كالعادة تجاهل الإعلام أحد أهم الأحداث الفنية التي مرت بها مصر خلال السنوات الأخيرة، وهو اللقاء الذي جمع المطربين الكبيرين علي الحجار ومحمد منير في حفل إعادة إطلاق قناة «التحرير» يوم الجمعة الماضي، التجاهل ربما يكون قد حدث نتيجة التنافس بين القنوات وعدم رغبة الإعلام علي إبراز حدث نظمته قناة أخري، لكن حتي علي صعيد الصحف والمواقع اكتفوا جميعا بنشر خبر، وبعض الصور. لكن هذا اللقاء بعيدا عن كونه احتفالية بإعادة إطلاق قناة إلا أنه يجب أن يؤرخ له لأن منير والحجار هما الاسمان الأكثر تأثيرا خلال الربع قرن الأخير علي صعيد الأغنية العربي، فالثنائي لم يهتما بالأغاني التجارية أو بلون واحد فقط من الغناء كالعاطفي مثلا، لكنهما قدما أغاني ثائرة بطبعها في كل المجالات، الثنائي قاوما الهيمنة الأمريكية وساندا القضية الفلسطينية وكافحا القهر والظلم، وطالبا بالعدالة الاجتماعية، وفوق هذا وذاك، قدما للحب أجمل الأغاني من حيث الكلمة واللحن ومواضيع لم يتم تناولها كما فعلا، منير والحجارة لمن لا يعرف من خريجي أكاديمية المبدع الراحل بليغ حمدي، فكلاهما قدمه «بليغ» لأول مرة، الحجار بأغنية «علي قد ما حبينا» ومنير «أشكي لمين»، كما أن بليغ قام باحتكار صوتيهما وثالثهما كان محمد الحلو عن طريق شركته التي أسسها في مطلع السبعينيات مع رفيقة المشوار وردة، إلا أن منير انفصل عن الشركة واتجه لمنتج آخر كان قد عاد في ذلك الوقت من الخارج، ويحمل أفكارا جديدة وكان صوت منير هو الأكثر تعبيرا عن وجهة نظره التي حملها معه من الغرب الي مصر ووقتها كان الفنان الكبير يحيي خليل قد عاد من أمريكا فأصبح هذا المنتج وخليل ومنير أصحاب هذا المشروع الجديد في عالم الموسيقي. هذا يعني أن الحجار ومنير وثالثهما الحلو كانوا أضلاع نقلة جديدة لعالم الأغنية المصرية وبالفعل كل منهم قدم الغناء بوجهة نظره لكنهم أصبحوا نواة لجيل يواصل مشوار من سبقوهم، وبالمناسبة الشيء بالشيء يذكر أن أغنية «أشكي لمين» كان بليغ قد أعدها لمحمد الحلو وتم تصويرها في ذلك الوقت لكن لأنه جيل يعي معني الحب والصداقة بمجرد أن أعلن منير عن اقتناعه وحبه لهذه الأغنية تنازل عنها الحلو لمنير بحب شديد. في حفل منير والحجار الأخير كان الثنائي علي قدر المسئولية الجماهيرية فكلاهما يملك جمهورا عريضا، وكلاهما يدخل الحفل وخلفه تاريخه يمتد ل40 سنة من الغناء، وبالتالي بدأت البروفات قبلها بوقت كاف، البروفة الأولي كانت في أرض محمد منير أو بمعني آخر في الاستديو الخاص الذي يقوم منير بعمل البروفات فيه. وكان في استقبال كل أعضاء فرقة الملك، وعن هذا اللقاء قال الحجار: استقبلت بشكل لم أتخيله وهذا يعكس مدي الحب المتبادل بيني وبين منير رفيق المشوار والكفاح وزميل دفعة في الجيش المصري، أما ثاني بروفة فكانت علي أرض علي الحجار بالاستديو الذي يملكه بالمقطم، ولم يكن الاستقبال أقل حرارة من الأول ومنير أيضا يري في علي الحجار أحد النماذج التي أعطت للغناء المصري والعربي الكثير والكثير. أما الليلة نفسها فظهرت حالة التآلف بينهما علي خشبة المسرح، الحجار وقف أمام فرقة منير وغني «الليلة يا سمرا» و«علموني عينيك»، كما وقف منير بمصاحبة فرقة الحجار ليغني أغنيتي «علي قد ما حبينا» لحن بليغ حمدي و«بحبك» لحن أحمد الحجار. تحدثت مع منير والحجار عن شعور المنافسة وهم علي خشبة المسرح وكانت الإجابة تقريبا واحدة، لا مجال للمنافسة طالما أن هناك حبا يجمعنا، الاثنان أجمعا أيضا أن اللقاء رسالة للجيل الجديد علي أهمية الحب بين الفنانين. لقاء منير والحجار ليس الأول الذي يجمع الفنانين ولن يكون الأخير فهذه التجربة يتطلع الثنائي الي تقديمها بشكل أكثر حرفية واحترافية علي مسرح الأوبرا، والحجار ومنير أعلنا استعدادهما للقيام بهذا العمل وتكمن المشكلة أن المسرح الكبير لن يستوعب الجماهير، لذلك فهناك اقتراح أن تقدم التجربة في أكثر من حفل علي مدار ثلاثة أيام متتالية علي سبيل المثال، وكلاهما يري أن الاقتراح سوف يلقي قبولا من إدارة الأوبرا المصرية، علي اعتبار أن إيناس عبدالدايم موسيقية وتعي قيمة مثل هذه التجارب. أما عن سابق لقاءات الحجار ومنير فهناك حفل لمنير منذ خمس سنوات وتصادف وجود علي الحجار ومحمد الحلو علي خشبة المسرح الكبير في نفس الليلة، وخرج الثنائي ليصعدا لخشبة مسرح منير بالساحة الخارجية واعتلوا جميعا المسرح في مشهد حظي بأعلي نسبة مشاهدة وقتها علي مواقع التواصل الاجتماعي، حيث غني الحجار يومها لمنير أغنية «الليلة يا سمرا» وغني منير للحجار «بحبك»، وغني الحلو لمنير «أشكي لمين» وظهر تناغم كبير علي خشبة المسرح يؤكد تلك الروح التي تجمع هذا الجيل، لكن الأهم بين تلك الأمور أن تعي أجهزة الإعلام قيمة هذه اللقاءات وتركز عليها، لأنها رسالة من نجوم كبار للشباب.