محافظ أسيوط يضع حجر أساس مدرسة المحبة بمدينة المعلمين    تشغيل 5 خطوط جديدة بين شمال سيناء والمحافظات الأخرى    اندلاع حرائق في إسرائيل بسبب صواريخ حزب الله    غزل المحلة يعلن التجديد لقائد الفريق لمدة موسمين    السفارة الفلسطينية بمصر تكشف تفاصيل امتحانات الثانوية للطلبة القادمين من غزة    شواطئ ودور سينما، أبرز الأماكن فى الإسكندرية لقضاء إجازة عيد الأضحى    المتحف القومي للحضارة المصرية يحتفل بالذكرى الثالثة لافتتاحه    عيد الأضحى 2024 | أحكام الأضحية في 10 أسئلة    الجمهوريون يصوتون بالنواب الأمريكى لمحاسبة وزير العدل لازدرائه الكونجرس    يورو 2024.. نزلة برد تجتاح معسكر منتخب فرنسا    محافظ الشرقية يفتتح النصب التذكاري للشهداء    عضو إدارة الأهلي السابق: خبيت حسني عبد ربه لضمه.. وخطفت لاعبا من داخل الزمالك    خبر في الجول - جمعة مشهور يتولى تدريب الترسانة خلفا لحسين شكري    وزير التجارة يبحث مع اتحاد المصنعين الأتراك مقومات الاستثمار بمصر    بنك مصر يتعاون مع شركة أمان ليك لخدمة عملاء قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة    تخرج الدورة الأولى للمعينين بالهيئات القضائية من الأكاديمية العسكرية المصرية    تطورات جديدة في بلاغ سمية الخشاب ضد رامز جلال    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الجمعة 14-6-2024، السرطان والأسد والعذراء    الكويت: حبس مواطن ومقيمين احتياطا لاتهامهم بالقتل الخطأ فى حريق المنقف    أسواق عسير تشهد إقبالًا كثيفًا لشراء الأضاحي    عاجل- الرئيس السيسي يتوجه اليوم إلى السعودية لأداء فريضة الحج    قرار جمهوري بتعيين الدكتور فهيم فتحي عميدًا لكلية الآثار بجامعة سوهاج    وكيل الصحة بمطروح يتابع سير العمل بمستشفى مارينا وغرفة إدارة الأزمات والطوارئ    "المحطات النووية": تركيب مصيدة قلب المفاعل للوحدة الرابعة بالضبعة 19 نوفمبر    محاولة اختطاف خطيبة مطرب المهرجانات مسلم.. والفنان يعلق " عملت إلى فيه المصيب ومشيته عشان راجل كبير "    3 عروض جديدة تستقبل الأطفال في عيد الأضحى 2024.. تعرف عليها (صور)    رئيس صندوق التنمية الحضرية يتابع الموقف التنفيذي لمشروع "حدائق تلال الفسطاط"    رضا عبد العال: أرفض عودة بن شرقي للزمالك    «يوم الحج الأعظم».. 8 أدعية مستجابة كان يرددها النبي في يوم التروية لمحو الذنوب والفوز بالجنة    دعاء ثامن ليالي ذي الحجة.. اللهم اني أسألك العفو والعافية    فطار يوم عرفات.. محشي مشكل وبط وملوخية    صور | احتفالا باليوم العالمي للدراجات.. ماراثون بمشاركة 300 شاب بالوادي الجديد    انفجار مولد الكهرباء.. السيطرة على حريق نشب بمركز ترجمة بمدينة نصر    النيابة أمام محكمة «الطفلة ريتاج»: «الأم انتُزّعت من قلبها الرحمة»    «مستقبلي بيضيع وهبطل كورة».. رسائل نارية من مهاجم الزمالك لمجلس الإدارة    في وقفة عرفات.. 5 نصائح ضرورية للصائمين الذاهبين للعمل في الطقس الحار    مجانًا.. فحص 1716 شخصًا خلال قافلة طبية بقرية حلوة بالمنيا    ضبط أحد الأشخاص بسوهاج لزعمه قدرته على تسريب امتحانات الشهادة الثانوية    قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أكتوبر 2024    آداب عين شمس تعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني    مصرع مواطن صدمته سيارة أثناء عبوره لطريق الواحات    في أول ليالي عرضه.. «ولاد رزق 3» يزيح «السرب» من صدارة الإيرادات    ضبط نجار مسلح أطلق النار على زوجته بسبب الخلافات فى الدقهلية    عاجل| رخص أسعار أسهم الشركات المصرية يفتح شهية المستثمرين للاستحواذ عليها    لبيك اللهم لبيك.. الصور الأولى لمخيمات عرفات استعدادا لاستقبال الجاج    كندا تعلن عن تزويد أوكرانيا بصواريخ ومساعدات عسكرية أخرى    بالأسماء.. غيابات مؤثرة تضرب الأهلي قبل موقعة فاركو بدوري نايل    إيران: ما يحدث بغزة جريمة حرب ويجب وقف الإبادة الجماعية هناك    وزارة الصحة تستقبل سفير السودان لبحث تعزيز سبل التعاون بالقطاع الصحى بين البلدين    حملة مرورية إستهدفت ضبط التوك توك المخالفة بمنطقة العجمى    دار الإفتاء توضح حكم صيام يوم عرفة    «الإسكان»: تنفيذ إزالات فورية لمخالفات بناء وغلق أنشطة مخالفة بمدينة العبور    «معلومات الوزراء»: 73% من مستخدمي الخدمات الحكومية الإلكترونية راضون عنها    وزيرة التخطيط تلتقي وزير العمل لبحث آليات تطبيق الحد الأدنى للأجور    حريق هائل في مصفاة نفط ببلدة الكوير جنوب غرب أربيل بالعراق | فيديو    البرازيل تنهي استعداداتها لكوبا 2024 بالتعادل مع أمريكا    رئيس هيئة الدواء: السوق المصرية أكبر الأسواق الإفريقية بحجم مبيعات حوالي 7 مليارات دولار سنويًا    ناقد رياضي ينتقد اتحاد الكرة بعد قرار تجميد عقوبة الشيبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور الحضانة.. عذاب خلف الأبواب المغلقة
نشر في الوفد يوم 23 - 02 - 2023

الأطفال.. هذه الكائنات الهشة.. هى التى تبنى الأوطان فى المستقبل بسواعدها القوية لو أتيحت لها تربية سليمة فى البداية بعيدة عن العنف والخوف.
دور الحضانة هى المكان الذى يستقبل الأطفال فى بدايات خطواتهم، ومن المفترض أن تكون بديلا للأمهات، غير أن الحال يبدو عكس ذلك تمامًا.
لقد شهدت عديد من دور الحضانة وقائع عنف مؤسفة ضد الأطفال بدأت بالتنمر مرورا بالعنف اللفظى حتى الضرب والتعذيب، مما ينتج عنه شخصيات مشوهة، مهزوزة، تعانى من القلق النفسى، ويمتد تأثير الألم عليها بقية حياتها.
غياب الرقابة هو العامل الرئيسى فى هذه المخالفات، حيث تفتقر بعض الحضانات إلى كوادر مؤهلة للتعامل مع الطفل، وبدلا من تنمية مهاراته، يجعلون منه شخصية تهاب مواجهة الآخرين أو الانخراط فى المجتمع.
فوضى التراخيص عامل آخر فى تدهور مستويات دور الحضانة، حيث تشير إحصائيات رسمية إلى أن عدد الحضانات غير المرخصة يبلغ 12 ألفا، تفتقر إلى أبسط إجراءات السلامة والأمان.
هذا الملف يرصد واقع دور الحضانة ووقائع المخالفات وحوادث العنف داخلها وآراء المتخصصين فى علاج هذه الظاهرة.
حكايات مؤلمة.. عن اغتيال البراءة
"شهور وأنا بعالج بنتى من الأذى النفسى الذى تعرضت له فى الحضانة".. هكذا بدأت "منى. غ"، إحدى سيدات الإسماعيلية، حديثها بعينين دامعتين أنهكهما البكاء فى عيادات الأطباء النفسيين، قائلة: "كنت أرفض تمامًا إدخال ابنتى "ميرال" الحضانة حتى بلغت 3 سنوات و10 شهور، ولكن تحت ضغوط الأقارب والجيران رضخت للفكرة، وما دفعنى لذلك أيضاً تأخرها فى الكلام، لن أنكر أننى (موسوسة) فى الحقيقة، وكثيرًا ما تطرأ ببالى نظرات سوداوية للحضانة بوجهٍ عام، خاصة أن ابنتى ستكون غائبة عنى قرابة 6 ساعات، ولا أدرى هل سيعاملونها بلين ورفق مثلما أعاملها أنا، التفكير الزائد فى مثل هذا الشأن جعلنى أتردد كثيرا فالأمر فعلًا مخيف".
وأضافت ابنة الإسماعيلية: "حين تبادلت أطراف الحديث مع زوجى، وصارحته بأسبابى وصفنى بالجُبن، وانتهى بى الأمر بأن ألحقتها بالحضانة مجبرة لا مخيّرة، بعدما سألت فى أماكن عدة، وأخذت آراء الكثيرين من المقربين، وعاينت الحضانة وتحدثت مع المديرة، ومرت الأيام والشهور، والأمر على ما يُرام، ولكن ذات ليلة فارق النوم جفن ابنتى وقضت ليلها تبكى، وظلت تتمتم بكلمات غير مرتبة، ولا تفهمنى ما يثلج صدرى، حتى كشفت عن ذراعها فإذا بكدمات وآثار (خربشة) فى بادئ الأمر ظننت أن التى عنّفتها إحدى زميلاتها، ولكن الصدمة الكبرى أن من ارتكبت ذلك بحقها هى معلمتها، وهذا ما فهمته منها بعد مسلسل عذاب، وفى الصباح ذهبت إلى الحضانة لأواجه المُعلمة بما حدث ولكنى لم أجدها ووعدتنى المديرة بإيقافها عن العمل فى الحال، ومنذ ذلك الحين وابنتى لا تخطو تلك الحضانة".
اختتمت "منى" حديثها بكل أسى: "ما زلت أعانى من تبعات ما حدث مع ابنتى حتى الآن، فهى تعانى من تبول لا إرادى، كبرت ولا تزال ترتعش لأقل سبب، وعادة ما تميل إلى الانعزال بعدما كانت تهوى التجمعات والأحاديث والمرح، أشعر وكأنها مصابة بشرخٍ لم يلتئم بعد، نصحنى البعض بالذهاب للأطباء النفسيين، وحاليًا أعمل بالنصيحة.. موقف يومٍ واحد تتجرع ابنتى مرارته كل يوم".
أما "هند. أ" الزوجة العشرينية لم تعلم أنها سلّمت فلذة كبدها إلى التعذيب، عندما أدخلت ابنتها "مكة" الحضانة وهى لا تزال ابنة عامين، وحينما تعود من الحضانة تصرخ صرخات عالية مع بكاء هيستيرى من دون سبب، وقيء مستمر، علامات ظهرت عليها واحدة تلو الأخرى جعلتها تضع ألف علامة استفهام.. وقالت: "بتتبع الأمر، عرفت أن المشكلة الحقيقية تكمن فى الحضانة" وعلى الفور غيّرت الحضانة بعدما نصحتها إحدى صديقتها بذلك وهى خبيرة أسرية وأخبرتها بأن استمرار ابنتها فى تلك الحضانة سيزرع فيها الخوف واضطرابات فى السلوك وأشياء سلبية عدة هى فى غنى عنها، وبالفعل استجابت للنصيحة ووجدت فارقًا كبيرًا بعدما استبدلت الحضانة بالأخرى السيئة مهنيًا وتربويًا، ورجعت طفلتها إلى حالتها الطبيعية.
"مريم. ا" أم لابنة لم يتجاوز عمرها 3 سنوات لا تقدر على حبس دموعها كلما تذكرت ما لحق بابنتها من أذى جسدى ونفسى جراء تعرضها للتعنيف بالحضانة تقول: "بنتى كانت فور عودتها إلى البيت تجلس لحل الواجب المدرسي بملابسها، وتمسك الكتاب فى الحمام، وتذاكر الدروس أثناء الطعام، وبسذاجتى ظننت أنه تفوّق منها، لا أدرى أنها تفعل ذلك رغمًا عنها".
واصلت ذات الثلاثين عامًا حديثها بنبرة صوت منكسرة قائلة: "انكشفت الحقيقة عندما حذرتنى إحدى المقربات ممن أدخلن أولادهن تلك الحضانة، من أن الأشخاص فيها غير أسوياء، ويمارسون أشياء عنيفة بحق الأطفال كما علمت أن مديرة الحضانة تضرب الأطفال وتعنّفهم، تضرب رؤوسهم فى "البورد"، ومنذ ذلك الحين وأنا قلبى ينزف وجعًا لم تستطعَ الأيام -رغم مرورها- مداواته، يكفى حالة الانطواء النفسى والخوف والرعب الذى عانت منه ابنتى طويلا، رغم تعافيها من كل ذلك مؤخرًا إلا أننى كأم فالجرح يتجدد بداخلى ولم يلتئم ولن أتعافى".
لم تختلف حكاية مريم كثيرًا عن "حمزة. م" الذى أعرب عن استيائه الشديد مما حدث مع ابنه داخل مكان من المفترض أن يبعث فى الأطفال أسمى معانى الإنسانية لكنه قتلها من قبل حتى أن تُولد، فابنه الذى لم يتعدَ عمره 4 سنوات كان يتعرض للضرب والجلد فى الحضانة، وعندما علم سحب الملف، ولكن الأذى الذى تعرض له الصغير أصابه بعقدة نفسية، لا يزال حتى بلوغه سن الخامسة يرفض الالتحاق بأية حضانة أخرى.
ضعف التأهيل وفوضى التراخيص.. أبرز أسباب العنف
الدكتور أحمد علام، استشارى العلاقات الأسرية والصحة النفسية، وضع تعريفًا صريحًا للعنف الذى يمارس ضد الأطفال، قائلًا بأن أى سلوك يكون فيه قسوة أو شدة أو إهانة أو تجريح يُمارس ضد الأطفال يندرج تحت بند العنف، موضحا أن الخبراء توسعوا وأضافوا أن الإهمال أيضاً من ضمن أنواع العنف.
وأشار استشارى العلاقات الأسرية والصحة النفسية إلى أن هناك أنواعا متعددة من العنف؛ أولها العنف الجسدى، ويشمل (الضرب والجلد والجرح وما إلى ذلك)، وثانيها العنف الجنسى، (ممارسة أنواع من التحرشات أو الاغتصابات ضد طفل أو طفلة وهذا النوع من أشد أنواع العنف، أما ثالثها فهو العنف النفسى، (يتم عن طريق إحباط الأطفال أو إيذائهم نفسيًا)، أما التنمر عليهم فيُعد من أسوأ أنواع العنف الذى يمارس ضد الأطفال، و25٪ إلى50٪ من الأطفال حول العالم يتعرضون لمثل هذه الأمور.
وأرجع الدكتور أحمد علام، أسباب ممارسة مديرة مدرسة أو حضانة العنف ضد الأطفال، فى وقت من المفترض فيه أنها مسئولة عن حمايتهم، إلى وجود مشكلات نفسية، قد تكون هى شخصيًا تعرضت أو لا تزال تتعرض لمثل هذا العنف فى بيتها أو فى أسرتها، فتمارسه عليهم، مثل التنمر فيُمارس من شخص قوى إلى آخر ضعيف، فهى كذلك تمارس هذا العنف الذى تتعرض له على أشخاص أضعف منها، وقد تكون عندها مشكلات نفسية من إنفاق أهالى هؤلاء الأطفال عليهم ببذخ وهى تعانى من مشكلات مادية، والاهتمام بهم فى وقتٍ تفتقد فيه الاهتمام، وهى لم تُعامل بهذا الأمر، ولا تعامل به أولادها.
وأكد (علام) أن تعذيب الأطفال يمثل نهجًا خاطئًا فى أساليب العقاب، وإن دل على شىء فهو يدل على جهل من يقوم بهذا الأمر وعدم.
وعن الآثار السلبية لمثل هذه الأمور على الأطفال قال: يُصاب الطفل بأمراض نفسية؛ مثل العزلة والانطواء، عدم الثقة بالنفس، الخوف، الهلع، التوتر الدائم، ضعف التحصيل الدراسى، قلق النوم أو ضعف معدلات النوم، ضعف معدلات الانتباه والتركيز، اضطرابات فى الشهية، وكذلك أمراض عضوية، ومن الممكن أن يميل الطفل إلى ممارسة العنف فى حياته الشخصية أو مع أصدقائه فى السنين العادية.
ووجّه (علام) رسالة إلى كل أب وأم، وهى ملاحظة التغييرات التى تطرأ على الطفل والبحث وراءها وتتبع الأسباب والقرب منه والحديث معه حول ما يتعرض له من آثار أو مشكلات نفسية لم تكن موجودة فى الحسبان، وفى حال إذا كان الطفل يتعرض لأذى فلا بد من أخذ إجراء ضد من يقوم بتعنيفه، ومن ثم اللجوء لإخصائيين نفسيين لتعديل سلوك الطفل ومعالجة ما عانى منه من آثار، قد تمتد معه لفترة، وبث الثقة بنفسه من جديد وطمأنته واحتضانه واحتوائه بشتى الطرق لإذابة كل هذه الرواسب.
وأشارت الدكتورة سلمى عادل المعداوى، متخصصة العلاج السلوكى للأطفال والمراهقين- إلى أن الحضانة من المفترض أن تكون مكانًا مؤهلًا للتعامل مع الأطفال بشكل صحى وآمن ابتداءً من سن عامين تحديدًا، فمن هذه السن نعوّد الطفل على مجتمع آخر غير البيت وأناس غير الأب والأم، فيبدأ تعلم الاجتماعيات من خلال الحضانة، يبدأ تعلم مهارات كثيرة مثل مهارات الكلام، مهارات التواصل، مهارات الأكل، مهارات اللعب، كما أن هناك حضانات تعتمد طريقة أو منهج (المنتسورى)، تبدأ تعلم الطفل المهارات التعليمية المختلفة فتزود الذكاء وتلعب على التركيز، وتنمى لدى الطفل المهارات الناعمة التى يحتاج إليها على مدار حياته.
وأشارت الاستشارية الأسرية إلى أن هناك أطفالا يعانون من نسبة من التوحد بسبب مكوثهم فى البيت طوال الوقت، من دون أى تواصل، فالطفل حينها يكون جاهلًا للمجتمع الخارجى، هو فقط يلزم الهاتف أو التلفاز، فمن هنا يبدأ فى افتقاد مهارات التواصل التى تجعل الطفل ناضجًا واعيًا، مؤكدة أن قرار إدخال الطفل حضانة عند سن عامين مسئولية كبيرة، فلا بد من الاختيار بعناية ودقة، وعلى كل أم أن تكون على تواصل مستمر مع المكان، يتمتع بسُمعة طيبة، والعاملين بها متخصصين.
وأعربت الدكتورة سلمى المعداوى عن استيائها الشديد من أن الحضانة صارت وظيفة من لا وظيفة له فى ظل غياب الرقابة الحقيقة.. وقالت بأن البعض يحول بيته إلى حضانة، ويجهزه على أكمل وجه، يكتب لافته تقول هنا حضانة
وأضافت: للأسف البعض يرى أن كل ما فى الأمر مجموعة أطفال يجلسون فوق بعضهم البعض ينصتون لقنوات الأطفال ويتفاعلون معها، وفور السماع عن تفتيش ينقلب الحال رأسًا على عقب، كل هذا فى ظل غياب رقابة بشكل صحيح من وزارة التضامن الاجتماعى المعنية بمنح تراخيص الحضانات، والتى وضعت شروطًا للمكان، منها على سبيل المثال أن تكون الشقة دور أرضي مكونة من أربع حجرات، وصالة كبيرة، وحمامين وقاعة طعام، فأصبحت التراخيص تُؤخذ بناءً على ملاءمة المكان، من دون إجراء اختبارات للمدرسين، والمشرفين، والتأكد من كونهم مؤهلين للتعامل مع الأطفال تحت أى ظرف وتحت أى ضغط.. فلا بد من تفعيل ذلك.
واستدلت (المعداوى) فى حديثها إلى واقعة مديرة حضانة الإسكندرية، منوهة إلى أن الوضع كان مؤلمًا للغاية، وأن الحضانة بعيدة كل البعد عن الرقابة والإشراف، مستنكرة رد فعل المدرسين والدادات الصامت داخل الحضانة، وترى أن العقاب لا بد من أن يكون جماعيًا وليس مقتصرًا على صاحبة الحضانة والعاملين فقط، فما حدث كان أمام أعينهم ولا حياة لمن تنادى!
وأفادت بأن معظم مدارس اللغات الخاصة أو الإنترناشونال تخصص فصلًا كبيرًا للمدرسين ممن لديهم أطفال فى سن من عمر شهر فيما فوق، وتوفر دادات بالمكان، وتدفع المُدرسة جزءًا من راتبها لكى يكون ابنها أمام عينها، ولها ساعة رضاعة تستأذن لترضع طفلها ثم تعود لعملها.
وشددت الدكتورة عزة زيان، استشارية العلاقات الاجتماعية والأسرية، على ضرورة وضع الحضانة لمدة أسبوع أو عشرة أيام تحت الاختبار، وقياس حالة الطفل إذا كان سعيدًا ومتقبلًا وجوده بالحضانة أم لا، وأن يأخذ أولياء الأمور آراء الأطفال الموجودين فى الحضانة وذويهم أن أمكن، ويلاحظون طريقة تعامل المشرفين والمدرسين مع الأطفال قبل اتخاذ القرار بشكل نهائى، وبعد الاطمئنان جيدًا على مستوى الحضانة أخلاقيًا وإنسانيًا وعلى مستوى النظافة، على الأب والأم فحص كل ركن من أركان الحضانة وخصوصًا المطبخ ودورة المياه، وقياس مستوى النظافة ومصدر الطعام، فيجب على أولياء الأمور دراسة الموقف جيدًا لأنه ليس سهلًا بالمرة.
وأشارت إلى ضرورة وجود رقابة مستمرة ونزيهة على الحضانات لا يقتصر دورها على كشف صلاحية الحضانة من ضوء وتغذية ونظافة، ولكن تأخذ برأى الأطفال أنفسهم، وطريقة تعامل المشرفين.. هل يتعاملون بإجبار وإهانة وتخويف أم برفق ولين؟
واستنكرت (زيان) موضوع تعذيب الأطفال فى الحضانات، مشيرة إلى أنها جملة متناقضة تمامًا، فكيف لحضانة المفترض فيها الأمان والحماية والحنان أن تكون هى نفسها المؤسسة التى يجد فيها الطفل التعذيب والتنكيل والكراهية واستخدام العنف والممارسات المسيئة ضده؟
وأضافت أن الشخص الذى يستخدم العنف المفرط، أو العنف ضد الطفل غير سوى، فالناحية النفسية سبب وليست مبررًا، قد يكون يعانى من ضغوط اقتصادية أو اجتماعية، وقد يكون تعرض لعنفٍ سابق أفقده الإحساس بالراحة والأمان الأسرى، فيطبق ما يُعرف ب(دورة إنتاج إعادة العنف) فنحن كبشر نتعرض لهذا العنف أو عنف مشابه فنعيد إنتاجه مرة
أخرى عندما تتاح لنا الفرصة، بما أننا بشر بعضنا أسوياء والآخر غير ذلك، وإحساس الطفل بالإهانة قد يدفعه إلى العزلة، وأن يكون شخصًا انطوائيًا وخائفًا، خائفًا من إبداء رأيه وخائفًا من المشاركة.
وأكدت استشارية العلاقات الاجتماعية أن هناك سببًا آخر لاستخدام العنف ضد الأطفال وهو عدم التأهيل التربوى، فسنجد كثيرين وظيفتهم تحتم عليهم التعامل مع الأطفال سواء كانوا مشرفى حضانات أو مديرين ليسوا مؤهلين تربويًا، فبالتالى يكونون غير عابئين بدارسة نفسية الطفل أو احتياجاته والتزاماته وأهدافه، ومتى يُستخدم اللين، وكيفية العقاب لأن أسلوب العقاب لابد من أن يكون مدروسًا، وفى بعض الأحيان يكون الشخص المعرض للعنف لا يقوى على رد العنف لنفس المصدر لأنه من الممكن أن يكون أعلى منه كرئيسه أو مديره أو أبيه أو شخص له مصلحة، فيختار أن يمارس العنف لكن مع أشخاص أضعف، بما أن الطفل هو الأضعف فى المنظومةّ!
داعية أزهرى: تعذيب الأطفال.. خيانة للأمانة
تتفق كتب التراث على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب الأطفال حبًا بلا حد، ومن ذلك أنه صَعِد ذاتَ يومٍ المنبر يَخطُب بالناس، فرأى الحسن والحسين يَجْرِيان ويتعثَّران، فقطع خطبتَه، ونزل واستقبل الطفلين وحملهما على ذراعيه، ثم صَعِد المنبر، وقال: أيها الناس، ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأولادكُمْ فِتْنَةٌ﴾، والله لقد رأيتُ ابنى هذين يجريان ويتعثَّران، فما أطقت حتى نزلتُ فحملتُهما، وكان الرسول يصلِّى ذاتَ يوم فأقبلَ الحسن والحسين فرَكِبا ظهرَه وهو ساجد، فأطال السجود، ولم يرضَ أن يعجل بنزولهما، حتى نزلا، وحين سلم صلى الله عليه وسلم قال له أصحابه: لقد أطلتَ السجودَ يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم لقد ارتحلَنِى ابناى، فكَرِهتُ أن أُعجلهما.
ومما يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يعجل فى صلاته إذا سَمِع بكاء الطفل، ويقول: إنِّى كَرِهتُ أن أشقَّ على أمه، وكان يمر ذات صباح على بيتِ السيدة فاطمة، فبلغ سمعَه بكاءُ الحسنِ، فشقَّ عليه ذلك، فقال لابنته فاطمة: أَوَما علمتِ أن بكاءه يؤذِينِي، ودخل عليه الأقرع بن حابس ذات يوم وهو يقبِّل حفيديه الحسن والحسين، فقال: يا رسول الله، أتقبِّل وَلَدَى ابنتِك؟! والله أن لى عشرةً من الأولاد ما قبَّلتُ أحدَهم، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم وما على أن نزع الله الرحمة من قلبك.
من جانبه أكد الدكتور أحمد عبدالحكيم، الداعية الأزهرى، أن الأطفال الذين يرسلهم آباؤهم إلى الحضانات والمؤسسات التعليمية هم أمانة عند المسئولين عن تلك الدور، وقد أمر الله تعالى عباده بالتحلى بالأمانة، وأدائها على أكمل وجهٍ؛ لما يترتّب عليها من فوائد عظيمةٍ، قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لاَ إيمان لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ، فيجب على هؤلاء المسئولين عن هذه الدور حفظ الأمانة التى تتمثل فى هؤلاء الأطفال الذين هم فى عمر الزهور
وأضاف: نهى الشرع الحنيف عن تعذيب النفس وإيذاء الناس، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانا وَإِثْما مُبِينا، وثبت فى الحديث أن رسول الله صلى عليه وسلم قال إن الله يعذب الذين يعذبون الناس فى الدنيا، وقال كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، وقال: صنفان من أهل النار لم أرهما ومنهم قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس وقد ذم الله سبحانه وتعالى آل فرعون فى تعاملهم مع بنى إسرائيل فقال الله تعالى فى كتابه الكريم وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أبناءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِى ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ.
وأشار عبدالحكيم إلى أنه وقد ورد فى بعض الآثار توجيهٌ الكبار فى كيفية التعامل مع الصغار لاعبه سبعا ثم أدبه سبعا ثم صاحبه سبعا، فيجب علينا أن نتقى الله فى هؤلاء الأطفال الضعفاء الذين جعلهم الله تعالى أمانة فى أعناقنا وأوكل إلينا رعايتهم، وكما يقولون دائمًا الأطفال أحباب الله.
)التضامن( تشدد الإجراءات.. و)الشيوخ( يناقش الظاهرة
الدكتورة نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعى، كشفت عن الجهود التى تبذلها الوزارة لمكافحة العنف، وفى مقدمتها الحملة الكبيرة لمواجهة الحضانات غير المرخصة.
وأوضحت أنه تم تشكيل لجنة وطنية تضم 14 وزارة معنية لمنح التراخيص وتيسيرها وحصر عددها، ووضع معايير محددة للترخيص بإنشاء الحضانة، مشيرة إلى أن هناك نحو 14 ألفا و800 حضانة مرخصة مقابل 12 ألفًا غير مرخصة، ويتم غلق الكثير منها مقابل مساعدة الأخرى للحصول على الترخيص.
جاء ذلك خلال الجلسة العامة لمجلس الشيوخ برئاسة المستشار عبدالوهاب عبدالرازق، والتى شهدت مناقشة تقرير اللجنة المشتركة من لجنة حقوق الإنسان والتضامن الاجتماعى ومكاتب لجان الشئون الدستورية والتشريعية، والثقافة والسياحة والآثار والإعلام، والشئون الدينية والأوقاف عن الدراسة المقدمة من النائب محمد هيبة، بشأن ظاهرة العنف الأسري- الأسباب والآثار وسبل المواجهة.
وأكدت أن العنف قد يسبب مشكلات عضوية جسيمة؛ مثل حدوث اضطرابات فى الجهاز الهضمى، مشكلات أثناء النوم، مشكلات التوتر والخوف الدائم ما يؤثر سلبًا على مستواه الدراسى، إضافة إلى ميل الطفل للانعزال والوحدة والتزام الصمت، ويصبح الطفل مصدرًا للمشكلات فى البيت أو الحضانة أو فى النادي؛ لأنه ترسخ فى ذهنه بأنه استقبل العنف فعليه أن يرسله.
وأضافت: أنه يتسلل إلى الطفل شعور بأنه ضعيف، فيتعامل مع الأشياء ومع الأشخاص وكل المحيطين بهذا المبدأ أنه لن يستطيع فعل أى شىء، مؤكدة أنه على الأم والأب عدم إدخال الأبناء إلى الحضانات قبل سنة ونصف لأسباب عدة؛ أولها أن يكون تجاوز مرحلة )الحبو( حتى لا يلتقط أى شىء ضار من الأرض، وثانيها أن يكون قد بدأ فى الكلام، ليسرد ما يحدث له داخل الحضانة، ويقوى على التعبير عمّا يتعرض له من إيذاء أو إهانة أو عنف.
خبير قانونى: الحبس أو الغرامة.. عقوبة المخالفين
)تكرار حوادث العدوان على الأطفال بالحضانات وتعذيبهم وانتهاك حقوقهم من قبل القائمين على إدارة هذه الحضانات أصبحت ظاهرة مؤسفة بالمجتمع، تتنافى مع جميع القواعد القانونية والإنسانية والأخلاقية(.. بهذه العبارة بدأ المستشار محمد أبوالعلا، المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة حديثه مع (الوفد)، وقال: (تكرار الجرائم فى الحضانات يستوجب استنفارًا من المجتمع بكل مؤسساته للوقوف ضد هذه الممارسات المشينة والمهينة لأغلى ما يملكه المجتمع وهم الأطفال بما يترتب عليه من نتائج كارثية متمثلة فى صناعة جيل بل أجيال معقدة نفسيًا وأخلاقيًا ومشوهة سلوكيًا وتكون خطرًا بالمجتمع بدلًا من كونهم مستقبل هذا المجتمع).
وأضاف: (بتحليل هذه الظاهرة يتضح أن غياب الرقابة على الحضانات الخاصة يكاد يكون هو السبب الرئيسى لهذه الظاهرة الكارثية؛ سواء كانت رقابة مجتمعية، أو مؤسسية من جميع الأجهزة المنوط بها الإشراف والمتابعة للحضانات الخاصة، وفقًا للقوانين المنظمة لإجراءات ترخيص الحضانات الخاصة والعقوبات المترتبة على إنشاء حضانات من دون ترخيص أو من دون توافر شروطها وكذا العقوبات الواجب تطبيقها بشأن العدوان على الأطفال أو انتهاك حقوقهم).
وأكد (أبوالعلا) أن القانون حدد إجراءات إنشاء الحضانات فاشترط على من يرغب فى إنشاء حضانة خاصة أن يقدم طلبًا لمديرية التضامن الاجتماعى التابع لها مكان الحضانة وعلى مديرية التضامن البت فى الطلب فى ضوء احتياجات المنطقة خلال 30 يومًا من تاريخ تقديم الطلب، مع إخطار طالب الترخيص بقرارها مصحوبًا بعلم الوصول وإذا كان القرار بالرفض يجب أن يكون مسببًا.
وقال (أبوالعلا) بأن العقوبات الواجب تطبيقها على أصحاب الحضانات الخاصة عند المخالفات، تمثلت فى الحبس وغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.. فنص القانون على أن كل من أنشأ أو أدار دارًا للحضانة خلافًا لما نص عليه القانون، أو غير فى موقع الحضانة أو مواصفاتها قبل الحصول على ترخيص من السلطة المختصة، تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة لمخالفة شروط الترخيص، ويجوز للنيابة العامة بناء على طلب من مديرية التضامن أن تأمر بغلق الحضانة لحين الفصل فى الدعاوى، وبالنسبة لأى جرائم أخرى يطبق عليها قانون العقوبات وفقًا لكل جريمة).
وأضاف: (الرقابة المجتمعية لا تقل أهمية عن الرقابة المؤسسية بل أن المجتمع ممثل فى أسر الأطفال ومؤسسات المجتمع المدنى يجب أن تتضافر وتقوم بوضع آلية مجتمعية للرقابة المباشرة على الحضانات، وكذلك تفعيل دور جميع الجهات الرقابية المختصة لتشديد الرقابة على الحضانات، حتى يتم الحفاظ على النشء الذى يمثل مستقبل هذا الوطن).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.