منذ قيام ثورة 25 يناير تحولت عربة السيدات داخل مترو الأنفاق إلى منتدى نسائي سياسي متحرك لا ينفض أبداً.. تسمع فيها كل وجهات النظر السياسية من مؤيدات ومعارضات لما يدور في مصر من أحداث.. تعكسها آرائهن حول الثورة ومبارك والدستور والاعتصامات والأموال المنهوبة والغلاء.. وغالبا لا تمر المناقشات في سلام، فاختلاف النساء مع بعضهن البعض لا يمر عادة بسلاسة وهدوء. في السطور التالية أنقل لكم مشاهدات سياسية من عربة السيدات بمترو الأنفاق.. مبارك آه.. مبارك لا داخل عربة السيدات يتواجد مؤيدات الرئيس المخلوع وكارهاته أيضاً.. وعندما يتم وضع النار بجانب البنزين، لا تهدأ الحرائق أبداً.. تصعد مجموعة من الطالبات اللاتي لا يتوقفن عن الإشادة بتحويل اسم محطة مبارك إلى محطة "الشهداء"، ويأخذهن الكلام عن الثورة إلى الحديث فى حال البلد وكيف أن مبارك يستحق الشنق فى ميدان عام، و يجب ألا يتعاطف معه الشعب المصرى بأى حال من الأحوال.. سيدة في منتصف العمر تقريباً ترتدى جلباباً أسود وتبدو عليها الملامح الريفية، ويبدو أنها استشاطت غضبا من كلام الفتيات فترد قائلة: "هو انتوا وعيتوا على مبارك علشان تعملوا فيه اللى بيتعمل ده.. تعرفوا إيه انتوا عن الحرب وعن اللي كان قبل مبارك؟". سيدة أخرى توافقها على ما تقول ورافضة تغيير اسم محطة المترو، بينما تقاطعهم ثالثة "عاجبكوا حال البلد من غيره؟". وبالطبع لم تتوقف الفتيات بدورهن عن الدفاع عن الثورة ودم الشهداء، وأيضا لم تتوقف السيدات عن الدفاع عن إنجازات مبارك "زي مترو الأنفاق مثلاً". ورغم استعداد الفتيات للنزول لأن محطة نزولهم قد حانت، إلا أن السيدة الريفية لم تتوقف عن الكلام غاضبة: "جيل مش عارف حاجة ضيع البلد بالإنترنت.. وهيخربها ويقعد على تلها.. زي ما حصل فى العراق". "أدي اللي خدناه من الثورة" لأن اعتصامات العمال الفئوية هي القضية المثارة منذ الثورة إلى الآن، حتى وصل عدواها إلى إضراب عمال المترو أنفسهم، فقد بدأت إحدى السيدات حديثها فور تحرك المترو من محطة "جمال عبد الناصر" موجهة كلماتها للراكبات من حولها وليس لواحدة بعينها.. "ينفع يعني لما كل موظف ولا موظفة يعملوا اضراب.. هناكل منين ونشتغل إزاي هى البلد ناقصة خراب، الأسعار بتزيد و"الخضارية" ناقص هما كمان يعملوا إضراب، حتى الدكاترة، يعنى إيه الدكتور يضرب عن الشغل!، يعنى إيه سواق المترو ولا العمال يضربوا عن الشغل.. هنعيش إزاى كده؟". ثم أطلقت السيدة عبارات الغضب ضد الثورة والثوار على غرار "أدي اللي خدناه من الثورة". لسوء حظها، كان من ضمن الركبات فتيات يبدو عليهن من ملابسهن العمل فى مجال التمريض.. وبالطبع لم يلق كلام السيدة إعجابهن فردوا: "الممرضات والدكاترة دول من الشعب برضه وحقهم "متاكل" سنين، والمفروض يتم مراعاتهم مادياً زى ما بيراعوا المرضى ويسهروا خارج بيوتهم ويتأخروا ويتعرضوا لمضايقات الناس فى الشارع.. والعمال الغلابة في المستشفيات حقهم يطالبوا بتحسين مستواهم". لاداعي لذكر ما حدث بعد ذلك من مشادات كلامية بين السيدة وبين الفتيات.. لكن النهاية كانت التشابك بالأيدي بين الطرفين، حتى تدخلت الراكبات لفضها وتهدئة الأمر. حديث المنتقبات من أكثر القضايا التى تلقى مناقشات حادة داخل عربة السيدات هى قضية الحجاب والنقاب، والتي ينقلب الحديث فيها إلى السياسة بعد النقاش الديني.. يكفي لإشعال القضية صعود سيدة منتقبة وأخرى غير محجبة لتبدأ المأساة.. في أحد الأيام دخلت سيدة منتقبة وما هي إلا لحظات وبدأت في توجيه حديثها إلى إحدى الفتيات غير المحجبات قائلة: "الحجاب قبل الحساب يا بنتي"، وعندما لم تلتفت لها الفتاة ناظرة للجهة الأخرى من العربة.. بدأت السيدة فى لصق بوسترات دينية على حائط عربة المترو ثم قامت بالتمتمة ببعض العبارات الدينية، ثم قالت: "البلد مش حينصلح حالها أبدا وإحنا كده". عادة المنتقبات لا يلتفتن إلى وجود غير مسلمات فى العربة.. ففي إحدى المرات وبعد كلمات النصح من إحداهن نبهتها فتاة صغيرة قائلة: "حضرتك المترو مش دور عبادة.. وكل واحد حر فى لبسه"، وهو ما اعتبرته السيدة ومن يجلس حولها بمثابة شتائم وسباب.. لتبدأ معركة كلامية بين الراكبات تسمع فيها شعارات سياسية مثل "الدين لله والوطن للجميع".