مجلس الوزراء: تحريك الأسعار ليس تنصلا من دعم المواطنين    بلينكن: أمريكا سوف تتكيف مع تحرك أوكرانيا لشن ضربات داخل روسيا    بولندا توقف متهمين بإشعال حرائق لصالح روسيا    الصليب الأحمر: إنقاذ 67 مهاجرًا في المتوسط خلال 24 ساعة    البيت الأبيض يعترف بانخراطه في "صيغة السلام" التي تروج لها كييف    ياسين بونو أفضل حارس في الدوري السعودي    المنتخب يخوض مرانه الأول استعدادا لمواجهة بوركينا فاسو في تصفيات المونديال    مصرع شخصين وإصابة آخر إثر انهيار خط الصرف الصحي بالشيخ زويد    الأرصاد: طقس الخميس حار نهارا معتدل ليلا.. والعظمى بالقاهرة 31    مصرع ربة منزل صعقا بالكهرباء داخل منزلها في كوم أمبو    نقيب الإعلاميين: قناة القاهرة الإخبارية فرضت تواجدها وسط كبريات القنوات العربية والدولية    تفاصيل مؤتمر الكشف عن مشروع رقمية ذكريات الفنانين بالذكاء الاصطناعي| صور    مدير مستشفيات بنى سويف الجامعي: استقبال 60 ألف مريض خلال 4 أشهر    أزمة جديدة في حراسة مرمى مدريد بعد إصابة لونين    البيت الأبيض: إسرائيل لم تنفذ أي عملية واسعة في رفح الفلسطينية    عدوية شعبان عبد الرحيم: رضا البحراوي شايف نفسه نجم وبيتنطط عليا    نفاد تذاكر حفل عمرو دياب في بيروت بعد طرحها بساعة (تفاصيل)    تأجيل محاكمة متهم في قضية أحداث اقتحام قسم كرداسة لجلسة 29 يونيو    رئيس جامعة كفر الشيخ: قافلة طبية وتوعوية لقرية برج مغيزل ضمن حياة كريمة    بدء حملة لمكافحة القوارض عقب حصاد المحاصيل الشتوية في شمال سيناء    واجبات العمرة والميقات الزماني والمكاني.. أحكام مهمة يوضحها علي جمعة    موعد صرف معاشات شهر يونيو 2024 مع الزيادة الجديدة    الأكاديمية المهنية للمعلمين تعقد ورشة عمل إقليمية بعنوان "استكشاف آفاق المستقبل"    قيادى بالوفد يكشف مصير المذكرة المقدمة ضد حمدي قوطة لرئيس الحزب    القوات المسلحة تنظم مؤتمر الروماتيزم والمناعة بالمجمع الطبي بالإسكندرية    ما هو اسم الله الأعظم؟.. أسامة قابيل يجيب (فيديو)    طريقة زراعة الأرز.. مباشر من غيطان كفر الشيخ.. فيديو وصور    معدل التضخم يرتفع مجددا في ألمانيا    فيلم "تاني تاني" يحقق إيرادات ضئيلة في الأسبوع الأول من عرضه    هانز فليك.. هل أنت مستعد لتغيير الحمض النووي لبرشلونة؟    محافظ شمال سيناء يستقبل مدير بعثة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مصر (صور)    فيلم الحَرَش لفراس الطيبة يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان روتردام للفيلم العربي    انعقاد الملتقى الفقهي الخامس بحضور وكيل الأزهر    رسميًا موعد عطلة عيد الأضحى بالسعودية 2024 وعدد أيام الإجازة    مواعيد عيد الأضحى 2024: تفاصيل الإجازات والاحتفالات    رئيس جامعة المنوفية يعلن اعتماد 5 برامج بكلية الهندسة    جامعة بني سويف تكرم الطلاب الفائزين في مهرجان إبداع 12    وزير إسرائيلي: تحقيق الاستقرار في رفح قد يستغرق 5 سنوات    «الطلاب فقدوا وعيهم بسبب الحر».. درجات الحرارة تتخطى 52 في هذه المدينة    زعماء المعارضة الإسرائيلية يتفقون على خطوات لتبديل حكومة «نتنياهو»    الفرق بين التكلفة الفعلية والنمطية لتوصيل التغذية الكهربائية    حبس المتهم بالشروع في قتل عامل ديلفري بالعياط 4 أيام    قبل الانطلاق في رحلتك.. اعرف مستلزمات الحج للرجال والنساء    قرار جديد من اتحاد الكرة بشأن تحصيل بدلات الحكام من الأندية    تأييد قرار النائب العام بالتحفظ على أموال «سفاح التجمع»    البابا تواضروس الثاني يستقبل وفدا وزاريا فلسطينيا    شوبير يشن هجومًا لاذعًا على الحكم الدولي جهاد جريشة: ذاكر القانون كويس بعد إذنك    هيئة الدواء: تسعيرة الدواء الجبرية تخضع لآليات محددة ويتم تسعير كل صنف بشكل منفرد بناء على طلب الشركة المنتجة    مواجهة مرتقبة تجمع الأهلي وأهلي جدة في أكتوبر وديًا    مساعد وزيرة الهجرة يستعرض جهود الوزارة في ملف دعم المصريين بالخارج    رئيس قطاع الآثار الإسلامية يعلن اكتشافات أثرية بجامع المادراني    رئيس جهاز أكتوبر يوجه بالاستعانة بشركات متخصصة في إدارة وصيانة محطات الشرب    «مصايف الإسكندرية» ترفع الرايات الثلاث على الشواطئ.. احذر البحر في هذه الحالة    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس للعام الدراسى المقبل.. تعرف على الأوراق المطلوبة    خبيرة فلك تبشر مواليد برج الدلو في 2024    صعود مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة الأربعاء    الفرق بين التحلل من العمرة والحج.. الإفتاء تشرح    مواعيد مباريات اليوم.. نهائي دوري المؤتمر الأوروبي.. وكأس مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريطانيا صنعت «الإخوان» لضرب «ثورة 19»
حلمى النمنم وزير الثقافة الأسبق ل«الوفد»:
نشر في الوفد يوم 16 - 06 - 2022

الكاتب الكبير حلمى النمنم وزير الثقافة الأسبق مؤرخ مصرى وأحد أبناء مؤسسة «دار الهلال» وصاحب دور بارز على الساحة الثقافية والأدبية والفكرية، تولى وزارة الثقافة فى 19 سبتمبر 2015 واقترب كثيرًا من تحقيق العدالة الثقافية إبان توليه هذه الحقيبة المهمة.
«النمنم» اهتم كثيرًا بالقضايا التاريخية والسياسية، حصل على ليسانس الفلسفة بكلية الآداب جامعة عين شمس عام 1982م، وعمل صحفيًا بقسم التحقيقات فى مجلة «حواء»، ثم انتقل للعمل بمجلة «المصور» وتدرج فى المناصب، حتى ارتقى سلم رئاسة مجلس إدارة الهلال.
له العديد من المؤلفات أهمها «سيد قطب.. سير وتحولات» و«حسن البنا الذى لا نعرفه» و«الأزهر.. الشيح والمشيخة» و«الحسبة وحرية التعبير» و«طه حسين والصهيونية» و«وليمة للإرهاب الديني» و«التاريخ المجهول المفكرون العرب والصهيونية وفلسطين».
ساند «النمنم» الدولة المدنية كواحد من دعاة التنوير ومواجهة أصحاب الرؤى التكفيرية والظلامية المتطرفة، يؤكد دائمًا أن العقل الثقافى المصرى لابد أن يتغير، كما خاض معارك فكرية ضارية مع جماعة الإخوان إبان تولى الجماعة سدة الحكم، وحاول التصدى بفكرٍ راسخٍ لكل فكر ظلامى من خلال إطلاق «الثقافة» فى كل مكان فى قرى ونجوع مصر. أسئلة كثيرة طرحناها على الكاتب الكبير حلمى النمنم وزير الثقافة الأسبق، وهذا نص الحوار.
كيف ترى وضع الثقافة فى مصر بشكل عام فى الوقت الراهن؟
أرى أن الوضع فى العموم جيد، سواء تحدثنا عن الثقافة بمعنى الإنتاج الفكرى والإبداعى أو تحدثنا عن الثقافة بمعنى المؤسسات الثقافية الرسمية أو حتى المؤسسات الثقافية الخاصة، أو الأهلية، وأظن أننا فى وضع جيد، فليس هناك محافظة من المحافظات الآن إلا وأصبح لها معرض خاص بالكتاب، عكس المرحلة السابقة، فلم يكن هناك إلا معرض القاهرة ثم الإسكندرية فقط، وعندما غادرت الوزارة كان لدينا 120 معرضًا فى السنة، بل إن الثقافة الجماهيرية أصبحت تقيم معرض القرية، والبداية كانت فى الصعيد، هذا على مستوى الكتاب، وهناك جزء من الثقافة يرتبط بالتعليم، فإذا انتبهنا إلى أن كل محافظة من المحافظات بها جامعة حكومية باستثناء محافظة البحر الأحمر، بها فرع تابع لجامعة جنوب الوادى، لكن فى النهاية على وشك الاستقلال فالجامعات تحدث حراكًا ثقافيًا داخل المحافظات مهمًا جدًا، خاصة فى مجال كلياتها النظرية أو المواسم الثقافية الفنية التى تقوم بها فإستراتيجية العدالة الثقافية تتحقق الآن وحققت نتائج إيجابية.
«مبارك» استغل «الجماعة» لمواجهة صعود «حزب الوفد الجديد»
هناك أصوات مازالت تنادى من حين لآخر بإلغاء وزارة الثقافة والإبقاء على المجلس الأعلى للثقافة فقط فما رأيك؟
إذا حدث ذلك فسوف يلغى منصب وزير الثقافة فقط لكن المؤسسات الثقافية لن تلغى، فوزارة الثقافة بها 11 قطاعًا، أقدم قطاع بها هو دار الأوبرا المصرية التى تأسست منذ عهد الخديو إسماعيل، يليها دار الكتب المصرية التى تعود إلى عام 1872 فى زمن على باشا مبارك، ثم الثقافة الجماهيرية. التى تأسست سنة 1947 وكان اسمها «مؤسسة الثقافة الشعبية» فى عهد حكومة النقراشى باشا، وبالتالى هذه المؤسسات يجمعها إطار واحد اسمه وزارة الثقافة، فإذا ألغيت الوزارة، ففى رأيى أن هذا لن يغير كثيرًا.
كيف قرأت حكم الإخوان وتأثيرهم على الثقافة المصرية؟
من حسن الحظ أن فترة حكم الإخوان لم تطل، لكى نقول إنها أثرت على الثقافة المصرية، لكن تغلغل الإخوان منذ منتصف السبعينيات أثر على الثقافة المصرية، فالثقافة كانت تتميز فى العالم العربى بالريادة فى الأفكار والمؤسسات، والإخوان وقفوا ضد هذه الريادة، فعندما نتحدث عن تحرير المرأة، فقاسم أمين هو رائد تحرير المرأة فى العالم العربى، وعندما نتحدث عن تعليم البنات نجد أن رفاعة الطهطاوى رائد هذا الاتجاه، وعندما جاء الإخوان قاوموا الأفكار الجديدة وبالتالى مزقوا صورة الريادة فى مصر، ففى سنة 2010 حضرت ندوة بالمملكة المغربية ووقف مفكر هناك وقال: نحن فى المملكة المغربية نستطيع أن نتحدث عن العلمانية ونناقشها بكل حرية دون خوف، وهناك بلدان يقال عنها رائدة ولا يجرؤ أحد أن يذكر اسم العلمانية، لأنه لو ذكرها سيقتل وأمامكم فرج فودة، وكان يقصد مصر، وبالتالى فإن تغلغل الإخوان فى الحياة المصرية طوال العقود الماضية أثر على الثقافة المصرية وأضعفها.
فى تصريح سابق لكم قلت إن سيد قطب حكم مصر من قبل تولى الإخوان السلطة فى مصر فماذا كنت تقصد؟
أفكار سيد قطب هى التى كانت تسود، فجماعة الإخوان حين حكموا مصر فى 30 يونيه 2012، كانت الطغمة الحاكمة منهم متأثرين بسيد قطب وبأفكاره مثل خيرت الشاطر، إضافة إلى محمد بديع، ومحمود عزت اللذين كانا من المتهمين فى قضية (65) وعبدالناصر عفا عنهما الاثنين، ومحمد مرسى نفسه قال ذات مرة بوضوح شديد جدًا: «عرفت الإسلام الصحيح من خلال كتابات سيد قطب»، وبالتالى كانت أفكار سيد قطب هى التى تحكم مصر، ولذلك أضاعتهم جميعًا.
هل هناك فرق بين جماعة الإخوان والجماعات التكفيرية الأخرى، أم كلها تستقى أفكارها من منبع واحد؟
أعتقد أن هذا مجرد توزيع أدوار، فكل الجماعات الإرهابية فى المنطقة تأسست وخرجت من رحم جماعة الإخوان، بشكل أو بآخر، أيًا كان اسمها، مثل جماعة التكفير والهجرة، فشوقى مصطفى أحد روادها كان تلميذًا لسيد قطب فى السجن، وهكذا، فالإخوان كانوا يحاولون أن يبدوا فى شكل مدنى فى زمن مبارك، لكن كل هذه الجماعات كانت تتبع سياسة توزيع الأدوار بينها ليس إلا، ولهذا أرى أن داعش هى القاعدة هى جماعة الإخوان.
أثناء حكم الرئيس حسنى مبارك حدث تقارب بين جماعة الإخوان والنظام فما السر فى رأيك، وما هى أهم النتائج التى أسفر عنها هذا التقارب؟
التقارب بين جماعة الإخوان المسلمين ونظام الرئيس مبارك حدث منذ أن تولى الرئيس مبارك الحكم وليس فى سنواته الأخيرة فقط، فقد ظهر على السطح فى السنوات الأخيرة، وقد كانت هناك وجهة نظر تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية خاصة بعد اغتيال الرئيس السادات، فالولايات المتحدة الأمريكية منذ مطلع الخمسينيات تبنت جماعة الإخوان باعتبارها أن هذه الجماعة تحارب الشيوعية فى المنطقة العربية وتحارب الوجود السوفيتى فى المنطقة العربية، ومن أجل ذلك عام 1953 استقبل الرئيس الأمريكى زوج ابنة حسن البنا فى المكتب البيضاوى، ولم توجه مثلًا الدعوة للرئيس محمد نجيب لزيارة واشنطن.
رغم أن الإدارة الأمريكية كانت معجبة بمحمد نجيب وكانت تشيد به، هذا اللقاء الذى تم سنة 1953، يوضح حجم العلاقات بين الإخوان وأمريكا وشكلها، وعندما اغتيل الرئيس السادات كان وجهة النظر الأمريكية وأظن أنها نقلت إلى الرئيس «مبارك» أن الإسلام العنيف والإرهابى لن ينتج فى مقاومته إلا إسلامًا معتدلًا، والإسلام المعتدل يتمثل عندهم فى جماعة الإخوان،
فى نفس الوقت فإن الرئيس مبارك حين تولى الحكم كان هناك اتجاهان قويان جدًا أمامه هما، حزب الوفد الجديد والقيادة الكاريزمية التاريخية العظيمة لفؤاد باشا سراج الدين، وكان هناك تيار اليسار، ولم يكن الرئيس مبارك يريد أن يكرر خطأ الرئيس السادات ويدخل فى مواجهة مباشرة معهم، لأنه رأى أن دخول النظام فى مواجهة مباشرة مع اليسار من جانب والشيوعيين والقوميين العرب من جانب ومع الوفد ممثلاً فى فؤاد سراج الدين من جانب آخر انتهى إلى اغتيال الرئيس والنظام بات مهددًا، وأظن أن الرئيس مبارك كان يستغل الإخوان لضرب الوفد واليسار معًا ليكون بديلاً لهما وكان مدركًا ولديه يقين أن الشعب المصرى بطبيعته لن يقبل بالإخوان.
بينما الشعب المصرى من الممكن أن يقبل بالوفد وفؤاد سراج الدين، ففؤاد سراج الدين فى النهاية كان وزيرًا للزراعة وتولى وزارة الداخلية، فليس بعيدًا عن جهاز الدولة وكان قياديًا فى حزب الوفد إلى جانب مصطفى النحاس باشا، وأن الوفد قدم دورًا اجتماعيًا، أيضاً فى اليسار كان هناك خالد محيى الدين أحد قيادات ثورة يوليو وعضو تنظيم الضباط الأحرار وما له من وجاهة عند المصريين، فمن الممكن أن يقبل المصريون بهذا أو ذاك، لكن كانت قناعة الرئيس مبارك أن فى اللحظة الأخيرة فإن المصريين لن يقبلوا بالإخوان، وبالتالى كان يستخدم الإخوان إرضاء للهوى الأمريكى أولاً، وحلاً لمشكلات داخلية فى ضرب الوفد واليسار تحديدًا ممثلًا فى حزب الوفد وحزب التجمع، وأظن أنهم استطاعوا ذلك إلى حدٍ كبيرٍ.
كتبت العديد من المقالات والمؤلفات التى نبهت لخطورة جماعة الإخوان المسلمين فما سر هذه الكتابات أو التنبؤ بخطورة هذه الجماعة؟
كنت شاهدًا على اغتيال فرج فودة، فقد حضرت المناظرة التى جرت فى معرض القاهرة الدولى للكتاب فى عام 1992 وكنت الصحفى الوحيد فى العالم الذى كتب أثناء تغطية هذه المناظرة وأنهيت مقدمة كتابتى بهذا التساؤل: هل تكون نهاية حياة فرج فودة فى هذه المناظرة؟ فقد كنت حاضرًا للمناظرة عن قرب من اللحظة الأولى لبدايتها حتى نهايتها، ووجدت رغبة الثأر والقتل فى وجه الشيخ محمد الغزالى ووجه مأمون الهضيبى عندما قال فرج فودة وهو يتحدث عن التنظيم السرى لجماعة الإخوان المسلمين إنه كان يقتل الناس واغتال النقراشى باشا وأحمد ماهر، فرد مأمون الهضيبى بثقة وفخر شديد قائلًا: «كنا نتقرب إلى الله بالعمليات التى يقوم بها التنظيم السرى، وباعتبار أن جزءًا من دراستى علم النفس والتحليل النفسى أظن ما رأيته يومها من ملامح وفى عيون مأمون الهضيبى والشيخ محمد الغزالى هى نية القتل، وكنت متأكدًا أن فرج فودة سيقتل، ولذلك عندما قتل لم أفاجأ وإلى الآن لم تستنكر جماعة الإخوان مقتل فرج فودة. والشيخ «الغزالى» حين ذهب ليدلى بشهادته فى المحكمة قال إنه كان يستحق القتل ولكن كان يجب على ولى الأمر أن يقوم بذلك، أما أن ولى الأمر تقاعس عن قتله فقام أحد الأفراد بقتله، فالقاتل فى هذه الحالة لا يحاسب كقاتل ولكن يحاسب باعتباره افتآتًا على سلطة ولى الأمر، وطول عمرى كان لى موقف مضاد من جماعات التطرف والتشدد، فعند دراسة التاريخ الإسلامى المبكر جدًا والمضايقات التى تعرض لها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد غزوة الطائف من بعض المسلمين الذين كانوا نواة الخوارج ثم مقتل عثمان بن عفان ثم مقتل على بن أبى طالب، فأنت لابد أن تشعر بخطورة الأفكار المتطرفة وترفضها، فحينما حضرت هذه المناظرة قررت كتابة ما أراه وما أعتقد. ومن هنا بدأت أكتب عن خطورة هذه الجماعة.
فصل الدين عن الحكم، أى علمانية الدولة، هل ترى أنها من الممكن أن تحل أزمة الخلافة التى رسخت فى هذه الجماعة؟ وهل هناك تعارض بين الإسلام والعلمانية فى رأيك؟
الإسلام دين سماوى مقدس، جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبوحى إلهى، وبالتالى فإن النص المقدس والدين المقدس لا يجوز أن تقارنه بنظرية سياسية أو اجتماعية بأى حالٍ من الأحوال، فلا يمكن أن نقارن الإسلام بالماركسية أو الإسلام وبالليبيرالية، أو الإسلام وبالعلمانية، أو الإسلام وبالرأسمالية، لكن يمكن أن تقارن الماركسية بالرأسمالية، تقارن الليبرالية بالشمولية، وبالتالى وضع الإسلام فى موضع مقارنة مع مثل هذه النظريات خطأ كبير فى حق الإسلام، لأنه دين سماوى مقدس، أما فى النظريات السياسية فمن حق المجتمع أن يختار النظرية السياسية التى تناسبه.
هل ترى أن جماعة الإخوان كان لديها مشروع إسلامى وفشل؟
حين يرد المشروع الإسلامى فى كتابات الفلاسفة الغربيين، فالمقصود به هو الإسلام نفسه، ويتحدثون عن الإسلام وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا ينبغى أن ننتبه إلى الفرق فى المصطلحات.. والإخوان المسلمون هل لديهم مشروع إسلامى؟ لا، فالإخوان المسلمون لديهم مشروع للسلطة والحكم، فحزب الوفد مثلاً لديه مشروع سياسى، فمن الممكن أن يظل طوال العمر معارضًا وهو سعيد بهذا الدور، وحزب التجمع مثلاً لديه مشروع اجتماعى وسياسى ولكنه يدرك أنه سيظل فى المعارضة دائمًا وهو سعيد بهذا الدور ويؤيده، أما الإخوان فليس لديهم حتى مشروع سياسى بهذا المعنى، فالمشروع السياسى يتحدث أيضاً عن القضايا الاجتماعية وطريقة حلها، ولذلك فشل الإخوان فى كل مكان حلوا فيه.
إذن ما سر العداء الإخوانى للدولة من وجهة نظركم؟ وما الذى تحتاجه مصر الآن وهى تخوض حربًا ضد الإرهاب والفساد وتواجه تحديات نحو تحقيق التنمية؟
نعود إلى نشأة الإخوان، فهم صناعة الاستعمار البريطانى، فقد صنعهم لضرب فكرة ثورة (1919) فكرة الأمة المصرية والقومية والوطنية المصرية، فكان الرد الإنجليزى على كاريزما سعد زغلول وثورة (1919) هو اختلاق حسن البنا، وبالتالى فإن الجماعة نشأت بفكرة العداء للمصرية بالذات والوطنية المصرية وللدولة
المصرية، ولذلك هم لديهم عداء حقيقى تجاه الدولة المصرية والوطنية المصرية، فعلى سبيل المثال مصر الملكية، مصر الناصرية، مصر الساداتية، مصر المباركية، كل ذلك عندهم عداء له، فكل التاريخ لديهم مدان، ولأنهم ليس لديهم مشروع سياسى فقد فشلوا فى كل مكان مثل المغرب، فى الأردن والجزائر والسودان وفى المملكة العربية السعودية وفى الإمارات وسوريا والعراق، ما هذا الفشل كله، فإذا كانوا قد تذرعوا بالنظام المصرى فماذا عن بقية الأنظمة فى الدول المختلفة، فهم ليس لديهم مشروع سياسى ولا مشروع وطنى، فأى فصيل سياسى يأتى للحكم لابد أن يكون لديه تصور سياسى كبير للدولة، الدولة كهوية وطنية، والدولة كمشروع سياسى واجتماعى واقتصادى وهم ليس لديهم أى شيء من ذلك. ومصر تخوض حربًا ضد الإرهاب والفساد، وحسنًا فعل الرئيس فى حربه ضد الفساد، وهى حرب شرسة ضد من يقال عنهم «حيتان» وتحتاج لمساندة حقيقية من الكتاب والمثقفين والمفكرين والمجتمع، لأن الرجل يتصدى لجذور الفساد حين قال «ما تجاملوش حد». المجاملة فساد.
بسقوط الإخوان من سدة الحكم فى مصر وبعض الدول العربية هل ترى فشل مشروع الإسلام السياسى فى تحقيق مآربه؟
مشروع الإسلام السياسى بدأ فى الانحسار وأظن فى تصورى أنه فى نهايته الأخيرة لم يبق منه سوى مجموعات من الإرهابيين.
ما تأثير الإخوان والسلفيين على الخطاب الدينى خلال الفترات الماضية.. كيف تراه؟
هم أصابونا بالتخلف الاجتماعى والفكرى والثقافى، لأنهم تيار متخلف، فقد غزوا كل مؤسسات الدولة فيما عدا القوات المسلحة، فهم موجودون فى الجامعات أيضاً ويجب إقصاؤهم من قطاع التربية والتعليم.
البعض يرى أن هناك عداء بين المثقفين والأزهر منذ تولى الراحل د. جابر عصفور وزارة الثقافة وحتى الآن بالرغم من أن معظم رموز الثقافة المصرية كانوا أزهريين مثل رفاعة الطهطاوى والشيخ حسن العطار ومحمد عبده والإمام مصطفى عبدالرازق فما رأيك؟
هذا كلام غير صحيح، نحن نجل الأزهر والأزهر الشريف مؤسسة وطنية مدنية مصرية، نجلها ونقدر دورها. وأنا شخصيًا لى كتاب عن الأزهر، بعنوان «الأزهر.. الشيخ والمشيخة» وأعرف دور الأزهر وأقدره، ونقدر فضيلة الإمام الأكبر كرجل مستنير، لكن هذا لا يمنع أن يرى البعض بعض ملاحظات فى أداء المؤسسة فى قضايا معينة، وبالمناسبة هذه الرؤية لا تقتصر على الأزهر فقط، فهناك انتقادات توجه إلى أداء الجامعات أوالوزارات، وهذا لا يعنى أن هناك عداء تجاه هذه المؤسسات والوزارات، لكن الأزهر الشريف كمؤسسة مصرية عزيزة وعظيمة بدون شك، ولأول مرة أقامت وزارة الثقافة معرضًا لكتاب داخل الأزهر الشريف كان إبان أن توليت منصب وزير الثقافة وافتتحه وقتها معى وكيل الأزهر، فنحن نريد للأزهر الشريف أن يكون منارة حقيقية، وأرى أن الخصومة بين المثقفين والأزهر لن يكسب منها إلا التيار المتشدد، وكلنا خرجنا من معطف الشيخ حسن العطار ورفاعة الطهطاوى، والشيخ محمد عبده وقاسم أمين ولطفى السيد ومصطفى عبدالرازق والشيخ المراغى تلامذة محمد عبده، ولا تجوز الخصومات المفتعلة، فالطعن فى الأزهر لا يصب إلا فى خدمة الإخوان والدواعش. وهدم المؤسسة الدينية الرسمية يعنى إعطاء الفرصة للدين غير المؤسسى الذى يدعو للعنف والإرهاب.
الأزهر مؤسسة وطنية.. والطعن فيها يخدم «الدواعش»
كيف تقرأ دعوات الرئيس لتجديد الخطاب الدينى وهل للخطاب الثقافى أيضاً فى حاجة إلى تجديد وكيف يقع هذا الجديد؟
التجديد بشكل عام يسير وفق«نظرية الأوانى المستطرقة»، فلو أقمنا تجديدًا اقتصاديّا من غير تجديد فكرى فلن ننجح، فالحياة المصرية بحاجة إلى التجديد وهذا ما يفعله الرئيس السيسى، فمنذ أن تولى المسئولية فى عام 2014 وضع قضية تجديد الخطاب الدينى على رأس أولوياته ويلح عليها فى كل مناسبة، وخاطب الجميع فى هذه المسألة، بسبب مشكلة الإرهاب الحقيقية التى تتعرض لها مصر، وكذلك مشكلة التيارات الظلامية التى نجحت فى 2012 فى استقطاب المجتمع المصرى للوراء، وحتى الآن تحاول ذلك مرة أخرى، فالرئيس يسعى جاهدًا لبناء دولة وطنية مدنية حديثة، ما يتطلب معه تجديد الخطاب الدينى.
لكم تصريح سابق بأن العزلة الثقافية هى إحدى المشكلات التى تواجه مصر وأنه خلال العقود الأخيرة أصبحت هناك فجوة بين التعليم المدنى والتعليم الدينى فهل ترى أن هناك صدامًا بين التعليم المدنى والديني؟
أستطيع أن أقول إنه لا يوجد صدام فى مصربين التعليم المدنى والدينى لماذا جامعة الأزهر الشريف بها أربع أو خمس كليات دينية لكن كل كلياتها مدنية مثل كلية اللغات والترجمة فى الأزهر هل تختلف عن كلية الألسن فى جامعة عين شمس وتجارة الأزهر هل تختلف عن تجارة عين شمس أو القاهرة، كلية الشريعة والقانون هل تختلف عن الحقوق، وبالتالى لست مع أن نفتعل مشكلات لا توجد.
الأمة العربية تواجه خطرًا من آفة الإرهاب وهل يمكن مواجهة الإرهاب الدموى بالفكر التنويرى وهل الإرهاب والتطرف مرتبط بالجهل والفقر؟
لا.. بعض التنظيرات اليسارية ربطت الإرهاب بالجهل والفقر وتم التوسع فى هذا التفسير، وقد رفضت ذلك من قبل وأرى أن هناك نبرة عنصرية، فى عام 1919 فى عيد الأضحى عندما قام رجل فى إحدى قرى المنصورة بقتل طفلين ففى العادة هذا رجل يكون مريضًا نفسيًا بحاجة إلى علاج، ووقتها ظهرت شائعة تقول إنه ورث 3 ملايين جنيه ولا يفعل ذلك وكأن الغنى لا يقدم على جرمه وأن الفقير وحده هو الذى يقدم على الجريمة، وبالتالى أن نلقى كل الأشياء على الفقراء فى مصر، فأعتبر أن ذلك تفسير عنصرى، ثانيًا الواقع أن كل قيادات الإرهاب فى مصر والعالم العربى والإسلامى كانوا من الأثرىاء أبناء الطبقة الارستقراطية وكانوا من المتعلمين تعليماً رفيعاً، مثل محمود عزت أستاذ فى كلية الطب جامعة عين شمس، محمد بديع أستاذ كلية طب، عصام العريان طبيب، وهناك دراسة أجريت بعد «11» سبتمبر فى الولايات المتحدة الأمريكية عن قيادات التطرف والإرهاب فوصلوا إلى أن نسبة 92٪ منهم من ذوى التعليم الرفيع الحديث، وأنهم من الشريحة العليا فى الطبقة الوسطى أو من الطبقة البرجوازية، فأسامة بن لادن كانت لديه ميزانية تقدربالمليارات فعندما تولى الرئيس البشير حكم السودان وكانت لديه أزمة اقتصادية أعطى للبشير قرضًا حل للسودان أزمته المالية، فقد سلف دولة، وكذلك أيمن الظواهرى خريج طب قصر العينى ويجيد الإنجليزية منذ الصغر إجادة تامة، فليس هناك فقر ولا جهل ولكن الفقراء هم الشماعة التى تعلق عليها الأخطاء، فالإرهاب فكرة، وليس فقرًا ولا جهلًا، لأن الذين تصدوا للإخوان من جماهير الشعب المصرى فى «30» يونيو لم يتعلموا فى هارفارد ولا لديهم دكتوراه وليسوا مليونيرات ولكنهم كانوا من عامة الشعب المصري. فالفقر من الممكن أن يؤدى إلى ثورة اجتماعية ولا يؤدى بالضرورة إلى الإرهاب.
الثقافة الجماهيرية فى خطر بالرغم من أنها تمثل حيزًا كبيرًا فى شكل الوجدان المصرى ما أهم المعوقات التى تواجهها؟
لا.. الثقافة الجماهيرية تعمل بشكل كبير جدًا وتؤدى دورها ولكن هناك مشكلة أن هناك تحاملًا عليها، وهناك جهل حقيقى بما تقوم به الثقافة الجماهيرية.
انتشرت موجة من الإلحاد بين الشباب وهناك من يؤكد أنه أصبح ظاهرة فما رأيك؟
هذه إحدى نتائج الإسلام السياسى ونتائج حكم الإخوان، فكان هناك طوال استمرار التاريخ فى مصر بعض ملحدين، لكن كانوا حالات فردية جداً، فبين حين وآخر يدعى أحد أنه المهدى المنتظر أو يدعى النبوة إسماعيل أدهم فى أوائل القرن العشرين نموذج فلم يصبح الإلحاد ظاهرة إلا فى فترة حكم الإخوان، وهذا نتيجة وجود الإسلام السياسى، فالإسلام السياسى شر مطبق، فإذا جددنا الخطاب الدينى وإذا تخلصنا من الإرهاب سوف يتراجع الإلحاد كثيراً.
كيف تقيم دور المثقفين فى مواجهة الفكر المتطرف؟
المثقفون هم الذين تحملوا العبء فى المواجهة وقدموا شهداء مثل فرج فودة، نصر حامد أبو زيد، فقد قاموا ويقومون بدورهم على أكمل وجه فى مواجهة التطرف.
طالبت من قبل بإعادة قراءة وكتابة التاريخ كيف يتم ذلك؟
من خلال الباحثين والمؤرخين، فنحن بحاجة باستمرار لإعادة كتابة وقراءة التاريخ وفق معطيات جديدة، فمع كل مرحلة تتكشف ظروف جديدة ووثائق جديدة ولابد من إعادة قراءة التاريخ، فالتاريخ لا يعرف كلمة نهائية.
حضرت مناظرة فرج فودة.. وكنت شاهدًا على الرغبة فى قتله
ظاهرة الإلحاد بين الشباب إحدى نتائج الإسلام السياسى
«السيسى» يخوض حربًا شرسة ضد «حيتان الفساد»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.