرور فوقهم بالدبابات.. ورأينا نسوراً تأكل جثث بعض العساكر فقمنا بدفنها.. وأذكر انه في تلك الأيام كتب محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام في ذلك الوقت سلسلة مقالات بعنوان «نحن وأمريكا» راح يسرد فيها مدي قوة أمريكا ويؤكد أن مصر دخلت الحرب بالخطأ لأنها لا تملك السلاح الذي تملكه أمريكا .. ووقتها كتبت عدة قصائد تدعو إلي الصمود والمقاومة مهما كان الثمن. منها قصيدة «بينا ياللا بينا»؟ - بالفعل.. وقلت في هذه القصيدة «بينا ياللا بينا نحرر أرضينا.. وعضم اخواتنا نلموا.. نلموا.. نسنوا.. نسنوا.. ونعمل منه.. مدافع.. وندافع ونجيب النصر هدية مصر. وفي قصيدة «ح أحارب» قلت بسناني وبضوافري ونن عيني.. لو حكمت.. لو ألف طعنة في جتتي برمش عيني.. لو حكمت ح أحارب. وفي قصيدة برقية حب للسويس قلت «إتعلمنا منك.. كيف الموت يتحب.. واتعلمنا منك.. وقت الشدة.. نهب، واتعلمنا ندوس الصعب، بهذه الخطوة.. ندق الكعب.. واتعودنا شهيدك يبقي.. عريس.. يا أحلي مدينة وناس.. ينباس ترابك ينباس.. يا سويس.. يا سويس.. وفي تلك الفترة كونت جماعة ولاد الأرض..؟ - بالفعل.. كان عددهم 166 شاباً متطوعاً واستشهد منهم عدد كبير.. كانوا جميعا شباباً يحبون مصر بجد، وكنا نقاوم الصهاينة ونحرس المنشآت الحيوية. وعندما طالت الفترة.. فكرت في وسيلة أزرع بها الحماس في قلوب هؤلاء الشباب، وهداني تفكيري إلي كتابة شعر حماس يغني علي السمسمية.. ونجحت الفكرة بالفعل وانتشرت أشعاري بشكل كبير. وفي عام 1968 طلب مني «حافط بدوي»، وكان وقتها وزير الشئون الاجتماعية ان اكتب أغنية لعبدالحليم حافظ وبالفعل كتبت أغنية «روح يا الحمام شَعر وبوس علي كل إيد حاضنة البنادق».. ولكن دخل عبدالحليم حافظ في نوبة مرض فلم يقرأ كلمات الأغنية. وكم عدد القصائد التي كتبتها؟ - ما بين 600 و700 قصيدة.. وكلها عن الحرب والصمود وبكرة. وهل تذكر أول بيت شعر كتبته؟ - كان بيقول مش هنسلم.. لا.. لا.. رأي الشعب صاحب الحق.. رأيه قاله عالي عالي. ألا تري ان الشعر الذي قلته عام 1967 مازال ينطبق علي واقعنا الآن؟ - أصل الظروف متشابهة.. زمان كنا بنتصدي لجيش الصهاينة اللي عايز يحتل بلادنا ودلوقتي بنتصدي لبلطجية مبارك اللي كان محتل بلادنا. وما آخر قصيدة كتبتها؟ - قصيدة أبداً.. وتقول: «أبدا ما حنبطل كفاح.. أبداً ما حنبطل غنا.. أبداً ما حنمل السلاح.. لو حتي طالت ميت سنة». وهل ندمت يوماً علي بيت شعر قلته؟ - لم يحدث. وماذا كتبت عن ثورة 25 يناير؟ - كتبت قصيدة بعنوان ثورة قلت فيها «طالعة من التحرير ثورة ما شا الله، عليها.. ثورة شباب مغاوير طاهرة لا شيء عليها.. طالعة من التحرير موالها سلمية.. الشهدا تلال نور والشهقة عربية.. طالعة من التحرير ثورة وشعبية.. والشعب هو الجيش والثورة مصرية. ولكن الثورة انطلقت من السويس وليس من القاهرة؟ - دا اعتراف مهم يا ريت كل وسائل الإعلام يكون عندها الشجاعة وتعترف بأن السويس هي أم الثورة.. وأنا كتبت قصيدة تقول «طالعة السويس طالعة.. شامخة كما قمم الجبال طالعة السويس.. والعة.. مارد بيتخطي المحال.. ولا فيش محال قدام شبابك يا سويس.. طالع شبابها الصلب بيصد التتار.. حالف بدمه يفتديكي يا سويس.. يا زند مصر ورسغها.. وقت الزلزال. دورك خلال سنوات المقاومة يضعك في قمة المجاهدين.. والغريب انك لم تتلق التكريم الذي تستحقه.. لماذا؟ - أنا قاومت مع المجاهدين لأنني أؤمن بأن هذا هو الواجب، وقلت الشعر من أجل تحفيز هؤلاء المجاهدين، ولم أفعل هذا ولا ذاك انتظارا لتكريم من هنا أو هناك، ولم يكن يشغلني ان يكرمني رئيس أو وزير وإنما كان شغلي الشاغل أن أحول الكلمة إلي دانة مدفع نرد بها هجوم جيش الصهاينة. وعندما تولي السادات حكم مصر أزعجته أشعاري التي تنادي بتحرير الأرض من الاحتلال ولهذا حدد إقامتي بالقليوبية في مارس 1973. ولأن مبارك لا يقرأ ولا يسمع الأشعار لم يهتم بي وبشعراء كثيرين، ولم يلمع في عهده سوي الراقصات ولاعبي كرة القدم.