فرق كبير بين انسان يتمسح في أبواب ونوافذ المعرفة.. وانسان آخر يفضل ان يعيش بلا رؤية أو وجهة نظر. فالأول يزداد وعياً ونضجاً والثاني يحيا حياة غامضة بلا ملامح وكأنه مركب تائه في عرض البحر. وأتصور أن الفنانة غادة عبد الرازق تنتمي الي الصنف الثاني من الناس.. فهي تمتلك موهبة فنية ولديها حضور لكنها وللأسف الشديد تتحرك في مساحة ضيقة ولا يتعدي فكرها خارج حدود الجسد الذي تتباهي به وتظن أنه قادر علي صنع تاريخ فني كبير.. فهي وبأمانة شديدة لم ولن تكون مثل الرائعة هند رستم التي قدمت فنون الاغراء بأسلوب شيك وراق.. واستطاعت ان تحرك القلوب بصوتها الناعم ونظرات عينيها التي تحمل روائح ذكية.. ولم ترتكب أي مخالفة طوال مشوارها الفني الحافل بالعطاء.. ولكن غادة عبد الرازق تظن وتعتقد أن الجمال وحده يكفي لصناعة ممثلة وتظن أيضا أنها باتت رغم واحد ومن حقها ان تفاضل وتختار وأن تأمر وتنهي. ومؤخراً ارتكبت غادة عبد الرازق فعلا يكشف عن أنها تخطئ ولا تتحرك بوعي سليم.. وترجع تفاصيل الواقعة الي اتفاق غادة عبد الرازق مع المنتج لؤي عبد الله علي القيام ببطولة مسلسل يحمل عنوان "حورية في المدبح" والغريب ان غادة عبد الرازق هي التي حملت السيناريو وذهبت به الي المنتج وحصلت علي دفعة من قيمة التعاقد تصل الي مائة ألف جنيه وفجأة تراجعت وقررت أن تفسخ تعاقدها مع شركة لؤي عبدالله.. الأمر الذي أوقع المنتج في حيرة ودفعه دفعاً قوياً الي تقديم شكوي ضدها لنقيب الممثلين اشرف زكي. والحقيقة أن "غادة" تركت هذا المسلسل من أجل مسلسل آخر يكتبه مصطفي محرم الذي سبق وأن تعاون معها في "الباطنية" و"زهرة وازواجها الخمسة" كان من الأفضل ان تحدد الفنانة الكبيرة وجهتها وطريقتها بدلاً من أن تعبث بشركات الانتاج وتضعها في مأزق. الموقف الثاني الذي يؤكد أن غادة عبد الرازق تتحرك في ساحة ضيقة هو تراجعها عن الاعمال ذات الرسالة وتمسكها بالاعمال ذات الصفة التجارية ومنها فيلم "بون سواريه" الذي تدور أحداثه حول ثلاث فتيات يرثن كباريهاً وتضطر غادة وشقيقاتها للعمل في الكباريه حفاظا علي الميراث من الضياع ويحمل الفيلم ايحاءات جنسية رخيصة وملابس ساخنة ومثيرة. لسنا ضد الفنانة غادة عبد الرازق ولكن كنا نتمني ان تقرأ تفاصيل مشوارها جيداً، فقد بدأت فتاة اعلانات ثم انتقلت الي عالم التمثيل ورغم امتلاكها المال والشهرة لا تشعر بقيمة وأهمية رفاهية الاختيار، هذا بالرغم من اقترابها من المخرج الواعي خالد يوسف الذي أعاد اكتشافها في فيلم "دكان شحاتة" وأمر طبيعي ان تفشل جهود خالد يوسف مع "غادة" فهي كما تؤكد اختياراتها انها تتاجر بالانوثة الطاغية ونبرة الصوت الكفيلة بإثارة شباب شبر الخيمة وامبابة. مطلوب من غادة عبد الرازق إدراك ان الجمال وحده لا يكفي لصناعة مشوار مشرف فالقراءة والنضج في الاختيار كلها عناصر مهمة في بناء وتشكيل وجدان الممثل.. ومطلوب من غادة عبد الرازق أيضا ألا تغضب من ذكر سنها الحقيقي كما حدث مع ادارة مهرجان دبي السينمائي فعندما ذكر أحد الاعلاميين سنها غضبت وتركت المهرجان.. غادة عبد الرازق في هذه المرحلة أشبه بمركب تائه في عرض البحر والأمل ان تهديها الريح الي شاطئ النجاة.. فتتنازل عن اختياراتها التجارية وتختار اعمالاً ذات محتوي ورسالة وتخرج من عالمها الضيق. الفنانة الواعية هي التي تعترف بقواعد وألغاز العمر.. وتتطور اعمالها كلما ازدادت مساحة القدرة علي الاختيار.. ونأمل في الأيام القادمة ان تعطي غادة عبد الرازق اهتماما كبيرا لفنها يساوي ويعادل اهتمامها بوصلات الشعر وطول الرموش وحجم الشفايف.. فالجمال الصناعي وحده لا يكفي، والانتصار دائما يكون للموهبة والجمهور الواعي لا يلهث وراء الاعمال الساخنة.