عسر الهضم مصطلح عام نسمعه كثيراً في العيادات والمستشفيات من المرضي ويتصور الكثير من الناس أنه مرض في حد ذاته له أعراض ثابتة وله فحوصات وعلاج واحد والحقيقة أن ذلك خطأ شائع الي حد كبير وعند فحص شكوي المريض بعناية من جانب الطبيب يجد اختلاف مفهوم هذه الشكوي من مريض لآخر بصورة شديدة التباين والاختلاف فمن المرضي من يقصد بها وجود فضلات الطعام بشكلها الكامل في البراز ومنهم من يقصد وجود آلام متفرقة في البطن بعد تناول الطعام مباشرة أو الإحساس بالانتفاخ أو الامتلاء وآخرون يقصدون بها وجود اسهال أوحتي إمساك مزمن الي آخر ذلك ومن هنا يجب علي الطبيب المعالج تحليل شكوي المريض جيداً لأن عسر الهضم قد يعطي أياً من الأعراض السابقة أو مجموعة منها ولكن نفس هذه الأعراض قد تصاحب أيضاً أمراضاً أخري بالجهاز الهضمي. ويقول الدكتور يحيي محمد الفقي عضو الكلية الملكية البريطانية واستشاري الباطنة والجهاز الهضمي: إن هناك نسبة كبيرة من المرضي لديهم شكوي من عسر في الامتصاص وليس في الهضم ذلك ان هضم الطعام تقع مسئوليته علي الجزء العلوي من الجهاز الهضمي وحتي الأمعاء الدقيقة أما أي خلل في الجزء السفلي من الجهاز الهضمي من الأمعاء الدقيقة فيؤدي الي عسر الامتصاص. ويوضح الدكتور يحيي الفقي أسباب عسر الهضم: انها تتمثل في التلوث والميكروبات البكتيرية والفطرية والطفيليات مثل الأميبا والجيارديا وهذان النوعان هما الأكثر انتشاراً بنسبة عالية جداً لدرجة انه من النادر ان تجد تحليل براز مريض يخلو من هذين النوعين من الطفيليات في مصر وبالطبع فإن علاج عسر الهضم هنا يتطلب علاج هذه الميكروبات والطفيليات والتخلص منها. وهناك أسباب أخري كثيرة لعسر الهضم مثل الخلل الحركي في المعدة والأمعاء والذي لا يعطي الفترة اللازمة لبقاء الطعام في الأمعاء لإتمام عملية الهضم وبالتالي التخلص من الطعام بسرعة وهو ما يؤدي الي نزول الطعام بالبراز بالشكل الكامل رغم عدم وجود نقص في الانزيمات الهاضمة التي تفرزها المعدة والأمعاء والبنكرياس، وهناك أيضاً النقص في الانزيمات والهرمونات التي يفرزها البنكرياس والمعدة والأمعاء مباشرة في القناة الهضمية، ونقص هذه الإنزيمات أو الهرمونات متنوع وأسبابه كثيرة منها نقص انزيم اللاكتيز وهو نوع شائع عند المصريين يؤدي الي عسر هضم شديد عند تناول الألبان ومشتقاتها وهو كثير الحدوث في الأطفال ويستمر مع بعض منهم حتي البلوغ وما بعده، أو نقص الانزيمات الأخري المسئولة عن هضم الدهون والبروتين أو نقص هرمونات الهضم بالبنكرياس والذي يكون أحياناً بدون سبب عضوي واضح أو نتيجة أمراض التهابات أو أورام البنكرياس ولحسن الحظ أن النوع الأخير هو أقل الأنواع وأكثرها ندرة. ومضاعفات عسر الهضم كثيرة بجانب الأعراض المزعجة للمريض التي سبق ذكرها في بداية حديثي فهناك أيضاً مضاعفات نقص وصول الغذاء للجسم وحالة ضعف عام ونقص بالبروتين والفيتامينات ولوازم الطاقة التي يحتاجها الجسم من السكريات والدهون وأنصح المرضي بألا يقفزوا بشكواهم الي الطبيب بأن لديهم عسر هضم بل الي وصف دقيق لشكل الأعراض وطبيعة الإخراج ومدة هذه الأعراض وارتباطها بمواعيد الطعام حتي يتسني للطبيب تحديد الأسباب والعلاج المناسب. ويري الدكتور يحيي الفقي أن العلاج الأمثل لتجنب عسر الهضم بكل أشكاله وأعراضه يتمثل في مضغ الطعام جيداً أو التأكد من سلامة الأسنان خاصة في في الأطفال وكبار السن والانتظام في مواعيد الطعام بقدر الإمكان وعدم النوم مباشرة بعد الأكل وألا تكون وجبة العشاء عالية الدسم والدهون ثم يعقبها النوم مباشرة، والتركيز علي وجبتي الافطار والغداء بصفة أساسية وجعل وجبة العشاء الأقل من حيث الكمية واذا كانت وجبة العشاء هي الرئيسية بسبب ظروف العمل مثلاً كما هو الحال مع أغلب الناس حالياً فيجب عدم الاستسلام للنوم مباشرة بعد الأكل بل الحركة لمدة ساعتين علي الأقل، وممارسة الرياضة ولو بصورة بسيطة تساعد علي انتظام حركة الأمعاء وبالتالي اعطاء الفرصة الأمثل لهضم الطعام، والنظافة الشخصيةونظافة المأكولات تجنب الناس الاصابات بالنزلات المعوية والتي يعقبها عسر الهضم لمدد طويلة أحياناً، وعدم الاكثار من الأكل عالي الدسم والدهون والمواد الحريفة مثل الشطة حيث ان الاكثار من هذه المواد يسبب ارتباكاً في حركة الهضم وبالتالي عسر هضم، وأخيراً الأدوية المهضمة والتي تحتوي علي إنزيمات هاضمة بديلة ومكملة لعملية الهضم ولكن استخدام هذه الأدوية يجب أن يكون تحت اشراف الطبيب المعالج وفي أقل الحدود الممكنة حيث ان كثرة استعمالها بدون إذن طبيب «كما هو متبع للأسف في بلادنا» يؤدي الي نتائج عكسية أحياناً.