قبل انعقاد مؤتمر حركة عدم الانحياز الأخير في شرم الشيخ طرحت بعض علامات الاستفهام حول أهمية عدم الانحياز فى زمن الانحياز، تساءلت فيه عن اصرار مصر على البقاء فى الحركة، ما الذي يعود علينا منها سياسيا وأدبيا واقتصاديا؟، لماذا نحن فى عدم الانحياز فى الوقت الذي نتبع فيها سياسيا واقتصاديا الإدارة الأمريكية؟. ولأهمية هذه القضية التى سبق وطرحناها فى أكثر من مقال، نعود ونتساءل مرة أخرى: هل من الممكن أن تتحول حركة عدم الانحياز إلى كيان دولي فاعل وموازٍ لمنظمة الأممالمتحدة؟، هل من الجائز أن تجبر الحركة المنظمة على اتخاذ قرارات صعبة في ظل الفيتو الذي تنفرد به بعض الدول الكبرى؟، هل يتوقع مستقبلا أن تكون الحركة بديلا عن الأممالمتحدة؟. فى هذه المقالات عدت للنشأة وذكرت أن مصر فى الستينيات سعت مع رؤساء الهند نهرو، واندونيسيا سوكارنو، ويوغوسلافيا تيتو إلى تأسيس حركة عدم الانحياز، وعقد أول مؤتمر لها عام 1961 في بلجراد، بحضور خمس وعشرين دولة، وكان الهدف من هذه الحركة العمل على استقلال وحرية الدول النامية، بعيدا عن التحالفات الدولية التي قد تؤدى إلى التبعية الاقتصادية والعسكرية والسياسية لإحدى الدول العظمى المتحاربة، وقد كان الصراع على أشده بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدةالأمريكية، والغريب أن الدول التي شاركت في حركة عدم الانحياز، بما فيها مصر، كانت منحازة إلى أمريكا أو روسيا، وقبل أن ينهار الاتحاد السوفيتي كانت أغلب دول عدم الانحياز تتبع الإدارة الأمريكية، كما أن بعض حكام هذه الدول فتحوا أراضيها لإقامة قواعد عسكرية لأمريكا وفرنسا وانجلترا، وبعد أن دخلنا عصر الدولة العظمى الواحدة، فكر أعضاء حركة عدم الانحياز في تغيير استراتيجية الحركة، فلم يعد هناك معنى لفكرة عدم الانحياز، فاقترحوا أفكارا مثل تعزيز قيام ديمقراطية عالمية، والتشجيع على حوار الحضارات، والاستمرار في النضال من أجل وقف الحروب كأداة لحل النزاعات، وبعد فترة من الفشل والتهميش للحركة اقترحت مصر ضم مجموعة ال 77 للحركة، لتصبح أكبر تجمع للدول النامية، وقد تأسست مجموعة ال 77 عام 1964، وعقدت أول اجتماع لها بالجزائر، وتهدف إلى ترقية المصالح الاقتصادية لأعضائها، وخلق قدرة تفاوضية في نطاق الأممالمتحدة، وقد تم تشكيل لجنة للتنسيق بين حركة عدم الانحياز والمجموعة، والملفت للانتباه أن سياسة الحركة والمجموعة القائمة والمتوقعة تقع في فخ التبعية، حيث تقوم وظيفة هذه التكتلات ضمن نطاق سياسة الأممالمتحدة وليس في مواجهتها أو بموازاتها، أو أملا في فرض سياسات الدول النامية ومصالحها على منظمة الأممالمتحدة. لذا السؤال المنطقي مازال قائما: بعد فشل عدم الانحياز ومجموعة ال 77، ما هي فائدة عدم الانحياز؟، ولماذا عدم الانحياز إذا كانت معظم الدول تتبع أمريكا سياسيا بقواعد واقتصاديا بالكويز؟، لماذا هذه التكتلات إذا كانت تعمل ضمن وليس في مواجهة؟، ولماذا لا نعمل على عدم تبعيتها؟، ما الذي يمنع وهى تمثل الدول النامية، من أن تفرض قرارها على الدول العظمى؟، ولماذا لا نعيد حساباتنا بمنطق المكسب والخسارة؟، ما الذي نحققه سياسيا واقتصاديا؟، وما هى المكاسب الاقتصادية والسياسية المباشرة التى تعود على الشعب المصرى من عضويتنا فى هذه الحركات والمجموعات؟.