من المآخذ التى تسجل على ثورة 25 يناير أنها بلا قائد.. فقد قامت لتطالب بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، خرج الشعب ليطالب بالتغيير والتخلص من نظام مبارك وتولى المجلس العسكرى إدارة شئون البلاد وانتهت الثورة بتسليم مقاليد الحكم للإخوان بقيادة المعزول محمد مرسى.. وخلال السنة التى تولاها عمل على ابتلاع الدولة لصالح جماعته وأهله وعشيرته، فكانت حركة الشباب من خلال «تمرد» التى استطاعت جمع 22 مليون توقيع للخلاص من حكم المرشد، ممثلاً فى محمد مرسى وحكومته ومساعديه.. وكان الشعب على موعد فى 30 يونية حين خرج ليطالب بخلعه بعد أن أدرك المؤامرة الإخوانية لبيع مصر وتقسيمها وتحويلها إلى إمارة ضمن دولة الخلافة التى يؤمنون بقيامها وعاصمتها القدس.. خرج الشعب وانحاز جيشه العظيم له وكان إنذار الفريق أول عبدالفتاح السيسى إلى كل القوى السياسية ومؤسسة الرئاسة بالانحياز إلى مطالب الشعب خلال 48 ساعة وإلا سيتم إعلان خريطة للمستقبل بعيداً عن مرسى وأهله وعشيرته وجماعته.. وكان عناد محمد مرسى وعدم إدراكه لواقع خروج أكثر من 30 مليون مصرى يطالبون بالتغيير.. وفى 3 يوليو أعلن «السيسى» بالاتفاق مع شباب الثورة وجبهة الإنقاذ وشيخ الأزهر والبابا تواضروس وممثل حزب النور وممثل للمرأة وعناصر أخرى من قوى المجتمع، حيث أعلن خريطة المستقبل بتشكيل لجنة لعمل دستور للبلاد ثم إجراء الانتخابات البرلمانية وإجراء الانتخابات الرئاسية طبقاً لجدول أمين محدد لتستقر البلاد بعيداً عن الإخوان الذين يريدون نشر الفوضى فى البلاد لإعادة حركة التاريخ إلى الوراء بعودة مرسى وعصابته إلى الحكم مرة أخرى. فى وسط هذه الأجواء المتوترة تتصاعد ملايين الأصوات من المواطنين لتطالب الفريق أول عبدالفتاح السياسى، نائب رئيس الوزراء، وزير الدفاع، بترشح نفسه رئيساً للجمهورية، فهم يرون فيه صورة البطل وصورة المنقذ وأمل مصر للمرحلة المقبلة.. الفريق «السيسى» قيمة عسكرية وقائد محترم انحاز وجيش مصر إلى الشعب فى وقت الشدة للتخلص من كابوس جثم على صدر الوطن عام كامل.. هذا الرجل الوطنى يقود الجيش فى مواجهة العنف والإرهاب المنظم من جهة الجماعة التكفيرية فى سيناء وجماعة المتأسلمين التى تكره المصريين وتريدهم عبيداً لهم.. فإما أن تحكمنا وإما أن تحرقنا وننكوى بنار الإرهاب والفوضى.. هناك ضغوط شديدة على الفريق السيسى من أجل أن يترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وهناك من يزايد ويطالب بأن يصبح رئيساً دون ترشيح ودون انتخابات وهذا نفاق لا ضرورة له.. ولكن إذا شاء السيسى أن يصبح رئيساً فعليه أن يعلن ذلك رغم زهده فى المنصب كما أعلن مراراً وتكراراً بأن شرف خدمة مصر وتوفير الحماية لشعبها أعز عليه وأهم من حكم مصر. هل يرشح الفريق السيسى نفسه رئيساً للجمهورية.. أم يحافظ على صورته كبطل شعبى؟ من يريد السيسى رئيساً فهو صادق فى مشاعره، ولكن هل الفريق السيسى راغب فى ذلك.. أم أنه يرى أن دوره فى الجيش كوزير للدفاع أهم لمصر من كونه رئيساً للبلاد؟.. الفريق السيسى إذا قرر النزول إلى المعترك السياسى كرئيس وإذا انتخبه الشعب رئيساً أرى أنه سيفقد صورة البطل والمنقذ وربما يجد من ينتقده بعنف وربما يشتمه أيضاً.. فهل هو على استعداد لدفع فاتورة أن يصبح رئيساً فى ظل مشكلات تحاصر البلاد والعباد وتحتاج إلى صبر ومرحلة عمل طويلة للخروج من أزماتنا المزمنة.. لا أحد يحجر على حق الفريق السيسى فى الترشح فهذا حق لكل مواطن طالما انطبقت عليه الشروط القانونية للترشح فهل يرشح نفسه تحت الضغوط الشعبية.. وهل هو على استعداد لمواجهة الانتقادات الحادة التى توجه له وربما تفقده صورته كبطل شعبى؟ إننى أرى الدعوات التى تطالب السيسى بالترشح لمنصب رئيس الجمهورية هى دعوات تهدف إلى حرقه وتعجيل المواجهة بينه وبين منتقديه ومعارضيه فقد يكون من الأجدى للوطن أن يستمر وزيراً للدفاع فى هذه الفترة الحرجة من تاريخ البلاد، وأرى أن يتم الاستعاضة به فى دورة انتخابية غير الدورة المقبلة حتى تستعد البلاد.. وحتى لا يؤكد للكارهين لمصر أنه لم ينحز إلى الشعب بهدف حكم مصر.. ولكن من أجل الوصول إلى سدة الحكم.. إنهم يهاجمون الجيش المصرى وقائده العظيم ويتهمونه بالانقلاب ضد الشرعية.. وعندما يصل السيسى إلى الحكم فى هذه المرحلة قد يكون مدعاة لتأكيد هذه «الهرتلة» رغم أن الشعب العظيم هو الذى خرج فى 30 يونية ليسقط حكم المرشد وهو الذى خرج فى 3 يوليو ليطالب الداخلية والدفاع بالتصدى للعنف والإرهاب الذى يقود البلاد لهوة سحيقة. سواء ترشح السيسى لمنصب الرئيس أو لم يترشح فإنه له مكانة عظيمة فى قلوب المصريين لأنه استطاع والجيش المصرى فى أن يفسد الخطط الأمريكية والإسرائيلية فى سرقة أراضى سيناء من رفح حتى العريش، لإقامة إمارة إسلامية مقابل الدولة اليهودية التى تحكم بها إسرائيل من قيامها عام 1948.. إذا كان الشعب يرى فى السيسى صورة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، فإن السيسى وحده هو القادر على إرضاء الجموع التى تطالب بترشحه، ولكن هل ترشحه سيكون فى صالح الديمقراطية خاصة أنه لو ترشح سيحصل على أكثر من 70٪ من أصوات الناخبين وينجح من الجولة الأولى، أعتقد أن الفريق السيسى سيفكر ألف مرة وسيحسمها بعد قراءات للواقع المصرى وصالح البلاد داخلياً وخارجياً وسط بحر الظلمات التى يحيط بالبلاد.. ساعتها سيقرر أيهما أهم للبلاد أن يصبح رئيساً أم يظل وزيراً للدفاع واحتفاظه بصورته المحترمة كقائد عسكرى حامٍ للشرعية.. فلا تستعجلوا السيسى ولا ترقوه وعليه أن يحزم أمره والله غالب على أمره.