الذى يحاول أن يفهم عقلية قيادات مكتب الإرشاد أو قيادات جماعة الإخوان اليوم، عليه أن يعود إلى القرارات التي اتخذوها منذ تولى المرشد الحالي محمد بديع، حيث إن هذه القرارات تساعد كثيرا فى توضيح الخطاب الديني والسياسي لهذه المجموعة، خاصة وأنهم يستغلون شرع الله بشكل مسف في تحصين أجندتهم السياسية. في أول اجتماع لمكتب الإرشاد برئاسة د.محمد بديع، الذى عقد فى 20 يناير 2010 ، بعد انتخابه بأربعة أيام (تم اختياره يوم السبت 16 يناير 2010)، ناقش مكتب الإرشاد عدة موضوعات، كان أهمها بناء الجدار العازل على حدود مصر مع غزة، حيث كانت حكومة نظيف قررت بناء سور من الحديد أسفل الأرض لكى يغلق الأنفاق، وكلف رجل الأعمال أحمد عز بتوريد الفولاذ المطلوب، وأيامها كانت معظم النخب السياسية ترفع راية لا لحصار أهلنا فى غزة، وأعلنت رفضها وإدانتها لبناء السور، وطالبت بترك الأنفاق مفتوحة، وأذكر أيامها أننى كنت من الفريق المؤيد لإغلاق هذه الأنفاق، وكتبت هنا مطالبا بفتح المعابر وتسهيل دخول البضائع والمرضى من الفلسطينيين، وأكدت أنه من حق مصر ان تحافظ على أمنها، وتمنع دخول تجار المخدرات والسلاح واللصوص. فى يوم الأربعاء 20 يناير 2010، عقد مكتب الإرشاد اجتماعه الأول برئاسة المرشد الجديد محمد بديع، وناقشوا كما سبق وأشرت مشكلة الجدار العازل، وتوصلوا لقرار أعلنوه عقب الاجتماع، المدهش أنهم لم يرفضوا فقط الجدار بل إنهم أصدروا فتوى بتحريمه ، وقد اعتمدوا فى فتواهم هذه على بحث أعده الكادر الإخوانى د.صلاح سلطان، حيث أرجع الأخير تحريم الجدار إلى دخوله في القتل بالتسبب، ورأى د.صلاح في بيان أصدره أن هذا النوع من القتل يوجب عند فقهائنا القصاص أو الدية، خاصة إذا كان مع سبق العلم والعمد بأن هذا الحصار والجدار سيضاعف قتل النساء والأطفال والرجال «. وأذكر أيامها أننى كتبت هنا وانتقدت هذه الفتوى وبدأت المقال بتعرف القتل بالتسبب فقلت: من حيث التعريف رأى الفقهاء أن القتل بالتسبب هو مالا قصد فيه إلى الفعل ولا الشخص، أي أن الجاني لا يتعمد إتيان الفعل الذي يسبب الموت ولا يقصد المجني عليه. كمن انقلب على نائم بجواره فقتله، أو سقط منه شيء كان يحمله على آخر فمات منه، أو كمن حفر بئراً في الطريق العام دون إذن السلطان فسقط آخر فمات، وكمن ترك حائطه دون إصلاح فسقط على بعض المارة، أو كمن أراق ماءً في الطريق فانزلق به أحد المارة وسقط على الأرض فجرح جرحاً أودى بحياته، وهذا النوع من القتل له حكم القتل الخطأ عند الحنفية، فلا يوجب القصاص، وإنما يوجب الدية والكفارة، ولا يترتب عليه الحرمان من الإرث والوصية، وعند جمهور الفقهاء من غير الحنفية لا فرق بين القتل مباشرة أو تسبباً، فإذا تعمد الإنسان قتل غيره بالتسبب كان كالقتل مباشرة يوجب القصاص، ويؤدي إلى الحرمان من الإرث عند الشافعية والحنابلة خلافاً للمالكية. ولا كفارة في هذه الحالة عند المالكية والحنابلة، وعليه كفارة عند الشافعية. بعد ذلك تساءلت: هل بناء الجدار يعد قتلا بالتسبب؟، مفتى الإخوان يؤكد هذا، لأن الجدار سوف يحكم الحصار ويمنع الطعام والشراب على أهل غزة، وهو ما يترتب عليهم الموت جوعا، وفى ظني أن هذا القياس ليس صحيحا، لأن الجدار لا يبنى على حجرة أو مساحة من الصحراء، بل على حدود مدينة بها المزارع والآبار والمراعى والشواطئ، وللمدينة عدة منافذ على سطح الأرض مع إسرائيل ومصر، وإسرائيل تسمح بدخول بعض السلع الأساسية، ومصر تسمح بدخول الأغذية والأدوية وغيرها من السلع، وتسمح بعبور الأفراد للحج وللعلاج وغيرها، وهو ما يعنى عدم الموت جوعا وعطشا أو بالمرض. هذه الواقعة أستدعيتها اليوم من الذاكرة لكى نوضح للقراء أن جماعة الإخوان لم تكن تقصد بقرارها هذا أن تشارك في الحياة السياسية برأيها مثل سائر الأحزاب، بل إنها كانت تحافظ على فرع الجماعة في غزة، لهذا جرته على الفقه وشرع الله، وأصدرت فتواها بالتحريم لكى تحصن قرارها.