لا بديل عن مواجهة أمنية تحسم موقف الدولة من الإرهاب، وقد بات يستهدف بقاء الدولة ذاتها، حاصداً أرواح وأرزاق أبناء الوطن، وهي مواجهة لا تنقصها مؤازرة الشعب بأسره، إذا ما أهملنا البعض ممن آثروا الانفصال عن طموحات الشعب وإرادته الحرة في بناء دولة ديمقراطية حديثة، تظللها سيادة القانون. وتأتي قوة الدولة، وحنكة القائمين علي إدارة شئونها، ومدى صدق الإرادة السياسية في تحول ديمقراطي حقيقي، ممثلاً في مدى ما نحققه من إنجاز لتلك المهمة الوطنية بالتوازي مع ما نقطعه علي طريق إنجاز عملية التحول الديمقراطي؛ فليس في مقاومة الإرهاب ما يبرر ردة نعود بمقتضاها إلي عهود لطالما أشاع حكامها أن تعارضاً ما ينشأ بين الأمن والاستقرار من جهة، وإقرار الحريات من جهة أخرى، فردة علي هذا المنوال ترتب لنا موعداً غير مرغوب فيه، مع أنظمة سقطت تحت أقدام الملايين الثائرة في الخامس والعشرين من يناير وفي الثلاثين من يونيه علي السواء. غير أن الدرس الوطني التاريخي يشير إلي عجز القبضة الأمنية عن اللحاق بكافة عوامل الاستقرار والتقدم؛ ومن ثم لا ينبغي إهمال القبضة السياسية، الداعمة لكل جهد وطني مخلص، لا يسعي إلي تغليب مصالحه الذاتية، ولا يجد في العمل السياسي مغنماً يبرر الالتفاف حول مبادئ الثورة، التي راح ضحيتها الكثير من أبناء الوطن، ودفع الشعب من أمنهم واستقرارهم وأقواتهم في سبيل الحفاظ علي حقهم في حياة كريمة حرة. وبداية ينبغي التأكيد علي عدة أمور نؤسس عليها إستراتيجيتنا الساعية نحو قبضة سياسية واجبة، نُحكم بها السيطرة علي مسار الركب الثوري، ونهيئ له ما يشكل قوة ذاتية دافعة نبلغ بها أهداف ثورتنا. فلا جدال في أن ثورة يناير هي الثورة الأم، التي اعتلتها طموحات الشعب المصري في حياة أفضل، فإذا بالشعب يجد ثورته وقد انحرفت عن سواء السبيل الثوري، إلي طريق الإخوان المضاد، فخرجت الملايين في الثلاثين من يونيه تستعيد ثورتها؛ ومن ثم فما الثلاثين من يونيه إلا الامتداد الطبيعي للثورة الأولي في الخامس والعشرين من يناير، وما أعداء الأولي إلا أعداء الثانية، وإن تغنوا معنا برحيل حكم الإخوان الإرهابي. وكما رفض الشعب قبول مشاركة الإخوان في ثورة يناير مبرراً لقيادتهم لها، فإن مشاركة نظام مبارك في ثورة الثلاثين من يونيه لا ينبغي أن تهيئ لهم موقعاً لقيادتها، وهي الامتداد الطبيعي لثورة يناير التي نهضت بالأساس للتخلص منهم. وترتيباً علي ذلك فقد بات رموز نظام مبارك وأتباع جماعة الإخوان في صف واحد تتعارض مصالحه مع جوهر الثورة المصرية، بغض النظر عن بعض القواسم المشتركة والمتغيرة غير المؤثرة التي تفرضها طبيعة العملية السياسية، وما تحمله من تقاطعات وتشابكات. ولما كانت الدساتير تؤسس لمسيرة وطنية ممتدة، فإن الدستور الجديد، وقد جاء في أعقاب ثورة شعبية تعلي من شأن الحريات، قد حرص علي عدم النص علي العزل السياسي، تاركاً الثورة أمانة في يد أبنائها؛ وبالتالي كان علينا أن نضع من القوانين ما يرتب للقوى الثورية الحقيقية أدواراً تتناسب ومدى مساهماتها في المكتسبات الثورية، كسبيل لا بديل عنه إذا ما أردنا إنجاز عملية التحول الديمقراطي المنشود، بعيداً عن هواجس الارتداد خلفاً. وعلي خلفية الاستحقاق الرئاسي الذي تعيش البلاد أجواءه، تدور في الخفاء والعلن، تدابير الاستحقاق البرلماني المقبل، بوصفه الباب الأوسع لعودة رموز نظام مبارك الفاسد، ناهيك عن محاولات الإخوان الدفع بوجوه غير معروف انتماؤها للجماعة، أو علي الأقل من المتعاطفين معها، بعد أن أيقنوا صعوبة دخولهم الانتخابات البرلمانية بوجوه سافرة. والواقع أن الوطن بات في حاجة ملحة إلي فسحة من الوقت، بمحددات قانونية، تتراجع بموجبها وجوه رموز نظام مبارك وأتباع جماعة الإخوان علي السواء، وقد اقتسموا فيما بينهم مهمة إهدار قيمة ومقدرات الوطن، وغير ذلك تظل القبضة السياسية غير مُحكمة، والقبضة الأمنية غير كافية. «الوفد»