أكد الدكتور ناجح إبراهيم القيادي بالجماعة الإسلامية، أن الإخوان المسلمين قادرون علي تدمير حزب النور لو خاصمهم لانهم يمتلكون آلة إعلامية قوية جداً، وأشار إلي أن الخطاب الإسلامي كان سلبياً، وكان حربياً أيضاً وينصح «ناجح» الفريق السيسي بألا يترشح للرئاسة، وأن يظل وطنياً مخلصاً. ويكشف المفكر الإسلامي المعتدل ناجح إبراهيم في حواره مع «الوفد» عن أسرار سقوط الإخوان المسلمين وتفاصيل الطبخة المسمومة، وكذلك حقيقة المشروع الإسلامي، وبماذا نصح «مرسي» يوم 30 يونية.. وإلي نص الحوار: كيف تري حال التيار الإسلامي عقب ثورة يناير.. ثم ثورة يونية؟ ثورة يناير أعطت قبلة الحياة للتيار الإسلامي، دعوة وسياسة وحرية حركة.. فلم تكن للإسلاميين أحزاب فأنشأوا الأحزاب للإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية وغيرها حتي وصل عدد الاحزاب الاسلامية إلي 12 حزباً، كما أعطت الثورة حرية الدعوة، حيث كان معظم الإسلاميين ممنوعين من الكتابة في الصحف والقنوات الفضائية.. فضلاً عن حرية التظاهر.. كما ساهمت في خروج الكثير منهم من السجون ثم تمكنوا من إدخال أبنائهم كليات الشرطة والقوات المسلحة.. وماذا حدث بعد وصول الإسلاميين للسلطة؟ حدثت لهم المشاكل لأنهم لم يتهيأوا للحكم بعد، فالحركة الإسلامية لها مشروع دعوي ناضج ومكتمل، ولكنها لا تمتلك في المقابل مشروعاً ناضجاً ومكتملاً للحكم، ورغم ذلك فحينما وصل الإسلاميون إلي السلطة أخذوا الحكومة والبرلمان والمحليات، ومن أخذ كل شيء خسر كل شيء.. وأنا تعلمت هذه القاعدة وعلمتها لأبنائي في المعتقل.. هل يمكن أن تتكرر الفرصة للإسلاميين مرة أخري؟ من الخطأ أن نتصور أن الفرصة لن تعود مرة أخري للإسلاميين.. ومن الخطأ أيضاً تصور البعض أن الإسلام ضاع بعد الدكتور «مرسي».. فالحكم وسيلة وليس غاية.. والخطأ الثالث هو اختيار الإخوان لشعار «إما الشرعية أو الدماء»، فلا الشرعية عادت ولا الدماء حقنت، ولا الشريعة طبقت، ولا البلد تقدم ولا الدعوة حفظت، ولكن ضاع كل شيء. لو كنت مكان المعزول «مرسي» ماذا كنت ستفعل؟ لنا عظة في الإمام الحسن بن علي، عندما كان يحكم نصف الكرة الأرضية وترك الحكم حقنا للدماء، وسار علي نهجه الملك فاروق الذي رفض أن يدافع عنه الحرس الملكي، وكانوا قادرين علي ذلك.. مغلباً مصلحة الشعب المصري علي مصلحته، رغم أنه في الأصل غير مصري فهو تركي من ألبانيا. وحتي علي افتراض انه سلبت من «مرسي» السلطة بغير حق، فما كان أن يكون البديل هو الدماء من الطرفين، لأن المشروع الاسلامي مشروع هداية ومشروع بر وصلاح.. ولكن الخطاب الإسلامي كان سلبياً، وكان حربياً، وطفش الأصدقاء وجمع الأعداء، فأضر «مرسي» والمشروع الإسلامي كله. هل خدع الإخوان المسلمون التيارات الإسلامية بوعود وهمية؟ الإخوان أخطأوا حينما وعدوا بالترشح علي ثلث المقاعد ثم ترشحوا علي كل مقاعد البرلمان، وقالوا لن نترشح للرئاسة وترشحوا، وقالوا رئيس الوزراء سيكون مستقلاً، ثم أتوا برئيس وزراء إخوان، كل هذا أضر بهم وطفش الاصدقاء وجمع الأعداء.. وجعلهم يأكلون طبخة الحكم المسمومة وحدهم، وظنوا أن الحكم يفيدهم، والآن خصومهم يفعلون ذلك أيضاً ويأكلون من نفس الطبخة وحدهم. هل يستطيع حزب النور أن يأخذ مكان الإخوان المسلمين في المشهد السياسي؟ حزب النور يمتاز بشيئين، أنه ضد التكفير وضد العنف ويهتم بالدعوة والعلم. ورغم ذلك لا اعتقد أنه يستطيع أن يحتل مكان الإخوان، لأن الإخوان تنظيم قوي جداً، ولديه من القدرات المالية الفائقة التي لا توجد لدي حزب النور، بالإضافة إلي السمع والطاعة، ولأن حزب النور لم يخرج من رحم التنظيم فتماسكه أقل، بالإضافة إلي الحملة الشرسة التي تعرض لها «النور» من الإخوان والتيارات الاسلامية الأخري أثرت عليه كثيراً، والشيء الأهم أن حزب النور لو خاصم الإخوان سيدمرون، لأن الآلة الإعلامية للإخوان قوية جداً. كيف ذلك؟ بعد ثورة يناير غاب العقل وغاب الحكماء وغاب الصراع السياسي علي كل شيء، وكثر الطعن والتشويه للآخر، وأصبح هناك خطباء يدغدغون عواطف الناس أكثر من أن يدلوهم علي الخير وهم يقولون للناس ما تحب أن تسمعه آذانهم، لا أن يدلوهم علي الحق والصدق، حتي أصبح كل منهما أسيرا عند الآخر وآسرا له في الوقت نفسه. طرحت في الآونة الأخيرة بعض الأسماء المرشحة للرئاسة.. كيف تراها؟ مصر تحتاج إلي رجل قوي عادل يهتم بالبسطاء والفقراء، وأي حاكم سيأتي دون أن يهتم بالأمن والعدالة الاجتماعية والفقراء والبسطاء سيخسر كثيراً، والمرشحون السابقون لا يصلح منهم أحد، لأنهم حرقوا جميعاً وانتهي دورهم. كيف تري فرص الفريق السيسي ومدي تأثير ذلك علي الرأي العام العالمي؟ أنصح الفريق السيسي ألا يطرح نفسه للترشح، وأن يكون رمزاً وطنياً مخلصاً للوطن، وذلك حتي لا يدعم فكرة الانقلاب ولا يدعم من يدعون بأنه فعل ذلك وأطاح بمرسي ليحل مكانه، وأن يظل كما هو وأنصحه ألا يقصي الإسلاميين من المشهد وأن يدعم رئيساً قوياً، عادلاً، يأتي بتوافق كل المصريين. رئيس مصر القادم.. هل سيكون إسلامياً أم عسكرياً؟ قطعاً لن يكون من الحركات الإسلامية، لأن فرصة الإسلاميين تراجعت في الشارع عقب حكم «مرسي» وفشل تجربته، فضلاً عن أحداث العنف والاستقطاب والانقسام الذي ساد الشعب المصري بعد هذه التجربة، الشعب الآن لا يريد تكرار تجربة «مبارك» أو «مرسي».. يريد حاكماً صالحاً وقوياً وأميناً في الوقت نفسه وقد كان مرسي صالحاً ولكنه كان ضعيفاً جداً، ولا يستقل بقراره، ومبارك كان فاسداً وجباراً. هل ضيع الإخوان المشروع الإسلامي بحيث يستحيل تنفيذه بعد ذلك؟ كلا.. التجربة السابقة أحدثت فشلاً في الجزء السياسي في المشروع الإسلامي، ولا يعني هذا فشلاً في باقي الأذرع.. المشروع الإسلامي لم ينجح سياسياً.. ولدينا أذرع أخري من الممكن أن يطبق فيها المشروع الإسلامي.. وهي أعظم من السياسة والحكم.. ولو فعلناها مع الحكام لتقرب إلينا الحكام وقدرونا. فالحكم والسلطة هي جزء، ولا يمكن أن يتحول الجزء إلي كل.. والحكم ليس غاية إنما هو وسيلة، لكن الإخوان حولوا الوسيلة لغاية، والغايات النبيلة لا تدرك إلا بالوسائل النبيلة، وأنا قلت للدكتور مرسي يوم 30 يونية، خذ تيار سيدنا الحسن بن علي، الذي رفض أن تسيل دماء المسلمين من أجل حقه الشرعي في الحكم فترك الحكم. هل حل جماعة الإخوان المسلمين سيؤدي إلي أن تلجأ الجماعة للعمل السري والعنف؟ الجماعة حلت ثلاث مرات قبل ذلك، أيام الملك فاروق وأيام عبد الناصر، والحل الثالث الآن.. أما بالنسبة للحكم فأراه حكماً سياسياً واجتماعياً أكثر منه حكماً قضائياً، والمحكمة التي أصدرته محكمة دنيا في السلم القضائي، والغريب أن هذه المحكمة أعطت حق الطعن لهيئة قضايا الدولة التابعة للحكومة، وهذا شيء غريب وهذه المحكمة ليست المناسبة لهذه القضية الكبيرة الهامة. من سيستفيد من هذا الحكم؟ هذا الحكم سيستفيد منه حزب النور، وقد يستفيد منه الحزب الوطني، أما الخاسر الوحيد فهم الإخوان المسلمون. هل سيلجأون إلي العنف والعمل السري؟ قد يغذي هذا الحل أفكار التكفير والعنف لدي الشباب من كل الأطياف، ويرسخ في عقولهم أنها حرب ضد الإسلام.. وسيغذي أيضاً المتحالفين مع الإخوان الذين يدعون للعنف والدم، ويجب علي الإخوان والإسلاميين أن يعلموا أن الكون لن يتعطل برحيل «مرسي» .. ولا نريد من أحد من الإسلاميين أن يحول «مرسي» إلي نظرية «الإمام الغائب» كما عند الشيعة. كيف تري التجاوزات في عهد «مبارك» والتجاوزات في عهد «مرسي»؟ عهد «مبارك» ألغي حرية الحركة الإسلامية كلها، بالإضافة إلي القبض علي الناس بمجرد الاشتباه والتعذيب بأنواعه المختلفة والظلم والسرقة، وهو يختلف عن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كان شديداً علي الحركة الإسلامية، ولكنه كان عفيفاً حريصاً علي أموال الشعب ومهتماً باليتامي والفقراء وتوظيف الشباب، لذلك غفر الشعب له شدته مع الحركات الإسلامية، أما «مبارك» فجمع بين التعذيب والسرقة، أما الدكتور «مرسي» فلم يكن صاحب قرار، واعتمد علي الإخوان في كل شيء، وهم أغرقوه ولم يرد أن يعمل من خلال أجهزة الدولة، ولكن أراد أن يعمل من خلال أجهزة الجماعة.. كما أنه أراد أن يقود الدولة بعقلية وفكر الجماعة وليس الدولة. كيف تري دعوات الإخوان لهدم الاقتصاد المصري؟ عند هدم الاقتصاد لن تتأثر الحكومة ولكن سوف يتأثر المواطن البسيط الذي سيكره الإخوان.. كما أن تعطيل سير الحياة يخالف الشريعة الإسلامية وهو لا يضر الحاكم.. وإنما يضر المواطنين. كيف تري دعوات الإخوان في التظاهر يوم الاحتفال بذكري 6 أكتوبر ضد الجيش؟ في الأعياد الوطنية والدينية يجب علينا أن نترك الصراع السياسي حتي لا تتحول هذه الأعياد إلي كوارث وتتحول من فرحة وسعادة إلي حزن وألم وصراع سياسي. ودعوت الإخوان أن يتركوا يوم 6 أكتوبر وعيد الأضحي وكل الأيام المماثلة لهما تمر بسلامة دون صراع سياسي حتي لا ينسي الناس طعم الفرحة ولا تتكرر في كل عيد، كما أدعو الحكومة في ذكري 6 أكتوبر أن تفرج عن المعتقلين الإسلاميين التي لم تدنهم المحكمة. هل تري أن الإخوان تحتاج إلي المراجعات الإسلامية؟ المراجعة يحتاجها الجميع سواء كانت القوي السياسية أو الحكومة المصرية، أما الآن فيجب علي الإخوان مراجعة حساباتها بعد تحالفها مع القوي التكفيرية والمسلحين هنا وهناك، وعلي الإخوان والقوي السياسية كلها أن تتخلي عن نظرية المؤامرة، فليس من المعقول أن تكون محاولة اغتيال وزير الداخلية نفذتها الداخلية نفسها، أو مذبحة ال 25 جنديا في رفح نفذتها القوات المسلحة، ولذلك أطالب الجميع أن يتخلي عن نظرية المؤامرة التي دمرت العقل العربي والإسلامي.