ليس أمام أمريكا سوى أن تغير جلدها وتتكيف مع معطيات الثورة المصرية، هذا إذا أرادت واشنطن أن تحتفظ بمكانتها في الشرق الأوسط ونفوذها الدولي، فالمارد الأمريكي يقف على رمال متحركة قد تبتلعه عام 2025 والشرق الأوسط يمر بمرحلة تغيير والوقت مناسب لتقييم اتجاهاته ومعرفة الخيارات التي ينبغي اتباعها للتكيف معه، هذا ليس كلامنا وإنما كلام مركز الأمن الأمريكي الجديد، وهو من المراكز البحثية القريبة للبيت الأبيض ويعتبر خزان الأفكار للبنتاجون في عهد أوباما. ويقول التقرير: إن الفخ الحقيقي للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط ليس «التراجعية» ولكن «الرفضوية» وعدم الرغبة في إدراك ورؤية أن البيئة الاستراتيجية في المنطقة قد تغيرت بشكل جذري، فعندما تتغير الظروف أو تفشل السياسات ولا تعمل فإن البقاء في ذات المسار أقل أهمية من تعديله وتغييره بالطريقة التي تمكن من سياسات فاعلة. ومع تبدل الأوضاع في مصر فإنها أيضاً سوف تقوم بإعادة تقييم لدورها في المنطقة، وقد ظلت مصر هي مقياس التغيير السياسي والاجتماعي في العالم العربي وبعدد سكانها التسعين مليوناً تظل هي القلب السياسي والثقافي للشرق الأوسط. ومعضلة صناع السياسة الأمريكية بعد انطلاق الربيع العربي كانت واضحة جدا فالولاياتالمتحدة استثمرت طويلا في أكثر الأنظمة ديكتاتورية في العالم العربي، وبالرغم من هذا كان الربيع العربي أكثر عداء للأنظمة من عدائه لأمريكا، وانقلب الحال بعد ثورة المصريين في 30 يونية فاتجه عداء الثوار ضد الإدارة الامريكية التي لم تقرأ المشهد المصري جيداً. وتحت شعار «الانخراط مع الشعوب العربية لا الأنظمة وحدها» أكد التقرير, أن الأيام التي كان فيها دبلوماسيون وعسكريون أمريكيون يستطيعون بسرية أن يقرروا أعمال الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط مع حفنة من الملوك والجنرالات العرب قد ولت، ففي عصر ويكليكس والإعلام الاجتماعي فإن تفاصيل وعواقب السياسة الأمريكية تناقش بشكل شفاف لم يحدث من قبل. وإذا ما أوفى الربيع العربي بوعوده فإن الأنظمة في الشرق الأوسط ستكون بالضرورة أكثر استجابة للرأي العام فيها. ومن ثم فالسفراء الأمريكيون يجب ألا يعتبروا أنفسهم سفراء لدى الحكومات فقط ولكن أيضا سفراء لدى الشعوب في الشارع، يجب عليهم ان يستمعوا ليعيدوا الرؤى التي يجمعونها إلى واشنطن. إن قيمة الانخراط مع الشعوب تعتمد على تدفق الاتصالات في اتجاهين وليس فقط في نقل رسالة أمريكا ولكن أيضا في نقل رسالة الشعوب العربية وبماذا تفكر، وبشكل عام الولاياتالمتحدة تريد دعم الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية في كل المنطقة بطرق تنسجم مع «التمحور حول الناس». في نفس الوقت أكد مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي، التابع لوكالة الاستخبارات المركزية «سي. آي. إيه» في تقرير له، تراجع نفوذ الولاياتالمتحدة في العالم حتى تصبح قوة ضمن عدة قوى فى عالم متعدد الأقطاب بحلول عام 2025.. وأشار مجلس المخابرات القومي في تقريره إلى الأزمة الحالية التي تعصف بالعالم، مؤكداً أنها «بداية لنظام عالمي جديد، متعدد الأقطاب، تبرز فيه مجموعة من القوى، منها الهند والبرازيل والصين، وأن واشنطن سيكون عليها انتظار رأى أقرانها هؤلاء قبل اتخاذ قرار مصيري يخص العالم». وقال التقرير: «إن تراجع قوة الولاياتالمتحدة ومعها الاتحاد الأوروبي لن يقف عند حد النفوذ السياسي، بل سيمتد إلى النواحي الاقتصادية والثقافية». كما أن المؤسسات الدولية القائمة حاليا مثل الأممالمتحدة، والمنظمات الاقتصادية العالمية، لن تكون قادرة على التأقلم مع هذا العالم الجديد، وبالتالي على حفظ الأمن والاستقرار في العالم. خلاصة القول أن المارد الامريكي ينهار بفعل حركة الزمن وصراع القوى الذي يكشر عن أنيابه للبيت الأبيض بعد 12 سنة حسب تقديرات الأمريكان أنفسهم، ومن ثم لسنا في حاجة للرهان كثيرا على موقف الإدارة الأمريكية من ثورة 30 يونية، لأنه ببساطة الأمريكان هم الأحوج لمصر في هذه المرحلة التي تشهد ميلاد نظام عالمي وشرق أوسطي جديد ينطلق من رحم ثورة 30 يونية.