تحت عنوان "أحلام مصر: التطلعات النووية لأرض النيل"، أفردت صحيفة "معاريف" العبرية اليوم مساحة كبيرة لتقرير أعده كل من محلل الشئون العسكرية "عامير رابوبورت" بالاشتراك مع الخبير العسكري الدكتور "رفائيل أوفيك" يتناول إخفاق مصر حتى الآن في امتلاك سلاح نووي رغم أنها بدأت المحاولات منذ وقت مبكر. وجاء في مستهل التقرير أنه في ضوء التقارير والتلميحات المصرية بإمكانية اللجوء إلى روسيا لتنويع مصادر السلاح، تجدر الإشارة إلى أن التطلعات النووية ولدت بمصر في عقد الخمسينيات من القرن الماضي، ولكن التوجه العسكري للسلاح النووي بدأ في البروز خلال عقد الستينيات تحت حكم جمال عبد الناصر، مشيراً إلى أن دخول مصر السباق النووي لم يكن مجرد رد فعل للبرنامج النووي الإسرائيلي، وإنما جاء أيضاً كنتيجة لسياسات ناصر القائمة على فكرة العروبة، حيث اعتبر مصر الدولة الرائدة في العالم العربي. وأشار إلى أنه في أعقاب تأسيس "هيئة الطاقة الذرية"(AEE - Atomic Energy Establishment) في عام 1965، سجلت مصر تقدماً واعداً في إقامة البنية التحتية النووية وتطوير البحث في هذا المجال، وأنجبت مصر علماء ذوي شهة عالمية في هذا المجال، والذين اختاروا في وقت لاحق الاستمرار في المؤسسات البحثية الأمريكية لتحقيق طموحاتهم العلمية، ومن بينهم البروفسور محمد الوكيل، الذي تحتل كتبه في الهندسة النووية مكانة مرموقة في مكاتب الجامعات والبروفيسور زينب صبري. وأضاف أن بداية العمل تركز البرنامج في مفاعل أنشاص، الذي أقيم في عام 1858 ودخل حيز التشغيل في عام 1961، على بعد 40 كم شمالي غرب مصر، وكذلك ارتكز العمل في عدة جامعات على رأسها القاهرة والأسكندرية. وأشار التقرير إلى أن مصر نشرت أنباء في يوليو 1962 حول تجربة صواريخ باليستية مصرية الصنع، والتي عرضت في عرض عيد الثورة بالقاهرة، مشيراً إلى أن الصواريخ "الظافر" و"القاهر" و"رعد" كانت تهدف للوصول إلى مدى 370 كم، و600 كم و1500 كم على التوالي. وتابع بأن الأنباء ترددت حول مشاركة علماء ألمان في إنتاج تلك الصواريخ وكان الرد الإسرائيلي الأول هو محاولة إحباط البرنامج المصري في القنوات السرية بواسطة الموساد عن طريق اغتيال العلماء الألمان، وهي العملية التي سميت باسم "ديموكلاس"، ولكن اعتقال مندوبين للموساد في سويسرا في مارس 1963 دفع حكومة إسرائيل لكشفت تلك القضية، ومن ثم قررت حكومة ألمانياالغربية إنهاء دورها في البرنامج المصري، وهو ما أدى إلى انتهائه. وأضاف أنه في الفترة بين 1960-1967 بذلت مصر جهوداً مكثفة للحصول على سلاح نووي، حيث لجأت إلى عدة دول هي الاتحاد السوفيتي، والصين والهند، مشيراً إلى ظهور شخصية بارزة في مجال البرنامج النووي في تلك الفترة وهو العقيد المصري صلاح هدايت أحد المقربين من حركة "الضباط الأحرار". وأردف بأن هدايت حصل على البكارليوس في الكيمياء، وتم تعيينه في عام 1958 مديراً عاماً لهيئة الطاقة الذرية، وحتى العام 1970 تقلد مناصب وزير البحث العلمي والمستشار العلمي لعبد الناصر، حيث تطلع لتطوير وقود نووي ذاتي بإقامة مفاعل لإنتاج البلوتنيوم ومنشآة لتدوير البلوتنيوم من الوقود المنعكس في المفاعل كرد على القدرة النووية الإسرائيلية. وأشار إلى أن مصر حظيت في عام 1964 على مساعدة من الاتحاد السوفيتي لإقامة شعبة إشعاع كيميائي في أنشاص، وكذلك معامل لمعالجة الوقود المنعكس، وفي عام 1965 طرحت الحكومة المصرية مناقصة لإقامة مفاعل نووي لإنتاج الكهرباء قوته 150 ميجاوات والذي يستخدم أيضاً لتحلية المياه، في منطقة برج العرب على ساحل البحر المتوسط، على بعد نحو 45 كم جنوبي غرب الأسكندرية. وأردف الموقع بأن هزيمة الجيش المصري وفقدان شبه جزيرة سيناء في عام 1967 قلبت الموازين بمصر، حيث لم تسمح بيانات الاقتصاد المصري الصعبة بعد حرب الأيام الستة لمصر بمواصلة تطوير البرنامج النووي، ناهيك عن فقدان عائدات قناة لسويس وعائدات آبار البترول في أبو رديس وراس سدر. وزعم الموقع أن هدايت رغم ذلك واصل برامجه النووية على أمل تطوير بنية تحتية لإنتاج مواد انشطارية، مشيراً إلى أنه عمل بدون تبعية للقطاع النووي المؤسسي المصري في إطار هيئة الطاقة الذرية، وأقام في عام 1965 شركة Design Consultant Association) DCA) التي مولتها الحكومة المصرية وضمت العديد من الخبراء في مجال الهندسة النووية. في عام 1970 عرضت الشركة برنامج لإقامة "مفاعل نووي ثنائي الاستخدام من أجل تحلية المياه" بطاقة 40 ميجا وات بالقرب من الأسكندرية، وقد وعد الزعيم الليبي معمر القذافي بدعم المشروع مالياً، إلا أنه أوقف الدعم بعد فترة لأنه أراد نتائج سريعة في حين لم يستطع هدايت العمل بالسرعة المطلوبة. وفي أعقاب حرب يوم الغفران (6 أكتوبر 73) طلب الرئيس "أنور السادات" ضخ روح جديدة في هيئة الطاقة الذرية التي عملت حتى ذلك الحين تحت إشراف وزارة الدفاع، ومنذ ذلك الوقت أديرت الأنشطة النووية في إطار عدة هيئات خاضعة لوزارة الكهرباء، واستمرت شركة DCA تحت إدارة هدايت حتى 1977. وفي أغسطس 1976، وكنتيجة لزيارة الرئيس نيكسون لمصر في يونيو 1974، تم التوقيع بين مصر والولاياتالمتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية على مسودة اتفاق لإقامة محطة طاقة نووية في سيدي كرير بالقرب من الأسكندرية، وهو مشروع لم ينفذ إطلاقا. وبالنسبة لعصر مبارك، شهد العقد الأول من ولايته إعادة طرح تطوير البرنامج النووي، وكانت الشخصية المهيمنة في هذا المجال هي المشير عبد الحليم أبو غزالة الذي عينه السادات في مارس 1981 وزيراً للدفاع والإنتاج الحربي رغم أنه كان قريباً في آرائه من جماعة الإخوان المحظورة، وقد طروحه مرشحاً لهم في الانتخابات الرئاسية 2005 لكنه رفض العرض، وكان معروفاً بمعارضته الشديدة لاتفاق السلام مع إسرائيل ووصفها بالعدوة الأولى والوحيدة لمصر. وأشار التقرير إلى أن أبو غزالة طلب موافقة مبارك في عام 1984 على بدء البرنامج النووي العسكري، فرفض مبارك ولكن أبو غزالة بدأ يبحث عن قنوات لشراء مواد نووية، وأقام علاقات مع مسئولين عراقيين لبحث إمكانية التعاون النووي في المستقبل، كما ترددت أنباء حول إقامة أحد مساعديه العميد "حسام خيرت يوسف" اتصالات مع مواطن فرنسي لشراء مائة كيلوجرام من اليورانيوم بهدف تخصيبها في فرنسا، إلا أنه لا توجد معلومات تفيد بنجاح اتصالات أبو غزالة. وتابع بأن هناك قضية خطيرة نسبت لأبو غزالة حول مشروع "بدر 2000"، وهو المشروع المشترك بين مصر والعراق والأرجنتين بدء من العام 1982 لتخطيط صاروخ باليستي ثنائي المراحل يتم تزويده بوقود ثقيل ومداه نحو 1000 كم، حيث تم شراء تكنولوجيا تطوير الصاروخ من الشركة الألمانية lkow-Blohm) MBB Messerschmitt-B) كما تم شراء مواد أخرى لمنظومة الصاروخ من الولاياتالمتحدة بواسطة مهندس الصواريخ الأمريكي ذو الأصول المصرية "عبد القادر حلمي"، إلا أن السلطات الأمريكية اعتقلت حلمي أثناء شحن الحمولة على طائرة نقل عسكرية مصرية وحكم عليه بالسجن لمدة 46 شهراً وغرامة 350 ألف دولار. وأضاف التقرير أنه من المنطقي الافتراض بأن مبارك كان على علم تام بمراحل المشروع "بدر 2000" ولكنه قرر التضحية بأبو غزالة وأقاله في أبريل 1989 من منصب وزير الدفاع بسبب الأزمة التي خيمت على العلاقات المصرية الأمريكية. وأردف التقرير أن مصر وقعت في ورطة أخرى في فبراير 2005 في أعقاب تقرير وكالة الطاقة الذرية، والذي أفاد أن مصر أجرت في أنشاص تجارب نووية مختلفة لفصل البلوتنيوم، كما امتنعت مصر عن إبلاغ الوكالة بشراء تركيبات يورانيوم مختلفة ومعالجتها ولم تنقل للوكالة وثائق تخطيط بعض المنشآت النووية، ناهيك أن مراقبي وكالة الطاقة الذرية الذين أجروا تفتيشاً بين عامي 2008-2009 في محيط مركز أنشاص عثروا على جزئيات يورانيوم مخصب بنسبة عالية. ورجح التقرير أنه من المحتمل أن تكون تلك الجزيئات قد وصلت لمصر على متن حاويات لنقل النظائر الإشعاعية، مشيرا إلى أن الثورة على نظام مبارك في 2011 أدت إلى حالة من الفوضى في أنحاء مصر، بما في ذلك الاعتداء على موقع الطاقة النووية بالضبعة في فبراير 2012 بواسطة 3000 بدوي من القبائل المقيمة بالقرب من الموقع بالتعاون مع نشطاء من حركة حماية البيئة. وأردف التقرير بأن محمد مرسي الذي انتخب رئيسا في يونيو 2012 تطرق للبرنامج النووي المصري أثناء زيارته للصين في أغسطس 2012، وأعلن عن اعتزامه استئناف البرنامج النووي السلمي لبلاده، مشيراً إلى أنه لن يزور المنشآت النووية الإيرانية أثناء زيارته لطهران، ولكن أحمدي نجاد أكد خلال زيارته لمصر في فبراير 2013 أنه مستعد لإمداد مصر بالخبرات النووية. واختتم التقرير بأن مرسي ونجاد الآن لم يعد لهما صلة بالأمر بعد إبعادهم عن المناصب الرفيعة، ولكن المهم هنا هو أن مصر لم تنجح في تحقيق تطلعاتها النووية، لا في الجانب العسكري ولا السلمي، مشيرا إلى أن باكستان والعراق وإيران الذين دخلوا السباق النووي بالتزامن مع مصر وحققوا نجاحا باهرا، هما خير دليل على الفشل المصري، إلا أن الفشل حتى الآن لا يؤكد أن التطلع المصري للسلاح النووي قد اختفى تماماً من الوجود.