لا يستطيع أي مصري شريف ومحب لوطنه ويدين له بالولاء والانتماء إلا أن يحني رأسه احتراما وتقديرا لجهاز الشرطة ورجالها، بدءا من وزير الداخلية وحتي أصغر جندي مجند في هذا الجهاز للجهود الجبارة التي يبذلونها من أجل مواجهة الإرهابيين المجرمين التابعين لجماعة الإخوان والإرهابيين وحلفائها، واستعادة الأمن والاستقرار في ربوع مصر وذلك في وقت تزداد فيه شراسة المواجهة علي كل الساحة المصرية من رفح شرقا الي السلوم غربا، ومن ساحل المتوسط شمالا الي حلايب وشلاتين وأسوان جنوبا وذلك نتيجة الدعم السياسي والمالي والإعلامي والتقني الذي يلقاه هؤلاء الإرهابيون من دول معادية لمصر في الدائريتين الإقليمية والدولية، الأمر الذي زاد من ضراوة وشراسة المواجهة، وسقوط العديد من شهداء الشرطة في الآونة الأخيرة، بما يفوق أضعاف ما خسرته الشرطة من رجالها خلال الخمسين سنة الماضية وذلك في ظل ظروف صعبة من حيث قلة وضعف الموارد والامكانات المادية والتكنولوجية وجهود مضادة للشرطة من قبل منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، وغياب عامل الردع بسبب تأخر القضاء وإصدار أحكام رادعة، ناهيك عن تربص وسائل الإعلام، وعدم صدور قانون مكافحة الإرهاب حتي اليوم وغيره من التشريعات التي تحد من انتشار الإرهاب بل منع دخول الشرطة للجامعات التي تحولت الي مرتع للجماعة الإرهابية وحلفائها. إلا أن تقديرنا وتعظيمنا لرجال الشرطة يفرض علينا أن نصارحهم بما نراه من بعض أخطاء تتسبب فيما يحدث لهم من خسائر، وأن نقدم لهم من التوصيات ما يحسن أدائهم في حربهم ضد الإرهاب، ويقلص من خسائرهم قدر الإمكان، ويقصر بالتالي فترة المواجهة ويسرع في احتواء هذا الورم السرطاني واستئصاله من الجسد المصري وتطهيره من توابعه. أخطاء فنية ينبغي سرعة تجنبها لابد أن ندرك أن معظم خسائر الشرطة تقع في الكمائن الثابتة المتواجدة عند مداخل المدن وتقاطعات الشوارع، وقرب الأهداف الاستراتيجية والشرطة المطلوب تأمينها ويرجع ذلك لظهور أفراد هذه الأماكن بشكل واضح أمام أعين المتربصين بهم من الإرهابيين ولفترات طويلة تصل الي عدة أيام، بل أسابيع دون تغيير مواقعهم ولا حتي أوضاعهم مما يسهل علي الإرهابيين رصد أوضاع الكمائن بدقة، ووضع خطط مهاجمتها وإحداث أكبر خسائر بشرية فيها، وكيفية الهروب منها ومنع مطاردة الشرطة لهم، الأمر الذي أدي الي افتقاد عنصر المفاجأة المفروض في عمل الكمين بل علي العكس.. أصبح الكمين هو الذي يتعرض للمفاجأة من قبل الإرهابيين المهاجمين الذين يفرضون علي الشرطة وقت ومكان وكيفية مهاجمة الكمين، وبالتالي تصبح المبادأة في أيديهم وليس في أيدي أفراد الكمين الذين يضطرون للالتزام بواجب الدفاع عن أنفسهم بدلا من الهجوم علي الإرهابيين المعتدين، وبالتالي صارت خريطة الكمائن الثابتة للشرطة المنتشرة في شوارع وميادين كل المدن المصرية معروفة لدي الإرهابيين. أما ثاني الأخطاء فتتمثل في انعدام وجود أي تحصينات هندسية لرجال الشرطة المتواجدين في الكمين تقيهم من نيران الإرهابيين المهاجمين، فضلا عن عدم وجود مواقع هندسية تعيق تقدم وهجوم الإرهابيين قبل موقع الهجوم، كما لا توجد أيضا موانع هندسية تعيق هروب الإرهابيين بعد هجومهم، ويزيد من حجم الخسائر بين أفراد الكمين الثابت وقوفهم بجوار بعضهم البعض عند فحص السيارات وأوراق السائقين والراكبين وعدم وجود أي تغطية نيرانية لهم من خارج موقع الكمين ولا حتي كاميرات مراقبة يمكن أن ترصد وتحدد المهاجمين عند اقترابهم وهجومهم وهروبهم، ناهيك عن ضعف وسائل الاتصال والتعاون بين الكمائن المتقاربة مكانيا من بعضها، وعدم اختيار الموقع الجيد للكمين الثابت، حيث غالبا ما يكون عند تقاطع طرق مما يسهل علي الإهابيين الهروب في الشوارع الجانبية بعد تنفيذ جرائمهم في حين ينبغي أن يكون الطريق الذي سيسلكه الإرهابيون بعد تنفيذ جريمتهم إجباريا، ينتظرهم فيه كمين آخر للشرطة غير مكشوف وأن يكون مكان الكمين من حيث اختيار الموقع والتجهيز الهندسي بما يجبر الإرهابيين المهاجمين - سواء كانوا في سيارات أو دراجات بخارية علي إبطاء سرعتهم عند التقدم وعند الهجوم وعند الهروب. توصيات في مجال إعداد الكمائن الثابتة مع التسليم مبدئيا بضرورة وجود كمائن ثابتة في المناطق المهمة علي طرق الاقتراب الي الأهداف الاستراتيجية ومداخل ومخارج المدن للسيطرة علي التحركات وعدم إلغاء هذه الكمائن وهو ما ينادي به بعض الخبراء الأمنيين، إلا أن نجاح هذه الكمائن في تحقيق مهامها يرتبط بالآتي: أولا: تحصين مواقع هذه الكمائن هندسيا بواسطة التحصينات الأسمنتية وشكاير الرمل والدروع الحديدية بما يوفر لها الوقاية من نيران الرشاشات والبنادق الآلية والقنابل اليدوية والمولوتوف... إلخ، وأن تكون التحصينات المتواجد بها الأفراد متباعدة عن بعضها نسبيا، وبما يكفل تعاون نيراني فيما بينها عند تعرض بعضها للهجوم، وبحيث لا يقل ارتفاع التحصين «الدشمة» عن 1٫5 متر وأن تكون مستديرة من جميع الجهات عدا فتحة دخول وخروج خلفية، وفي حالة الاعتماد علي شكاير الرمل فقط ألا يقل سمكها عن شيكارتين فضلا عن إنشاء ستائر من التحصينات بعمق علي الواجهة والأجناب المعرضة للهجوم، وأن يكون بعضها هيكليا لجذب النيران وكشف مصادرها. ثانيا: لابد من استخدام موانع الطرق «مطبات صناعية» لإجبار المركبات بأنواعها علي تخفيض سرعتها عند الاقتراب من الكمين، والوقوف عنده، وبعد مغادرته وأن تكون بمعدل 2 مطب صناعي علي مسافة 100 متر من بعضهما قبل الكمين، و2 مطب صناعي آخرين بعد الكمين وعلي نفس المسافة بينهما مع استخدام البراميل الصاج ومصدات الحديد والأسلاك الشائكة بأسلوب متداخل، مع استعداد العناصر المتواجدة بعد الكمين لاستخدام وسائل التعطيل وإفساد كاوتش العجلات في حالة تعرض الكمين للهجوم فضلا بالطبع عن استخدام النيران المباشرة ضد المهاجمين عند محاولة فرارهم. ثالثا: يتعين تواجد عدد من كاميرات التصوير في كل كمين، يفضل أن تكون في أماكن غير مرئية حتي لا توجه ضدها نيران المهاجمين، وفي مواضع مختلفة من الطريق، لاسيما بعد الكمين لرصد كل من يهاجمه ويحاول الهروب، كذلك توفير أكثر من وسيلة اتصال بين قائد الكمين وأفراده، وقيادته الأقرب مكانا، وكذلك الكمائن المتحركة قريبا منه. رابعاً: ينبغي أن تتوفر التغطية بالمراقبة والنيران لكل كمين ثابت، وذلك من جانب كمين آخر ثابت وصغير وغير مرئي لأحد، متواجد في الجهة الأخري من الطريق، وتحدد مهمته في تغطية الكمين الأصلي وضرب أية عناصر تحاول الهجوم عليه والقضاء عليها أو الإمساك بها. خامساً: بالنظر لما يتعرض له أفراد الكمائن من إرهاق بسبب طول فترة خدمتهم بالكمين، فلابد من تغييرهم بعد كل 4 ساعات خدمة، وإعطائهم فترة راحة لا تقل عن ساعتين بين الخدمة والتي تليها يومياً، إلي جانب يومين راحة أسبوعياً، مع تغيير أماكن الخدمة شهرياً حتي لا يحدث تراخٍ نتيجة طول فترة التواجد في مكان واحد. سادساً: بعد تنفيذ كل الإجراءات السابقة، يتحتم علي أجهزة التفتيش بالداخلية أن تجري اختبارات عملية لقياس مدي الاستعداد القتالي للكمائن، وقدرتها علي تنفيذ مهامها والتصدي لأي هجمات قد تتعرض لها، وأن تتم هذه الاختبارات فجأة ليلاً ونهاراً، مع التصحيح والمعالجة الفورية لأي ثغرات أو أخطاء يتم اكتشافها، بل يجب أيضاً اختبار مناعة التحصينات المقامة بإطلاق النيران عليها، وتقويتها في حالة اكتشاف أي ضعف فيها، يسبق ذلك إجراء تدريبات جافة علي مهاجمة الكمين، والتأكد من نجاح خطة الدفاع عنه والتصدي للإرهابيين. إجراءات تكميلية - يجب أن يكون مفهوماً أن الاعتماد علي الكمائن الثابتة في إحكام السيطرة علي الطرق ومداخل ومخارج المدن وحماية الأهداف الاستراتيجية، لا يغني أبداً عن أهمية الكمائن المتحركة التي ينبغي أن تغطي جميع الطرق والشوارع الرئيسية ليلاً ونهاراً، لا سيما مع ما توفره الكمائن المتحركة مفاجأة عند اعتراض الإرهابيين وإرباكهم وهم في مرحلة ما قبل تنفيذ هجماتهم. - أن يمنع منعاً باتاً ركوب فردين علي الدراجة البخارية في أي مكان في جمهورية مصر، وأن يصدر وبسرعة تشريع أو قانون بذلك، ومن يخالف ذلك يتعرض للسجن ومصادرة دراجته، وأن يعلن عن ذلك في جميع وسائل الإعلام. - كذلك يجب الإعلان في وسائل الإعلام أن كل سيارة أو دراجة بخارية تمتنع عن التوقف عندما يطلب منها ذلك بواسطة الكمائن الثابتة والمتحركة سيتم إطلاق النيران الحية عليها فوراً. - التوعية المستمرة لرجال الشرطة، العاملين في الكمائن ونقاط الحراسة والمرور وأمام المنشآت الشرطية، وغيرها، أنهم في حرب، بل إن مصر كلها شعباً وجيشاً وشرطة وكافة مؤسسات الدولة في حالة حرب، بل وحرب قذرة ضد شراذم من البشر لا تختلف عن الحيوانات المفترسة في شراستها وعدوانيتها، وأن هدفهم الرئيسي هو استهداف وقتل رجال الشرطة علي وجه الخصوص، في أي مكان وكل مكان، وحتي إن كان ذاهباً أو عائداً إلي منزله أو يتناول كوباً من الشاي في مقهي، وذلك لترويعهم وبث الخوف في نفوسهم ودفعهم إلي التخلي عن واجبهم، أو التقاعس في أدائها، وهو ما ينبغي تفويته عليهم باتخاذ كافة إجراءات الحيطة، وأبرزها عدم ارتداء الزي الرسمي كلما كان ذلك متاحاً وممكناً. - يرتبط بهذا الأمر ضرورة حماية رجال الشرطة، خاصة كبار الضباط ورجال المباحث وأمن الدولة، بتغيير أماكن تواجدهم الثابتة ومواعيد وطرق تحركهم كلما كان ذلك متاحاً وممكناً، هذا فضلاً عن قيام الدولة بالتأمين علي حياتهم في شركات التأمين، وتوفير الرعاية الشاملة لأسرهم في حالة التعرض للاستشهاد أو الإصابة. - يرتبط بكل ذلك ضرورة تفعيل القوانين الجنائية وآخرها قانون تنظيم المظاهرات، وكفي تلكؤاً في إصدار قانون مكافحة الإرهاب، وسرعة إنجاز المحاكمات وتنفيذ الأحكام الصادرة، وأهمية أن تكون رادعة عملاً بقوله تعالي «وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم علي سواء».. ذلك أن العمل بقانون الإجراءات الجنائية الحالي يكفل للإرهابيين الاستئناف والطعن في المحاكمات أربع مراحل.. الأولي هي محكمة الجنايات التي تحاكم المتهمين الآن، وعند صدور حكمها يطعن المتهمين أمام محكمة النقض «المرحلة الثانية» التي تراقب علي تطبيق القانون فقط، ولا تتعرض لموضوع الدعوي، فإذا قبلت الطعن تعيده مرة أخري لمحكمة جنايات أخري، والمرحلة الثالثة، محكمة الجنايات هذه وتسمي محكمة الإحالة تنظر القضية من البداية مرة أخري وتسمع الشهود مرة أخري ثم تصدر حكمها الذي قد يطعن عليه أمام محكمة النقض مرة أخري، والمرحلة الرابعة وهنا تنظر محكمة النقض القضية كاملة شكلاً وموضوعاً وقانوناً ويكون حكمها الأخير والبات، وكل مرحلة من هذه المراحل قد تأخذ من ستة أشهر إلي سنة، وهو ما قد يعطل القضية لأكثر من أربع سنوات، وهو أمر لا يجدي في التعامل مع قضايا الإرهاب، ويفرض بالتالي استصدار قوانين خاصة تكفل سرعة محاكمة الإرهابيين وإصدار أحكام رادعة ضدهم، مع إعلانها إعلامية تحقيقاً لمبدأ سرعة القصاص الذي أمر به المولي عز وجل، وردع الإرهابيين عن المضي في خططهم لتخريب الدولة المصرية، ولنا فيما أصدره خادم الحرمين الشريفين - الملك عبدالله بن عبدالعزيز - أخيراً من قانون لمكافحة الإرهاب مثل يحتذي به، حيث غلظ عقوبة ارتكاب جريمة الإرهاب داخل أو خارج المملكة السعودية، وكل من يهدد أمن الدولة السعودية، وشعبها علي أية صورة من الصور، أو حتي يحرض علي القيام بأعمال هدامة، بالإعدام، أو السجن ثلاثين سنة، مع حظر أنشطة جميع التنظيمات والجماعات والأحزاب، التي تخلط الدين بالسياسة، وتطبيق هذا القانون عليها ومنعها من العمل في الدولة السعودية، في أي من مجالات العمل الخدمي أو التنموي ومصادرة ممتلكاتها مع إغلاق صفحات تنظيمات الإرهاب في «الفيس بوك» المحرضة ضد الدولة والجيش والشرطة. خلاصة القول وكما ذكرنا في مقدمة هذا المقال، فإن ما أشرنا إليه آنفاً من ملاحظات علي الأداء الأمني، لا ينبغي معه إطلاقاً أن نتجاهل ما حققته الشرطة المصرية من إنجازات ضخمة، خاصة بعد أن تحولت بشكل ملحوظ من رد الفعل إلي شن الضربات الاستباقية ضد بؤر الإرهاب، وتجفيف منابعه البشرية والتسليحية والمالية، بالرغم من التحديات والتهديدات التي يتلقونها لحظة تلو الأخري، وانتهاج عناصر الإرهاب لأساليب خسيسة ودنيئة في التعامل مع رجال الشرطة، إلا أنه ومن واقع حرصنا علي جهاز الشرطة ورجاله، فإننا نطالبه بتعديل استراتيجية وتكتيكات عمله لمواجهة هذا الإجرام الحقير، فرغم النجاحات الهائلة التي حققها جهاز الشرطة في الشهور القليلة الماضية، ورغم محدودية الإمكانات، وعدم تجاوب بعض أجهزة الدولة ومؤسساتها - خاصة القضائية - مع مطالب الشرطة في العدالة الناجزة، إلا أننا نحذر الشرطة من الإفراط في الاعتقاد بالانتصار النهائي علي الإرهاب، فلا تزال المعركة طويلة مع الإرهاب، بل هي أشبه بحرب استنزاف يتعين علي كل مؤسسات الدولة مع الشعب أن تشارك الشرطة والجيش في تحمل تبعاتها، فقد قال نابليون يوماً: «إن أكبر خطر يكمن في لحظة الانتصار»، كما سبق لقائد السفينة «تايتانيك» عندما سئل عن سر عدم اهتمامه الكافي بقوارب الإنقاذ أجاب: «إن سفينتي لا يمكن أن تغرق»، فغرقت في أول رحلة لها عندما اصطدمت بجبل جليد يوم 15 أبريل 1912، وخلال ساعتين غرقت بالكامل وعليها 2250 راكبا.