شّرفني حزب الوفد باختياري وزيراً للتعليم والبحث العلمي في الحكومة الموازية، وهي مهمة أرحب بها وأنوي الإخلاص والاجتهاد في أدائها، فمصر تحتاج بالفعل إلي كل الجهود الخبيرة والمخلصة في آن واحد.. ولعل البداية الحقيقية لإحداث النهضة الكبري في مصر ستكون هي التعليم والبحث العلمي، وصحيح أن العالم الكبير أحمد زويل ردَد ذلك كثيراً وردده آخرون مراراً و تكراراً، ولكن الواقع التطبيقي الذي يعيشه كل أب وأم وطالب يؤكد أن الإنجاز ما زال أقل من الطموحات، وحتي مشروع زويل للبحث العلمي تعثر أكثر من مرة وأتمني ألا يتعثر من جديد بعد أن شبكوه بغير مبرر مع مشروع آخر تدور عليه التساؤلات وتجري فيه التحقيقات ولا تنفض منه الاعتصامات.. أدعو الله أن يتحقق حلم زويل وحلم مصر أيضاً، علي أن ما أطرحه هنا ليس مجرد مركز للتميز وتجمّعاً لأفضل الباحثين، وإنما أطرح مشروعاً شاملاً لنهضة مصر مرتكزاً علي التعليم والبحث. أنا أحلم بتغيير جذري وجوهري في منظومة التعليم كلها.. دعونا نخرج من القوالب الجامدة التي حكمتنا طويلاً، ونناقش جدوي الموروثات الجاثمة علي صدر المؤسسة التعليمية من كل الاتجاهات.. أنا أدعو إلي الجرأة في التفكير وعدم الخوف من التغيير، وثوار يناير أثبتوا للجميع أن الجرأة في الحلم وفي التفكير يمكن أن تحقق المعجزات.. دعونا لا نصادر علي أي فكرة جديدة دون تمحيص، لأن ما يغير الأمم حقيقة هو الأفكار الجديدة، وإذا قبل الناس فكرتك علي الفور فهي في الغالب فكرة عادية أو قديمة. أنا أدعو إلي أن نبدأ مسيرة جريئة جديدة لتغيير التعليم، مطلوب التفكير في كل الجوانب وطرح كل الأسئلة، فهل الهيكل الحالي للنظام التعليمي مناسب لاحتياجاتنا وإمكانياتنا؟.. وهل النظام الحالي لإعداد المعلمين يحقق الغرض؟.. ولماذا لا يستطيع أغلب المعلمين النهوض بالعبء التربوي المنوط بهم؟.. ولماذا نتمسك بالمدرسة بشكلها الحالي وقد هجرها الطلاب وكثير من المعلمين؟.. وهل الكتاب الدراسي المقرر هو الحل الوحيد لمرجعية الطالب رغم أن الكتاب الخارجي قد نجح في عزله من مكانته المقدسة؟.. وهل نمطية الدراسة لملايين الطلاب هي الأفضل لمستقبل بلدنا في عصر التنوع والتعّدد؟.. وهل محتوي المناهج وترتيبها أفقياً ورأسياً يحققان الإبداع والمعرفة معاً؟.. وطرق التدريس العقيمة كيف نغيرها؟.. ومجانية التعليم بين الحقيقة والوهم؟.. وهل مرتبات المعلمين عادلة؟.. وكيف ندبّر الموارد؟.. وكيف نحسب العوائد؟.. وما العلاقات الشبكية بين التعليم ومواقع الإنتاج؟.. وهل البحث العلمي في الجامعة فقط أم في كل مراحل التعليم؟.. ألا يستطيع طالب الابتدائي البحث العلمي؟.. ألا يستطيع التفكير المبدع؟.. وهل النشاط الجاري لوزارات التعليم والبحث العلمي هو المطلوب لإنهاض مصر؟.. وكيف يستقيم استقلال المؤسسة التعليمية مع تزايد التدخل في شئونها؟!.. وهل جيش التوجيه الفني والمالي والإداري بوزارة التربية مشغول بالمعركة الحقيقية؟.. وهل الإسراف في الاعتماد علي الامتحانات هو السلوك الصحيح؟.. وهل إهمال التربية الأخلاقية جريمة في حق الأجيال أم إهمال مقبول علي أي حال؟ وآلاف الأسئلة وآلاف الأفكار التي عايشتها خلال عملي بالتعليم الجامعي والتعليم قبل الجامعي سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، وحيرتي كانت تزداد عندما أري الحلول السهلة تغمض علي المسئولين والمعلمين، والرؤية المتكاملة للأمور تتعذر علي المديرين، نعدكم بالآتي: سوف نعكف علي إعداد مشروع متكامل للنهضة بمشاركة الخبراء والمخلصين ثم نطرحه للنقاش والتقييم والإضافة والتعديل.. والله من وراء القصد. آخر سطر القيود والمعوقات عادة ما تقبع في عقولنا وليس في البيئة المحيطة بنا.