الحكومة تبعث برسالة اطمئنان لجميع المستثمرين| مدبولى: إزالة أي تحديات تواجه مشروعات القطاع الخاص    حصاد الوزارات.. وزارة الصحة تكشف 7 طرق للحماية من الإصابة بضغط الدم    هذا هو مستقبل مصر المشرق    44 ألف طن قمح رصيد صوامع الغلال بميناء دمياط اليوم    "المتحدة" توقع عقد شراكة مع تريد فيرز لتنظيم معرضى Cairo ICT وCAISEC    جمعهما لقاء سابق.. عبد الرحيم علي: المدعي العام للمحكمة الجنائية رجل عنيد يبحث عن العدالة    الصحة العالمية: ثلثا مستشفيات غزة خارج الخدمة بسبب أوامر الإخلاء والحرب    خبراء أمريكيون: تراجع حملة بايدن لجمع التبرعات عن منافسه ترامب خلال أبريل الماضى    رئيس لجنة الحكام يحضر مباراة الترسانة وحرس الحدود فى دورة الترقى    سام مرسي يتوج بجائزة أفضل لاعب في «تشامبيونشيب»    النيابة بحادث ميكروباص أبو غالب: انتشال جثث 11 فتاة وفقد 5 ونجاة 7 وإصابة 2    6 يونيو المقبل الحكم بإعدام المتهمة بقتل طفلتيها التوأم بالغردقة    موعد وقفة عيد الأضحى وأول أيام العيد 2024    القبض على طالب دهس سيدة بسيارته فى منطقة مصر الجديدة    ضبط المتهمين باختطاف شخص بسبب خلاف مع والده فى منطقة المقطم    محمد صبحى: تقدم الجامعات المصرية بالتصنيفات الدولية بلورة لتوجيهات القيادة السياسية    الصحة تفتتح الدورة التدريبية بجلسة "الكبسولات الإدارية فى الإدارة المعاصرة"    إقبال السياح على مكتبة مصر العامة بالأقصر (صور)    وزير الرى: 70 % من استهلاك المياه في الزراعة وإنتاج الغذاء    تضامن الفيوم تنظم قوافل طبية تستهدف الأسر الفقيرة بالقرى والنجوع    وزير الصحة يفتتح الجلسة الأولى من تدريب "الكبسولات الإدارية في الإدارة المعاصرة"    لمواليد برج الجوزاء.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    السكة الحديد: تخفيض سرعة القطارات على معظم الخطوط بسبب ارتفاع الحرارة    مجلس الوزراء يبدأ اجتماعه الأسبوعي بالعاصمة الإدارية لبحث ملفات مهمة    «جولدمان ساكس»: تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر ستصل إلى 33 مليار دولار    مسابقة 18 ألف معلم 2025.. اعرف شروط وخطوات التقديم    أحمد أيوب ل"هذا الصباح": ثبات موقف مصر تجاه فلسطين أقوى رد على أكاذيب إسرائيل    مصدر رفيع المستوى: ممارسة مصر للوساطة جاء بعد إلحاح متواصل للقيام بهذا الدور    موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بورسعيد    كيفية الحفاظ على كفاءة التكييف في فصل الصيف    العمل تنظم فعاليات "سلامتك تهمنا" بالمنشآت الحكومية في المنيا    أبرزهم بسنت شوقي ومحمد فراج.. قصة حب في زمن الخمسينيات (صور)    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    عاجل..توني كروس أسطورة ريال مدريد يعلن اعتزاله بعد يورو 2024    "لحصد المزيد من البطولات".. ليفاندوفسكي يعلن البقاء في برشلونة الموسم القادم    افتتاح ورشة "تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية" في شرم الشيخ    تريزيجيه جاهز للمشاركة في نهائي كأس تركيا    جوارديولا: أود مشاركة جائزة أفضل مدرب بالدوري الإنجليزي مع أرتيتا وكلوب    بروتوكول تعاون بين نقابة السينمائيين واتحاد الفنانين العرب و"الغردقة لسينما الشباب"    الأكبر سنا والمربع السكني.. قرارات هامة من «التعليم» قبل التقديم للصف الأول الابتدائي 2024    فدوى مواهب تخرج عن صمتها وترد على حملات المهاجمين    الأزهر يطلق صفحة مستقلة بفيس بوك لوحدة بيان لمواجهة الإلحاد والفكر اللادينى    سفير الاتحاد الِأوروبى بالأردن: "حل الدولتين" السبيل الوحيد لحل القضية الفلسطينية    بإجمالي 37.3 مليار جنيه.. هيئة قناة السويس تكشف ل«خطة النواب» تفاصيل موازنتها الجديدة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    تعديلات جديدة على قانون الفصل بسبب تعاطي المخدرات    رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر يتابع أعمال التطوير بالقطاعين الشرقي والشمالي    سيدة «المغربلين»    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    الرئيس الصيني: السياحة جسر مهم بين الشعبين الصيني والأمريكي للتواصل والتفاهم    طلاب جامعة القاهرة يحصدون المركزين المتميز والأول فى مسابقة جسر اللغة الصينية    5 نصائح غذائية للطلاب خلال فترة الامتحانات من استشارية التغذية    51 مباراة دون هزيمة.. ليفركوزن يسعى لمواصلة كتابة التاريخ في موسم استثنائي    البيت الأبيض: إسرائيل وافقت على طلبات أمريكية لتسهيل إيصال المساعدات إلى غزة    طريقة صنع السينابون بالقرفة.. نكهة المحلَّات ولذَّة الطعم    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    اجتماع الخطيب مع جمال علام من أجل الاتفاق على تنظيم الأهلي لنهائي إفريقيا    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى انتظار الرئيس القادم
غلابة على باب القصر
نشر في الوفد يوم 28 - 04 - 2014

شايل هموم الزمن والدنيا فوق راسى.. لا عمرى كفرت بنعمته ولا قُلت أنا.. ناس.. إن الفرج دايماً قريب مهما بعد.. وإنك يا بلدى عزوتى في وحدتى.. وأنك يا مصر في غربتى.. ناسى.
على مسافة أقل من شهرين من جلوس الرئيس السابع علي كرسي الحكم يقف عم أمير «الأرزقى»، الصابر على مُر السنين.. والست فاطمة «الشقيانة» بعد هجر زوج ضاقت به الدنيا.. ترك لها الجمل بما حمل من فقر.. وخمسة عيال!!
على باب الرئيس القادم يقف «محمود» الذى أتم عامه التاسع على أرصفة الشوارع وتحت الكبارى ووسط أكوام القمامة دون أن تذوق روحه «طعم البيوت».
و«الصول محمد» عسكرى المرور الصامد علي نار شمس الصيف و«لسعة برد الشتاء» يبتسم للجميع فيما ينتظر قلبه رصاصة غادرة «تُسيل دماءه على الطريق».
علي رصيف الأمل ينتظر الحاج «رزق» العجوز الذي أمضى نصف قرن من عمره مطحوناً في الوظيفة ثم خرج للمرض والشيب ومعاش لا يستر ولا يُغنى!
انفض مولد تقديم أوراق الترشح للرئاسة وبدأ العد التنازلى لتسمية الرئيس القادم.
الرئيس الذي ينتظره المصريون بعد طول صبر ومعاناة وثورتين تصنع الشعوب الواحدة منها في عصر من الزمان وليس شهوراً أو سنين.. الرئيس القادم تتعلق بما ستضع يداه القلوب قبل الأبصار.. قد لا يكون «خارقاً» وبالتأكيد لن يكون ساحراً.. لكنه يكفي أن يكون مخلصاً ويحب بلده وأهل بلده وحاسس بأوجاع ناسه وأبناء وطنه الفقراء والشقيانين.. الصابرين علي ضيق الحال وظلم الزمن.
ملايين المصريين من الفقراء والعاطلين والأطفال المحرومين والنساء اللاتى حملن راية الرجولة ليرعين صغاراً لا حول لهم ولا قوة.
عساكر جيش وشرطة غلابة يؤدون واجبهم فيقتلهم رصاص الإرهاب وهم يقابلون الموت بشرف وشجاعة لا يتحلى بها سوى الرجال.
مسنون من رجال ونساء بلغوا من العمر ما أوهن أجسادهم وأضعف روحهم كل ما يتمنونه أن يموتوا مستورين، حتى لو كان المعاش الذي تمنحه لهم الدولة لا يكفى ثمن دواء السكر والضغط.
وأرزقية بالملايين عايشين في الدنيا «يوم بيوم» وصحتهم هي كل ما يملكون ولو مرضوا يوماً ناموا جوعى ولا يمدون أياديهم للسؤال!
«عم أمير» واحد من هؤلاء الأرزقية تلمح في عينيه «لمعة» لا تعرف مصدرها.. هل هو الحماس الذي يولده عزم يعينه علي «شيل الطوب والزلط» أم الهم أو دمعة متحجرة تأبى السقوط بعد أن تذكر أطفاله الأربعة الذين تركهم في قريته بالصعيد لكنه قال بإصرار «عندي استعداد أقعد شهرين وثلاثة ما أكلش لحمة ولا أذوق الطبيخ بس أبعت للعيال ياكلوا وما يمدوش إيدهم لحد».
وقال عمر محسن الذي كان يخلط الأسمنت بالماء ويحمله علي ظهره.. نفسي يشوفوا عمال التراحيل ويأمنوا عليهم لأن لو الواحد قعد العيال هتجوع!
أما «صابر» فهو صابر علي الغُلب ونفسه في رئيس أمين «يبص للفقرا ويراعيهم أقسم الرجل الذي يعول 7 عيال أن «الدنيا مخاصماه».
يعنى إيه؟!
- يعني الشُغل مريح من ساعة ثورة يناير، بقالنا 3 سنين مش لاقيين حتي ندفع الإيجار.. وبأدفع 300 جنيه في الشهر حتى أنبوبة البوتاجاز ب30 جنيهاً واقتضبت ملامح الرجل وقال: «والله الإيجار مكسور علينا واللقمة مقدور عليها.. المشكلة في مدارس العيال لازم يتعلموا والتعليم بفلوس دروس «وبلا أزرق» ولو العيل ما أخدش الدرس المدرس يضطهده ويطرده من الحصة كأنها مدرسة أبوه.. نفسنا أن الرئيس يصلح حال التعليم ويلغي موضوع الدروس اللي سحب من لقمتنا ويا ريت العيال بتتخرج تلاقى شغل بيبقوا «عالة علينا برضه» المفروض العيِّل يتعلم ويشيل مسئولية مش يتمرمط في القهاوى!
من موظف محترم في قرية سياحية بالغردقة لموظف أمن أو بالأدق «حارس» ويا ريتها تدوم.. كأنه ينعي حاله ويتحسر علي ما آل إليه أيمن عبدالستار أب مصرى له ثلاثة أطفال.. رأوا معه «العز كله» علي حد تعبيره عندما كان يعمل في السياحة وكانت الحالة «عال» السياحة انضربت وماقامتلهاش قومة من 3 سنين وصاحب القرية استغنى عنى أنا وعشرات من زملائى لأننا كنا بنعيش على «النسبة» وفيه قرى كثيرة قفلت والشباب اتشردوا وبقوا يبيعوا مناديل وحلويات علي الرصيف، لكن عندي أمل في الرئيس القادم وإن شاء الله حال السياحة ينصلح ولسه الأماني ممكنة.
التفاؤل الذي أبداه أيمن غاب عن كلمات «أسامة سيد» من إسنا، ربما كانت غربته في القاهرة سبباً فيما اعترى كلامه من يأس ووحشة وشعور بالغربة قال الرجل بيأس شديد «ما أفتكرش» لأنها باينة جداً لو فيه أمل كانت الناس اتغيرت لو جه نبى مسك الرئاسة. الناس الوحشة أكثر، التجار الجشعين بيرفعوا الأسعار والناس أصلاً مش لاقية تاكل، نظر الرجل في الأرض وقال: «لا يغير الله ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم وإحنا وحشين مع بعض وبنشتغل بعض».
وقال: «انظروا إلي الموظفين كل واحد بيدور علي مصلحته وبيطالب بزيادة مرتبه، والأطباء سايبين المرضى يموتوا علشان «الفلوس» حد يقول كده؟!
الموظفون هم أكثر الفئات التي انتفعت مما حدث ولا ينظر أحد إلي الأرزقية والذين فقدوا أعمالهم بسبب الثورة.. كله بيدور علي مصلحته.
وقال «سامى» عامل بورشة إعلانات: أنا متفق تماماً مع هذا الرأى الموظفين والدكاترة وغيرهم بيزيدوا وهيزيدوا كمان لكن أصحاب الأعمال الحرة والصنايعية «حالهم واقف» وأقسم أن عاماً مر عليه لم يدخل جيبه مليم من صنعته وقال: أتعشم أن الرئيس الجديد يراعي أصحاب المهن الحرة الذين ليس لهم رواتب ويخضع أكل عيشهم لحال السوق بل حال الدولة كلها وعندنا عيال ومصاريف ومدارس وما حدش حاسس بينا!
ست بمليون راجل!
«صابرين على الأمل».. قالتها وقد مسحت عرق جبينها بطرف طرحة سوداء بالية تهش بيديها الذباب عن كومة طماطم تصر علي أن تبيعها بثلاثة جنيهات ثم تطلق زفيراً محملاً بآهات عميقة مؤلمة.. وهي توجه كلامها إلى «سيدة» التي تقسم أن كيس نقودها لم يتبق به سوي جنيهين فقط «يا دوب ثمن العيش».
قالت فاطمة «ضهرى اتقطم يا ولاد، سنين وأنا أشيل وأحط وأبيع وأشترى.. والعيال «ما تشبعش».
سيدة تقول لها: «وأنا ذنبى إيه.. هاودى شوية في القوطة. أنا شارية «اللحمة مستوردة ومالهاش طعم ب 40 جنيه وبقالنا شهرين ما طبخناش.
ترد عليها فاطمة تقولها: وحياتك أنا وأولادى آدى ثلاثة شهور عدت عايشين ع العيش والطعمية.
حوار المرأتين أشبه بتراجيديا سوداء عن «حيرة ستات مصر الغلابة» وقلة الحيلة علمت أن «فاطمة بائعة الطماطم» هجرها زوجها بعد أن فقد عمله في أحد مصانع 6 أكتوبر و«داخ على شغل.. مافيش» «سابلى» العيال وطفش.
قالت: لم أبحث عنه.. هو يعني هيعمل إيه.. هيزيد علينا ثمن السجائر؟!
أما سيدة «الحائرة» في طبخة اليوم فقالت: «بكره الرئيس الجديد ييجي وينشلنا من الشقى وناكل لحمة بلدى ويكفينا شر عضم الفراخ واللحمة المستوردة.
فيما تدخلت «أم أحمد» في الحوار وقالت: كلنا شقيانين والرجالة ما عادتش زي الأول وكأنها انطلقت من بركان غم وغيظ بصدرها، قالت: 20 سنة شغالة «تمرجية» في مستشفي بولاق أنظف الحمامات وأمسح العنابر.. والراجل سايبلي 5 عيال الحمد لله بقوا رجالة وعرايس لكن السكر أكل «رجلى» وصوابعى بتتقطع لوحدها. نفسى الرئيس الجديد يلزم الرجالة تصرف علي عيالها ويرحم الستات من الشغل والمرمطة.. صحيح ولادى «نور عينيا» لكن ما حدش بيتمني البهدلة!
عذاب آخر العمر!
شاهدته من بعيد يقطع خطواته الشارع المزدحم.. يحاول أن يفسح ل«مشاية» استند عليها مكاناً وسط أقدام البشر اشتعل الرأس شيباً.. واشتعل القلب أساً.. العجوز المسكين ينبئ ملامح وجهه عن حزن استقر بداخله.. وعندما سألته عن السبب وجدته في شدة الغضب من «أطباء اليوم».
لماذا؟!
- الطب رسالة إنسانية يعني ما ينفعش موضوع الإضراب ده!
والمرضى الغلابة ذنبهم إيه.. وأصلاً حال البلد ما يسمحش بكل هذه المطالبات في هذا الوقت تحديداً.. وقال إن هناك مرضى تأتي من القري ويتكلفون مصاريف انتقال ليفاجأوا بتعطل المستشفيات عن العمل.. أما أصحاب المعاشات فلهم معاناة مضاعفة مع العيشة والعلاج وكل مستلزمات الحياة.. ومعاناة «عم رزق» هي الأخري تتلاقى مع معاناة كل أصحاب المعاشات، فالرجل أمضى نصف قرن من عمره في خدمة الوطن.. كنت موظفاً محترماً وربيت ولادى علي الإخلاص في العمل لكن بعد الخروج على المعاش لم أجد سوي معاش زهيد لا يكفى متطلبات العيش الأساسية، الحاجة «هانم» أيضاً «صابرة علي الغلاء وعذاب التأمين.. قالت وهي تحاول مسح جبينها بصعوبة هلكنا وإحنا ناس كبار وصحتنا ضعيفة المعاش يا دوب 800 جنيه لا يكفي ثمن علاج شهر ونذهب إلي التأمين لا نجد العلاج الذي يصفه الطبيب عندنا 60 مرضاً ونقف بالساعات في عيادات التأمين الصحي دون جدوى قالت الحاجة هانم أيضاً إنها أدت خدمتها في الوظيفة علي أتم وجه وكانت تراعي ضميرها لكن المعاش الذي تتقاضاه لا يكفى.. ومن المفترض أن ينظر الرئيس القادم إلي أصحاب المعاشات ويكفل لهم حياة كريمة.. وكذلك الحاجة أم هشام التي لا يتعدى معاشها 400 جنيه فهي تشكو غلاء كل شيء كما أنها في هذه المرحلة من العمر وجدت نفسها مسئولة عن ابنتها أيضاً ومطلوب منها 600 جنيه إيجار الشقة التي تؤويها هي وبنتها وإحضارها كما أن أسعار الكهرباء تفوق طاقتهم.
الشارع.. لنا!
علي أحد أرصفة شارع جامعة الدول العربية بالمهندسين كان «على» يجلس متكوماً بجسده النحيل كأنه يخبئ رغيف خبز «حاف» بين يديه.. بالفعل كان الجوع دافعه لحماية «لقمة عيش» ربما ألقى بها أحد المارة إليه رحمة بحاله.. كان الطفل الجالس فوق الرصيف حزيناً متلهفاً علي ما مسكت يداه.. علي ما يبدو ليس متسولاً فهو «واد كسِّيب» كما قال لي عندما اقتربت منه.. ورغم توجسه فإنني انتزعت بعض كلمات كشفت عن أن «بائع المناديل الصغير» هارب من زوجة أبيه في الإسكندرية قال بذكاء شديد «يعني إيه هيرمينا ع المُر يا أبله».
سألته: وأين أبوك. قال «بلا خيبة.. هو ومراته اتفقوا عليا بالذات لما خلف عيل جديد». وكنت كده.. كده باشتغل ويضربوني وياخذوا فلوسى.. وعندما نصحت الولد بالعودة «أحسن من النوم في الشارع» رد دون تفكير: كنت الأول بخاف لأن فيه عيال «بيعملوا في بعض حاجات وحشة»، لكن اتعلمت أدافع عن نفسى «وشيلت مطواة وماحدش يقدر يقربلى».. كانت كلمات الطفل الذي لم يخبرني باسمه فيها تحدٍ وقوة مصطنعة تختلف تماماً عما شعرت به تجاه «محمود» الذي قابلته بأحد شوارع الدقى.. كان رغم تجاوزه سن ال12 عاماً.. خائفاً مرتعشاً.. صحيح أنه تحفظ في الكلام ورفض تماماً التقاط أي صورة له إلا أنه انهار عندما سألته عن أهله وقال: «أهلى هما الشارع والعيال اللي فيه، أمى وأبويا ماتوا وستي عيانة وماليش حد.. لكني كنت في المدرسة وشاطر نفسي أرجع ثاني.. أنا بأنام تحت الكوبرى والناس الطيبين بيدوني بطانية لكن الحمد لله «الصيف دخل ومافيش برد» يعيش محمود علي ما يلقيه إليه أصحاب السيارات من جنيهات قليلة مقابل «مسح سياراتهم» لكنه مازال يحمل أملاً في خياله أن يصبح «مهندس» ويبني عمارة لكل «عيال الشوارع».
قال نفسي أحس بالبيت والأمان. وقال أيضاً فى ثقة: «مافيش حاجة بعيدة عن ربنا».
ربك يستر
ممنوع أتكلم في الخدمة.. ولو اتكلمت هقول إيه: مش خايف طبعاً ربك يستر وماحدش بيموت ناقص عمر.
عسكرى أمن مركزي واقف على بعد كيلو مترات من باب الجامعة.. «صعيدي مش من مصر.. لكن كلها مصر» عارف أن الإخوان بيعتبروا كل بتوع الشرطة والجيش كفرة وموتهم حلال مش خايف رصاصة تيجى في نفوخى أو قلبى، يعنى أنا كنت أحسن من البشوات والعساكر اللي دمهم بيسيح «غدر» كل يوم.
ربنا يستر أيضاً قالها صول المرور الواقف كالأسد العجوز في إشارة بالمهندسين يشير للسيارات بيمينه فيتحرك الشارع وتتعلق أنظار المارة بإشارة يديه ليمروا في أمان، الأمان الذي يفتقده «الصول المحترم» و«بتوع المرور زيهم زي بتوع الجيش» كله مطلوب كأننا في حرب لكننا نؤدى واجبنا والعمر واحد والرب واحد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.