ماذا قال أنتوني بلينكن لوزير الدفاع الإسرائيلي بشأن فلسطين؟    بعد بيلوسوف.. أبرز تغييرات بوتين في القيادة العسكرية الروسية    من بينهم مصطفى عسل، رجال مصر يتألقون ببطولة العالم للإسكواش    طقس اليوم الإثنين.. الأرصاد: رياح وأمطار على هذه المناطق    اليوم، محاكمة 57 متهما بقضية اللجان النوعية للإخوان    البيضاء تواصل انخفاضها.. أسعار الدواجن والبيض اليوم الإثنين 13 مايو في البورصة والأسواق    بالصور.. نائب القاهرة للمنطقة الجنوبية تكشف تفاصيل تطوير مسجد السيدة زينب    استعداد المستثمرين لدعم رؤية الحكومة في زيادة أعداد السياح وتحفيز القطاع السياحي    10 معلومات عن السيارات الكهربائية.. مقرر طرحها للاستخدام خلال ساعات    بعد تعيينها بقرار جمهوري.. تفاصيل توجيهات رئيس جامعة القاهرة لعميدة التمريض    أزهري يرد على تصريحات إسلام بحيري: أي دين يتحدثون عنه؟    وكيل «خارجية الشيوخ»: مصر داعية للسلام وعنصر متوازن في النزاعات الإقليمية    وزير التعليم: هناك آلية لدى الوزارة لتعيين المعلمين الجدد    قرار عاجل من اتحاد الكرة بسبب أزمة الشحات والشيبي    «اللاعبين كانوا مخضوضين».. أول تعليق من حسين لبيب على خسارة الزمالك أمام نهضة بركان    تدريبات خاصة للاعبي الزمالك البدلاء والمستبعدين أمام نهضة بركان    خطأين للحكم.. أول تعليق من «كاف» على ركلة جزاء نهضة بركان أمام الزمالك    مفاجأة.. نجم الزمالك يكشف مكسب الفريق في مباراة نهضة بركان    رسميا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 13 مايو بعد انخفاضه في 7 بنوك    زيادة جديدة.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 13 مايو 2024 في المصانع والأسواق    حدث ليلا| زيادة كبيرة في أراضي الاستصلاح الزراعي.. وتشغيل مترو جامعة القاهرة قبل افتتاحه    تشديد عاجل من "التعليم" بشأن امتحانات الشهادة الإعدادية (تفاصيل)    مرتديا النقاب.. سيدة تستعين بشاب للشروع لضرب صاحب سوبر ماركت في الوراق    مدحت العدل: أنا مش محتكر نيللي كريم أو يسرا    افتتاح مسجد السيدة زينب.. لحظة تاريخية تجسد التراث الديني والثقافي في مصر    لا أستطيع الوفاء بالنذر.. ماذا أفعل؟.. الإفتاء توضح الكفارة    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك أن تستجيب دعواتنا وتحقق رغباتنا وتقضي حوائجنا    «من حقك تعرف».. هل المطلقة لها الحق في نفقة العدة قبل الدخول بها؟    منها تخفيف الغازات والانتفاخ.. فوائد مذهلة لمضغ القرنفل (تعرف عليها)    سر قرمشة ولون السمك الذهبي.. «هتعمليه زي المحلات»    «الإفتاء» تستعد لإعلان موعد عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات قريبًا    العدو يحرق جباليا بالتزامن مع اجتياج رفح .. وتصد بعمليات نوعية للمقاومة    أمير عزمي: نهضة بركان سيلجأ للدفاع بقوة أمام الزمالك في الإياب    سيرين خاص: مسلسل "مليحة" أظهر معاناة الشعب الفلسطيني والدعم المصري الكبير للقضية    مسلسل لعبة حب الحلقة 24، فريدة تعلن انتهاء اتفاقها مع سما    قصواء الخلالي تدق ناقوس الخطر: ملف اللاجئين أصبح قضية وطن    استثمار الذكاء الاصطناعي.. تحول العالم نحو المستقبل    كاميرون: نشر القوات البريطانية في غزة من أجل توزيع المساعدات ليس خطوة جيدة    المصريين الأحرار يُشيد بموقف مصر الداعم للشعب الفلسطيني أمام محكمة العدل الدولية    روسيا: إسقاط 14 صاروخا من طراز "أولخا" و"فامبير" فوق بيلجورود    رئيس الوزراء الإسباني يشيد بفوز الإشتراكيين في إنتخابات كتالونيا    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد مستشفى الحميات وتوجِّة باستكمال العيادات (صور)    مستقبل وطن بأشمون يكرم العمال في عيدهم | صور    طلاب آداب القاهرة يناقشون كتاب «سيمفونية الحجارة» ضمن مشروعات التخرج    أربع سيدات يطلقن أعيرة نارية على أفراد أسرة بقنا    رئيس مجلس الأعمال المصري الماليزي: مصر بها فرص واعدة للاستثمار    الكشف على 1328 شخصاً في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    وقوع حادث تصادم بين سيارتين ملاكي وأخرى ربع نقل بميدان الحصري في 6 أكتوبر    نقابة الصحفيين: قرار منع تصوير الجنازات مخالف للدستور.. والشخصية العامة ملك للمجتمع    ليس الوداع الأفضل.. مبابي يسجل ويخسر مع باريس في آخر ليلة بحديقة الأمراء    وفاة أول رجل خضع لعملية زراعة كلية من خنزير    وزيرة الهجرة تبحث استعدادات المؤتمرالخامس للمصريين بالخارج    حظك اليوم برج العذراء الاثنين 13-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. لا تعاند رئيسك    عمرو أديب يعلن مناظرة بين إسلام البحيري وعبدالله رشدي (فيديو)    رئيس جامعة المنوفية يعقد لقاءً مفتوحاً مع أعضاء هيئة التدريس    الأعلى للصوفية: اهتمام الرئيس بمساجد آل البيت رسالة بأن مصر دولة وسطية    أمين الفتوى: سيطرة الأم على بنتها يؤثر على الثقة والمحبة بينهما    منها إطلاق مبادرة المدرب الوطني.. أجندة مزدحمة على طاولة «رياضة الشيوخ» اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قرأ القرآن فى «الكونجرس».. وأقام أذان الظهر فى «الأمم المتحدة»
زيارة إلى بيت الشيخ «الحصرى»
نشر في الوفد يوم 18 - 08 - 2022

قرر تسجيل كتاب الله بصوته على 230 أسطوانة للتصدى لتحريف المصحف
يعد الشيخ محمود خليل الحصرى ثالث أشهر مقرئى القرآن الكريم فى تاريخ العرب المعاصر بعد معجزة التلاوة الشيخ محمد رفعت وصاحب الصوت الذهبى الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، حيث ارتبط اسم الشيخ «الحصرى» أكثر ما ارتبط بتسجيل المصحف المرتل للإذاعة، وعندما يذكر تاريخ المصحف المرتل فى مختلف الإذاعات الإسلامية على امتداد المعمورة سوف يأتى الشيخ «الحصرى» فى المقدمة بلا منافس باعتباره أول من سجل المصحف المرتل للإذاعة المصرية وأول من أذيع تسجيله للمصحف المرتل قبل أن يشاركه أربعة آخرون فى مقدمتهم الشيخ مصطفى إسماعيل ومحمد صديق المنشاوى ومحمود على البنا وعبدالباسط عبدالصمد.
جمع الشيخ «الحصرى» الحسنيين وهما الحرص على أحكام التلاوة والعمل على قدر جهده على نشر القرآن الكريم فى مشارق الأرض ومغاربها على امتداد مسيرته القرآنية الثرية خلال ثلث قرن وما يزيد ما بين منتصف الأربعينيات ومطلع الثمانينيات.
يظل الشيخ «الحصرى» المرجع الأول لمن يريد حفظ القرآن الكريم كما أنزل؛ وهذا سر شهرته التى يتمتع بها فى العالم الإسلامى؛ وقد حدث مرة أن كان الشيخ فى زيارة لإحدى الجمهوريات الإسلامية بالاتحاد السوفيتى وبعد أن انتهى من التلاوة أمام الناس توافد الكثير للسلام عليه، ووقف أمامه رجل مهيب وأطال الوقوف وهو يتحدث بلغة لم يفهمها الشيخ، حتى ترجموا له رجاء الرجل بأنه يتمنى لوكان يستطيع تقبيل لسانه الذى يرتل به القرآن إعجابا وتقديرًا للشيخ.
حاضر «الحصرى» فى كثيرٍ من الجامعات المصرية والعربية والإسلامية، فكان صاحب رسالة قرآنية، تقف حائط صد ضد محاولات تحريف وتشويه القرآن الكريم، فكان مراجعًا للقرآن فى الإذاعة ومختبرًا للقراء الجدد ومراجعًا لكتابة المصحف. «الوفد» التقت الحاجة ياسمين وشقيقتها الصغرى إيمان نجلتى الشيخ محمود خليل الحصرى وهذا نص اللقاء.
أوصى بثلث ثروته للعمل الخيرى.. وبنى مسجدًا ومعهدًا دينيًا
فى البداية تقول إيمان الحصرى الابنة الصغرى للشيخ عن نشأته: ولد أبى بقرية شبرا النملة فى السابع والعشرين من شهر سبتمبر 1917م، وشبرا النملة هى إحدى قرى محافظة الغربية وتقع غرب مدينة طنطا عاصمة المحافظة.
وكان الشيخ «الحصرى» هو الطفل المدلل لوالديه، فقد كان الصبى الوحيد على أربع بنات. أصل والدى من الفيوم وكان جدى حريصًا على فرش كل زاوية أو مسجد بالحصير ومن شدة تعلقه بالمساجد أطلق عليه هذا اللقب. وقد رأى جدى رؤيا تكررت أكثر من مرة أن سلسلة ظهره عبارة عن عنقود من العنب ومن كل مكان يأتى الناس ليقطفوا من هذا العنقود ويقولون «الله» ولا ينقص من العنقود حبة، وحينما عاودته الرؤية ذهب لأحد مفسرى الرؤى فقال له هل عندك ابن؟ فقال نعم.. فطلب منه أن يحفظه كتاب الله وأن يهبه لعلوم القرآن، وقد كان.
ابنته «إيمان»: أول من سجل المصحف المرتل للإذاعة المصرية
وعندما أتم الشيخ خمس سنوات من عمره ألحقه والده بكتاب القرية، حيث حفظ ما تيسر له من القرآن الكريم وعندما أتم 8 سنوات حفظ القرآن كاملا ولما أظهر نبوغًا مبكرًا فى حفظ القرآن الكريم والإلمام بمبادئ العلوم الدينية ألحقه والده بمسجد سيدى أحمد البدوى بمدينة طنطا عند بلوغه الثانية عشرة من عمره، وظل يدرس حتى مرحلة الثانوية العامة، ثم انقطع عن الدراسة بعد ذلك لتعلم القراءات العشر وطرقها ورواياتها بجميع أسانيدها، وظل مقيمًا بقريته حتى التحق بالإذاعة فى شتاء عام 1944م ليقف أمام لجنة اختبار القراء الجدد بالإذاعة، وهى لجنة تضم إلى جانب أعلام الإذاعيين عددًا من علماء القراءات مثل شيخ الأزهر وشيخ معهد القراءات بالأزهر الشريف وشيخ عموم المقارئ المصرية، وقد أجازت اللجنة بلا تردد الشيخ «الحصرى» ليكون من قراء القرآن بالإذاعة، وكانت أولى قراءة له على الهواء مباشرة يوم 16-11-1944م السادس عشر من نوفمبر عام 1944م.
وعاد الشيخ الحصرى مرة أخرى إلى بلده وظل إلى جوار الإذاعة قارئًا للمسجد الأحمدى طيلة عشر سنوات.
رحلة العمر
لماذا ظل الشيخ «الحصرى» منفردا بإذاعة القرآن الكريم منذ إنشائها ولمدة عشر سنوات متصلة؟
بالعودة إلى ظروف وملابسات إنشاء أول إذاعة فقد حدث فى أول الستينيات أن ظهرت فى بعض الدول طبعات فاخرة ومحرفة من المصحف الشريف خاصة فى الكويت عندما زارها الشيخ «الحصرى» فى ستينيات القرن المنصرم وكان باديًا أن هناك جهات أجنبية تدعم نشرها وانتشارها لأسباب غامضة ومريبة وهى ظاهرة سببت قلقا بالغا فى مصر عاصمة المقرئين وبلد الأزهر، وتعددت الآراء حول سبل مواجهة هذه الهجمة الخبيثة ولم يهدأ له بال حتى طرح فكرة توثيق القرآن الكريم بالصوت كاملًا على وزير الأوقاف المصرى خوفًا من تحريفه. فبدأ أول جمع صوتى فى التاريخ للقرآن بصوته لمدة عشر سنوات، وتطورت الفكرة لبث هذه التسجيلات من خلال إذاعة خاصة بالقرآن تنطلق من مصر وتصل للعالم، ومن هنا انطلقت إذاعة القرآن فى 25 مارس 1964م. ولم يكن اختيار الشيخ الحصرى لمهمة تسجيل القرآن مرتلًا وإذاعته عبر أثير الإذاعة عشوائيًا بل كان بناء على اعتبارات ومعايير موضوعية، أهمها أنه كان يحمل مؤهلات علمية ومهنية تجعله الأقدر والأجدر والأصلح لهذه المهمة المقدسة، إضافة إلى أنه قارئ معتمد فى الإذاعة، كما أنه كان من العلماء المعدودين والمتميزين فى علوم القراءات على مستوى العالم، وقد عين «الحصرى» فى عام 1948 شيخًا لمقرأة سيدى عبدالمتعال بمدينة طنطا ثم مشرفًا على مقارئ محافظة الغربية قبل اختياره قارئًا للسورة بمسجد سيدى أحمد البدوى بنفس المدينة من (1949- حتى 1955) ثم انتقل بعدها قارئًا للسورة بمسجد الإمام الحسين بالقاهرة فى أعقاب رحيل الشيخ محمد الصيفى. وفى عام 1960 تم تعيينه شيخًا لعموم المقارئ المصرية ثم مستشارًا فنيًا لشئون القرآن بوزارة الأوقاف فى عام 1963.
ثم رئيسًا للجنة تصحيح المصاحف ومراجعتها فى العام التالى قبل تعيينه خبيرًا فنيًا لعلوم القرآن والسنة عام 1967، بمجمع البحوث الإسلامية، وفى العام نفسه كرمته مصر بمنحه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى تقديرًا لإسهامه فى المصحف المرتل. وفى عام 1968 اختاره ممثلو الدول الإسلامية أثناء انعقاد المؤتمر الأول لاتحاد قراء العالم الإسلامى للقرآن بكراتشى رئيسًا للاتحاد حتى مماته على أن تكون القاهرة مقرًا للاتحاد.
ياسمين الحصرى: كان حنونًا ورومانسيًا رغم علامات الصرامة التى تكسو وجهه
55 عاما قضاها الشيخ «الحصرى» فى خدمة القرآن فماذا تقولين عن هذه الرحلة؟
ظل والدى طوال 55 عامًا فى خدمة القرآن يقوم بدور «الحارس» لكتاب الله فأصدر (11) كتابًا فى علوم القرآن وأحكامه وتجويده. وسجل القرآن الكريم عشر مرات على (230) أسطوانة طبع منها ملايين النسخ فى جميع أرجاء العالم الإسلامى. وكان له الفضل فى تسجيل المصحف المرتل الصوتى برواية حفص عن عاصم عام 1961. ثم سجل رواية ورش عن نافع عام 1964، ثم برواية قالون والدورى عام 1968، وفى العام نفسه سجل المصحف المعلم. ولا نتجاوز عندما نقول إن الشيخ «الحصرى» كان كشيخ الكتاب لعموم المسلمين، أنه الشيخ المعلم الذى عليك أن تجلس أمامه وتأخذ عنه وتحفظ على يديه. وهو أول من نادى بإنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم لترعى مصالحهم ونادى بضرورة إنشاء مكاتب لتحفيظ القرآن فى جميع المدن والقرى المصرية.
ولقد قرأ القرآن فى جميع عواصم العالم سواء الإسلامى أو غير الإسلامى مثل روسيا والصين وسويسرا وعلى سبيل المثال: قرأ القرآن بالقصر الملكى فى لندن. ورتل القرآن الكريم داخل مبنى الكونجرس الأمريكى وكان بصحبة الإمام عبدالحليم محمود 1977م لزيارة المراكز الإسلامية وافتتاح بعضها، كما صحبه الإمام عبدالحليم محمود للقاء الرئيس الأمريكى جيمى كارتر. وأذن لصلاة الظهر بمقر الجمعية العامة للأمم المتحدة فى مدينة نيويورك. وكان أول من ابتعث لزيارة المسلمين فى الهند وباكستان، وقرأ القرآن الكريم فى المؤتمر الإسلامى الأول بالهند فى حضور الرئيس الهندى والمصرى جمال عبدالناصر وزعيم المسلمين فى الهند 1960م.
وفى المغرب كان الملك الحسن قد دعا الشيخ الحصرى إلى الدروس الحسينية، ولكن لما علم أن الشيخ كان مرتبطًا مع دولة قطر لإحياء ليالى رمضان هناك اتصل جلالته بأمير قطر وأستاذنه فى أن يكمل ليالى رمضان فى المغرب فوافق أمير قطر وأذن للشيخ الحصرى بالسفر للمغرب.
وعين عام 1962 نائبًا لرئيس لجنة مراجعة المصاحف وتصحيحها بالأزهر الشريف. واختارته الحكومة السعودية لافتتاح الحفل الرسمى لإضاءة مكة المكرمة بالكهرباء عام 1954م بدعوة رسمية.
«فرح» و«سعاد».. امرأتان امتلكتا قلب «حارس دولة التلاوة»
وكرمته مصر فمنحته جائزة الدولة التقديرية ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى من الرئيس عبدالناصر عام 1967. وحصل على العديد من الأوسمة والنياشين من ملوك ورؤساء الدول العربية والإسلامية.
وقبل وفاته قام بتشييد مجمع دينى بقريته «شبرا النملة» وآخر بجوار بيته بالقاهرة ضم مسجدًا ومعهدًا دينيًا ومدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، وأوصى بثلث تركته لخدمة دين الله وللإنفاق على مشروعات البر والخير ولخدمة
المسجدين اللذين شيدهما فى القاهرة وطنطا، والمعاهد الدينية وحفاظ القرآن ومعلميه.
امرأتان فى قلبه
وعن الجانب الإنسانى عند الشيخ «الحصرى» تقول ابنته الكبرى ياسمين الخيام: هناك امرأتان ظلتا فى قلب الشيخ حتى وفاته أولاهما: أمه الحاجة «فرح» التى ربته ورعته ونفذت وصية والده قبل رحيله المبكر بأن يهب (محمود) لخدمة القرآن الكريم فمن أجل رؤيا رآها الأب ترك قريته فى «الفيوم» وجاء بزوجته وطفله الصغير ليجاور طنطا (عاصمة القرآن) وكان على الأم أن تستكمل المسيرة وتحقق الرؤيا وكان الشيخ «الحصرى» يعشق أمه ويعتبرها مركز الكون، ولما كان تلميذًا فى المعهد الأزهرى بطنطا كان يقطع مسافة خمسة كيلومترات بين المعهد وقريته «شبرا النملة» سيرًا على الأقدام حتى يوفر من مصروفه ثمن قطعة حلوى يشتريها لأمه ليدخل السعادة على قلبها، حتى أنه فى يوم شديد المطر والعواصف أحال طرق القرية إلى بركة من المياه طلبت منه أمه أن يحضر لها أخته (أمينة) وكانت متزوجة فى بيت على أطراف القرية، وكان الليل قد حل، فأخذ (الكلوب) وخاض فى الأوحال وذهب إلى بيت (أمينة) وحملها على كتفيه وجاء بها إلى أمه، فلم يكن يرد لها طلبًا، وفى أخريات حياتها كان هو الذى يتولى رعايتها، بما فى ذلك نظافتها الشخصية، فيمشط لها شعرها ويبدل ثيابها ويطعمها بيديه وكان يتولى أمرها حتى رحلت عن الدنيا.
والثانية: هى زوجته (سعاد محمد الشربينى) شريكة عمره وأم أولاده السبعة ورفيقة حياته من شبرا النملة إلى العالمية فى دولة التلاوة، تزوجها فى مقتبل شبابه عام 1938، وكان فى مطلع العشرينيات من عمره، واستأجر لها بيتًا فى شارع السكة الحديد. الذى يربط بين محطة السكة الحديد والمسجد الأحمدى وكانت زوجته وش السعد عليه.
ولم تغادر زوجته المطبخ لأن الضيوف لا يغادرون بيتها، فكان البيت يستقبل زواره طوال ساعات النهار والليل والطعام واجب مقدس لكل ضيوف الشيخ من أصحاب الفضيلة أصدقاء الشيخ «الحصرى» مثل الإمام عبدالحليم محمود شيخ الأزهر حتى عابرى السبيل وأصحاب الحوائج والذين كان لا يرد طلبًا لهم، حتى أنه كان يضع المال بداخل مصحف ويهديه لمن يتصدق عليه حتى لا يحرجه ولا يمن بصدقته عليه.
ولم يكن الشيخ يفرق بين زواره وضيوفه على مائدة الطعام ويجلس من حضر مهما كانت درجاتهم، لكن كان هناك (كرسى مخصوص) لا يجلس عليه إلا الإمام الأكبر محمود شلتوت شيخ الأزهر والذى كان من أقرب الناس إلى قلب الشيخ الحصرى ويعتبره بمثابة والده.
وكيف أثر والدك الشيخ «الحصرى» على حياتك؟
منذ أن تفتحت عينى على الدنيا شاهدت أبى الذى كانت كل حياته وفهما صحيحا للدين، وكان متواضعًا بشدة واتسم أسلوبه فى الحياة بالبساطة والسهولة، وكان لا تفارق البشاشة وجهه، وعطاؤه لا ينقطع ويعجز اللسان عن وصفه، وكان لايرفض طلبًا لسائلٍ، وكان يخلع ما يرتدى لمن يطلب منه الجلباب أو العمامة الأزهرية حتى لا يظن السائل أنه سيأتى بشىء قديم، وكان حريصًا على إهداء مصحف لكل زائر، وكنت أسأله عن ذلك فيقول «يابنتى لعل أحدًا يفتحه ويعمل بآية فيه» وكان يعلمنا أدب الصدقة من خلال مجالس العلم التى كان يحضرها علية القوم والغلابة، ورغم علامات الجدية والصرامة التى تكسو وجه الشيخ الحصرى وتطغى على ملامحه فى أغلب الأوقات فإن من يقترب منه يدرك أنه كان يحمل قلبا حانيًا وله من الرومانسية نصيب، ففى «شبرا النملة» كانت هناك شجرة طالما استظل بظلها واستذكر دروسه تحتها، ولما فتح الله عليه وتحسنت أحواله اشترى الأرض التى عليها الشجرة، وكان عندما يزور القرية يطلب من سائقه أن يتوقف قبل تلك الشجرة وينزل من السيارة ويسير على قدميه حتى يتخطاها احترامًا وتقديرًا. وعلى هذه الأرض بنى مسجدًا، غير مسجده فى العجوزة ومسجده فى أشهر ميادين مدينة أكتوبر بميدان الحصرى. وكان يقوم بعمل جدول يكتب فيه أسماء أهله وأقاربه وكل موسم للحج يصطحب عددًا منهم ليؤدوا الفريضة على نفقته الخاصة.
الرحيل
وماذا عن رحلة الختام ورحيل والدك؟
فى عام 1980، عاد الشيخ الحصرى من رحلة إلى المملكة العربية السعودية مريضا، وقد زاد عناء السفر وإجهاده من مرضه، حيث كان يعانى من مرض القلب، إلا أن المرض اشتد عليه بعد ثلاثة أيام من عودته، ونصحه الأطباء بضرورة نقله إلى معهد القلب، لكنه رفض، مرددًا (الشافى هو الله) لكن التدهور السريع فى صحته استلزم نقله رغما عنه إلى معهد القلب وتحسنت صحته وعاد للبيت مرة أخرى، حتى ظن أنه شفى تمامًا، فانهمك فى بناء مسجد ومعهد دينى ومدرسة لتحفيظ القرآن بمسقط رأسه بقرية «شبرا النملة» إلى أن فاجأه الأجل فور انتهائه من صلاة العشاء مساء يوم الاثنين 16 محرم عام 1401 هجرية 24 الموافق 1980 ميلادية.
محطات
أنجب الشيخ الحصرى وزوجته (7) من الأبناء هم:
(على) «الابن الأكبر» ولد فى طنطا وقد توفاه الله مؤخرا.
(إفراج ) ذاعت شهرتها باعتبارها مطربة فيما بعد باسم (ياسمين الخيام).
(شوقية) توفيت، وأبناؤها يعملون فى سلك القضاء.
(محمد) تخرج فى كلية الطب بالأزهر ووصل إلى رئيس قسم طب الأسنان فى يناير 2018.
(السيد) وكان من كبار موظفى مجلس الشورى وأحيل للتقاعد بدرجة وكيل وزارة وورث عن والده حلاوة الصوت وكان يقرأ فى مسجد (العزبانى) بالموسكى.
(حسين) الابن الأصغر للشيخ وسماه على اسم مولانا الحسين.
(إيمان) الابنة الصغرى موظفة فى أحد البنوك.
رأى
أخيرا.. نستعير رأيًا للكاتب والناقد أحمد النجمى عن دولة التلاوة فى مصر يقول فيه: «إن للتلاوة دولة تسكن الوجدان المصري يبدو الشيخ مصطفى إسماعيل رأس هذه الدولة ويبدو الشيخ محمد رفعت كعاصمة لها وترتسم صورة الشيخ الحصرى بما عرف عنه من صرامة فى أحكام التلاوة وقدرة على تعليمها للناس كوزير حاسم فى تلك الدولة، فهو حقا حارس القرآن ووزير دولة التلاوة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.