يمكن القول إن الثورة أو الفعل الثورى هي عملية استثنائية في حياة الدول والشعوب بمعنى أن الثورة تحدث لأن هناك احتياجا إليها وهناك عوامل متعددة تدفع إليها بعضها سياسي وبعضها اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي وقد تتشابك هذه العوامل معا في مركب واحد تكون نتيجته الثورة وما يفترض أن يترتب عليها من تغيرات جوهرية سياسية واقتصادية واجتماعية تؤدي إلى تشكيل النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولذلك فإنه قد يكون من الممكن في حالات متكررة التنبؤ بإمكانية حدوث الثورة في مجتمع معين إذا توافرت الظروف الداعية إليها وسدت مختلف الطرق أمام امكانية التغيير والإصلاح وبحيث تصبح الثورة هي الطريق الوحيد للتغيير وتحقيق الآمال المنشودة، ويمكن في هذا الإطار إثارة عدة تساؤلات هامة تتعلق بنتائج الثورة وتداعياتها، وكيف تسهم الثورة في دفع وتحسين ظروف المجتمع نحو الأفضل وما تطرحه من آثار على النخبة والمؤسسات والسلوكيات والقيم والثقافة السائدة، وقد يكون من المفيد للإجابة عن هذه التساؤلات الإشارة إلى الملاحظات التالية: أولا: إن النظرة الصحيحة إلى الثورة هي باعتبارها عملية process تنطوي على ثلاث مراحل على الأقل تتمثل في هدم النظام القديم واجتياز مرحلة انتقالية يترتب عليها بناء نظام جديد، وما يترتب على ذلك من إحداث تغيرات جوهرية في الأسس السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي التشريعات والقوانين والدستور ودور المؤسسات السياسية داخل النظام، كما يمكن أن يرتبط بذلك أيضا تغيرات في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية للدولة المعنية، وبحيث تعيد ترتيب أولويات هذه السياسة أو تغير من الأهمية النسبية لعلاقات بدول معينة على حساب دول أخرى وبما يحقق مصلحة الدولة المعنية. ثانيا: إنه إذا كان من الممكن التنبؤ بالفعل الثوري وبدرجة كبيرة من المصداقية في حالات متكررة إلا أن النتائج المترتبة على هذا الفعل قد يصعب التنبؤ بها، بمعنى ما هو شكل وطبيعة النظام الذي ينشأ عقب الثورة، وهل يستطيع تحقيق انجازات وخصوصا في المجال الاقتصادي تفوق انجازات النظام القديم أم لا؟ وتحديد القوى المنتمية إلى النظام القديم والتي تستطيع أن تتكتل معا ضد النظام الجديد وهي ما يطلق عليه قوى الثورة المضادة كما يثار تساؤل أيضا عن تحديد الفترة اللازمة لعودة الأمور إلى الاستقرار، فالثورة يترتب عليها بالضرورة اختلال في التوازنات القائمة على مختلف المستويات وقد يحتاج الأمر إلى مرور فترة زمنية حتى تعود الأمور مرة أخرى إلى الاستقرار ،كما قد يثار تساؤل آخر يتعلق بمدى امكانية عودة النظام القديم أي النظام السابق لقيام الثورة حتى لو كانت هذه العودة بشكل مختلف أو شكل جديد، و بطبيعة الحال فإن هذه التساؤلات تمثل تحديات أمام الثورة واستمراريتها. ثالثا: هل يصل الثوار إلى السلطة من الناحية الواقعية أم لا، ويقصد بذلك التساؤل عن هوية من يتولى السلطة عقب إسقاط النظام القديم، وهل هم الثوار الذين قاموا بالثورة فعلا على مستوى التخطيط والتنفيذ، أم أن هناك من يستطيع القفز على الثورة والاستيلاء عليها وتوجيهها، ويرتبط بذلك أيضا إنه في حالة وصول الثوار إلى السلطة هل يصلون إليها بمفردهم أم بالمشاركة والائتلاف مع آخرين؟ وفي هذه الحالة الأخيرة إذا وصل الثوار إلى السلطة مع آخرين فإن التساؤل الجوهري في هذه الحالة هو هل نحن إزاء ثورة بالمعني الفعلي أم إزاء حركة اصلاحية نظرا لعجز الثوار عن الوصول إلى السلطة بمفردهم. رابعا: تحول الشرعية الثورية إلى شرعية مؤسسية، فالثورة في الأصل هي عمل غير مشروع ضد النظام القائم أي تخالف القوانين والتشريعات والممارسات السياسية والدستور القائم ولكن النجاح يضفي الشرعية على الثورة وهو ما يطلق عليه الشرعية الثورية، ولذلك يلاحظ في حالات متكررة بذل الجهود لإرساء الثورة في مؤسسات في النظام الجديد وهو ما يطلق عليه الشرعية المؤسسية أو الشرعية الدستورية، ولذلك فإن الخطوة الأولى في هذا الطريق هي إنشاء حزب يعبر عن الثورة وأهدافها وشعاراتها وبحيث يتبنى الحزب مبادئ وأهداف الثورة ويضمن استمراريتها وتحويلها إلى واقع يحياه ويعايشه المواطن ويخوض هذا الحزب الانتخابات ويصبح حزبا حاكما في حالة حصوله على الأغلبية، ولكن المشكلة التي يمكن أن تحدث هي عدم حصول الحزب المعبر عن الثورة على الأغلبية اللازمة للحكم فيصبح في هذه الحالة حزبا معارضا ويتحين الفرصة للوصول إلى السلطة، وتتحول المشكلة إلى شكل أكثر خطورة إذا حدث انقسام وتفتت وصراع داخل الثوار أنفسهم وهو في هذه الحالة يكون صراعا على السلطة أي إن الثورة والتي تضم فئات وقطاعات متعددة يجمع بينهم هدف مشترك وهو اسقاط النظام القائم، وإذا تحقق هذا الهدف يزول الأثر التوحيدي الذي كان يضفيه هذا الهدف على الثوار فتحدث العديد من الانقسامات والشقاقات داخل القوى المعبرة عن الثورة في شكل أحزاب متعددة أو ائتلافات ثورية لا حصر لها مما يضعف القوى الثورية عقب وصولها إلى السلطة ويحفز قوى الثورة المضادة على الانقضاض على الثورة. خامسا: ويمكن الإشارة إلى تحد آخر قد تواجهه الثورة عقب الوصول إلى الحكم وهو إنها قد نجحت بالفعل في إسقاط مؤسسات وأبنية النظام القديم ولكن العقول التي تشكلت في ظل هذه الأبنية والمؤسسات يصعب تغيرها بنفس الدرجة من السرعة، فالأفكار والقيم والسلوكيات والممارسات تحتاج إلى فترة أطول لكي تتغير، حيث إن تغيرها غالبا ما يكون تدريجيا وعلى فترات زمنية طويلة نسبيا، ولذلك فإنه من المرغوب فيه بالنسبة للثورة الناجحة إحداث تغييرات في الثقافة والقيم والأفكار وهو ما يمكن أن نطلق عليه ثورة ثقافية إضافة إلى ما تحدثه من تغير في المؤسسات والأبنية القائمة، ويفسر ذلك بأن الثورة التي تخرج من المجتمع أقوى وأنبل وأطهر ما فيه مثل قيم التضحية والفداء للوطن وإعلاء مصلحته العليا تخرج أيضا سلوكيات وممارسات سلبية مثل الأنانية والفوضوية وعدم الرغبة في الالتزام بالأطر والقوانين، وهو ما يتطلب تغيير القيم والممارسات السلبية وتدعيم القيم والسلوكيات الإيجابية وهو ما يتطلب إحداث تغيرات في لغة الخطاب السياسي والديني وفي دور وسائل الإعلام والأحزاب ودور مؤسسات المجتمع المدني لدفع المجتمع نحو الاستفادة من الثورة ونجاحها، فالمهم ليس مجرد نجاح الثورة وإنما قد يكون الأكثر أهمية هو إنجاح نتائج الثورة والآثار المترتبة عليها.