أثار قرار نقل أسواق التونسي المعروفة بسوق «الجمعة» الي مدينة 15 مايو خلال شهرين غضب التجار الذين رفضوا ترك أماكنهم التي استقروا بها منذ ما يقرب من 20 عاما، وأكدوا أن القرار سيؤدي لخراب بيوتهم وتشريد ما يقرب من 115 ألف عامل، فضلا عن بعد السوق الجديد عن منطقة وسط البلد وكانت الكوارث التي لحقت بالسوق مؤخرا هي السبب الرئيس وراء تفكير الحكومة بجدية في هذا الأمر، حيث وضعت محافظة القاهرة خطة لنقل الأسواق العشوائية خارج الكتلة السكنية بعد أن أصبحت من المشاكل المزمنة التي تمثل صداعا في رأس كل مسئول، لتصل تكلفة مشروع سوق الجمعة لنحو 140 مليون جنيه، الأمر الذي سيواجه صعوبة بالغة في التطبيق في ظل إصرار التجار علي البقاء وتمسكهم بأماكنهم، فهل ستنجح الحكومة في إقناع التجار بمغادرة التونسي أم يبقي الوضع كما هو عليه؟ يعد سوق الجمعة من الأسواق الشعبية العشوائية التي أقيمت منذ ما يقرب من 20 عاما تقريبا ويمتد السوق من منطقة السيدة عائشة مرورا بالبساتين وحتي صقر قريش بالمعادي وعلي مدار سنوات طويلة ترك المسئولون الباعة يقيمون الأسواق في العديد من الشوارع والميادين دون محاسبتهم، وعندما يتحول الأمر لكارثة يبادر كل مسئول بوضع خطة لإنقاذ الموقف وهذا ما حدث مؤخرا مع كثير من الأسواق وأهمها سوق الجمعة، بعد أن أيقنت الحكومة أن القاهرة لم تعد تحتمل مثل هذه الأسواق وحان الوقت لنقلها بعيدا. الحوادث التي وقعت في الآونة الأخيرة بسوق التونسي عديدة، حيث شهد السوق حريقين متتاليين في عام واحد، أولهما عندما اشتعلت شرارة من قضبان السكك الحديدية أثناء عبور قطار بالمنطقة ليلا ونتج عنه شرارة أمسكت بالبضائع داخل السوق، والتهمت النيران جزءا منه، وبعدها وقع حريق آخر عندما قام أحد أصحاب الأكشاك بإشعال «موقد بوتاجاز» لعمل كوب شاي ليلا الذي انفجر مما نتج عنه امتداد النيران لأجزاء من السوق، واشتعال البضائع وفي يونيو 2010 الماضي اشتعلت سيارة أعلي كوبري التونسي وسقطت مشتعلة في السوق بعدما اصطدمت بسور الكوبري، تلك الأحداث السيئة التي أصابت سوق التونسي جعلت المسئولين يفكرون في وضع خطة لنقله والتي بدأت في عام 2008 الماضي، حيث طلب وقتها الدكتور عبدالعظيم وزير محافظ القاهرة الأسبق تخصيص مساحة 20 فدانا لنقل السوق خارج الكتلة السكنية وتم الاستقرار علي تحديد مدينة 15 مايو لإقامة السوق بها، وبالفعل بدأت الاستعدادات عام 2010 الماضي، إلا أن المشروع توقف بسبب الاعتمادات المالية، ليعود الحديث عنه مجددا بعد قرار محافظ القاهرة بنقل جميع الأسواق العشوائية بعيدا عن الكتل السكنية لمواجهة الزحام المروري في الشوارع والميادين. أكد الدكتور جلال مصطفي السعيد محافظ القاهرة أنه في إطار سياسة محافظة القاهرة بإنشاء مجمعات تجارية كبري تستوعب أكبر حجم من الأنشطة التجارية علي أطراف القاهرة لتخفيف الضغط المروري والتكدس في قلب العاصمة قامت المحافظة بتنفيذ سوق الجمعة بمدينة 15 مايو الذي يعد من أكبر الأسواق التجارية بالقاهرة والمقام علي مساحة 15 فدانا بتكلفة تقدر بحوالي 100 مليون جنيه، ويتولي تنفيذه الجهاز المركزي للتعمير، وأشار المحافظ الي أن السوق يضم 979 محلا بمساحات مختلفة تتراوح ما بين 6 أمتار الي 49 مترا مربعا، بالإضافة الي ساحة تضم حوالي 1000 بائع ومكتمل الخدمات اللازمة لإدارة المكان من مبني إداري ونقاط الخدمات الأمنية كالشرطة والإسعاف وخزانات الحريق كما تمت مراعاة وجود مواقف لانتظار الأتوبيسات وسيارات السرفيس والسيارات الخاصة مع وجود مساحات خضراء وكافيتريات لخدمة رواد المكان وإنشاء نحو 23 دورة مياه مجمعة، وشبكة إطفاء كاملة متصلة بخط المياه الرئيسي وشبكة إنذار حريق، وأضاف المحافظ أن نسبة التنفيذ في أعمال الإنشاءات بلغت حوالي 85٪ وجاري العمل في الطرق والرصف والتشجير والإنارة والتشطيبات النهائية للحملات. «الوفد» التقت أصحاب الأكشاك الموجودين بالسوق الذين سادت علي ملامحهم حالة من الغضب والاستياء من قرار نقلهم لمدينة 15 مايو، الذين أكدوا أنهم اعتادوا علي تواجدهم في هذا المكان ومن الصعب نقلهم للسوق الجديد، حيث أكد إسماعيل محمد صاحب كشك لبيع الموبيليا أن السوق موجود بالمنطقة منذ ما يقرب من 21 عاما، ويعمل به منذ بدايته، فيقوم ببيع غرف النوم المستعملة والجديدة أيضا، ويري أن سبب اتخاذ الحكومة قرار نقل السوق هو الحريق الأخير الذي شب في السوق ويرفض بشدة نقل السوق من مكانه لأنه من مؤسسي السوق ولولاه لكان المكان تحول الي أوكار للمخدرات والبلطجية. أما محمد مقبول صاحب سيارة لنقل البضائع يقول: ما سيحدث وقف حال للجميع فجميع العاملين بالسوق يرفضون الانتقال للسوق الجديد لبعده عن منطقة وسط البلد، كما أن الزبائن التي تتردد علي المكان لن نتمكن من الوصول للمكان الجديد ومن ناحية أخري سترتفع تكلفة نقل البضائع من مايو الي وسط المدينة، فالمواطن البسيط يقبل علي شراء مستلزماته من السوق لموقعه المتميز، وعند نقله لن يأتي أحد إلينا، مما سيتسبب في خسائر جسيمة للجميع. خالد السيد يقول: السوق معروف للجميع منذ سنوات طويلة ويقبل عليه الزبائن من كل مكان، كما أن كل تاجر قام بتقسيم «القرش» وتحديد مكانه ولا يتسبب وجودنا في إعاقة المرور، أو إحداث تكدس في الشوارع مثل الباعة الجائلين فلماذا يتم نقلنا بعد وجودنا بالمكان لأكثر من 20 عاما. وتعترض الحاجة صباح قائلة: لن أخرج من السوق إلا علي جثتي فالحكومة تبحث دائما عن وقف حال الغلابة والبسطاء فبدلا من التفرغ لملاحقة الإرهابيين تبحث عن الفقراء لقطع أرزاقهم وتشريد العمال. محمد الديك بائع يقول: أعمل بالسوق منذ 15 عاما، وفوجئنا منذ عدة أسابيع بقدوم مسئولين من الحي، لإخبارنا بنقل جميع البائعين لمدينة مايو، لكننا رفضنا لأن هذا سيضر بمصالحنا وحاولنا توصيل صوتنا للمسئولين، إلا أنهم رفضوا الاستماع الينا، وتجاهلوا شكوانا لكننا لن نخرج من السوق مهما حدث ولن نترك أماكننا. مصطفي فتحي - أحد المواطنين الذين يقبلون علي شراء احتياجاتهم من السوق يقول: أتردد باستمرار علي السوق فهو يتميز بوجود كافة مستلزمات المنزل، من الإبرة للصاروخ فأنا مقيم في محافظة المنيا وأجد الأسعار في السوق ملائمة جدا لظروفنا المعيشية، فكل شيء رخيص هنا بغض النظر عن الجودة، فالفئات المتوسطة والقادرون أيضا يقبلون علي شراء احتياجاتهم يوم الجمعة، حيث يكتظ السوق بالباعة والمواطنين، الذين يجدون معاملة جيدة وبضائع رخيصة. وإذا تم نقل السوق فلن أتمكن من الذهاب اليه لأنه سيبتعد كثيرا عن وسط البلد. محمد رمضان يقول: إذا تم نقل السوق فلن أقوم بالذهاب الي هناك وسوف أبحث عن البديل، لأن مصاريف النقل ستزداد للضعف وسيكون عبئا جديدا علي المواطن البسيط فهل ستتحمل الحكومة مصاريف النقل بدلا عنا؟ اللواء ياسين طاهر نائب المحافظ للمنطقة الجنوبية يقول: تم الانتهاء من مشروع نقل سوق الجمعة الي مدينة 15 مايو، حيث تم استكمال كافة أعمال البناء فيما عدا بعض التشطيبات النهائية في الوجهات والمرافق وهي تشطيبات بسيطة، وسيتم الانتهاء منها في أقرب وقت تمهيدا لافتتاح السوق خلال شهرين تقريبا، وقد سبق وتم تحديد تكلفة المشروع ب100 مليون جنيه إلا أنه تخطي حتي الآن 140 مليون جنيه بعد رصف الطرقات وعمل التشطيبات النهائية للسوق، وسيتمكن السوق من خدمة منطقة مايو بأكملها لقربه من محطة الأتوبيس هناك والطريق الدائري الجديد حيث تصل مساحته لنحو 11 ألف متر تقريبا، وتم بالفعل إرسال مندوبين من المحافظة لحصر عدد التجار هناك والتفاوض معهم تمهيدا لنقلهم خلال الفترة القادمة، وأكد أنه لن يتم اتخاذ أي إجراءات ضد التجار الذين يرفضون مغادرة المكان وسيكون العمل هناك بحق الانتفاع. ونأمل أن تكون التشطيبات النهائية دافعا للتجار للانتقال الي سوق مايو الذي تم انشاؤه بتقنية رائعة.