النوبة مسقط رأسه وعشقه، مصدر إلهامه في كل عمل يصدره، يكتب عن أهله ببساطتهم ومشاكلهم ليؤكد أنهم بشر يستحقون حياة كريمة وليسوا عينة تجارب عشوائية مستعدة دائما لخدمة المجهر حتي تفقد العقل والروح، صوت النوبة القوي عبر عن هموم النوبيين من خلال ابداعاته الروائية والقصصية، ترجمت أعماله الي عدة لغات عدة، كاتب مثير للجدل تتسم كتاباته بواقعية صادمة اثارت كل أعماله جدلاً كبيراً فروايته "دنقلا" لا تزال محل جدل في الأوساط الادبية تارة بدعاوي الدعوة لانفصال النوبة وتارة بالتحريض علي الثورة ويكفي أن آخر اعماله وهي رواية "الزعيم يحلق شعره" قد اعتقل ناشرها وتعرض بسببها الفقيد للانتقاد باعتبار أنها تسيء للزعيم الليبي معمر القذافي الأمر الذي نفاه بشدة. الأديب الراحل ادريس علي له أعمال عديدة منشورة ومترجمة الي لغات مختلفة مثل رواية "انفجار جمجمة والمشي فوق جبال النوبة" "رواية قصيرة" ورواية النوبي وغيرها وكان قبل وفاته يعمل في رواية اخري "طير هبط" نسأل الله أن تري النور قريبا ويهتم كاتبنا الراحل بالمسكوت عنه والمهمشين والمعذبين في الأرض وكثيراً ما تعرض للسجن بسبب افكاره تلك، قابلته قبل رحيله وسألته عن حكاية الرواية الأزمة، وأحوال الثقافة والمثقفين فلمحت في عينيه الأسي والحزن وسرعان ما تذكر رحلة حياته الشاقة فقد فشل في الحصول علي أي شهادات دراسية طوال حياته ورغم ذلك فهو عضو في اتحاد الكتاب، ونادي القصة، وجمعية الادباء، ونادي القلم - الفرع المصري - واستطاع من خلال قراءاته الحرة في الآداب العالمية المترجمة والادب المصري ان يكون واحداً من أدباء مصر العظام، تأثر بنجيب محفوظ ويوسف ادريس والطيب صالح وتوفيق الحكيم ومكسيم جوركي، وديستوفسكي وارنست همنجواي وريتشار درايت، وجون ثننابيك، بدأ حياته العملية بوظيفة رقيب متطوع بالقوات المسلحة، وانتهي بوظيفة امين مكتبة بشركة المقاولون العرب أصدر عشرة كتب ما بين القصص والروايات اولها "قصة السرير الواحد - مجلة صباح الخير يناير 1969" وآخرها رواية "الزعيم يحلق شعره 2009 - دار وعد للنشر". حصل علي عدة جوائز منها أفضل رواية صدرت عام 1998 "انفجار جمجمة" من معرض الكتاب، جائزة اتحاد الكتاب للرواية عام 2009 عن رواية "مشاهد من قلب الجحيم" والجائزة الثانية لرواية "اللعب فوق جبال النوبة" من المجلس الأعلي للثقافة "جائزة نجيب محفوظ" وجائزة جامعة اركانسو الامريكية عن ترجمة لرواية "نقلا" للانجليزية.. والي تفاصيل الحوار: عشت حياة صعبة أقرب الي المأساة ورغم ذلك انتجت ابداعاً يفوق الكثيرين من الادباء الذين عاشوا حياة رغدة.. كيف ذلك؟ - حياتي كلها عبارة عن سلسلة من الكبوات والعذابات المتواصلة، فقد بدأت العمل في سن العاشرة كصبي مكوجي، وصبي بقال، وعامل غسل زجاجات في معمل ادوية، وعمل تذاكر في سينما وحارس علي بوابة، وهذه الاعمال جميعاً افادتني في إبداعي، ومعظم ما كتبته هو سيرتي الذاتية علي مدي جميع رواياتي وقصصي، رويت فيها ما تعرضت له من الاهانات والجروح النفسية التي لا تندمل بسهولة، وحاولت بالكتابة هزيمة واقعي البائس لأقل للجميع، هآنذا لقد حققت بعض النجاحات واذا أسعفني العمر سيكون هناك المزيد. هل تخجل من عدم حصولك علي أي شهادات دراسية؟ وكيف تعلمت كتابة الابداع؟ - لا أخجل أبداً من ذلك، فقد فشلت في الحصول علي التعليم و لكني حصلت علي الثقافة عندما دفعني ابي الي الشارع لتعلم العامية المصرية والاحتكاك بالأولاد فأفزعوني، فاخترت ولداً طيباً يهوي قراءة "ارسين لوبين" وصادقته وأدمنت القراءة معه الي شكلت مستقبلي فيما بعد. هل أنت كاتب صدامي؟ - أبداً أنا أنسان بسيط مسالم جداً، ولكن المشكلة هي التي تأتي الي حتي أن روايتي الاخيرة اخرجتها بالصدفة البحتة الي النور فجرت علي المشاكل لماذا؟ - لحظي السييء فهذه ليست المرة الأولي التي اتناول فيها تفاصيل حياتي في ليبيا من خلال عمل ابداعي، وايضا شخصية الرئيس الليبي.. هذه ثالث رواية عن ليبيا. وما حكايتها؟ - عثرت عليها بالصدفة في أوراق قديمة ومهملة ولم أعد كتابتها او أغير فيها واكتشفت انها ضعيفة فنيا، ولم أكن أتمني ان يتم تقييمي من خلال الرواية التي اتناول فيها الفترة التي عملت فيها بليبيا من عام 1979 الي عام 1980، وعاصرت تجربة تطبيق قوانين الكتاب الأخضر والحرب بين مصر وليبيا عام 1977 وقد عانينا نحن المصريين العاملين في ليبيا من جراء هذه الحرب معاناة رهيبة لا أستطيع وصفها، وعند وصولي للقاهرة عام 1980 قمت بكتابة مسودة رواية "الزعيم يحلق شعره" ونظراً لأنها تصف الحياة الليبية من الداخل تركتها منسية فترة طويلة لمدة عشرين عاما ولم أعد إليها مطلقا. وماذا عن توقيت نشرها؟ - أعتقد اني تحديت القذافي لسبب لا يخطر علي بال أحد وانتقامي منه لتسليمه صديقي المناضل السوداني "هاشم العطا" للجزار السوداني - آنذاك - جعفر النميري وكان هذا هو الدافع الأساسي رغم جرائم القذافي الكثيرة. وما هو موقفك القانوني الآن؟ - منذ مصادرة الرواية والقبض علي الناشر لم يطالبني أحد للتحقيق ولكني أنتظر ذلك في أي لحظة. صف لنا الساحة الثقافية؟ - الساحة الثقافية منقسمة علي نفسها ليس لها موقف واضح، المعظم يجري وراء مصالحهم الخاصة، ليس هناك وضوح رؤية حول عدد من القضايا مثل التوريث مثلاً، والمرشحين للرئاسة، فليس هناك برنامج واضح المعالم يحدد الناخب علي أساسه من ينتخب. وما مطالبك من الرئيس القادم؟ - إلغاء قانون الطوارئ وقانون الحسبة وقوانين النشر المشبوهة واعادة النظر في الثوابت والمحاذير، والغاء خانة الدين عن الرقم القومي لأنها تسبب مشكلة مع الأقباط وتعديل الدستور ليسمح للقبطي بتولي رئاسة الجمهورية بسهولة وقصر مدة الرئاسة علي 4 سنوات لفترتين فقط. لديك رأي صادم في علاقتنا باسرائيل يخالف رأي معظم المثقفين.. اشرحه لنا؟ - أنا حاربت وأعرف اسرائيل جيداً وأجزم ان صراعنا معها صراع وجود وليس صراع حدود ومعاهدة السلام السارية حالياً هي فترة هدنة، اسرائيل تستفيد منها جيداً، فلماذا لا نستفيد نحن أيضا من خلال زيارات "أشخاص" وليس مؤسسات او هيئات للتعرف علي اسرائيل من الداخل وتكوين فكرة جيدة عنها، وكذلك لا مانع من ترجمة الأدب العبري ولا داعي للجمل الشهيرة التي تحمل الرفض والتقوقع داخل الوطن. هل تري ان المثقف الحقيقي يوافق علي ذلك؟ - اين هو هذا المثقف، الفرصة غائبة تماما أمامه، الفكر الوهابي يملأ البلاد، والاعلام الرسمي يغلق أبوابه والفضائيات كل يعمل حسب اجندته الخاصة، وهذه كارثة ضخمة ففرنسا لم تتغير إلا بفكر المثقفين، ومصر تتعرض لحملة منظمة من الفساد والسرقة والنهب حتي أن الاجيال الجديدة لن تجد شيئا بعد بيع كل شيء. ماذا حققت من مشروعك الإبداعي؟ - في الحقيقة أنني هبطت "بالبراشوت" علي الساحة الادبية، ليس لي شلة ولا جماعة ولا حزب يساعدني، ومع ذلك صممت علي الاستمرار وسط جيل الستينيات الذين تصدروا الساحة وقاموا بنفي الاجيال التالية لهم، فابتعدت عنهم ولم تشغلني السياسة ولا المظاهرات واخترت الكتابة علي أولئك الذين يجاهدون للبقاء علي قيد الحياة.