د. حسن نافعة انتهى المصريون في الخارج من الإدلاء بأصواتهم في انتخابات الرئاسة المصرية وأعلنت اللجنة المشرفة على هذه الانتخابات نتائجها غير الرسمية. غير أن النخب السياسية في مصر قدمت قراءات شديدة التباين لدلالات هذه النتائج. فالقوى المؤيدة لخريطة الطريق الجديدة، التي تعتبر أن ما جرى في مصر يوم 30 حزيران (يونيو) ثورة شعبية أيدها الجيش، رأت أن إقبال المصريين على التصويت في الخارج كان كثيفا ويقدم دليلاً دامغاً على ضآلة حجم وثقل وتأثير جماعة «الإخوان» والقوى السياسية المتحالفة معها، أما القوى الرافضة لهذه الخريطة، والتي تسم كل ما يرتبط بها من إجراءات، بما فيها الانتخابات الرئاسية، بالبطلان باعتبارها إفرازات لانقلاب عسكري أطاح بالسلطة الشرعية المنتخبة، فقد قرأت هذه النتائج بطريقة معاكسة تماما، ورأت فيها دليلاً دامغاً على صحة موقفها وعلى تجاوب الشعب المصري مع الدعوة لمقاطعة الانتخابات الرئاسية وكل انتخابات تدعو إليها سلطة الانتخابات. والسؤال: على أي أساس استندت هذه القراءات المتباينة إلى حد التناقض، خصوصاً أن أحدا لم يشكك في صحة الأرقام التي طرحت أو في سلامة العملية الانتخابية من الناحية الإجرائية؟ لفهم هذا التباين، علينا أن نتذكر حقيقة أساسية وهي غياب أي أرقام رسمية تتعلق بالعدد الإجمالي للمصريين المقيمين بالخارج أو بنسبة من يحق لهم الإدلاء بأصواتهم من بين هؤلاء. فمن قائل بأن هذا العدد لا يقل عن 5 ملايين مواطن، معظمهم ممن تجاوزوا سن الثامنة عشرة، ومن قائل بأنه لا يقل عن 10 ملايين مواطن معظمهم ممن تجاوزوا سن الثامنة عشرة وبالتالي يحق لهم المشاركة في أي عملية انتخابية، لذا فعندما يقال إن عدد من شاركوا في التصويت في الانتخابات الرئاسية لعام 2014 يبلغ حوالى ثلاثمئة ألف ناخب، يلجأ الراغبون في التدليل على ضآلة هذا الرقم إلى نسبته إلى إجمالي عدد المصريين المقيمين بالخارج، ويؤكدون أن نسبة المشاركة في التصويت لا تتجاوز 3 في المئة في حدها الأدنى أو 6 في المئة في حدها الأقصى. وعندما تسأل هؤلاء عن السبب الذي يدفعهم لنسبة أعداد المشاركين في التصويت إلى العدد الإجمالي للمقيمين في الخارج، بدلاً من العدد الإجمالي للناخبين المسجلين في الخارج، يسارعون بالقول: ويحك.. لقد تم إلغاء شرط التسجيل هذا العام بل وشرط إثبات الإقامة في الخارج، وبالتالي أتيح لكل الموجودين في الخارج للمرة الأولى أن يشاركوا في الانتخابات. غير أن هذا الفريق يتعمد تناسي حقيقة مهمة وهي أن الحاملين فقط للرقم القومي، أو لجواز سفر حديث يتضمن بيانات الرقم القومي، هم فقط من سمح لهم بالمشاركة في التصويت في الخارج، كما يتجاهل في الوقت نفسه أن التصويت تم للمرة الأولى هذا العام باستخدام «قارئ آلي» لضمان عدم التكرار، كما تم إلغاء التصويت عن طريق البريد العادي أو البريد الإلكتروني، منعاً لأي تلاعب وحرصاً على سلامة العملية الانتخابية. إذا أردنا تقديم قراءة موضوعية متجردة لنتائج تصويت المصريين في الخارج في انتخابات العام 2014، بعيداً من أي اعتبارات أيديولوجية أو حزبية، يجب أن تكون هذه القراءة مبنية على مقارنة رقمية مع نتائج انتخابات 2012. ولكي تصبح هذه المقارنة أكثر دقة من الناحية العلمية يجب أن تكون بين من توجهوا بأنفسهم إلى مقار اللجان في الخارج في الجولة الثانية من انتخابات 2012، وليس بين إجمالي من أدلوا بأصواتهم في الجولة الأولى، نظراً لإلغاء التصويت عبر البريد هذه المرة، ونظراً لمحدودية الاختيار في الحالتين وتماثله، حيث تعين على الناخب في الجولة الثانية من انتخابات 2012 الاختيار بين مرشحين هما: محمد مرسي وأحمد شفيق، وأيضاً بين عبد الفتاح السيسي وحمدين صباحي في انتخابات 2014 والتي تتم عبر جولة واحدة. إذا طبقنا هذه المعايير، فسنصل إلى النتائج المهمة التالية: 1- إجمالي من أدلوا بأصواتهم في الجولة الثانية من انتخابات 2012 بلغ حوالى 292 ألف ناخب، في مقابل حوالى 317 ألف ناخب في انتخابات 2014. وتظهر هذه المقارنة أن عدد المشاركين في انتخابات 2014 يزيد بحوالى 25 ألف صوت عن مثيله في انتخابات 2012، أي بنسبة تبلغ حوالى 20 في المئة. 2- لم يتجاوز إجمالي عدد من توجهوا إلى المقار الانتخابية للإدلاء بأصواتهم بأنفسهم في انتخابات 2012 ثلث عدد من توجهوا بأنفسهم بأصواتهم في انتخابات 2014، ولهذه النتيجة دلالة خاصة جداً وشديدة الأهمية،لأنها تؤكد على وجود إصرار كبير وحقيقي على المشاركة في انتخابات 2014 مقارنة بانتخابات 2012. فمن المعروف أنه يتعين على الناخب في بعض بلدان المهجر أن يقطع مئات، بل وأحيانا آلاف الأميال ليتمكن من الإدلاء بصوته في المقر الانتخابي الأقرب إلى محل إقامته والذي عادة ما يقتصر على مقر واحد في عاصمة البلد الذي يقيم به. غير أن السؤال الأهم والذي يتعين علينا أن نطرحه في نهاية هذا المقال هو: هل يمكن الاستناد إلى نتائج تصويت الخارج للاسترشاد بما سيكون عليه تصويت الداخل وبالتالي للنتائج النهائية للانتخابات الرئاسية؟ والجواب: ليس بالضرورة، ففي انتخابات 2012 حصل مرسي على حوالى 75 في المئة من إجمالي من شاركوا في التصويت خارج البلاد، لكنه لم يحصل إلا على أكثر قليلا من 51 في المئة من إجمالي المشاركين في التصويت من الداخل والخارج معاً. أما منافسه أحمد شفيق فلم يحصل إلا على اقل من 25 في المئة من أصوات الخارج بينما حصل على أكثر من 48 في المئة من إجمالي أصوات الداخل والخارج معاً. وبالقياس، يمكن القول إن حصول السيسي على ما يقرب من 95 في المئة من أصوات المصريين في الخارج قد يكون مؤشراً على أن احتمالات فوزه بالمقعد الرئاسي تبدو أكثر بكثير من احتمالات فوز خصمه، لكن ليس بالضرورة بالنسبة الكاسحة نفسها لتصويت الخارج والتي قد تضر به أكثر مما تفيده في نهاية المطاف! نقلا عن صحيفة الحياة