الحقيقة المؤلمة.. انه لا يوجد رأى علمي أو فني قاطع يؤكد أن بناء إثيوبيا لسد النهضة سيؤثر على حصة مصر من النيل، كما لو أن مصر خلت من مراكز البحوث العلمية ومن العلماء المتخصصين في المياه.. وان كل خطوة تخطوها إثيوبيا في بناء هذا السد لا نسمع سوى ردود أفعال غاضبة، من شخصيات كثيرة رسمية وغير رسمية، أكثرها يكون أشبه بالصراخ والنحيب والعويل، تندد وتحذر من كوارث على الكهرباء والزراعة ومياه الشرب يعنى عن الاقتصاد المصري كله بسبب السد الإثيوبي، وبعض الردود تكون آراء هادئة تؤكد أن هذا السد ليس بكارثة ولن يكون له تأثير سلبي على تدفقات مياه النيل.. فمن نصدق؟! ولم يختلف الوضع عن أيام مبارك.. نفس الآراء وردود الأفعال والكلام الكثير عن الموضوع ولا احد يعطى الرأي العلمي أو الفني النهائي في آثار بناء هذا السد على مصر.. ولا أعرف أين وزارة الري، رغم أنها من أقدم وزارات الري في العالم، وأين المركز القومي لبحوث المياه التابع لهذه الوزارة والذي يضم أكثر من 10 معاهد متخصصة في الري والمياه منها معهد للنيل؟!.. فهذا المركز المفترض انه يضم أعظم خبراء المياه والري في العالم.. فنحن لدينا ميراث لا يستهان به في هذا المجال وذلك منذ عام 1836 حيث أُنشئ قسم الأشغال العمومية التابع لديوان المدارس في عهد محمد على باشا ، وفى عام 1857 أنشئت نظارة الأشغال العمومية و كانت تضم العديد من المصالح مثل السكة الحديد والتلغراف والمساحة والإسكان والزراعة وميناء الإسكندرية والآثار ودار الأوبرا وحديقة الحيوان وحديقة الأسماك والصرف الصحي بالإضافة إلى الري.. ومع كل هذا التاريخ الطويل يبدو انه لم تجر أو تصدر دراسة علمية وفنية واحدة تقطع الشك باليقين حول الآثار السلبية لبناء هذا السد على مصر من جميع الجوانب السياسية والاقتصادية وحتى المناخية..والتي من خلالها وبناء على نتائجها يتم اتخاذ القرار السياسي المناسب في قضية هذا السد!! ولهذا.. نحن إزاء كارثة دولة ، وليست كارثة نيلية فقط، فلا احد يعرف كيف يتم اتخاذ القرارات فيها لمواجهة القضايا المصيرية.. رئاسة الجمهورية نائمة في العسل ولا نعرف ماذا يدور بداخلها تماما مثل أيام مبارك ، فلم يصدر عنها بيان قصير يطمئن الناس على مستقبلهم ومستقبل بلدهم، خاصة وان رئيس الجمهورية كان في زيارة لإثيوبيا وكان من المفترض أن يكون هذا الملف من الموضوعات التي كان يجب بحثها ..ولكن ما حدث انه بعد ساعات من مغادرة رئيس الجمهورية تعلن إثيوبيا تحويل مجرى النيل تمهيدا لاستكمال بناء سد النهضة..فماذا كان يفعل رئيس مصر هناك.. عقد اتفاقيات لإنشاء المولات التجارية أم لتنظيم معارض السلع المعمرة بين مصر وإثيوبيا؟! والشيء المضحك المبكى ..أن يكتفي وزير الموارد المائية والري بتصريح ضعيف ومستسلم يؤكد فيه أننا غير موافقين على ما تقوم به إثيوبيا وسنعارض باللجان ونرفض بالقرارات ..كلام هزيل وموقف مخز!!.. في المقابل كانت تصريحات وزراء الري والمياه السابقين عنيفة وهى تحذر من خطورة سد النهضة على مصر وعلى الكوارث التي ستصيبنا منه كما لو أنهم كانوا وزراء التموين!!.. هذا هو موقفنا الرسمي وشبه الرسمي رغم أن كل دول العالم، الكبرى منها والصغرى، على علم أن هناك دولا بعينها مثل إسرائيل وأخرى عربية تساهم بصورة أو بأخرى في مساندة إثيوبيا في مشروعها وبالتالي فان السد الإثيوبي بشكله الحالي يهدد وجود الدولة المصرية ككل ولا يقتصر علي أمنها!! وتصوروا لو أن أمريكا أو إسرائيل في موقفنا ..ماذا سيكون ردود أفعالهما لمواجهة قضية مصيرية مثل هذه؟.. فبالتأكيد ستقوم مراكز البحوث العلمية المتخصصة لديهما بعشرات الدراسات وستقدم نتائج دقيقة وواقعية، ومن ثمة يصدر القرار الرسمي سواء كان سياسيا أو عسكريا وذلك بناء على ما قامت به مراكز البحوث السيادية من دراسات سياسية أخرى تتضمن سيناريوهات متعددة على المستوى المحلى والاقليمى والدولي لآثار هذا القرار وكيف سيتم التعامل مع ردود أفعال الدول أو الهيئات الدولية منه ..بل كان سيتم إنشاء مركز أو وحدة تابعة لرئاسة الجمهورية تضم علماء وخبراء في المياه والري والسياسة والاقتصاد والعسكرية والبيئة للوصول إلى القرار المتكامل.. بينما نحن نتخبط، مثلما نفعل في كل شيء، في ردود أفعال غير علمية أو آراء سياسية غير موضوعية وانطباعات شخصية تافهة كما لو أننا نتكلم عن مباراة كرة قدم بين مصر وإثيوبيا وليس مصير دولة وحياة شعب على حد السكين!!