تنهض لجنة الخمسين المكلفة بتعديل الدستور بمسئولية جسيمة تتعلق بها طموحات الشعب المصري في التأسيس لدولة ديمقراطية حديثة، تضع الوطن علي الطريق الصحيح للحاق بركب المجتمعات المتحضرة، التي تخلفنا عنها بفعل أنظمة حاكمة متعاقبة، لم تشأ أن تُعلي من شأن المصالح الوطنية فوق اعتباراتها الشخصية، ما جعل من تلك الأنظمة دروساً يعتبر منها الطغاة، إن اعتبروا. في سبيل تحقيق هذه المسئولية الوطنية الضخمة، ينبغي إزاحة كثير من المفاهيم التي سادت حياتنا السياسية والاجتماعية، وتحكمت في مقاليد الأمور، وانحرفت بثورة الخامس والعشرين من يناير، إلي أن تم تصحيح المسار في الثلاثين من يونيو، وهو التصحيح الذي ينبغي الحرص عليه، فما أسهل أن تنحرف المسيرة مرة أخرى، وإن كان باتجاه آخر، ربما كان لا يقل خطراً عن العام الذي قضاه الوطن تحت الحكم الإخواني. وفي إطار نظرة وطنية خالصة، لابد من إرساء مبادئ حاكمة لحركة اللجنة نحو إنجاز مهمتها علي النحو المأمول، فليس من شك أن لا مرجعية دينية تعلو فوق الأزهر الشريف، بما له من ريادة عالمية، وقوة لا يُستهان بها في إطار منظومة القوة الناعمة للدولة المصرية، ومن ثم فإنّ كل ما يتعلق بشئون الشريعة الإسلامية لا بد أن يكون مرجعه الأزهر الشريف. من جهة أخري فإنّ مدنية الدولة المصرية، استناداً إلي مبدأ المواطنة، أمر لابد وأن يجد صداه في الدستور المصري الذي يؤسس لدولة حديثة، تتفق ومتطلبات الاندماج داخل منظومة المجتمع الدولي، ولا ينفي ذلك ما لدى المجتمع المصري من خصوصية تمثل تنوعاً يُثري الوطن، ولا يكون عامل فُرقة بين أبناء الوطن، في ظل المحافظة علي تجانس النسيج الوطني الذي يُعد، عن حق، إحدى السمات المميزة للمجتمع المصري، وسط مجتمعات عانت كثيراً من كونها غير متجانسة، وبعضها الآخر يُصنف في الأدبيات السياسية مجتمعات «فسيفسائية»، من كثرة مفرداتها غير المتجانسة، وقد شهدت تلك المجتمعات صراعات داخلية اختفت وراءها ملامح الدولة ذاتها. من هنا تقتضي المسئولية الوطنية الكف عن ممارسات لا تنسجم وما تقتضيه المرحلة الراهنة التي لا تسمح بتخلف البعض، وانسحاب البعض الآخر، فليس مطلوباً إنجاز دستور يحظي بإجماع الآراء، ولنكتفي إذن بتوافق كبير يعبر عن روح الشعب المصري، وطبيعة العملية الديمقراطية، إذ كيف نؤسس لدولة «ديمقراطية» ونحن لسنا كذلك؟!. «الوفد»