هل يمكن أن يهرب المرء من قَدره؟ وإذا لم تكن لنا فرصة اختيار هؤلاء الذين نأتي إلي الحياة علي أيديهم، الذين يعطوننا أسماءنا ونوع الدماء التي تجرى في عروقنا، والصفات التي تلصق بنا ونعيش بها. إذا لم يكن لنا اختيار في الأرض التي نعيش عليها، والناس الذين حولنا، والدين الذي نتبعه، والظروف التي تحيطنا. فأي فرصة حقيقية نملكها، وأي اختيار يمكن أن ندعي أو يدعي أحد أنه في أيدينا؟! نحن لا نملك تحديد موعد قدومنا إلى هذه الحياة. ولا يسألنا أحد أي زمن نفضل أن نعيش فيه حياتنا. وكثير من الناس يقولون إنهم جاءوا إلي الدنيا في الزمان الخطأ، وأنهم كانوا يتمنون لو أنهم عاشوا في زمان آخر. البعض يعيش بأفكاره في الماضى والبعض يحلم بالحياة في المستقبل، والأكثرية لا توافق علي الحاضر وترفضه. وهناك من الناس من تختلط في حياتهم الحدود، فلا يعرفون إلي أي عصر ينتمون، وتضيع منهم الخطوات والسنوات ما بين الماضى والحاضر والمستقبل، فإذا هم لا عاشوا الماضى ولا استمتعوا بالحاضر ولا لحقوا المستقبل! ثم إن هناك لعنة غامضة في مكان ما من أرواحنا هذه التعسة. نداء مرضى يسرى معظم الوقت في نفوسنا. ويدعونا إلي عدم الرضاء عن أنفسنا وعما حولنا، لا شيء يرضينا الرضا الكامل، لا الماء الصافي يروي ظمأنا، ولا الذهب يطفئ شبقنا، ولا الحب يكفينا ولا الحرية ترضينا. الدنيا من حولنا جميلة كما صنعها خالقها وخالقنا. الطبيعة مصنع جمال متجدد في كل ساعة وكل يوم، لكننا لا نرى في النهار المضىء غير الزحام والتدافع، ولا في المساء الجميل غير الظلام الدامس، فأين دفء الشمس وسحر القمر؟ نقع، تتعثر خطواتنا فنلوم الزمن، ونفشل بصنع أيدينا ونلقي بالمسئولية علي القدر، نسىء إلي أنفسنا ونتهم الآخرين، نغرق في ذواتنا وأنانيتنا، وتنقطع كل الجسور بيننا وبين الآخرين، فلا نشعر إلا بما نريد ولا نهتم إلا بما نحتاج. نظن أن الدنيا بما فيها ليست إلا نحن وطموحاتنا وأحلامنا، ما نريده وما نتمناه، وأن غيرنا من البشر والكائنات ليست سوي صور واهية مسطحة غير حقيقية، فلا بشر إلا نحن، ولا إحساس إلا إحساسنا، ولا حاجة سوي حاجاتنا، نحن والطوفان من بعدنا! ولا نتعلم إلا بعد فوات الأوان. ولا نعرف الندم إلا بعد أن لا ينفع ندم. ولا تعرف الدموع طريقها إلي عيوننا، إلا بعد أن تفقد الدموع قيمتها ومعناها الحقيقى. ولا نتمني الهروب من أقدارنا إلا بعد أن نكون صنعنا بأيدينا هذه الأقدار. ألسنا هكذا؟