هو الإمام «شرف الدين محمد بن سعيد الصنهاجي البوصيري» صاحب المدائح والقصائد النبوية التي ذاعت شهرتها في الآفاق، وتميزت بروحها العذبة وعاطفتها الصادقة، وروعة معانيها، وجمال تصويرها، ودقة ألفاظها، وحسن سبكها، وبراعة نظمها؛ فكانت بحق مدرسة لشعراء المدائح النبوية من بعده، ومثالا يحتذيه الشعراء لينسجوا على منواله، ويسيروا على نهجه؛ فظهرت قصائد عديدة في فن المدائح النبوية، أمتعت عقل ووجدان ملايين المسلمين على مرّ العصور، ولكنها كانت دائمًا تشهد بريادة الإمام البوصيري وأستاذيته لهذا الفن بلا منازع. ولد البوصيري بقرية «دلاص» ببني سويف من صعيد مصر، في أول شوال 608ه لأسرة ترجع جذورها إلى قبيلة «صنهاجة» إحدى قبائل البربر، ونشأ بقرية «بوصير» القريبة من مسقط رأسه، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة حيث تلقى علوم العربية والأدب. ونظم البوصيري الشعر منذ حداثة سنه وله قصائد كثيرة، ويمتاز شعره بالرصانة والجزالة، وجمال التعبير، والحس المرهف، وقوة العاطفة، واشتهر بمدائحه النبوية التي أجاد استعمال البديع فيها، كما برع في استخدام البيان، ولكن غلبت عليه المحسنات البديعية في غير تكلف؛ وهو ما أكسب شعره ومدائحه قوة ورصانة وشاعرية متميزة لم تتوفر لكثير ممن خاضوا غمار المدائح النبوية والشعر الصوفي. أشهر قصائده «بردة المديح» التى تناقلها ابناء ومريدى الطرق الصوفية وأحيوا بها حلقات ذكرهم، يقال عن سبب تسميتها بالبرده لأن المرض كان قد أشتد على البوصيري، وفي إحدى المرات عندما كان نائماً رأى النبي «صلى الله عليه وسلم» وقد غطاه ببردته فأصبح وقد شفي مما هو فيه فكتب قصيدة يجمع كل أدواته الشعرية ويجمع همته لمدح خير خلق الله «محمد» صلى الله عليه وسلم، وقد شرح وعارض هذه القصيدة العديد من الشعراء. وإذا كان للإمام شرف الدين البوصيري مجموعة أخرى من القصائد في مدح رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا أنه ارتبط أكثر ما ارتبط بالبردة وارتبطت به «البردة» وأصبحت هذه القصيدة من أهم القصائد التي يتغنى بها المداحون في الليالي الدينية وفي الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف وأصبحت ملهمة للشعراء الذين يكتبون شعرهم في مدح رسول الله صلي الله عليه وسلم. وكان البوصيري وابن عطاء الله السكندري تلميذين لأبي العباس المرسى – فخلع على البوصيري لسان الشعر ، وعلى ابن عطاء الله صاحب الحكم لسان النثر ولازم البوصيري أستاذه وأخذ عنه ومدح رسول الله عليه الصلاة والسلام وذاع صيته وملأت قصائده الآفاق. تُوفِّي البوصيري بالإسكندرية سنة 695 ه / 1295م عن عمر بلغ 87 عامًا ودفن بمسجده هناك حيث ضريحه، الذى أصبح مزاراً للمحبين من جميع انحاء القطر ويقع مسجد الإمام البوصيري على شاطيء البحر بحي الأنفوشي في منطقة ميدان المساجد وفي مواجهة مسجد أبي العباس المرسى ويأخذ نفس الشكل المعماري تقريباً. يا نفس لا تقنطي من زلةٍ عظمت إن الكبائر في الغفران كاللمم لعل رحمة ربي حين يقسمها تأتي على حسب العصيان في القسم