المشهد الأول: نهار خارجي ساحة قصر عابدين، الآلاف من أبناء الشعب يزحفون ليتجمعوا أمام القصر لتهنئة الملك فاروق بولي العهد في يناير 1952 وسط هذه الحشود الشعبية كان يقف أبي وأخي هكذا تقول الكاتبة لميس جابر حتي أنهما لم يستطيعا رؤية الملك من فرط الزحام البشري »الله.. ده الشعب كان بيحب الملك بقي«! هكذا سألت د. لميس بينها وبين نفسها، فعادت للتاريخ وبحثت ودققت وفحصت والتزمت الصدق، وهي تقرأ وأيضا وهي تكتب فوجدت حسب كلامها أن »مولانا الملك فاروق كان وطنيا، غير أن ضباط انقلاب يوليو شوهوه ثم طردوه وبعدها سمموه في إيطاليا«. المشهد الثاني: ليل داخلي.. منزل الفنان المبدع يحيي الفخراني زوج د. لميس وكان ذلك ليلة أحداث الفتنة في امبابة سألته: يا دكتور: البلد رايحة علي فين؟ رفع النظارة من فوق عينيه ثم أسند ظهره الي مقعده وسرح قليلا.. وقال: الواضح يا دكتوره اننا طبقا لما نراه منذ أحداث 25 يناير لن نري في حياتنا مصر، وهي مستقرة، ردت: أنا بقول كده برضه! وما بين شعب خرج عن بكرة أبيه ذات يوم ليهنئ الملك الذي له في كل قلب عرش علي حد وصف الأستاذ »هيكل« في مقال شهير له ثم ترك من »يشوهوه« بعد أسابيع في انقلاب يوليو 1952 وبين شعب خرج أسوأ ما فيه بعد 25 يناير 2011 علي حد وصف الأستاذ »مفيد فوزي« تبقي مصر في حالة »احتراق« دائم، ومستقبل »غائم«! ومن المستقبل نعود للماضي.. فاروق حاكم مصر والسودان هل كان فرعونا؟ وإن كان كذلك فمن الذي »فرعنه«؟ وإن لم يكن كذلك، فلماذا نحن كشعب صدقنا إنه »خمورجي« و»بتاع نسوان« و»أُمارتي« و»سَهّير« و»سَكّير«.. فاروق.. مولانا »احنا اللي فرعناه؟ أم أنه جاء للعرش فرعونا جاهزا.. حملت أسألتي وذهبت للكاتبة والمؤرخة السياسية د. لميس جابر وكان ذلك صبيحة يوم احتراق امبابة بنار الفتنة وفهمت من كلامها ان مصر لا تحترق فقط بنار الفتنة، وإنما تحترق أيضا ب»نار« التشفي والتشويه بعد 25 يناير وكأننا نعيد كتابة التاريخ دون أن نتعلم منه، وإلي نص الحوار: هل جاء فاروق للحكم »فرعون« أم »احنا اللي فرعناه«؟ - فاروق لم يكن يحكم ولم يكن عنده كما يقال مشروع عروبي إسلامي، نهضاوي ليعيد مصر لصدارة الأمة. كيف ذلك وعادل ثابت كتب في مذكراته إن فاروق سعي لتتحول مصر الصغري الي مصر الكبري؟ - لا تصدق، كل الذي حدث أن علي ماهر باشا قال له تعالي نأتي بشعبية الإخوان لنواجه بها شعبية الوفد وبدأت المباراة.. الوفديون يقولون إن النحاس زعيم الأمة.. بالمقابل يخرج الاخوان بالتضامن مع السرايا ويهتفون »الملك حبيب الله«. الإخوان كانوا يهتفون للملك ضد الوفد؟ - أُمّال إيه.. علي ماهر باشا لعب بشعبية الإخوان لصالح الملك! يمكن من هنا كبرت في دماغه يكون خليفة للمسلمين؟ - بالضبط كده حاكم يقال له انت حبيب الله.. منتظر منه إيه غير كده.. لكن الملكة نازلي قالت لفاروق »فوق.. مفيش حاجة اسمها خليفة.. انت هتصدق.. ابوك حاولوا يعملوا معه ذلك لكن هذه المحاولة لم تكتمل«! لكن الملك فاروق أطلق لحيته في فترة ما؟ - ده صحيح.. إطلاق اللحية لم يكن استعدادا ليكون خليفة المسلمين وإنما كان لأن كان في وجهه »حب« شباب كان لسة صغير فحلاقة الذقن وقتها كان يتسبب في إصابة وجهه فاضطر لإطلاق لحيته. إذن فاروق لم يكن حاكما »فرعون«؟ - فرعون إيه يا سيدي.. فاروق لم يكن يحكم أصلا، ولم يكن عنده مشروع لا عربي ولا إسلامي كما يقول البعض. لكن بداية فاروق كانت بالنسبة للشعب وقتها مبشرة فما الذي حدث؟ - تخيل شاب عنده 16 سنة ولم يكمل تعليمه وجاءوا به بسرعة ليجلس مكان والده الذي رحل وفاروق عندما جاء استخدم من »عواجيز« السياسة ومن شلة »الملكيين« علي رأسهم علي ماهر باشا وموظفو القصر، والذي كان ساند فاروق أمام ذلك هو حسنين باشا. لكن الشائع أن أحمد حسنين ساهم في تدميره؟ - غير صحيح.. آه قالوا عن »حسنين« إنه »القواد« وهذا غير صحيح، فاروق بعد اغتيال أحمد حسنين في عام 1946 انكسر لكنه للتاريخ كان وطنيا جدا، وكان يكره الانجليز جدا، إنما في النهاية كان »عيل«. يعني مكنش فرعون؟ - برضه هتقولي فرعون.. يا عم فرعون مين؟ ده كان »عيل طيب« وضعته لحظة تاريخية علي عرش مصر ورحيل أحمد حسنين كما قلت لك »كسره« ومن بعد رحيله تقدر تقول حياة فاروق تغيرت. إزاي؟ - كان يأخذ السيارة ويخرج من القصر بعد منتصف الليل، يقولون له يا جلالة الملك سمعتك.. يرد أنا ملك ديمقراطي! والحقيقي بعد اغتيال حسنين وواقعة 4 فبراير »أصيب« باليأس، ومن قبل ذلك كانت أمه أيضا ثم حكم إيه وهو لم يكن يستطيع فصل موظف أو نقله في وجود النحاس باشا يبقي ملك إيه بقي؟ هذا كله أصابه باليأس؟ - تقدر تقول بالإحباط وهو لم يكن ينام إلا الفجر فكان في هذه الفترة يترك القصر وينزل ليسهر في الأوبرچ وغيره. وفي هذه السهرات ماذا كان يفعل؟ - ولا حاجة.. كان يجلس علي الترابيزة يضحك مع هذا أو يعزم الراقصة أو يعطي وردة لامرأة جميلة ولا يشرب ولا يسكر. يعني وردة وضحكة وخلاص؟ - آه.. وليس أكثر من ذلك لكن هذه الأشياء كبرت واستغلت في فضحه إعلاميا للناس. ألم يكن من الممكن أن يأخذ هذا الملك لطريق أفضل من ذلك بدعم من النخب السياسية في ذلك الوقت؟ - طبعا.. كان ممكنا لكن الوفد وقتها يلام في ذلك الملكة »نازلي« ذهبت للوفد وقالت لهم: احتضنوه، خذوه، ربوه، اعتبروه ابنك ده ولد طيب ومش »فؤاد« أبوه.. وقالت لهم لا تتركوه لكبير الياوران وحاشية القصر وعلي ماهر وغيرهم إنما الوفد رفض. لماذا؟ - الوفد استكبر وقتها وقال لهم للوفديين مكرم يا جماعة إذا كان أبوه »فؤاد« أرهقناه وطلعنا عينه! حتة العيل ده. طيب موقفه من الأسلحة الفاسدة تلك القضية التي شغلت الرأي العام لسنوات طويلة؟ - هذه قصة لا أساس لها.. وفاروق ليس له علاقة بها، مصر كانت تريد سلاحا وأمريكا أجبرت الدول علي ألا تبيع لنا.. فاضطررنا للشراء من أي مكان وبأي ثمن وعلي أي وضع، وفاروق ليس له علاقة بعملية الشراء. أُمّال مين الي اشتري؟ - لجنة من البرلمان المصري وقتها اسمها لجنة الاحتياجات وهي التي شكلت لجنة للسفر للشراء ولقد أخطأ رغم وطنيته في هذا الموضوع الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس والنحاس باشا وسراج الدين وزير الداخلية وقتها حققا في الأسلحة الفاسدة، ولم يجدوا فيها مؤامرة أو خيانة ولا حاجة أصلا، وحفظت القضية باستثناء واحد حكم عليه بتهمة الإهمال وليس الخيانة، وجاءت الثورة وفتحت تحقيقا ولم تدين أحدا. إذا كان الشعب يحب الملك.. ويحب الوفد بيت وحزب الأمة.. فأين المشكلة في تركيبة الحكم وقتها؟ - مشكلة فاروق الأساسية هي التربية الصارمة في حياة أبيه هذه التربية جعلته يحب أن يجلس مع الخدم. كنوع من التمرد؟ - لا.. مفيش أمامه إلا الخدم فكانوا يجلسون معه ويلعبون معه، وهم مثلا »الحلاق« طلياني وبتاع المزيكا وبتاع الكلاب طالياني فعملوا شلة، هنا الانجليز تحركوا وادخلوا شلة لتراقبه فكانت المربية انجليزية. وأمه الملكة نازلي؟ - لا ممنوع يجلس معها إلا نصف ساعة الصبح ونصف ساعة بالليل.. وممنوع من اللعب مع أطفال من العائلة المالكة فاضطر الي أن يصاحب الخدامين هيعمل إيه؟ طيب و»بوللي«؟ - كان راجل كويس جدا. بوللي؟ - آه. انت عارف.. عندما جاءوا به ليحققوا معه بعد رحيل الملك قال له: افتح الخزنة الخاصة بالملك، فقال لهم: لا أعرف ضربوه ثم فتحوا هم الخزانة ثم قالوا له: يا بوللي.. ما هذا؟ فقال لا أعرف قالوا له هذا حشيش. حشيش داخل خزنة الملك؟ - آه.. حتي أن »بوللي« لم يعرف وقتها شكل الحشيش. ومن الذي وضع الحشيش في الخزنة؟ - ضباط يوليو.. شفت كذب أكبر من هذا فهل يعقل أن يضع الملك الحشيش في خزنة غرفة نومه وهل يعقل أن الملك يكون »كيفه« حشيش؟ طيب.. »وسكي« ماشي! إنما حشيش، واستكتبوا »بوللي« اعترافات ضد الملك في غاية السذاجة والبشاعة ولوثوا »فاروق« بصورة مزرية. هل تلاحظين بصورة أو بأخري أن هذا يحدث الآن بعد ثورة 25 يناير؟ - طبعا.. البلد اليوم في سياق تلويث أسوأ من الذي سار فيه قطار التلويث بعد الملك فاروق لقد قالوا كلاما عن سعاد حسني في سياق جر رجل صفوت الشريف لا يصدقه عقل ونحن وصلنا الي مرحلة التلطيش والنهش في كل شيء بالحق والباطل. وما دلالة هذا الذي نراه؟ - هو إنك فيما يبدو بدون شرعية أو غطاء وأنك تحاول أن تلوث الآخرين لتحصل أنت علي شرعية وجودك. ومن أين جاءك هذا التفسير؟ - لأنه في التاريخ هناك سوابق مثلا الملك فاروق إذا لم يكن له شعبية كبيرة ماكان »شوه« بهذه الطريقة وعندما نعود للوراء سنجد أن خبر وقد تنازل الملك إلا بعد أن أبحرت المحروسة وخرجت من المياه الاقليمية خوفا من رد فعل الشارع. شارع إيه بقي والإعلام الثوري وقتها أظهر لنا أن الشعب استقبل الحركة المباركة أعظم استقبال؟ - أنا أزعم أن انقلاب يوليو هو انقلاب أمريكاني. بدعم من أمريكا؟ - طبعا.. وهمزة الوصل ما بين الأمريكان والضباط كانت معروفة. أفهم من ذلك أن فاروق حكم مظلوما وخلع مظلوما ومات مظلوما؟ - الي حد ما.. لكن في الفترة الأولي من حياته لا نستطيع أن نقول عليه ظلم، إنما نستطيع أن نقول كانت قدراته أقل من حكم مصر إنما »غدر« به. ومن الذين غدروا به؟ - أمه وزوجته فريدة غدرت به حيث كانت شخصية أنانية جدا وشعورها بالكرامة كان زائدا علي حده وأولادها قالوا انها هي السبب في ضياع أبيهم. برنامجه في المنفي كيف كان؟ - كان يذهب الي المطعم في روما يفطر ويشرب قهوة ويقابل الأصدقاء وظل علي كذلك حتي »سمم« ومات. اتسمم؟ - أنا أعتقد ذلك لأن إبراهيم بغدادي ذهب للمطعم واشتغل فيه لمدة اسبوع ثم رحل والسلطات الايطالية رفضت تشريح الجثة فأنا أعتقد أنها عملية مخابراتية قضت عليه. ومَنْ مِن الأصدقاء كان معه؟ - كان معاه من الطلاينة بترو وبوللي كان في القاهرة والمايسترو وظل بترو معاه حتي رحيله. طيب وبوللي لماذا لم يسافر معه؟ - كان في السجن.. وبعد خروجه وعلي فكرة وأشاعوا عنه أنه كان قوادا خرج من السجن وعمل علي الكيس في مطعم مخبوزات في مصر الجديدة. في النهاية وحتي لا نكرر التاريخ ماذا نفعل حتي لا يأتي لنا حاكم إما »متفرعن« أو احنا »اللي نفرعنه«؟ - أنا سأعتبر الحاكم الفرعون هو »الحكم الشمولي« والحكم الذي سقط عندنا يوم 25 يناير هو شرعية حكم يوليو 1952 وليس مبارك. لماذا؟ - لأنه لا يوجد في العالم دستور يعطي لرئيس الدولة سلطات إلهية نحن نريد رئيس دولة بصلاحيات قليلة جدا إنما الحكم الشامل والقوي في رئاسة الوزراء ويكون ذلك ما بين حزبين أو ثلاثة أقوياء والذي يأخذ الأغلبية يشكل سلطة، ولو كان ضباط يوليو يرون بلد ديمقراطي مش »تكية«. همة كانوا عايزينها »تكية«؟ - أُمّال أنت فاكر إيه؟ والله مبارك أرحم منهم. والسادات؟ - السادات أضعه علي رأسي من فوق فهو الذي حررك، وعقد اتفاقية كامب ديفيد برؤية وبصيرة رائعة. طيب مبارك عمل إيه بقي؟ - مبارك ليس مبدعا، خلينا نتفق علي ذلك لكنه كان »بناء« وعمل بنية تحتية. يا دكتورة ما هي البنية التحتية دي اللي »فلقنا« بالكلام عنها سنوات طويلة؟ - حقه.. هو فعل وقدم بنية تحتية ويجب ألا ننكرها عليه عمل تليفونات وطرق وكباري ومدن جديدة ومدن سياحية، عنده عيوب نعم! لا أختلف معك كل نظام له عيوبه لكن علينا ألا نعطيه حقه فيما فعله مثلما نأخذ منه حقنا، فكميا لم يفعله هو الحق والعدل كده، وانظر الي حال البلد يوم اغتيال السادات، واسأل نفسك كيف »عبر« مبارك من هذا النفق المظلم أو الذي كاد يكون مظلما. قلت إن مبارك »أرحم« من ضباط يوليو.. ليه؟ - لأنه كما قلت لك »أقام وأضاف لبناء البلد«. طيب وضباط يوليو عملوا إيه حتي يكون هو أرحم منهم؟ - سرقوا. يا دكتورة؟! - أنا بقولك كده.. التاريخ لا يكذب ولا يتجمل ولا تستطيع حملات التشهير أن تجعله أي التاريخ يسجل إلا الحقائق. نرجع لفاروق.. كيف تراه د. لميس جابر؟ - كان وطنيا ونحن الذي شوهناه. هل ترين أننا نرتكب أو الإعلام بالتحديد نفس الخطأ الذي صاحب رحيل فاروق؟ - طبعا.. نحن نفعله الآن، وخللي بالك الإعلام أيام فاروق كان راديو وجرنال.. اليوم شوف الإعلام عامل ازاي.. التشويه يتم الآن علي قدم وساق وبقوة وعنف، نحن اليوم نعيش مرحلة غاية في الخطورة فيها »قلب« للحقائق والأمور، وفيه »خيال« مريض ونفوس موتورة يلعب جميعهم علي »رقبة البلد«. في النهاية: البلد كيف وإلي أين تسير؟ - تسير الي أين؟ الحقيقة لا أعلم.. أما كيف تسير فهي تسير بدعاء الوالدين منذ مائة يوم.