على طريقة الحلول السهلة غير الواقعية للمشكلة الفلسطينية، كالتي طرحها معمر القذافي بإنشاء دولة "إسراطين"، دعا الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان، في صحيفة نيويورك تايمز إلى إصدار قرار جديد من الأممالمتحدة يعيد تأكيد تقسيم أراضي فلسطين التاريخية إلى وطنين لشعبين، وفقاً لحدود 1967، مع تبادل متفق عليه للأراضي وترتيبات أمنية بين الجانبين، واعتراف المنظمة الدولية بالدولة الفلسطينية. واعتبر فريدمان في مقاله، الذي جاء بعنوان: "ماذا نفعل مع الحمقى؟"، أن أعضاء الحكومتين الإسرائيلية والفلسطينية، حمقى ولا يستطيعون اتخاذ القرار المناسب مع أنه قريب منهم بأكثر مما يظنون، مشيراً إلى أن الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، تسببا في فوضى هائلة في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً في مجال العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، التي قاما فيها بتنفير كافة الأطراف المعنية ولم يحققا أي تقدم. وأوضح أن كلاً من أوباما وهيلاري كانا غير متسقين مع نفسيهما، فقد طالبا بتجميد الاستيطان ثم تراجعا، وهو ما يعبر عن جبنهما السياسي وافتقادهما للخيال. ثم مرة أخرى، كان الفاعلان الذين توجب عليهما أن يعملا معهما أحمقان، فالحكومة الفلسطينية منقسمة لدرجة أنها لا تستطيع اتخاذ قرارات مهمة، والحكومة الإسرائيلية اليمينية قوية لدرجة كافية لاتخاذ قرارات مهمة، لكنها لم تكن لديها الإرادة لفعل ذلك. وأضاف أن فريق أوباما يواجه مشكلة الآن. فالسلطة الفلسطينية، التي فقدت الإيمان بكل من إسرائيل والولاياتالمتحدة، تقوم بالضغط على الأممالمتحدة لكي تعترف بالدولة الفلسطينية المستقلة، في حدود 1967 داخل الضفة الغربية وقطاع غزة، في سبتمبر. وبمجرد أن يتحقق لها ذلك، يمكن للحكومة الفلسطينية عندئذ أن تبدأ في حملة ضغط عالمية لكي تجبر إسرائيل على سحب مستوطنيها وقواتها الأمنية، وإلا ستواجه عقوبات وإدانة دولية. والولاياتالمتحدة ليست لديها الرغبة في دعم مثل هذا الحل الأحادي، الذي من شأنه أن ينفر إسرائيل واليهود الأمريكيين. لكنها من الناحية الأخرى، ليست لديها الرغبة في التصويت بالنقض ضد هذا القرار، لأنه يعقد وضع الولاياتالمتحدة في العالم الإسلامي. وكبديل، تحاول الولاياتالمتحدة أن تأتي بالأطراف إلى مائدة المفاوضات للبدء في محادثات سلام للتوصل لاتفاقية شاملة تقوم على مبادئ طرحها الرئيس أوباما في منتصف مايو، وهي: دولتين لشعبين، مع اتخاذ حدود عام 1967 كنقطة بداية، وبعد ذلك لا يهم حجم ولا تحديد الأراضي التي يتبادلها الطرفان حول هذه الحدود. لكن إذا لم يقبل الطرفان ذلك، وحتى الآن لا يقبلان بذلك، فإننا سنتجه على الفور صوب حادثة تصادم هائلة في سبتمبر. وهنا طرح فريدمان الحل الذي اعتبره بسيطاً ولا يختلف عليه اثنان؛ وقال موضحاً: "فإذا أراد الفلسطينيون نقل المشكلة برمتها إلى نقطة البداية –وهي الأممالمتحدة- فإنني أقول: "فلنجرب". لكن دعنا نفكر بدرجة أكبر وبمزيد من الخيال". ومضى إلى القول إنه في يوم 29 نوفمبر عام 1947، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 181، لكي تقسم فلسطين إلى وطنين لشعبين، ووصفتهما كالتالي: "دولتين مستقلتين للعرب واليهود"، وهو أمر مهم. وهذه هي بالضبط النتيجة التي سعى القرار لتحقيقها: "دولة عربية جنباً إلى جنب دولة يهودية". وتساءل: "إذن لماذا لا نطور القرار 181 وننقله إلى مجلس الأمن الأكثر هيبة؟". وقدم مشروع قرار جديد من الأممالمتحدة يكون نصه كالتالي: "تعيد الأممالمتحدة تأكيد أن أراضي فلسطين التاريخية ينبغي تقسيمها إلى وطنين لشعبين –دولة فلسطينية عربية ودولة يهودية. ويجب أن يقوم خط التقسيم على حدود 1967 –مع تبادل متفق عليه للأراضي وترتيبات أمنية بين الجانبين. وتعترف المنظمة بالدولة الفلسطينية كعضو بالجمعية العامة للأممم المتحدة وتحث الطرفين على دخول مفاوضات لحل القضايا العالقة الأخرى". وهنا بدا الهدف الحقيقي لفريدمان وهو إغلاق ملف اللاجئين وتقسيم الأممالمتحدة في عام 1947، الذي يمنح الفلسطينيين أراضي تزيد كثيراً عما كان عليه الوضع في يوم الرابع من يونيو عام 1967. وأشار فريدمان إلى المزايا التي سيحصل عليها الطرفان –وهي مزايا حقيقية- لكنه تغافل عن هاتين النقطتين تماماً. وتابع موضحاً تلك المزايا بالقول إن كل طرف سيحصل على شيء مهم من الطرف الآخر ويقدم له ما يريد. فالفلسطينيون سوف يحصلون على الاعتراف بالدولة وبعضوية الأممالمتحدة، داخل حدود إقليمية تقبل بها إسرائيل والولاياتالمتحدة. والإسرائيليون سيحصلون من الأممالمتحدة على اعتراف رسمي بيهودية إسرائيل، بينما يوافق الفلسطينيون والعرب على ذلك. وأكثر من ذلك، سيحصل الفلسطينيون على مفاوضات تقوم على حدود 1967، بينما ستحصل إسرائيل على ضمانات من الأممالمتحدة ومن الولاياتالمتحدة بأن الحدود النهائية ستتشكل من خلال مفاوضات بين الجانبين، مع تبادل للأراضي، لذا سيضمن 80% من المستوطنين –من الناحية النظرية- البقاء في الأراضي التي تبلغ مساحتها 5% من أراضي الضفة الغربية، ومبادلتها بجزء من أراضي إسرائيل وفق حدود 1967. وفي نفس الوقت، بدلاً من أن تكون الولاياتالمتحدة معزولة في ركن مع إسرائيل، فإن بمقدورها الحصول على البدء في المحادثات، بدون أن تظل عالقة في قضية المستوطنات. ولإقناع الإسرائيليين، نقل فريدمان عن جيدي جرينشتاين، رئيس معهد ريوت، أحد اكبر المجموعات الاستراتيجية الإسرائيلية، قوله: "يمكن ان يكون سبتمبر المقبل موعداً لمواجهات صفرية مع نتائج مأساوية محتملة أو نقاط تحول، إذا تمت بصورة صحيحة". وأضاف: "فالإسرائيليون والفلسطينيون يلعبون لعبة الدجاج. فالقيادة الفلسطينية في الضفة الغربية لا تريد حقاً قرار الاممالمتحدة، الذي قد يحرر القوى الشعبية التي من الممكن أن تطغى عليها. أما الإسرائيليون فيعلمون أن الذهاب للخارج لمنع المطالب الفلسطينية في الأممالمتحدة، بدون تقديم اقتراح مقابل، يمكن أن يضر كثيراً بالنتائج التي تحدث في الشرق الأوسط الذي يشهد حالياً حالة من الاضظراب. لذا فإن الاتفاقية التي تعترف بالدولة الفلسطينيةعلى النحو الذي ياخذ في الاعتبار المخاوف الإسرائيلية ليس فقط يمكن أن يساعد كلا الطرفين على الرجوع عن الهاوية التي ينحدرون إليها، وإنما أيضاً يثبت حل الدولتين التاريخي في عام 2011".