جري العرف في كافة ربوع ريف مصر الطيب أنه حينما كان يمر أي من أحاد الناس يقوم جلوس من صفوة رجالات القرية أو مثقفيها وهو يركب دابته فإنه ينزل من فوقها ويترجل في سيره قائلا لهم: «دستور يا أسيادنا»، وهو ما يعني أسمي معاني الطيبة والاحترام والتوقير وما يشير أيضا الي تمسك أهل الريف بأصول الأخلاق الحميدة وعظيم التقاليد المتأصلة في نفوسهم، ولأن كلمة الدستور تحمل الكثير من المعاني فإنه يحظي بذلك الحب الجارف والاحترام الدائم، باعتباره أبو القوانين وبمثابة العقد الاجتماعي المبرم بين الدولة والشعب، وهي أمور متعارف عليها في جميع الدول وبين شعوب العالم وباعتباره ما ينظم الحقوق والواجبات والضامن للديمقراطية وكفالة حريات المواطنين واحترام حياتهم العامة والخاصة. ولأن لجنة الخمسين والتي يناط بها إعداد الدستور قد واجهت الكثير من المشاكل والعقبات وتعرضت لضربات تحت الحزام لثنيها عن متابعة أعمال الستور إلا أنها لم تلق بالا بكل تلك المحاولات الرافضة والمناهضة لمجرد إعداد الدستور وانطلقت في مسارها مما أثار وبعنف حفيظة جماعة الإخوان ولجأت بعد أن أفلست في الشارع والحشد ببناتها ونسائها وطلبة الجامعات الي أن يعيثوا في الأرض فسادا لإحداث الفراغ والقلق بين صفوف الناس. وقد فطن الشعب الي تلك المحاولات الرخيصة وقام الأهالي بمطاردة أنصار تلك الجماعة في الشوارع والحارات والميادين ضربا وطردا حتي ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وصاروا منبوذين من كل طوائف الشعب. وحيث إن لجنة الخمسين برئاسة الدبلوماسي المحترم عمرو موسي رغم كل الأجواء الضبابية والقاتمة أحيانا كانت أعمالها تتم في غاية الشفافية والوضوح وتحت سمع وبصر جميع أعضاء اللجنة الأساسي فيها والاحتياطي، ولم يكن ميلاد ذلك الدستور سهلا وميسرا بل شهد كثيرا من الخلافات والمناقشات جعلت مخاض ولادته متعسرا إلا أن قوة أعضاء اللجنة وعزائمهم كانت تحمل إصرارا علي السير قدما ليخرج ذلك الدستور معبرا عن الحركة الوطنية التي يسعي لها الشعب المصري بكل أحزابه وطوائفه حتي تستكمل خارطة الطريق ويرسم المستقبل المشرق الذي يترقبه الجميع، وقد خرج بالفعل الدستور الي النور رغم كيد الحاقدين وعبث المجرمين ليحقق كل الآمال والأماني راسما الحقوق والواجبات للدولة والمواطنين. ولهذا يمكننا القول إنه بعد الانتهاء من التصويت علي الدستور وإقراره من لجنة الخمسين وتسليمه في صورته النهائية لرئيس الجمهورية، يبقي الدور علي الشعب المصري المناضل والعظيم أن يقوم بالتصويت عليه وإقراره لتدخل البلاد في مراحل الاستقرار ونبدأ في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في شفافية ونزاهة وبإشراف قضائي كامل في كافة المراحل، وحينئذ ستتوقف مرحلة العبث والفوضي التي تفتعلها الجماعة المنهارة والمحظورة من عدم احترام القانون والنيل من رجالات الجيش والشرطة لتبدأ مرحلة جديدة تؤسس لاحترام القانون والدستور من الجميع بحيث تكون السيادة للقانون وليس للأفراد أو مواقعهم أو مناصبهم. إن تسلم رئيس الجمهورية مسودة الدستور علي النحو الذي أوضحنا وبعدما نجحت اللجنة في إنجازه تمهيدا لطرحه علي الاستفتاء الشعبي في شهر يناير يجعلني أدعو جميع الشرفاء في هذا الوطن الي الخروج بالملايين للتصويت علي الدستور ب«نعم» وألا نعبأ بمحاولات قوي الشر والظلام والإرهاب التي ستعمل جاهدة علي تعطيل عملية الاستفتاء والتشكيك في مواده وإثارة القلاقل والإضرابات وأعمال العنف في شوارع مصر وساحاتها وميادينها بل وجامعاتها، ولابد أن يفطن الشعب الي هذه المؤامرات التي يثيرها أعداؤه في الداخل والخارج، ويصطف في طوابير طويلة ممتدة أمام لجان الاستفتاء لكي يثبت أمام العالم أنه صاحب أعظم ثورة وصاحب الخروج الجارف في 30 يونية و3 يوليو. إن نزول الملايين لتقول «نعم» لدستور ينتظره العالم كله بشغف حتي نقول للفاشية الإخوانية التي كانت تهدف الي تمزيق البلاد الي دويلات وتفكيك أواصلها موتوا بغيظكم وإن تظاهراتكم الفاشلة ليست سوي الرمق الأخير في عمركم وإن محاولاتكم اليائسة لن يحالفها النجاح فقد لفظكم الشعب وأصر علي استبعادكم من الحياة السياسية. فيا أيها الشعب المصري العظيم انزل بالملايين لتقول في الاستفتاء «نعم» للدستور، أما أنا فلن أقول فقط «نعم» للدستور.. بل سأقول «نعمين». مستشار د. فتحي رجب