قبل أيام مر ربع قرن علي وفاته، وأقول لمن لا يعرفه إنه المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين، وجاء التلمساني في وقته تماما وبتوفيق إلهي عجيب! وتفاصيل ذلك أن الإخوان تعرضوا لتشويه متعمد من جانب الدولة مدة تقرب من عشرين سنة ابتداء من سنة 1954 عقب اصطدامهم بعبدالناصر وكانوا قد تعرضوا للعسف والاضطهاد أواخر أيام الملك فاروق! وهكذا فإن كل طاغية يجب أن يصطدم بهم! وتولي الراحل الجميل عمر التلمساني قيادة الجماعة بعد وفاة المستشار الهضيبي الذي لقي ربه أواخر سنة 1973، وكانت صورة الإخوان عن الرأي العام سيئة جدا، فهم متهمون بالإرهاب والتطرف والتشدد! ونجح رحمه الله في إزالة هذا التشوه وتقديم صورة حلوة للناس وتحقق ذلك بالسلوك العملي وليس بالمواعظ أو الكلام! ونجح التلمساني في الجمع بين أمرين قد يبدو لأول وهلة أن كلا منهما يناقض الآخر، فهو صلب وقوي في مواقفه وفي ذات الوقت تجده إنسانا غاية في اللطف والرقة والأدب بحيث لا تملك في النهاية إلا أن تحبه حتي ولو اختلفت مع آرائه 100٪، والصلابة والقوة في المواقف قد تنعكس علي تعاملات صاحبها فتجده فظا غليظا في تعاملاته! والعكس صحيح أيضا فالإنسان الرقيق غالبا ما يكون ضعيفا! لكن التلمساني كان بالفعل شخصية متميزة ولقي تقدير الجميع حتي خصومه من أجهزة الدولة والعلمانيين واليساريين احترموه ورأيناه غاية في القوة وهو يواجه السادات ويشكوه الي الله، ومعظم قادة الإخوان حاليا كانوا شبابا أيام التلمساني وتأثروا به جدا وهم من تلاميذه. وبالإضافة الي شخصيته الإنسانية الجميلة التي سحرت الجميع كان له تأثير بالغ الخطورة في السياسة المصرية كلها حيث قرر بمناسبة أول انتخابات أجريت في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك التحالف مع حزب الوفد سنة 1984 وكانت تلك الخطوة مفاجأة الموسم!! ولقيت معارضة شديدة من المتشددين علي الجانبين ففي الجانب الإسلامي رأينا من ينتقد هذا القرار بقوة ويتساءل: كيف يتحالف الإخوان مع رمز العلمانية في مصر وهو حزب الوفد وكان دوما خصما للجماعة؟ ومن ناحية أخري قدم عدد من الوفديين استقالاتهم احتجاجا علي الغزو الإسلامي للحزب الليبرالي!! لكن هذا لم يهز شعرة من رأس فؤاد سراج الدين رحمه الله، بل كان سعيبدا بذلك ولسان حاله يقول: بركة يا جامع فقد كان يراهم من العلمانيين المتطرفين الذين يشكلون عبئا علي الحزب وكان الباشا العظيم رحمه الله يرفض بقوة هذا الاتجاه ويقول عن حزبه: الوفد حزب مدني ولا يقبل بالعلمانية والفارق ضخم بين الاثنين وعند سؤاله عن الشريعة الإسلامية كانت إجابته عجيبة حيث كان يقول: أنا اسمي محمد فؤاد سراج الدين ومن هذه الاجابة تستطيع أن تفهم ما يقصده وألف رحمة لهؤلاء العظماء.. التلمساني وسراج الدين كل واحد منهما له تأثير كبير جدا في مجاله ولذلك إذا قلت عن التحالف الذي تم بينهما إنه تحالف العظماء فأنت لم تخطئ.