أيام قليلة وينتهي الاستحقاق الثاني من خريطة المستقبل بعد انتخاب رئيس للبلاد، وتبدأ مرحلة الاستحقاق الثالث وهو اجراء الانتخابات البرلمانية، وحتي كتابة هذه السطور لم يصدر بعد قانونا مباشرة الحقوق السياسية ومجلس النواب، وأعتقد ان القانون بات شبه جاهز لإصداره، لكن تظل هناك مشكلة أساسية نتمني ألا يصدر بها القانون، لأنها ستكون بمثابة الطامة الكبري.. المشكلة هي اجراء الانتخابات البرلمانية بانتصار النظام الفردي علي القائمة، والتسريبات التي تم إعلانها مؤخراً بأن نظام الانتخابات سيجري بنسبة 80٪ للفردي و20٪ للقائمة، أصابت المرء بحالة كآبة وحزن شديد. فلو أن اجراء الانتخابات تم بالغلبة للنظام الفردي، فهذا معناه المزيد من الانكسار الشديد للأحزاب السياسية، وتكون البلاد بعد الثورتين العظيمتين قد كرست نفس سياسة الحزب الوطني المنحل الذي أصر بكل حكوماته علي مدار ثلاثين عاماً لخلق أحزاب ورقية لا فائدة منها سوي تزيين نظام الحكم أو شكل ديكوري لا أكثر من ذلك.. التخوف الشديد هو التخلي عن القائمة واجراء الانتخابات بالنظام الفردي، وهذا معناه تكريس حكم نظام الفرد وهذا ما لا يقبله أحد علي الإطلاق.. فالنظام الفردي في الانتخابات يعني شراء مقاعد مجلس النواب بالأموال.. فسطوة رأس المال هي التي ستأتي بنواب لا انتماءات سياسية لهم. وفي ظل الظرف السياسي الراهن كلنا يعلم علم اليقين أن رجال الحزب الوطني جمعوا أنفسهم في «لوبي» جديد، يسعي بكل السبل لأن يحتل مقاعد البرلمان وساعتها تكون الطامة الكبري، وصحيح انه صدر حكم قضائي بعزل قيادات ورموز الحزب الوطني، لكن هذا لم يمنع هذه الرموز من تجميع قواها من خلال الصفوف الثانية والثالثة والرابعة وتشكيل لوبي جديد أعلن صراحة أنه لا يرضيه الحصول علي 60٪ من مقاعد البرلمان، وساعتها يكون له الحق في تشكيل الحكومة الجديدة.. فهل هذا يرضي به أحد؟!.. في ظل الدستور الجديد الذي يؤكد علي مبدأ تداول السلطة، لابد أن تنشط الأحزاب السياسية، ونشاطها يبدأ من اجراء الانتخابات بالقائمة وليس بالنظام الفردي، والقائمة تمنع سطوة رأس المال من التحكم في البرلمان عن طريق أفراد يمتلكون الأموال. تداول السلطة لا يتأتي إلا بوجود الأحزاب السياسية والخطاب الإعلامي السائد حالياً الذي يقلل من شأن الأحزاب، مصدره في نهاية المطاف هو رموز الحزب الوطني الذين يسعون إلي تحقيق مصالحهم الخاصة فحسب.. وإذا كانت الأحزاب السياسية قد مرت بمرحلة ضعف فليس لها ذنب في هذا الشأن، لأن الدولة أيام حكم «مبارك» أو بالأحري منذ ثورة 23 يوليو، وهي تصر علي ضعف الأحزاب وتحويلها إلي أحزاب كرتونية.. وليس معني ذلك أن يرضي أحد بهذا الشأن الشاذ والغريب. الخوف الشديد فعلاً هو باجراء الانتخابات البرلمانية بالنظام الفردي الذي يقود إلي مهالك ليس للأحزاب وحدها وإنما للبلاد نفسها، ونتمني ألا تقع اللجنة المكلفة بوضع قانوني مباشرة الحقوق السياسية ونظام الانتخابات في المحظور الذي ينتظر المصريون بفارغ الصبر أن تسود الديمقراطية الحقيقية في البلاد بالدولة الحديثة التي ينشدها كل المصريين.. ويجب ألا ينجرف أحد لدعوات البطلان التي ينادي بها قلة مرجفة من أجل النظام الفردي.