لم أكن أتخيل فى يوم من الأيام أن يكون مصدر رزقى ومكان عملى وأعز صديقاتى وأحلى أيام عمرى.. فى سجن النساء، بالرغم من بشاعة المكان والصورة الذهنية السيئة عنه، إلا أن هذا السجن هو الذى أشعر فيه بالسعادة، بعد أن تعرفت من خلاله على عالم لم أكن أتخيل أن أعرفه، بل وأكون عضواً فاعلاً ومهماً فيه. بهذا الكلام بدأت الحاجة آمال جابر، أول داعية إسلامية تعمل فى سجن النساء بالمنيا، حوارها مع بوابة الوفد الإلكترونية حول حال سجن النساء وتجربتها مع النزيلات. البداية فى السجن كانت البداية - كما تقول - بعد تخرجها من كلية الآداب قسم اللغة العربية.. حين وجدت فى نفسها ميلاً إلى العمل فى مجال الدعوة فدخلت معهد إعداد الدعاه بالمنيا، وبعد أن تخرجت فيه تم اختيارها من قبل الأوقاف للعمل الدعوى داخل سجن المنيا. تقول: "فى البداية اتصدمت.. لكنى قررت أن يكون هدفى تحويل السجينات لمواطنات صالحات، وبالفعل جعلت مهمتى استقطاب السجينات واحتوائهن وتأهيتهن للتصالح مع النفس.. والأهم إعادتهن إلى طريق الرحمن". الحاجة آمال تصف السجن، فتقول إن النزيلات ينقسمن إلى فئات.. شيكات ومخدرات وآداب وقتل، كل فئة منهن تتواجد مع بعضها فى زنزانة واحدة. وتكمل: يتم السماح لى بإعطاء المحاضرات للنزيلات فى يومين من كل أسبوع.. أحياناً يحضر عدد يتجاوز ال50 وأحياناً 20، وليس كل السجينات بطبيعة الحال يواظبن على الحضور.. والملاحظ أن المسنات أكثر قدره على الاستماع والاستجابة، أما الشابات فمعظمن يكن منهارات نفسياً، خاصة فى بداية الحبس ولكن بعد الانتظام فى حضور المحاضرات تبدأ الاستجابة. وعن مضمون المحاضرات والدروس التى تقدمها تقول: "محاضراتى تعتمد على عمل تصالح مع النفس، فالسجينات دائماً فاقدات الأمل فى رحمة الله، وأيضاً لديهن شعور بأنهن فئة مرفوضة، لذلك أحاول أن أسمعهن أكثر من أن أتكلم معهن، وأيضاً لا أعتمد فى حديثى معهن على الوعظ، و"قال الله وقال الرسول"، لأن هذه الفئات لا تستجيب للنصح المباشر، ولكى أكسب ثقتهن يجب أن أشعرهن بأنى صديقه وقريبة منهن، وأنى أقبلهن على حالهن وبأخطائهن. وحول كيفية اكتساب ثقة السجينات توضح الحاجة آمال: "إذا حاولت وضع نفسك مكان السجينة ستعرفين مدى شعورها".. وأنا أسمعها حتى أجعلها ترتاح فى الحديث معى وتفتح قلبها لى ومن هنا أعرف مشاكلها وأسعى الى حلها، ومعظم المشاكل النفسية للسجينات تتركز فى الحرمان من الزوج ومن الأولاد. مفاهيم خاطئة "إعادة السجينات إلى الله من أصعب ما أواجهه فى السجن" هذا ما أكدته الحاجة آمال، لافتة إلى أن الوعى الدينى عند معظمهن معدوم لذلك يفقدن الأمل فى عفو الله، لأنهن متيقنات - بناءً على فتاوى خاطئة من بعضهن - أن الله لن يغفر ذنوبهن، خاصة سجينات الآداب، فيتركن العبادات والصلاة على وجه الخصوص مبررات ذلك بقولهن "كيف نصلى ونقف أمام ربنا وإحنا خاطئات؟!"، بالاضافه إلى سخرية باقى السجينات من التى تقبل على الصلاة حتى إنهن ينادونها "أيوه يا طاهرة.. أيوه يا شريفة". تؤكد الداعية، أن مثل هذه النفوس لا تساعد على إقدام السجينات على التصالح مع النفس والتوبة.. ومهمتها فى المقام الأول تصحيح هذه المفاهيم. وتضيف أن الكثير من الحالات متمردة جداً ولا تقبل النصيحه، وأن هناك كلمات غالباً ما تتردد على لسان الكثير من السجينات مثل: "اشمعنا أنا يا ربى".. "كنتوا فين لما نزلت الشارع؟ وكنتو فين لما أبويا طردنى من البيت؟ جاين دلوقتى تعملوا فيها مصلحين". وتوضح، أن مهمتها أن تقضى على هذا التمرد أو تقلل من حجمه بداخل كل منهن على أسوأ تقدير، وألا تجعل هذه المسجونة مهمشة حتى لا ينظر لها المجتمع نظره سيئه، فتحاول إعادة تأهيلها لكى يتقبلها الجميع بعد قضائها فترة العقوبة، خاصة أن هناك سجينات لا يزورهن أحد بعد أن تبرأ أولادهن منهن ورفضت عائلاتهن مجرد رؤيتهن والسؤال عنهن، لذلك تعود معظمهن للسجن ثانية وبعد فترة وجيزة من الافراج لأن الظروف تدفعهن للعوده للجريمة ثانية خاصة وأن الواحدة منهن لا تجد من يعينها على التوبة والحياة باستقامة. ولكن فى النهاية هناك الكثيرات يستجبن للنصح ولكن بعد عناء "على حد قول الحاجة آمال".. بل إن كثيرات منهن يقمن بفعل الخير فى السجن فنرى السجينه الشابة تساعد المسنة فى غسل ملابسها وتقوم بإطعامها وهو ما نعتبره استغلال للطاقات الإيجابية للسجينات. سرقة وسجائر وسحاق وبالرغم من صداقة الحاجة آمال العميقة بالسجينات، إلا أن التعامل معهن لا يعد بالأمر السهل، فتحكى آمال عن أبرز المشاكل التى قابلتها بسبب عدم اتباعها لإجراءات الأمن فى السجن: "فى البداية كنت أدخل السجن ومعى نقود وموبيل، لم أكن أعرف أن الفلوس ممنوعة، فكنت أعطيها للسجينات واتعرضت لمشكلة كبيرة من المأمور، وفى إحدى المرات حاولت إحدى السجينات سرقة مفتاح سيارتى ولكن هذا لم يتكرر بعد ذلك". وكما تنتشر السرقات بالسجن، والتى لم تنج منها الداعية صديقة النزيلات، وبالرغم من أن السجن إصلاح وتهذيب إلا أنه تنتشر ممارسات خاطئة أخرى وأحياناً شاذة.. حول هذه الممارسات تقول آمال: "ينتشر السحاق داخل السجن وقد حاولت جاهدة أن أرجع السجينات اللاتى يفعلن ذلك إلى صوابهن بشغلهن بالذكر أو باستغلال طاقاتهن فى عمل مفيد داخل السجن، وذلك بالتنسيق مع الإدارة. وحول كيفية الكشف عن هذه الحالات، تضيف أن عالم السجن يكره بعضه بعضا، ويعتمد على الفتنة والإيقاع ببعضهن البعض، لذلك يتم الكشف عن العلاقات غير الشرعية بين السجينات بسهولة شديدة وفور وقوعها. وتعبتر السجائر العملة المتداولة داخل السجن سواء للشراء أو للسيطرة على السجينات، "فالمعلمة الكبيرة اللى ماسكة زمام الأمور، كما تصف آمال، هى اللى بتبيع سجاير للسجينات، وهى التى بيدها المنح والمنع وفقاً لخضوع كل منهن لنفوذها".. وهو الأمر الذى لم تفلح محاولات الحاجة آمال فى القضاء عليه لما تتمتع به هذه المعلمة من نفوذ وسلطان على المسجونات. رحمة للسجينات ووسط هذه القتامة من عزلة ويأس وقهر أحياناً.. يولد أمل جديد للسجينه يغير حياتها وحياة من حولها داخل السجن، فعندما تصبح أما وتتهيأ لاستقبال مولودها داخل الحبس تفرح به كل المسجونات، وتكون كل مسجونه بمثابة أم ثانية له تغدق عليه كل أنواع الحنان وتتم معاملته معامله جيدة حتى من قبل الضباط. وتقابل الحاجة أمال مشكلة فى التعامل مع هؤلاء الصغار الذين يرفضون التعامل معها لاختلاف لون ملابسها عن ملابس السجينات، فهى بالنسبة لهم شخص مختلف لذلك تبذل الكثير من الجهد والمحاولات لاحتواء هؤلاء الأطفال لكى يتقبلونها من ناحية حتى تستطيع القيام بالمهام التربوية معهم، ولكى تهيأهم على التعامل مع الآخر المختلف بعد خروجهم من السجن من ناحية أخرى، وتقر أن الأمهات يساعدونها فى ذلك عن صدق رغبة منهن فى إبعاد الأبناء عن نفس المصير. ومن خلال ما عاشته الحاجه أمال مع السجينات، تطالب المؤسسات المعنيه بحقوق الانسان والجهات المسؤوله بأن يتم استغلال طاقة السجينات بالشكل المطلوب، فهى تراهن قوة معطلة وتكلفة على الدوله حيث توفر لهن الطعام والملبس والعلاج دون أى تدريب يساعد فى الاستفادة منهن فى عمل نافع يساهم فى الإنتاج ويساعد على تلافى الكثير من مشكلات السجن.