الذى يجرى فى شوارع وميادين مصر منذ أن استولت جماعة الإخوان المسلمين على البلاد، ليس له مسمى مناسب سوى كلمة «المسخرة»، نعم ما نشاهده يوميا فى الشوارع والميادين وفى الصحف وعلى الفضائيات وفى الوزارات والمؤسسات والشورى وفى المؤتمرات والندوات والمظاهرات هو بعينه «المسخرة»، مصر بعد سنتين من قيامها بثورة نبيلة أصبحت «مسخرة»، يسخر من قادتها ونخبها الشقيق والغريب، البعيد والقريب، لماذا؟، لأن نخبها وقياداتها يعيشون حالة «مسخرة»، كل منهم يسخر من الآخر، وكل منهم يرى أنه الأفضل والأولى والأجدر، كل منهم يسب ويخوّن ويشوّه ويكفّر ويدين ويشجب ويلعن ويتربّص للآخر. «المسخرة» فى معاجم اللغة: هى ما يجلب السخرية، يقال: مسخر يمسخر ممسخر مسخرة، وتجمع مساخر ومسخرات، ويقال: مسخره بين القوم هزأ به، وصار مسخرة بين الناس، أى أنه جالب للسخرية. فى القرن قبل الماضى مع دخول المسرح والسينما، كانت الكوميديا الهزلية تسمى «مسخرة»، وكانت تعرض روايات هزلية فى بعض المسارح وكانت تعرف بالمسخرة، بطلها شخصية آخر مسخرة، يقف على المسرح يسخر من نفسه ومن الآخرين ويجعل نفسه جالبًا للسخرية، والممثل الماهر كان هو «مسخر يمسخر ممسخر» والرواية «مسخرة». منذ أن سيطرت جماعة الإخوان المسلمين على البلاد ونحن نعيش حالة مسخرة بكل معانى الكلمة، «نسخر نمسخر نتمسخر» والبلاد تغرق والعالم يشاهد ويضحك: آخر مسخرة. يوميًا مظاهرات فى الشوارع والميادين وأمام المصانع والوزارات والشركات والجامعات والمساجد والكنائس والمحاكم والنيابات، وفى المدارس وفى الأحزاب والحكومة والرئاسة والفضائيات والصحف والمؤتمرات والتصريحات جميعها آخر مسخرة، عناوينها كثيرة: فئوية، احتجاجية، سلمية، بلطجية، وتطهيرية، وإسلامية، وشرعية ووطنية ومسيحية، وفى النهاية تقع اشتباكات وتشتعل النيران فى مؤسسات وهيئات ومقرات وكنائس ومساجد وأحزاب، ويقع ضحايا بين قتلى ومصابين. فى المساء يطل علينا بعض النخب ويسخرون ويسبون ويقسمون ويلعنون ويخونون ويكفرون ويطهرون ويدينون ويشجبون بلغة الواثق العارف العالم ممتلك الحقيقة والقرار والغيب والمستقبل. العالم كله يشاهد ويراقب ما يجرى يوميًا فى شوارع وميادين المدن والقرى المصرية، يرى ويضحك ملء فمه: آخر مسخرة، أحد الأشقاء العرب قال لى: كنا نتابع فى بداية الثوارة وما يجرى بفخر وزهو، بعد فترة تحول فخرنا وزهونا بالشعب المصرى إلى حزن وكرب، هذه الأيام نتابع عندما نريد أن نضحك ونسخر من الواقع: آخر مسخرة. يمكنك ان تمد يدك إلى أى صحيفة صباحية أو فضائية وتسحب أى خبر أو تصريح، اقرأ أحد الأخبار أو التقارير أو المقالات، أو اسمع احد البرامج المسائية أو الصباحية آخر مسخرة، المذيع أو المذيعة أصبح بطلا وقائدا ومنظرا يقود ويعلم ويسخر وينتقد ويحرض ويحلل ويسب ويلعن من يخالفه الرأى أو الأيديولوجية، الضيوف لا يقلون بطولة أو ريادة أو علم أو ذكاء عن المذيع أو المذيعة، مشاجرات وصراخ وسب ولعن: آخر مسخرة. متى سنحترم انفسنا؟، متى سنفضل مصلحة البلاد عن مصالحنا الشخصية؟، متى نعترف بأن معظمنا مجموعة من الفشلة؟، متى سنتذكر الفقراء فى هذا الوطن؟، متى سنبتعد عن المتاجرة بالدين وبالوطن؟، متى سنتعلم الأدب فى حواراتنا؟، متى سننقذ هذه البلاد من الغرق؟، الله أعلم.