في خطوة جريئة لا يقبل علي فعلها الكثيرون انصياعًا وراء قاعدة السمع والطاعة العمياء المتبعة داخل جماعة الإخوان المسلمين، أعلنت قيادات طلابية إخوانية تأسيس جبهة «أحرار الإخوان» لمطالبة قيادات الجماعة بالسماح لشباب الإخوان بمغادرة الاعتصام الجبرى لبعض الأعضاء في رابعة العدوية، وأضافت الجبهة في بيانها علي موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»: نحن أحرار جماعة الإخوان نتبرأ أمام الله والشعب المصرى مما يدعوننا إليه أولئك القيادات التي تناست تعاليم إمامنا حسن البنا وما نشأت من أجله تلك الفكرة التي تربينا على إعلاء شأنها وشأن الدين. وأضاف البيان: من هذا المنطلق نعلن نحن مجموعة من شباب الإخوان وقياداتها انشقاقنا ليس عن جماعة الإخوان، وإنما عن قياداتنا التي تدعونا إلي ما هو يخالف تعاليم الدين ومصلحة الوطن، وناشد «أحرار الإخوان» قادة الجماعة أن يعودوا إلي رشدهم، وقالوا «اعطونا الفرصة في التعبير عن أنفسنا بطريقة سلمية ولا تدفعوا البلاد إلى بحور من الدم وقودها وضحاياها نحن شباب الجماعة». وقد استحسن البعض تلك الخطوة واعتبروها أول طريق انسلاخ هؤلاء المغرر بهم من القيود الفكرية والتنظيمية التي يستغلها قيادات الجماعة لتحركهم كيفما شاءوا، بينما اعتبرها البعض من الخبراء والمحللين أنها خطة شيطانية جديدة للإخوان المسلمين يقودها هؤلاء المنشقون ظاهرياً لدسهم إلي صفوف السياسة بعد أن لفظوا من المشهد لحين تكوين أرضية سياسية جديدة قد تعيد الجماعة من جديد للساحة السياسية وحتي لا ينسحبوا من الملعب، خاصة بعد حملة الاعتقالات لمعظم القيادات الإخوانية والرموز الدينية التي حرضت علي القتل وسفك الدماء مع وجود بلاغات تطاردهم للتحقيق بتهم الخيانة العظمى وبذلك أصبح سجل قيادات الجماعة زاخراً بأسباب خطيرة كفيلة بلفظهم من المشهد السياسي بأكمله وحيلة من هؤلاء الشباب للانخراط مجدداً بدعوى الانشقاق وأنهم ضحايا وبراء من تلك الشبهات. تاريخ جماعة الإخوان المسلمين حافل بالعديد من الانشقاقات، والمتابع للتصريحات المتضاربة التي تخرج من أعضاء الجماعة ومكتب الإرشاد تدل علي ضراوة الصراع الدائر خلف الكواليس الإخوانية منذ توليهم الحكم في مصر. واعتبر المحللون أن فشل الرئاسة في إدارة الأزمات وسعيهم المستمر لحصر الصراع السياسي بين الرئاسة والمؤسسة العسكرية في الوقت الذي يتجاهلون فيه مطالب بتحقيق أهداف ثورة يناير. ويذكر أن من بين هذه الانشقاقات القديمة كان مختار نور وثروت الخرباوي وعبدالمنعم أبو الفتوح وعبدالستار المليجى والمهندس أبوالعلا ماضى مؤسس حزب الوسط وإبراهيم الزعفرانى الذي شكك في انتخابات المرشد العام وانشق عن الجماعة وقدم استقالته في أبريل 2011 بعد 45 عاماً قضاها في صفوفها وهيثم أبو خليل القيادي بالإسكندرية اعتراضاً علي سياسة مكتب الإرشاد الذي تقابل بعض أعضائه سراً مع اللواء عمر سليمان، كذلك كمال الهلباوى الذي انشق اعتراضاً علي إصرار «الشاطر» على الترشح لرئاسة الجمهورية والشيخ محمد سعد عبدالبر الذي تقدم باستقالته في النصف الأول في مارس الماضى بسبب سيادة الفكر القطبى والوهابى علي قرارات قيادات الجماعة، ولم تكن المرة الأولى أن ينشق شباب عن الجماعة حسب قولهم بل انشق العشرات منهم بعد ثورة 25 يناير وأسسوا حزب «التيار المصرى» ومن بينهم عبدالرحمن خليل وإسلام لطفى وأخيراً استقالة جمال نصار القيادى بحزب الحرية والعدالة والمستشار الإعلامى السابق للمرشد احتجاجاً علي وهمية مشروع النهضة. لا عهد.. ولا إيمان يرى اللواء سفير نور عضو المكتب التنفيذى لحزب الوفد أن الإخوان ليس لهم عهد ولا إيمان أو إسلام، مؤكداً أنه من الصعب في هذا الوقت الساخن بالنسبة لهم أن يحدث بين صفوفهم أي انشقاقات ومن يدعى ذلك فهو كاذب. وأكد «نور» أنه من الصعب تصور وجود انشقاقات لشباب جماعة الإخوان المسلمين، مشيراً إلي أن قيادات الجماعة لا يشاركون في المواجهات الدامية ضد المعارضين لوجود الرئيس المعزول مرسي في الحكم بل هم من يحرضون الشباب علي العنف وتوجيههم إلي حيث ما يريدون، مضيفاً أن القيادات تدفع شباب الإخوان إلي الهلاك والدمار وأن لا أمان لعهودهم أو تصريحاتهم. حرب شوارع ويرى عبدالغفار شكر وكيل مؤسسى التحالف الشعبي الاشتراكي أنه من المتوقع أن تحدث انشقاقات في صفوف الجماعة ككل، مشيراً إلي أن هناك من العقلاء داخل الإخوان لديهم رغبة أكيدة في عدم تحويل البلاد إلي حرب شوارع دموية ومواجهات مستمرة مع الشعب والقوات المسلحة. وتوقع «شكر» أن تعود القيادات الإخوانية المعتدلة من جديد وتوجيه النصائح والمبادرات مثل محمد حبيب وعبدالستار المليجى والمهندس خالد داود وغيرهم من العقلاء في الجماعة. وقال «شكر» إنه لا يريد أن يقصى جماعة الإخوان المسلمين عن الساحة السياسية، مشدداً علي أن مستقبل مصر ينبغي أن يكون قائماً علي السماحة، لكي يخفي المصلحة الوطنية، مؤكداً أن المرحلة الانتقالية تستوجب بناء نسيج وطني جديد غير قائم علي المؤامرات أو تصفية الحسابات، قائلاً إن أي إقصاء لتيار من العمل السياسي ليس في صالح الجميع ويزرع الشكوك والكراهية، مطالباً الإخوان بالعودة من جديد تحت إطار جمعية الإخوان المسلمين قائمة علي العمل الدعوى ولا تنخرط في الحياة السياسية أو تحت حزب سياسي يمارس دوره كغيره من الأحزاب دون محاولات تغيير هوية وملامح الدولة المصرية. ترحيب.. ولكن! وأضاف عصام شيحة عضو الهيئة العليا للوفد والمستشار السياسي للحزب أن أحداث سفك الدماء التي تمارسها الجماعات الإرهابية المسلحة في الوقت الراهن مثل خصومها تهدد بإسقاط الدولة المصرية نفسها، مشيراً إلي أن هذه الجماعة تستعمل شباب الإخوان كوقود في إشعال المعركة، مؤكداً ترحيبه بانشقاق شباب الإخوان عن قياداتهم بسبب تضليلهم وإساءة استخدامهم وتجنيدهم في سفك الدماء. وواصل شيحة قائلاً: استوقفني في البيان فكرة الاستئذان من قياداتهم وأعتقد أن فكرة الخروج عن الجماعة صعبة وتم تضليل هؤلاء الشباب وترسيخ عقيدة الولاء والطاعة، ومع ذلك فنحن نرحب بهذا الانشقاق شريطة أن يكون لأهداف سلمية بعيدة عن الالتواء لأنهم ما زالوا يؤمنون بفكرة الطاعة لقياداتهم وعملية الانفصال عن الجماعة عمل صعب إلا أنهم وعووا تماماً لخروجهم عن مبادئ الشريعة الإسلامية وروح السماحة. سفينة غارقة في حين ترى محاسن عبدالرحمن المحامية بالاستئناف العالى ومجلس الدولة أن بعد أن شعر الجميع بأن نظام الإخوان قد غرق مركبته قفز منها كل الذين يدينون لهم بالولاء بسبب لجوئهم للعنف والسياسة الدموية لفرض أجندتهم الخاصة، مشيراً إلي أن هناك من شباب الإخوان شعروا بالخطر علي أنفسهم وعلي بلدهم وشعبها فرفضوا أن ينصاعوا لتدمير هذا البلد، مطالبة جميع وسائل الإعلام بتبني مبادرة شباب الإخوان وتشجيعهم دون نبذهم أو لفظهم بعيداً تحت عباءة الجماعة حتي لا ينخرطوا فيها. انشقاقات صغيرة ويري الدكتور كمال حبيب الكاتب الإسلامي أن الإخوان قوة سياسية واجتماعية موجودة في المشهد السياسي وليس من مصلحة النظام أن يقصى فصيلاً من الساحة السياسية. وتوقع «حبيب» وجود بعض الانشقاقات الصغيرة لبعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أنها لن تمثل انشقاقاً كبيراً داخل صفوف الإخوان، مؤكداً أن جماعة الإخوان المسلمين تعيش توترات ساخنة ومشاحنات، مشيراً إلي أن الظروف التي تمر بها الجماعة حالياً لحظة فارقة ولا تسمح لهم بأي انشقاق، بل لحظة عواطف متأججة يعيشونها وتوحيد للصفوف، وهذه هي طبيعة نظام جماعة الإخوان المسلمين، موضحاً أن وجود بعض الانشقاقات في صفوفهم يدل علي أن الجماعة تراجع خياراتها وفكرها لبعض الأمور خاصة أنهم متهمون بإثارة الشعب والتحريض علي الاقتتال. لحظة فارقة ويشير محمد زارع المحامي رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي إلى أن الجماعة تشهد هذه الأيام لحظات فارقة سوف يتخللها بعض المنشقين والمتشددين المتطرفين مضيفاً أن إصرار الجماعة لعدم الرضوخ لإرادة الشعب يخلف منهم بعض الإرهابيين المتطرفين الذين يبحثون سفك الدماء ومعتقدات الإخوان تجبرهم أن ينحرفوا عن مسارهم الصحيح الذين حافظوا عليه. وأضاف «زارع» أن دعوة الجماعة الأخيرة المحرضة للعنف والمواجهة مع الجيش أو الشرطة يدفع بشباب الإخوان لهذه المواجهة، الأمر الذي قد يدفع البعض داخل الجماعة للاعتراض علي هذه السياسة، والانشقاق عنها والابتعاد عن العنف، مؤكداً أن جماعة الإخوان المسلمين المعروفة بتوجهاتها الدينية أخذت مسلكاً أكثر ميلاً للعنف. وطالب «زارع» بإعادة النظر في السياسات التي يتبعها الإخوان حالياً ومطالبتهم بتقديم مبادرات للعودة لصفوف الجماهير وأن يكون تنظيماً سلمياً يقدم مبادرات قابلة للاندماج في المرحلة الجديدة رغبة منه في بناء نفسه من جديد وإعادته للمشهد السياسي الذي لفظه ويتعامل مع الثورة الجديدة بجدية شديدة وتوافق للأوضاع، الأمر الذي يعيد بناء النظام من جديد داخل المجتمع ويديم من عمر الجماعة، مؤكداً أن استمرار لجوء الجماعة للعنف والاستقواء بالخارج للحصول علي أطماعهم يحول دون عودتهم للسياسة من جديد. عودة للعنف شدد الدكتور رفعت سيد أحمد، المفكر السياسى، علي صعوبة وجود انشقاقات بين صفوف الجماعة، مؤكداً أنه يصعب وجود خلافات بينهم بل إنهم سوف يزدادون قوة وشراسة للانتقام من لفظهم من المشهد السياسي ومن المجتمع ككل مضيفاً أن العنف هو السبيل الوحيد للجماعة لتحقيق أهدافها التي يؤمنون بها ويضحون من أجلها بالغالي والنفيس. وأضاف «السيد» أن البيان الذي أصدره شباب الإخوان ضعيف وخال من المصداقية ويعتبر صادراً من مجهول وليس دليلاً قاطعاً علي وجود انشقاق بالفعل بين الجماعة، مؤكداً أنها نوع من الحرب النفسية بين الإخوان وخصومهم وعدم معرفة الأسماء لجبهة أحرار الإخوان يؤكد أنها شو إعلامى للتمويه في الوقت الذي يظهرون فيه أكثر توحداً. محاولة خبيثة وأكد الدكتور جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس قائلاً «إنني لا أثق في الإخوان وأنها محاولة خبيثة من بعض القيادات الإخوانية لشراء مستقبل الجماعة واستمرارها في التنظيم باعتبار أنه في حالة خسارته المعركة يجدون البديل للظهور بشكل جديد في الحياة السياسية، مضيفاً أن الجماعة غير شرعية وجزء من تنظيم دولى يمارس السياسة وليست الدعوة مطالباً بقفل صفحة الإخوان نهائياً ولفظهم. وطالب «زهران» بعدم إجراء أي مبادرات بالمصالحة الوطنية مع جماعة الإخوان لعدم تكرار نفس المشاهد السابقة لهم، مؤكداً أن انشقاق شباب الإخوان جزء من مناورة وألاعيب إخوانية للعودة للمشهد السياسي وهو رصيد للمستقبل. وأضاف «زهران» أن هذه الانشقاقات الوهمية وسيلة جديدة لتكوين معارضة إخوانية الأصل لكي يتفاوض معهم الجميع.