في ستينيات القرن الماضي، أنتجت مراكز الفكر الأمريكية، وهي أحد صانعي السياسة الخارجية الأمريكية، نظرية مفادها أن الهيمنة علي مياه النهر الأزرق (ينبع من بحيرة تانا الأثيوبية ويأتي بنسبة 80-85% من المياه المغذية لنهر النيل)، تتيح لصاحبها السيطرة علي مصر، باعتبار الأخيرة دولة المصب، والمحطة الأخيرة لمياه النيل علي الأرض الأفريقية. وقد استندت هذه النظرية بشكل أساسي علي دراسات أجراها مكتب الاستصلاح الأمريكي عام 1946 حددت أربعة سدود علي النيل الأزرق الرئيسي من بينها سد النهضة الأثيوبي. وعلي مدار عدة عقود لم تجرؤ أثيوبيا علي وضع هذه النظرية علي أجندتها، واتخاذ خطوات جادة بشأن تطبيقها، مثلما يحدث الآن في سبيل بناء سد النهضة، ورغم أن الدراسات الأمريكية في هذا الشأن كانت تؤكد أن سعة الخزان خلف السد تتراوح بين 11.1 و24.3 مليار متر مكعب، إلا أن البيانات الصادرة عن الجانب الأثيوبي، وهي غير مؤكدة علمياً، تصل بسعة الخزان إلي 62 ثم 67 مليار متر مكعب. وكانت أثيوبيا قد أعلنت في فبراير 2011، لاحظ دقة الموعد ودلالته تدرك القصد والسبيل، عن مشروع بناء سد علي النيل الأزرق، يحمل اسم مشروع سد النهضة أو الألفية، لتوليد الطاقة الكهرومائية علي النيل الأزرق علي بعد نحو 20 و40 كيلومتر من حدود إثيوبيا مع السودان، بتكلفة تبلغ نحو 4.8 مليار دولار، ويتوقع الخبراء أن تصل التكلفة إلي نحو 8 مليارات دولار للتغلب علي بعض المشاكل الجيولوجية. وعلي عكس ما تعلنه إثيوبيا وجنوب السودان، فإن التأثير على حصة مصر بالنقصان أمر مؤكد وبما يزيد على 20% من الحصة الحالية، وهو أمر شديد التأثير علي الأمن القومي المصري، فسوف تتوقف برامج استصلاح الأراضي والتوسع الأفقي، وستضطر مصر إلي إقامة مشروعات، بتكاليف ضخمة، لإعذاب المياه لسد العجز في الموازنة المائية لتلبية متطلبات الشرب والصناعة، هذا فضلاً عن انخفاض الطاقة المولدة من السد العالي بما يتراوح بين 20 و40%. ومع ذلك، فإن الأمر مرشح مستقبلاً لبناء أكثر من سد في أثيوبيا، بما يضاعف من معاناة مصر، الأمر الذي قد تتحول مصر بموجبه إلي دولة صحراوية، وتتسع الفجوة الغذائية الحالية والبالغة نحو 60% إلي ما يزيد علي 90%، ومن ثم تتحول كافة موارد مصر باتجاه الحصول علي غذائها من الخارج، علي حساب الإنفاق علي القوات المسلحة، وما عداها من أدوات حماية الأمن القومي المصري....وغداً بإذن الله للحديث بقية. «الوفد»