استيقظ المصريون ذات صباح على صورة لمدفن عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، وقد كتبت عليه كلمة (إزالة) باللون الأحمر، لم نصدم وحدنا كمصريين من هذا القرار المختزل فى خمسة أحرف، خمسة أحرف محملة بقرار حزين كانت كفيلة بأن تحرم الراحة والسكينة على شجرة العميد من أحفاده، بعدما حرمت المياه على شجرة الميموزا التى كانت قد زرعتها زوجته السيدة سوزان طه حسين فى مقبرته بعد وفاته. وقبل أن تدفن بجواره بعد ذلك الوقت بأكثر من خمسة عشر عاماً، امرأة فرنسية تفضل البقاء والحياة والموت وحيدة فى مصر، وقد بلغت الرابعة والتسعين- بعد أن سافر أبناؤها للحياة فى أوروبا- بجوار مقبرة زوجها حتى تدفن معه. ليصحو المصريون فى الصباح على رسالة من السيدة مها العون، حفيدة العميد الدكتور طه حسين، تخبرنا فيها بأنها كانت تنوى أن تدفن بجوار جديها وأمها التى أصرت أيضاً على أن تدفن فى ذات المقبرة. جاءت الرسالة كمرثية حزينة جددت أحزان كل المصريين الذين ذهبوا لزيارة أحبائهم فى مقابرهم فلم يجدوهم. من المؤسف أن يحدث ذلك فى ذكرى رحيل العميد التى كان من المقرر إحياؤها بعد أيام. وكان هذا هو نص رسالة السيدة مها عون حفيدة العميد إلى المصريين: هذه شجرة الميموزا التى زرعتها جدتى سوزان فى مقبرة رفيق حياتها طه حسين. اكتشفت هذه المقبرة فى السابعة والعشرين من عمرى فقط عندما توفيت والدتى ودفنت هناك. ومنذ ذلك الوقت أحببت دائماً زيارة هذا المكان. بالنسبة لى، يمثل جذورى حيث دفنت عظام أجدادى، وأيضاً هو المكان الذى سأدفن فيه بعد كل رحلاتى وأسفارى. لهذا السبب صدمنى بشدة قرار هدم مقبرة عائلة طه حسين، أن يتم اقتلاعنا من جذورنا حتى يتسنى لكوبرى أن يستقر مكان أجسادهم المدفونة. لا نعلم حتى إذا كان «القرار» قد اتخذ ولكن بدلاً من إبلاغنا ذلك تم وضع علامة x باللون الأحمر، وهى جريمة فى بعض البلدان. حاولنا خلال الأشهر الماضية الحصول على إجابات، لكن حتى الحد الأدنى من الاحترام لإبلاغ الناس بأن جذورهم ستقتلع لم نحصل عليه. بدأ الجيران المتوترون فى نقل رفات أحبائهم لأنهم سمعوا عن جرافات تدمر قبوراً أخرى. الآن أضيف إلى علامة x كلمة «إزالة» أيضاً باللون الأحمر ثم تم قطع المياه، لن يتم إذن رى نباتات سوزان بعد الآن. إزاء هذا الوضع كانت ردود أفعال الأسرة مختلفة. أردت نقل رفات طه حسين إلى بلد آخر يكرم شخصية كانت رائدة فى صناعة النهضة. لكن خالى وخالتى رفضا الفكرة- قالا إن أحداً دفن هنا لن يرضى بأن يدفن خارج مصر. وأنا أعلم أن هذا صحيح. قال خالى إن العميد كرس حياته لتطوير مصر ولمناصرة حقوق الفقراء والعدالة، والدفاع عن المساواة. حتى زوجته الفرنسية أعادت جواز سفرها للسفارة الفرنسية عندما هاجمت بلادها مصر أثناء العدوان الثلاثى عام 1956. فكيف «ننفيه» عن بلده؟ تساءل خالى. تعرض طه حسين للهجوم من قبل المتطرفين الإسلاميين والحكومات المصرية التى حكمت فى حياته. لذا فالهجوم عليه بعد وفاته ليس أمراً جديداً بالنسبة له. والاهتمام الذى لقيته العائلة فى الأشهر الماضية من قبل الكثير من المصريين الذين أعجبوا وفهموا قيمة فكر طه حسين كان كبيراً. فإن طه حسين مصرى ومصر هى المكان الذى ينتمى إليه بغض النظر عن الحكومات والسلطات. وبعد العديد من الاجتماعات، وأمام حالة الحب إزاء العميد قررت الأسرة أنها لن تنقل رفات عميد الأدب العربى هذا ما استقر عليه رأى الأغلبية فى العائلة بعد مناقشات طويلة.