عزبة أبوحشيش ورملة بولاق والشرابية وروض الفرج.. نماذج واقعية لأغلبية فقراء مصر الذين يقطنون عشش الصفيح والخشب التى تشبه بالعلب، وأقل ما توصف به أنها «مقابر للأحياء».. أفراد كثيرون يعيشون حياة قاسية ومريرة فى عشة واحدة لا تزيد مساحتها على مترين طولاً ومتر ونصف عرضاً آباء وأمهات وأطفال وشيوخ ونساء يعيشون جميعاً فى أماكن لا تصلح لحياة البشر.. حجرات خشبية ضيقة تكفى بالكاد لمرور شخص واحد.. شبابيك وهمية ومتلاحقة. لا توجد مياه نظيفة ولا صرف صحى ولا مستشفيات وأغلب هؤلاء المعدمين عمالة موسمية ليس لها تأمين صحى ولا دخل ثابت ورائحة الفقر والمرض تنبعث من كل مكان، والاطفال لا يجدون سوى القمامة والشوارع الضيقة ملعباً لهم يعيشون حياة فقيرة فى كل شىء، اقتربنا منهم ونقلنا صورة لحياتهم الواقعية فشلت حتى أكثر الأفلام السينمائية تشاؤماً فى تصويرها كما هى. كانت علامات الإعياء والألم وقلة الحيلة تبدو واضحة على ملامح أم سيد وهى السيدة المسنة التى تجاوزت ال«80» من عمرها ووجدناها جالسة أمام غرفتها الصغيرة المبنية من الطوب القديم برملة بولاق فى انتظار السؤال عنها، وقد فرحت كثيراً عندما شاهدتنا وسألتنا عما نحتاج وعرضت علينا الجلوس داخل غرفتها التى تحتوى على سرير قديم «وقلة» وكوب وحصيرة متهالكة مفروشة على الأرض. وقالت: عندى 6 أولاد جميعهم متزوجون يسألون عنى من حين لآخر ويجودون على بما أعطاهم الله من رزق والحمد لله، أولادى بيعملوا اللى عليهم ولكن الصعوبة تكمن فى غلاء المعيشة ونحن مازلنا خارج حسابات الحكومة ثم جاء فجأة الابن الثالث لهذه السيدة المسنة ويدعى محمد عبدالرحيم صالح الذى صرخ فى وجهنا وقال: لا أحد يأخذ بأيدينا أو يحاول ان يساعدنا، فأنا عندى «4أولاد» منهم «3 بنات» والحمل تقل قوى على ونحن نعيش فى رملة بولاق من مئات السنين من جدود جدودنا وحالى مثل حال أهل منطقتى، جميعنا يتمنى أن تنصلح الأحوال لنعيش حياة آدمية مرتاحى البال ولكن منين والعين بصيرة واليد قصيرة، لذا نطالب الحكومة بأن توفر لنا مساكن آدامية بديلة عن مساكننا القديمة أو توصيل المرافق لهذه المساكن والعمل على اتاحة فرص العمل لنا حتى نشعر بالأمان والاستقرار داخل بلدنا ولا يظلم أحد منا. وفى احدى عشش رملة بولاق، حيث للفقر الكلمة الأولى والأخيرة تعيش أم رامى وأبناؤها السبعة حياة لا ترقى لمستوى حياة البشر تلك العشة الخشبية بالنسبة لقاطنيها هى الدنيا وما فيها،بداخلها الدفء من برد الشتاء، وبظلها يحتمون من حر الصيف، تقيم الأم وأبناؤها السبعة فى هذه الغرفة ينتظرون عطف المحسنين بعد ان نسيتهم الحكومات المتعاقبة، تقول أم رامى: المنطقة هنا لا يوجد بها مياه ولا صرف صحى ولا كهرباء ونضطر لشراء جركن المياه من عربات تبيعه لنا بسعر جنيهين للجركن ونستخدم هذه المياه فى اعداد الطعام فقط، وأضافت: أوقات الشتاء تمر علينا بصعوبة شديدة فالأمطار تغرق عششنا ولا نجد شيئاً يعصمنا من البرد القارس، لذلك نقوم بإشعال بعض قطع الخشب لكى نشعر بالدفء، وتبقى مشكلة المياه التى تملأ العشة وتغرق ما بداخلها وكل ما نتمناه أن نعيش فى شقة بها باب مقفول ودورة مياه وبلكونة كبيرة تدخلها الشمش والهواء لكى نشعر بأننا مازلنا أحياء، وأضافت: كنا نظن ان الثورة ستنصفنا وتمنحنا جزءاً من حقنا فى هذا الوطن، ورغم أن هذا لم يحدث حتى الآن فإننا مازلنا نحلم بهذا اليوم الذى نعيش فيه قبل أن نموت. أم ناصر لديها بنتان ومقيمة فى نفس المكان فهى تعاني من اصابات بالغة فى العمود الفقرى وحساسية فى الصدر، مما يستلزم علاجاً شهرياً مرتفع التكاليف لا يتناسب مع ظروفها المعيشية الصعبة. حيث انها تقوم بجمع بقايا البلاستيك والعيش المكسر العفن من القمامة لتذهب وتبيعه لتوفر لأبنائها قوت يومهم، حيث لا يوجد لهم أى مصدر رزق، والأولاد مازالوا صغاراً «7 سنوات» و«10 سنوات« ويحتاجون الى مصاريف كثيرة وتقول: حياتنا كلها معاناة وتعب ولكن الحمد لله على كل شىء، فلا نستطيع الا ان نقول ذلك ولكن ألن يأتى علينا يوم يشعر فيه أحد المسئولين بنا؟ ومتى سيأتى هذا اليوم؟ وبمرورنا بين سكان عشش روض الفرج ووسط العشوائيات المجاورة للقطار لاحظنا امرأة جالسة تسبح بحمد الله وتشكره على نعمه الوفيرة لكى يرزقها من حيث لا تحتسب وتدعى هذه المرأة العجوز تفيدة أبوالعلا وتبلغ من العمر سبعين عاماً وتعيش مع أولاد ابنتها المتوفاة صغار السن وتجلس أمام المنزل فى انتظار من يمنحها ولو أقل القليل فليس لها الا ان تفعل ذلك فهى عجوز لا تقدر على العمل واحفادها صغار يحتاجون إلى من يعولهم سألناها عن أحوالها فقالت: أعيش أنا وأحفادى على ما يمنحه لنا أهل الخير، وبعد ارتفاع الاسعار أصبح كل شىء غالياً ولا نملك حتى الغطاء الذى يقينا من البرد وكل ما نتمناه أن ينظر الآخرون الينا نظرة عطف. الحاجة رضا محمود ينادونها ب«أم محمد» كانت تجلس أمام العشة التى تسكنها وتبيع سلعاً بسيطة لجيرانها والحزن يملأ وجهها ومشاعر الغضب تمتلكها وعندما اقتربنا منها وسألناها عن احوالها: أكدت لنا أن الحياة أصبحت بلا قيمة أو هدف يمكن السعى له، خاصة بعد مرض زوجها الطويل الذى كان يعمل أرزقى وانتهى بوفاته وحبس عائلها الوحيد «ابنها» العام الماضى وتركوها لتواجه المرار والذل والمهانة فى الشارع بحثاً عن لقمة عيش شريفة تتكسبها بالحلال من بيع بعض السلع الهامشية لسكان العشش بالاضافة الى مساعدات اهل الخير وتتمنى من المسئولين بالحكومة ان ينظروا فى حالتها ويوفروا لها مسكناً بسيطاً حتى تعيش فيه اللى باقى من عمرها «هى وابنها» بعيداً عن حياة العشش المهينة. عدوى رمضان عبدالكريم «بائع بليلة» لديه «3 أولاد» ومقيم فى «20- شارع اسماعيل ابوعوف من شارع المحطة بشتيل البلد بمحافظة «6 أكتوبر» يحكى قصة ابنه وعيناه تفيضان بالدموع قائلاً: تعرض ابنى البالغ من العمر «10 سنوات» لحادث مؤسف بسبب دخول رايش زجاجة حاجة ساقعة فى عينه اليسرى مما تسبب فى قطع قرنية عينه، فذهبت به الى اكثر من مستشفى لكننى لوجئت بأنه سيحتاج الى ثمانى عمليات وبالفعل قمت بعمل هذه العمليات المطلوبة بما يتلاءم مع امكانياتى المادية المحدودة الا اننى علمت بانه يحتاج أيضاً «لعملية ترقيع قرنية تصل تكاليفها الى «18» ألف جنيه فمن أين آتى بهذا المبلغ وأنا عامل بسيط رزقى يوم بيومه، لذا أناشد القلوب الرحيمة أن تقف بجانبى لانقاذ هذا الصغير الذى لم يتمكن من اكمال تعليمه بمعهد صقيل الابتدائى الأزهرى وكنت أحلم ان يكمل تعليمه ويعمل فى مهنة محترمة ترحمنى أنا وأخواته من هذا الفقر.