وكأن مصر على موعد مع ذلك الشهر «شهر يونيو».. على موعد مع أقدارها الحزينة والتعيسة في ذلك الشهر فهل في حياة الشعب - مثل البشر - أيام سعد وأيام نحس؟! العلم يرفض الفكرة غير أن القرآن يؤيدها فقد قال الله تعالى في قوم عاد بعد بسم الله الرحمن الرحيم «فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات» صدق الله العظيم. إذن هناك في عمر الشعوب أيام سعد وأيام نحس ومثلما يمثل شهر يناير و25 منه بالتحديد موعداً مع انتفاضة الشعب ضد قوى الظلم والطغيان مثلما حدث في 25 يناير 1952 و25 يناير 2011 فإن شهر يونيو حمل مطلعه اقداراً حزينة لمصر مرتين الأولى سنة 1967 عندما حدثت نكسة أو هزيمة 1967 والمرة الأخرى سنة 2012 عند أعلن رسمياً عن نجاح الرئيس محمد مرسي، وأعلن بذلك عن وصول جماعة الإخوان المسلمين رسمياً الى سدة الحكم وإذا كنا نعتبر نكسة 1967 هزيمة عسكرية فإن فوز الاخوان بالانتخابات كان يعتبر بداية انتقال الى عهد جديد من الحرية والديمقراطية والانتقال من حكومات اللصوص الى عهد حكومات طهارة اليد، غير أنه ومع الأسف فإن حكومات مبارك وإن اشتهرت ب «خفة اليد» - وهو تعبير شعبي كناية عن المهارة في اللصوصية - فإن حكومات وحكم الاخوان اشتهر في خفة يد من نوع آخر، باغتصاب السلطة التشريعية وسلق القوانين واصدار التعديلات التي ترسخ لحكم الفرد وتقوض حكم المؤسسات - رغم كون تلك المؤسسات مشكوكاً في شرعيتها - لا يباري ولا يشق له غبار بل فاق حكم الاخوان حكم آل مبارك في هذه الناحية فقد كان ترزية قوانين مبارك يفصلونها على استحياء، الا أن ترزية الاخوان يفعلونها فجة صريحة ولذلك فليس من الغريب أن تتعرض كل مؤسساتهم ولجانهم ومجالسهم النيابية للبطلان ويصدر ببطلانها أحكام قضائية ومع ذلك تستمر في العمل بقوة حكم الفرد، فهل يشكك أحد أننا أمام نكسة، وردة الى الوراء في ظل اعتلاء الإخوان لكرسي الحكم في مصر في يونيو من العام الماضي؟ يقول البرلماني العتيد البدري فرغلي إنه في يونيو 1967 خسرنا سيناء وهى 4٪ تقريباً من مساحة الوطن أما في يونيو 2012 وهى النكسة الثانية خسرنا مصر بكاملها. وعندما خسرنا سيناء احتجنا عدة سنوات لنحررها غير أنني أعتقد - والكلام لفرغلي - أننا لن نحتاج الكثير من الوقت لتحرير الوطن من تلك الجماعة التي أصبحت العدو الأول للشعب المصري وجعلت العدو الأول وفعليا أقصد اسرائيل يتراجع عند الشعب الى المرتبة الثانية. تلك الجماعة التي لم يمنحها الشعب المصري صوتاً واحداً لقد انتخب الشعب المصري رجلاً اسمه الدكتور محمد مرسي غير أن الجماعة استولت على الحكم والبرلمان وكافة المؤسسات وتعلن أن كل ذلك يجري بانتخابات والحقيقة أنها استولت على كل مؤسسات الدولة بطريقة غير شرعية وعندما اراد أن تجعل ذلك الاستيلاء شرعياً وضعت المادة 229 من الدستور، ويستمر فرغلي ليؤكد أن ما فعله مبارك من قمع وتقييد للحريات يتضاءل أمام ما تفعله الجماعة من ترسيخ لحكم الفرد والاستبداد والاستيلاء على كافة المؤسسات يكفي دليلاً على كون الجماعة تستشعر العداء من الشعب وهو شعور في محله، فرئيسها لا يستطيع أن يمر بمفرده من شارع واحد فضلاً عن أن يقابل الناس الا مختفياً خلف كتائب الحرس الجمهوري ويصف فرغلي أن العداء أصبح مستحكماً بين الشعب والجماعة وأن على الشباب ان يتحرك الآن لتحرير الوطن لأن الوطن قد فقد وعلينا استعادته. القطب الوفدي واستاذ القانون الدكتور محمود السقا أول رئيس لأول جلسة لأول برلمان بعد ثورة 25 يناير بدأ تحسره على حال مصر واقدارها التعسة مع الأيام ببيت من الشعر يقول: جلا من قسم الحظوظ فهذا يغني وذاك يبكي الديار ويضيف في تألم ان الرومان قد قسموا الأيام لأيام سعد وأيام نحس، أيام النحس هي أيام الكوارث والحروب والزلازل والشرور وأيام السعد هي أيام الانتصارات والسرور وعندنا في العقيدة المصرية القديمة إلة التشريع تحوت قد قسم الايام الى فصول شتاء وربيع وخريف وللأسف قد أعقب ربيع مصر وانتصارها في ثورة يناير 2011 شتاء قاس وانتكاسة بصعود جماعة الاخوان الى الحكم في مصر الانتكاسة التي أعقبها انتكاسات على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية انتكاسات لم تكن في حسبان أحد صعود للإخوان وهبوط لمصر وشعبها وعملتها وقيمتها حتى اجترأ علينا العدو والصديق القاصي والداني، اجترأ على ارضنا ونيلنا.. النيل في العقيدة المصرية القديمة رمز مقدس من أغضبه فقد أغضب الإله.. النيل مصدر الخير والنماء ومصدر الالهام للشعراء والمحبين باختصار هو مصدر الحياة للمصريين بشقيها المادي والمعنوي وإذا كنت بمصر ولم تكن قاطناً على نيلها فلست في مصر ولم تدرها - كما قال أحد المحبين لنيل مصر - هذا النيل وشريان الحياة عرضة للضياع في عهد الإخوان ولو حدث وأضاعوا النيل فقد أضاعوا مصر وستكون كارثة الكوارث وثالثة الأثافي وأم النكسات، وسيكون ذلك بمثابة الاعلان رسمياً عن موت الدولة. أما أستاذ العلوم السياسية د. جمال زهران، فقد أكد أن التشبيه ووجوه الشبه بين ما حدث في يونيو 67 وما حدث في يونيو 2012 غير موجود وأن المقارنة غير صحيحة وفي غير محلها، وقال باعتباركم لسان حال حزب الوفد تتحاملون على عبد الناصر مازلتم تعتبرون ما حدث سنة 67 نكسة وتنكرون أنه كان هناك رجل يحاول بناء الامة فتعرض لمؤامرة خارجية أسفرت عن هزيمة 1967، فقلت للدكتور زهران لننطلق من ارضية مشتركة هى صالح الشعب المصري، قال: من هذا المنطلق استطيع أن أتحدث معك وأردف قائلا: إن مصر في ظل نكسة الاخوان أمرها يختلف عما حدث لها في 1967 ففي الأولى كانت نكسة ومؤامرة خارجية على الوطن والثانية مؤامرة داخلية على الشعب والمواطن المصري «يخرجون له ألسنتهم» يقولون انك اخترت تحمل، بينما الشعب لم يختر وإنما وصول الإخوان للحكم جاء في اطار صفقة بين المجلس العسكري الأمريكي المباركي وبين امريكا والإخوان الذين ما لبثوا أن أثبتوا فشلهم الذريع وانقلبوا على الشرعية ومارسوا الكذب والحنث بالايمان وانتهكوا القضاء وعملوا لصالح التنظيم الدولي لا لصالح الشعب استباحوا التشريع والافتئات على أحكام القضاء وآخرها الحكم ببطلان مجلس الشورى، ويضيف زهران: إن مصر الآن في ورطة نتيجة وصول الرئيس وجماعته للحكم بمباركة امريكية والثمن الحفاظ على أمن اسرائيل وترويض حماس والحفاظ على المصالح الامريكية في المنطقة كل ذلك من أجل عيون كرسي الحكم في مصر وهنا الفرق بين نظام حكمهم ونظام حكم عبد الناصر. فهم على خطى مبارك يرعون المصالح الأمريكية بينما كان عبد الناصر يرعى مصالح الشعب، فنكسة 1967 حدثت لأن عبد الناصر لم يكن يجلس على الكرسي بمباركة امريكية وانحاز لمصالح الشعب لذلك وقف الشعب الى جواره عند النكسة بينما لفظ الشعب مبارك وسيلفظ الإخوان فالحس الوطني للشعب ودائما صادق فالرجل الذي جاء معبراً عن حركة الاستقلال، وعمل لصالح رجل الشارع البسيط، حمله الشعب على الاعناق بينما داس مبارك بالأقدام، ويضيف زهران: الشعب لا ينسى أبداً من عمل لأجله لقد جاء عبد الناصر كتتمة لكفاح رجال وطنيين أحمد عرابي ومصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول لم يكرس للعمالة لأمريكا وغيرها بينما يكرس الاخوان الذين يعتقدون أن الوصول لحكم مصر والاستقرار على كرسي الحكم فيها لا يكون إلا بموافقة امريكية حتى لو بيعت لقاء ذلك مصالح الشعب المصري، إننا في مصر - والكلام لزهران - مختلف عن دول الخليج مع كامل الاحترام لشعوبها، هنا في مصر لنا ارادة نرفض الهيمنة الامريكية والتبعية الفجة لها ومن يكرس لذلك يلفظه الشعب مثلما لفظ مبارك وسيلفظ الإخوان لأن الشعب كما قلنا حدسه وحسه لا يخطئان وإن أخطأ مرة واحدة عندما خدع واختار الإخوان، وسيظل الشجاعا شجاع والجبانا جبان سيظل التاريخ يذكر الوطني وينسى العميل فالتاريخ يذكر طلعت حرب على سبيل المثال ويلقي برجال بيزنس مبارك في سلة قمامة التاريخ وربما يلقي بغيرهم إذا لم يفيقوا ويثوبوا إلى رشدهم. ويقول اللواء أحمد عبد الحليم الخبير العسكري وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية: «نكسة 5 يونيو 1967 كانت على مصر وجيشها أقل قسوة من نكسة 5 يونيو 2012 تحت حكم الاخوان». واستطرد عبد الحليم قائلا: النكسة الأولى المشار إليها كانت ملموسة، لها أسبابها العسكرية، وأصابت الشعب المصري بالاحباط، لكنها كانت كافية لتوحيده تحت راية الوطن، توحد بعدها الشعب المصري بكل فئاته السياسية والاجتماعية والثقافية وعلى رأسهم القيادة والجيش المصري، لتحقيق هدف واحد واضح، وجلي، يداعب آمال كل المصريين، النصر والثأر من العدو الصهيوني وهذا كان سببا كافيا لتحقيق النصر في 1973 استطاعت مصر في حرب أكتوبر تطهير ما دنسه العدو في النكسة وإعلاء كلمة مصر وسمعتها في العالم أجمع، أما الآن فنكستنا على حد قول اللواء عبد الحليم محسوسة وغير ملموسة، فليس لها معالم واضحة، والصراع فيها بين أعضاء جسد الوطن، فالاخوان حولوا الوطن الى جسد مصاب بفيروس الديكتاتورية وسرطان التعصب لكي نصيب المرض في مقتل لا مفر من وقوع بعض الخلايا السليمة كضحايا وهذه هى المأساة. لذا يرى عبد الحليم أن النكسة القديمة دفعت الشعب المصري الى الانتصار أما النكسة التي نعيشها فهى ربما تؤدي بنا الى فتنة طائفية اذا لم يتنازل النظام عن عناده أو تستسلم المعارضة ويصبر الشعب على استبداد الاخوان حتى انقضاء فترة الحكم وهذا يعد ثمناً باهظاً لخطأ الشعب الذي أسفر عن تولي الإخوان حكم مصر. وأرى أن الحل للنكسة الحالية هو اندماج أحزاب مصر التي وصلت الآن الى 74 حزب تقريباً في ثلاثة أو أربعة أحزاب كبرى فقط لضمان هزيمة الاخوان في الانتخابات القادمة. أما اللواء طلعت مسلم - خبير استراتيجي - فيرى في النكستين تشابها فكلاهما اضاعت سمعة مصر، وقللت من شأنها عالمياً، واحبطت الشعب المصري، الا أن في الأولى كان العدو واضحا وفي الثانية فالعدو غير واضح يختلط بالنسيج المصري وغاب عنه ذلك بعد أن تخلى عن فكرة الوطن واستبدله بفكر جماعة بعينها هى ومعتقداتها كل وطنه، فالخطر في يونيو 2012 ليس عسكريا تعد له العدة ونضع له خططا، لكن نحن العسكريين نقف مكتوفي الأيدي عندما نرى نكسة مصر تأتي على أيدي ابنائها، ولا يستطيع الجيش التدخل لانقاذ الموقف فتدخله يعد مخالفا لمبادئه التي تعهد بالالتزام بها. والحل هو محاربة العدو الأول وهو الجهل والاستبداد الذي يجند جنوده من الشعب المصري حتى يقضي على الثقافة والفكر الحر فلا تجد مصر الا الانغلاق والظلم والظلام يسود مستقبلها. أما الشعب المصري فيما بين النكستين فيشخص حالته الدكتور «سعيد صادق» أستاذ الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية فيرى أن الشعب المصري هو البطل الأساسي في حكاية النكستين مستشهداً بذلك بقول المفكر السوري «صادق العظمة» أن المجتمعات التي تستمع للفكر الشمولي هى سبب النكسات، ومن ثم فيرى صادق أن الشعب المصري الذي «سلم ذقنه» للنظام الشمولي في 67، هو نفسه الذي أعطى الفرصة للاخوان حتى يغرقونا في نكسة 2012 فكل من الفكر الشمولي القومي في عهد عبد الناصر، والفكر الشمولي الديني في عهد الاخوان سيطر على عقل الشعب المصري فأودى به الى بئر اليأس والمعاناة المصاحبة للنكسات. والمؤسف أن الشعب المصري والعربي بشكل عام لا يتعلم من أخطائه الا القليل منهم، فالنخبة المثقفة هى التي تظل تفكر وتحاول ايقاظ عقول الشعب بعد تحوله الى «ببغاوات» تردد مايقال لهم خداعاً باسم الدين، ورغم ما يتكبده العقل المفكر والناقد في مثل هذه الأوقات من عناء لتنوير المواطنين الا أنه يعي تماماً أنها رسالته ولن يستسلم، وربما تستمر معاناة المفكر المصري حتى مماته، فهزيمتنا هذه الأيام هزيمة فكر وثقافة يسعى النظام الى محوها من عقول المصريين رواد الحضارة في العالم.