اعرف أسعار الفراخ البيضاء في بورصة الدواجن اليوم    الحكومة تنفي انتشار بطيخ مسرطن في الأسواق    قطع المياه عن قريتين في مركز ناصر ببني سويف لأعمال الصيانة غدا    معلومات عن نظام باتريوت.. واشنطن رفضت تزويد أوكرانيا به    شيماء البرديني: نتنياهو يريد استمرار الحرب للأبد ويستخدم شعبه كدروع بشرية    قبل مواجهة الترجي.. ماذا يفعل الأهلي في نهائي أفريقيا أمام الأندية العربية؟    هدف تاريخي ينتظر محمد صلاح في مباراة ليفربول ووست هام يونايتد اليوم    «رياضة القليوبية» تطلق مبادرة «العمل حياة بناء مستقبل» احتفالا بعيد العمال    حالة الطقس اليوم.. انخفاض درجات الحرارة ونشاط الرياح نهارا وبرودة ليلا    ضبط 16 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    فيلم عالماشي بالمركز الثالث في شباك التذاكر    ناهد السباعي عن مشاركتها في مهرجان أسوان: كانت تجربة ممتعة    عمرو دياب يتألق في أضخم حفلات صيف البحرين (صور)    حكم من مات ولم يحج وكان قادرا عليه.. الأزهر يوضح ما يجب على الورثة فعله    أستاذ «اقتصاديات الصحة»: مصر خالية من شلل الأطفال بفضل حملات التطعيمات المستمرة    «صحة كفر الشيخ» تنظم قافلة طبية لمدة يومين ضمن «حياة كريمة»    «الصحة» تعلن جهود الفرق المركزية في متابعة أداء مراكز الرعاية الأولية    الأوراق المطلوبة لاستخراج شهادات فحص المقبلين على الزواج للمصريين والأجانب    «الداخلية»: حملات أمنية لضبط حائزى المخدرات والأسلحة تضبط 56 قضية ب4 محافظات    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    طارق يحيى: المقارنة مع الأهلي ظالمة للزمالك    كوريا الشمالية تتهم الولايات المتحدة بتسيس قضايا حقوق الإنسان    صوامع الإسكندرية تستقبل 2700 طن قمح محلى منذ بدء موسم التوريد    سينما المكفوفين.. أول تعاون بين مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير ووزارة التضامن    حماس تتسلم رد إسرائيل بشأن الصفقة الجديدة    نظام امتحانات الثانوية العامة في المدارس الثانوية غير المتصلة بالإنترنت    اليوم.. استئناف محاكمة المتهمين بقضية تنظيم القاعدة بكفر الشيخ    تفاصيل جريمة الأعضاء في شبرا الخيمة.. والد الطفل يكشف تفاصيل الواقعة الصادم    إصابة 10 أشخاص إثر انقلاب أتوبيس في الشرقية    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    زلزال بقوة 4.1 درجة يضرب شرق تركيا    السبت 27 أبريل 2024.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت اليوم    «اللتعبئة والإحصاء»: 192 ألفا و675 "توك توك" مرخص في مصر بنهاية عام 2023    كيف أدَّى حديث عالم أزهري إلى انهيار الإعلامية ميار الببلاوي؟.. القصة كاملة    برج الثور.. نصيحة الفلك لمواليد 27 أبريل 2024    المقاولون العرب" تنتهي من طريق وكوبري ساكا لإنقاذ السكان بأوغندا"    "الشيوخ" يناقش جودة التعليم والتوسع في التصنيع الزراعي، الإثنين المقبل    متى يحق للزوجة الامتناع عن زوجها؟.. أمين الفتوى يوضح    قبل 3 جولات من النهاية.. ماهي فرص "نانت مصطفى محمد" في البقاء بالدوري الفرنسي؟    بعد بقاء تشافي.. نجم برشلونة يطلب الرحيل    بعد رأس الحكمة وقرض الصندوق.. الفجوة التمويلية لمصر 28.5 مليار دولار    حزب الله يعلن استشهاد 2 من مقاتليه في مواجهات مع الاحتلال    سياسيون عن ورقة الدكتور محمد غنيم.. قلاش: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد.. النقاش: تحتاج حياة سياسية حقيقية.. وحزب العدل: نتمنى من الحكومة الجديدة تنفيذها في أقرب وقت    علي جمعة: الشكر يوجب على المسلم حسن السلوك مع الله    وزير الري: الاستفادة من الخبرات العالمية فى استثمار الأخوار الطبيعية لنهر النيل    المتهم خان العهد وغدر، تفاصيل مجزرة جلسة الصلح في القوصية بأسيوط والتي راح ضحيتها 4 من أسرة واحدة    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    بعد ارتفاعها.. أسعار الدواجن اليوم 27 أبريل| كرتونة البيض في مأزق    حكم الشرع في الإسراع أثناء أداء الصلاة.. دار الإفتاء تجيب    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    الأهلي ضد الترجي.. نهائي عربي بالرقم 18 في تاريخ دوري أبطال أفريقيا    يسرا اللوزي تكشف سبب بكائها في آخر حلقة بمسلسل صلة رحم.. فيديو    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    مقتل 4 عمّال يمنيين بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لاجئون للبيع.. وسمعة دولة في المزاد
نشر في الوفد يوم 28 - 03 - 2013

ليس دفاعاً عن أحمد قذاف الدم أو أي من رموز الأنظمة السابقة في بلدان الربيع العربي، وإنما دفاعاً عن مكانة وسمعة مصر التي لم تتعكر أو تتبدل في أي عصر من العصور، حتي في ظل الاحتلال الأجنبي المتكرر علي البلاد.
لقد ظلت مصر «أم الدنيا» قبلة اللاجئين وملاذ المضطهدين، ليس فقط من أبناء العروبة الذين تربطنا بهم وشائج الدم، وإنما أيضا لملوك وساسة أجانب استجاروا بالشعب المصري قبل أن يعرف معني الاستجارة، أو يتحصين بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية لحماية اللاجئين.
هذا فيما يتصل بحضانة مصر للاجئين والمضطهدين وكل من يطلب الاستجارة سواء رسمياً أو حتي عرفياً، ولم يعرف عن مصر أن ضحت بلاجئيها حتي لو تأزمت علاقتها الإقليمية كما حدث مع شاه إيران. في بالنا ونحن أمام حالة ملتبسة تخص مواطنا نصفه لاجئ ونصفه مصري وتضرب علي جانبيه صفقات تبادلية تجلب لنا «العار» الدولي.. ويبقي السؤال: من هو اللاجئ.. حقوقه.. واجباته، وكيف تتعامل معه مصر والعالم.. وماذا لو ثبت مصرية أحمد قذاف الدم.. هل ستتم أيضاً مبادلته بوديعة الملياري دولار؟ وكيف سيتم ترميم سمعة مصر الدولية في حالة تسليم هذا الرجل، سواء كان لاجئاً أم مواطنا؟
قبلة اللاجئين تتبدل في عهد الإخوان
توصف مصر عادة بأنها أرض اللاجئين، خاصة السياسيين منهم، إذ كان يرى فيها كثيرون الأكثر أمناً بالنسبة لها، كما أن مصر نفسها كانت تنظر بعين الشهامة في هذه المسألة، فنادراً ما كانت ترفض قبول أوراق طلاب اللاجئين السياسيين وغيرهم على مدار تاريخها، ولكن قد يتبدل الحال وتتغير نظرة المجتمع الدولي لنا بعد واقعة أحمد قذاف الدم الذي دخل البلاد مستجيراً فإذ به يصبح متهماً وطرفاً في صفقة سياسية تجلب لنا العار .
أول حالة لجوء سياسى استضافتها مصر كانت عام 1917 فى عهد السلطان حسين كامل، وكان اللاجئ أحد أمراء عائلة قيصر روسيا وقد جاء من أقاصى العالم ليطلب اللجوء السياسى لمصر عقب قيام الثورة البلشفية، وبعدها تمت استضافة الملك أحمد زوغو ملك ألبانيا عندما سقط العرش على يد الألمان، فجاء إلى القاهرة وتم الاعتراف به الحاكم الشرعى لبلده، وعمل في الاستيراد والتصدير حتى تم ترحيله عام 1954 بعد تورطه فى مشاكل سياسية، لكن ابنه عاد وطلب اللجوء إلى مصر فى عام 1980 وتم قبول طلبه.
وتعتبر مصر مصنع تحويل اللاجئين السياسيين إلى رؤساء جمهوريات مثلما حدث مع شكرى القوتلى السياسى السورى، الذى استقبلته مصر كلاجئ سياسى عام 1950 وعاد إلى سوريا بعد 4 سنوات رئيسا لها عقب انقلاب عسكرى، وكذلك الرئيس التونسى السابق الحبيب بورقيبة الذى عاش فى مصر فترة طويلة فى الأربعينات، قاد خلالها كفاحه ضد الاستعمار حتى عاد إلى تونس رئيساً لها. وكذلك الرئيس اليمنى السابق على ناصر محمد، الذى تحول من لاجئ سياسى فى مصر إلى رئيس جمهورية اليمن الجنوبى. أما صدام حسين فقد عاش فى القاهرة تحت رعاية الرئيس عبد الناصر وتلقى تعليمه كاملا فى القاهرة حتى عاد للعراق، ومن أشهر اللاجئين السابقين حاكم ليبيا السابق الشيخ السنوسى وشاه إيران الذى طاف بطائرته أكثر من خمس دول طالباً اللجوء إليها، لكن مصر هى الوحيدة التى استضافته.
لكن في بعض الأحيان قبلت مصر بعض اللاجئين، رغبة في استخدامهم سياسياً. ومن المعروف عن الرئيس الراحل السادات أنه احتضن المعارضة الليبية فى نهاية السبعينات، وسمح لها بتشكيل جبهة قومية تعارض نظام القذافى وتهدف لعزله، كما سمح لها بإصدار جريدة مستقلة يتم طبعها وتوزيعها فى مصر، كما سمح السادات لأعضاء جبهة البوليساريو بممارسة نفس النشاط من داخل الأراضى المصرية، لكن الرئيس مبارك تدخل لإيقاف نشاط هؤلاء اللاجئين فى إطار خطته الهادفة لتحسين العلاقات المصرية العربية فى بداية توليه للحكم.
وعادة لا يتم لجوء الرؤساء فقط، ولكن زوجاتهم وأقاربهم أيضاً.. مثل زوجة لومومبا زعيم الثورة فى الكونغو التى لجأت إلى القاهرة عقب اغتيال زوجها عام 1963، وفتيحة زوجة نكروما زعيم غانا التى لجأت إلى القاهرة هى وأطفالها فى فبراير 1996 عقب وفاة زوجها. فى كل الحالات يتم توفير الحماية الكاملة للاجئ، لكن تسقط صفة اللجوء عن هذا الشخص ويتم ترحيله متى تورط فى جريمة سياسية أو جريمة مخالفة للنظام والأمن العام، أو تنظيم أى عمل إرهابى ضد أى دولة. ومن أشهر أمثلة سقوط الصفة عن اللاجئ تلك الواقعة التى حدثت عام 1970 عندما تم ضبط اللاجئ السياسى الأمير إدريس نجل الأمير الراحل عبد الكريم الخطابى وفى حوزته 140 زجاجة ماكس فورت وتم ترحيله على الفور.
وتهتم الدولة المضيفة بحماية حياة اللاجئ السياسي، وهناك واقعة شهيرة بطلها عبد الخالق محجوب رئيس وزراء السودان السابق الذى كان لاجئاً سياسياً فى عهد الرئيس عبد الناصر، فقد طلب من عبدالناصر أن يسمح له بالعودة إلى السودان فقال له عبدالناصر من الأفضل أن تظل فى مصر لفترة، فقال له محجوب: هل اعتبر هذا التصريح بمثابة احتجاز لى فى مصر وتقييد لحركتى؟.. فسمح له عبدالناصر على الفور بالسفر إلى السودان على طائرته الخاصة، وصدق حدس الرئيس عبدالناصر حيث تم إعدام عبد الخالق محجوب بعد وصوله إلى السودان بأسابيع قليلة. وتعرض أكثر من لاجئ سياسى لمحاولة اغتيال فى مصر تصدى لها الأمن المصري، ومنهم صبحى عبد الحميد رئيس وزراء العراق الأسبق عام 1972، والمحاولة التى تعرض لها عبد الحميد البكوش رئيس وزراء ليبيا عام 1979.
أما أشهر طلبات اللجوء لمصر التى تقدم بها فريق كرة القدم الأثيوبى تحت 17 سنة والذى كان موجودا فى القاهرة عام 1992 لأداء مباراة مع المنتخب القومى المصرى، وقد رفضت بعثة الفريق بالكامل (35 فردا) الرجوع إلي إثيوبيا باستثناء 5 أشخاص.
ويعيش في مصر عموما آلاف اللاجئين من جنسيات مختلفة بسبب ظروف الحرب في المناطق التي يعيشون فيها في بلادهم، كاللاجئين الكويتيين خلال حرب الخليج، والعراقيين خلال الاحتلال الأمريكي، والسوريين بسبب الصراع المسلح بين نظام بشار الأسد ومعارضيه. لكن يعتبر اللاجئون الفلسطينيون هم الأقدم فى مصر إثر جولات الصراع العربى الصهيونى منذ 1984 حتى اليوم، ورغم الاتفاقيات الفلسطينية الصهيونية المتعددة فإن العقد الماضى شهد لجوء أعداد غير قليلة بسبب اندلاع صراعات جديدة كان أبرزها اللجوء الفلسطينى الجديد على الحدود الليبية المصرية عقب قرار ليبيا بطرد 130 ألف فلسطينى طرداً جماعياً فإذ بهم يعيشون فى مخيمات بالصحراء الغربية. وتولت مسئولية هؤلاء وقتها منظمة «الأونروا» وهى المختصة بشئون اللاجئين الفلسطينيين.
حظي السودانيون بالنصيب الأكبر من أعداد اللاجئين فى مصر، وهم أصحاب الدور الأبرز فى العمل السياسى العربى المعارض داخل القاهرة، فمنذ سنين يوجد بالقاهرة بشكل رسمى مكتب الحركة الشعبية لتحرير السودان، وكذلك يوجد فى القاهرة ممثلون لأغلب الأحزاب والحركات السياسية المعارضة للنظام السودانى وعلى رأسهم الصادق المهدى وجماعته أعضاء حزب الأمة. أما اللاجئون اليمنيون فوضعهم يختلف بعض الشىء، فلا يوجد نشاط سياسى ولا معلومات كافية عنهم، كما أن أعدادهم فى مصر ضئيلة جدا، وأشهرهم هو سعد المريس الذى طلب اللجوء السياسى لمصر عام 1992 حيث كان من العناصر النشطة فى مواجهة دخول الشماليين اليمن الجنوبى.
«جمعة» المنياوي ليس للبيع
تساؤل غريب يدعو إلي الدهشة: هل مصر ممكن تبيع مواطنيها فى أى وقت؟ هذا ما قد يفهم من تعامل السلطات المصرية مع أحمد قذافى الدم، خاصة بعد تسليم أوراق للمحكمة تفيد بأنه من أبوين مصريين، حسب ما أكدته عصمت الميرغني محامية أحمد قذاف الدم، بأن موكلها من أبوين مصريين، وأن اسمه الحقيقي في شهادة الميلاد المصرية، هو جمعة قذاف الدم، وأنه من عائله مصرية موجودة في محافظة المنيا، مشيرة إلى أن عائلات قذاف الدم موزعة بين الفيوم والمنيا ومرسى مطروح.
وبناء على هذه المعلومات، من المفروض أن القانون الواجب تطبيقه عليه هو القانون المصري فقط، وأن النيابة العامة هي المنوطة بالتحقيق معه، وأنه لا يحق أن يحاكمه غير القضاء المصري إذا كان هناك مقتضى لمحاكمته.
وأشارت المحامية إلى أنها ستقدم أوراقاً للنائب العام، تشمل شهادات ميلاد لأشقائه الأكبر والأصغر من الأم والأب، وأوراق أخرى تفيد بأن اسم جمعة في شهادة الميلاد المصرية هو ذاته أحمد قذاف الدم في جواز السفر الليبي، لتساند الأوراق المقدمة بشهادة ميلاده.
وقبل دقائق قليلة من قيام البوليس الدولي «الإنتربول» بضبطه في منزله بالزمالك في القاهرة، قال قذاف الدم: لسنا مجموعة من المجرمين أو الإرهابيين حتى تُداهم منازلنا بهذا الشكل.
ولد قذاف الدم، لأم مصرية وأب ليبي عام 1952 في محافظة مرسى مطروح، ومازال أخواله يعيشون في محافظة البحيرة، ويقال إنهم من قبائل أولاد علي، وهي قبائل مصرية من أصل ليبي، بحسب ما نشره موقع «ويكبيديا» والذي لفت أيضا إلى حجم الاستثمارات التي ضخها قذاف الدم في مصر يقدر قيمتها حتي عام 2011 بنحو 10 مليارات دولار.
وتربط أحمد قذاف الدم، بالعقيد معمر القذافي، الرئيس الليبي الذي تم اغتياله أثناء أحداث الثورة الليبية صلة قرابة فهو ابن عمه، وعمل لسنوات مبعوثا شخصيا له, كما تولى مسئولية تنسيق العلاقة بين ليبيا ومصر، وكان في الوقت نفسه يصنف ضمن دائرة كبار المسئولين الأمنيين في النظام.
ونجح قذاف الدم في إدارة إمبراطورية ضخمة من رؤوس الأموال، التي استثمرها نظام القذافي في مصر، وكان قذاف الدم هو الحارس الأمين لتلك الأموال والتي قدرت بالمليارات، وبعد سقوط النظام، ظل قذاف الدم هو صاحب تلك الأموال، بينما طالب النظام الليبي الجديد بتسليمه وتسليم تلك الأموال باعتبار أنها أموال الشعب الليبي.
وخاض النظام الليبي الجديد رحلة طويلة لإقناع السلطات المصرية لتسليم قذاف الدم، وغيره من المطلوبين الذين يتهمون بأنهم من نظام القذافي، والذين لعبوا دوراً ضد الثورة الليبية، بينما أصرت الحكومة المصرية على أن يكون تسليمه وفق الإجراءات القضائية المعمول بها، وهو ما استغرق وقتا طويلا، حتى ألقى الانتربول القبض عليه.
وكان أحمد قذاف الدم، طلب اللجوء السياسي إلى مصر احتجاجا على حملة القذافي ضد المتظاهرين، حسب قوله، وأقام بحي الزمالك بدعوة من الحكومة المصرية والمجلس العسكري، حيث اعتقل به بأمر من الإنتربول.
بعدها قرر النائب العام المصري المستشار طلعت عبد الله تسليم اثنين من مسؤولي نظام العقيد الليبي معمر القذافي إلى الإنتربول المصري، تمهيدا لتسليمهما إلى السلطات القضائية الليبية، وهما محمد علي منصور وعلي ماريا مع احمد قذاف الدم ابن عم القذافي ومنسق العلاقات المصرية الليبية السابق .
وكانت وثائق مخابراتية امريكية كشفت رفض المشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري السابق لقاء قادة عسكريين ليبيين طلبوا لجوء القذافي إلى مصر.
وكشفت مصادر ليبية النقاب عن أن عائلة العقيد الليبي الراحل معمر القذافي توجهت إلى إحدى الدول العربية بعد خروجها من الجزائر أخيرا، مؤكدة أن سلطات هذه الدولة حصلت مسبقا على تعهد من معظم أفراد العائلة بعدم استخدام أراضيها للعمل السياسي أو الإعلامي ضد ليبيا بأي شكل من الأشكال.
ومنحت حكومة هذه الدولة العربية عائلة القذافي التي تضم زوجته صفية فركاش وأبناءه الثلاثة عائشة ومحمد وهانيبال وأحفاد القذافي، حق اللجوء السياسي على أراضيها، لافتة إلى أنه تم إبلاغ السلطات الليبية والجزائرية بهذه الترتيبات بشكل مسبق حتى لا يساء الفهم .
كما تم منح أفراد العائلة جوازات سفر دبلوماسية خاصة لتسهيل انتقالهم من الجزائر بعد حصولهم على حق اللجوء السياسي في الدولة.
وفضلت عائلة القذافي اللجوء لدولة عربية وهى «عمان» بدلا من التوجه لإحدى الدول الأفريقية أو الأوروبية التي ارتبطت في السابق بعلاقات وطيدة مع نظام القذافي قبل سقوطه.
الاستثناء الوحيد للإرهابيين ومجرمي الحرب
تحظر الدساتير فى معظم دول العالم ومنها الدول الاوروبية عمليات تسليم اللاجئين السياسيين الى دولهم، وتفرق الدساتير بين اللاجئ السياسي والمجرم العادي، فاللاجئ السياسي لا يمكن تسليمه بأى حال من الأحوال، خاصة هؤلاء الذين فروا من دولهم ولجأوا إلى دولة اخرى للنجاة بأنفسهم من بطش النظام الحاكم بوطنهم، بسبب دفاعهم عن الحرية أو بسبب مبادئهم السياسية أو دفاعهم عن الحرية، بينما تحدد الدساتير شروطاً لتسليم المجرمين العاديين من أهمها وجود اتفاقية بين الدولة طالبة التسليم وبين الدولة المضيفة لتسليم وتبادل المجرمين.
ووفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإنه لا يجوز أن يخضع اللاجئ لتدابير خاصة منها إجراءات منع اجتياز الحدود، وإذا كان قد دخل أراضي دولة ما بالفعل، فلا يجوز ترحيله أو إرغامه على العودة إلى الدولة التي قد يكون فيها عرضة لأي نوع من أنواع الاضطهاد، كما يمنع الإعلان العالمي في الفقرتين (2، 3) الخروج عن هذا المبدأ من قبل الدولة حتى في الحالات الاستثنائية، فيما عدا حالة واحدة هي عندما تواجه الدولة مانحة اللجوء أسبابا «قاهرة تتعلق بأمنها القومي وحماية سكانها كما في حالة تدفق أعداد هائلة من اللاجئين، إذا كان اللجوء عملا سلميا وإنسانيا» وغرضه حماية من يتعرضون للاضطهاد.
وفى اوروبا والدول الديمقراطية الغربية ، يتم احترام كل المبادئ المتعلقة بحماية حقوق اللاجئين، خاصة فيما يتعلق بنص المادة (33) من مبادئ الأمم المتحدة والاتفاقية الدولية المتعلقة بأوضاع اللاجئين لسنة 1951، والتى تنص على منع طرد أو ترحيل لاجئ إلى حدود أراضي دولة تكون فيها حياته أو حريته مهددة بالخطر بسبب عرقه أو ديانته أو جنسيته أو آرائه السياسية أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة، غير أوروبا نفسها اضطرت فى بعض الأوقات إلى عمل استثناءات خرقت هذه المبادئ ، وتم ذلك بصورة غير قانونية، منها قيام بعض الدول بتسليم لاجئين سياسين متهمين بارتكاب جرائم حرب إلى دولهم او متهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وذلك على غرار لاجئين سياسيين ألمان ينتمون إلى عهد النازى فروا لدول اوروبية مختلفة، أو لاجئين متهمين بارتكاب جرائم حرب فى اليابان، أو دول يوغسلافيا السابقة، وتم ذلك بصورة محدودة، وفى حالات استثنائية، حيث لا يوجد فى مبادئ الأمم المتحدة لحقوق اللاجئين ما يستوجب تسليم اللاجئ، ولكن يوجد بها ما يستوجب رفض قبول اللاجئ من الأصل، إذا ما كان استقباله فى البلد المضيف يهدد أمن الدولة، أو يعرضها لخطر الحرب، أو ان الدولة المضيفة تعانى من أمواج كبيرة من اللاجئين، والدول الأوروبية التى تقوم بتسليم اللاجئين من مرتكبى جرائم الحرب، عليها ان تتأكد من أدلة اتهام مجرم الحرب وتتحقق من الوثائق التى تؤكد هذا الاتهام، حتى تكون هناك مبررات قانونية واضحة لتسليمه إلى بلده، مع الحصول على ضمانات بتحقيق محاكمة عادلة له، وإلا يتم تسليمه إلى بلد يطبق حكم الإعدام، نظرا لحظر القوانين الأوروبية حكم الإعدام.
وباستثناء عمليات التسليم المحدودة للاجئين من مرتكبى جرائم الحرب أو جرائم ضد الإنسانية، فقد اضطرت دول أوروبا عقب أحداث 11 سبتمبر الإرهابية فى أمريكا إلى ارتكاب مخالفات قانونية ودولية، بقبولها تسليم عدد من اللاجئين إليها من العرب والمسلمين إلى أمريكا، وذلك لمحاكمتهم بتهم الإرهاب على غرار ما حدث فى بريطانيا، وإيطاليا، بل حدث فى السنوات التى تلت 2001 وقوع عمليات اختطاف للاجئين من بلدان أوروبية ونقلهم سرا إلى أمريكا، ورغم ذلك فإن بعض دول أوروبا على غرار ألمانيا تتمسك برفض تسلم اللاجئين أيا كانت أسباب طلب تسلميهم من بلدانهم قوية، وتفضل هذه الدول تسلم وثائق وادلة الاتهام، ومحاكمة اللاجئ على أراضيها، حتى تضمن له محاكمة عادلة، خاصة إذا كان الدولة التى ينتمى لها اللاجئ دولة غير ديمقراطية، تطبق الأساليب القمعية مع المتهمين، أو تتعارض من احترام حقوق الإنسان، أو يشتبه فى تنفيذ محكمة غير عادلة للاجئ.
ومن أشهر اللاجئين السياسيين الذين شهدت أوروبا محاكمتهم فى البلد المضيف «ألمانيا» بعد ان رفضت الأخيرة تسليمه، هو اللاجئ الهولندي هاينرش بوره، والذى تمت محاكمته فى ألمانيا بعد 65 عاما من ارتكابه جرائم الحرب عام 1944 وبعد سنوات طويلة من لجوئه لألمانيا، وتمت محاكمة بورة وعمره 88 عاما أمام القضاء الألماني بتهمة قتل مواطنين أبرياء من الهولنديين إبان الحرب العالمية الثانية، وذلك ضمن عملية ألمانية اطلق عليها اسم «سيلبرتانه»، هذا الاسم المشفر للعملية التى بموجبها قام الألمان بقتل عشرات المواطنين الأبرياء فى هولندا بين سنتي 1943 و1944 انتقاما من عمليات المقاومة بهدف الإرهاب وزرع الرعب بين المواطنين»، وتسبب اللاجئ بورة فى توتر العلاقات أكثر من مرة بين هولندا وألمانيا، وأخيرا فى عام 2009 وافقت ألمانيا على محاكمته على أراضيها، وتمسكت برفض تسليمه إلى هولندا.
حق اللاجئ في الإسلام والتشريعات الدولية
عرفت الشريعة الإسلامية مفهوم اللجوء السياسي وسبقت التشريعات الدولية في كثير من الأحكام المرتبطة بمنح هذا الحق, ولم تكتف بإلزام السلطات المختصة بحماية ورعاية اللاجئين وإنما ألزمت الدولة بنصرتهم والدفاع عنهم في حال تعرضوا للأذى، كما دعت إلى منحهم حق المواطنة الكاملة بصفة (ذميين) إذا تخطوا المدة المقررة لإقامتهم.
واللاجئ في دار الإسلام يتمتع بحقوق تكفل له الحياة الكريمة، وله الحق الكامل في ممارسة شعائره الدينية، والحرية في العمل والتنقل والتعلم واستخدام لغته الأصلية والإفادة من مرافق الدولة المختلفة، تحت مظلة القانون الإسلامي.
وعليه واجبات أهمها: احترام القوانين النافذة، وعدم التظاهر بما فيه إساءة لشعائر الإسلام، كما أنه ملزم بعدم الإضرار بالمسلمين أو تعريضهم لأي نوع من أنواع الأذى، سواء كان ذلك في النواحي الاقتصادية، أو الأمنية، أو العسكرية، أو السياسية، أو الاجتماعية، أو الدينية.
ويعد وضع اللجوء لاغيا بأمور منها: عودة اللاجئ إلى بلاده، انتهاء المدة المقررة له، ارتكابه جرائم خطرة، منحه حق المواطنة سواء بدخوله في دين الإسلام، أو صيرورته من أهل الذمة.
وليس للمسلم أن يلجأ إلى (دار الكفر) بأي صفة كانت إلا في حدود ضيقة جداً، وضمن شروط أهمها:
أن يتيقن أن وجوده في بلده سيعرضه للهلاك في جسده، أو ماله، أو أهله.
أن تنعدم وسائل الإصلاح والتوفيق التي يمكن أن تدرأ عنه الأخطار.
أن يضمن عدم التعرض للفتن في دار الكفر.
وخلال فترة إقامة اللاجئ المسلم في (دار الكفر)عليه أن يعامل سكانها بأخلاقه الإسلامية، وألا يتعرض لأموالهم، أو أعراضهم، بأي شكل من أشكال الإساءة، وأن يسعى سعياً حثيثاً لنشر دعوة الإسلام بينهم.
( وعلى الصعيد الدولى تنص المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأن لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحاول اللجوء اليها هرباً من الاضطهاد»- هذا الحق لا يمكن التذرع به في حالات الدعاوي القانونية التي تنشأ عن جرائم غير سياسية أو عن أفعال تتعارض ومبادئ منظمة الأمم المتحدة-, ولم يتعرض لهذا الحق الاتفاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية ولا الاتفاقية الاوروبية لحقوق الإنسان - فقط هناك الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان التي تعرضت إلى هذا الحق.
وبمقتضى هذه الاتفاقية ان كل إنسان تتعرض حياته أو سلامته البدنية أو حريته للخطر يكون له الحق في طلب الملجأ، ويجب ألا يطرد شخص إلى بلاد لا يرغب فيها أو يترتب عن ذهابه إليها أن تتعرض حياته أو حريته للخطر.
وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة1967 اعلاناً خاصاً حول اللجوء الإقليمي. حيث قرر الإعلان أن حق اللجوء هو عمل إنساني ثم أعلن عن مجموعة من المبادئ تسترشد بها الدول ومن أهمها ما يلي:
- على الدول الأخرى ان تحترم حق اللجوء الذي تمنحه أي دولة، أعمالاً لحقها في السيادة للاشخاص الذين يستحقون طبقاً للمادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بما في ذلك الاشخاص الذين يكافحون ضد الاستعمار.
- لا يجوز منح حق اللجوء إلى أي شخص توجد بشأنه أسباب قوية تحمل على الاعتقاد بأنه ارتكب جريمة ضد السلام أو ارتكب جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية وطبقاً للتعريف المحدد لهذه الجرائم في الوثائق الدولية.
- للدولة مانحة حق الجوء الحق بتقرير الأسس التي تمنح بناء عليها هذا الحق.
- ان وضع الأشخاص الذين تنطبق عليهم المادة14 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، يهم المجتمع الدولي ويعنيه.
- حينما تجد دولة من الدول صعوبة في منح حق اللجوء أو الاستمرار في منحه، فإن الدول الاخرى تقوم وبشكل فردي أو جماعي أو من خلال الأمم المتحدة وبروح التضامن الدولي، بالنظر في الإجراءات المناسبة لتخفيف العبء عن كاهل تلك الدولة.
- لا يخضع اي شخص تنطبق عليه المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لاجراءات مثل رفض لجوئه عند حدود الدولة التي ينشد اللجوء إليها، وإذا ما كان قد دخل أراضيها بالفعل أو الطرد. أو الإعادة الإجبارية إلى أي «دولة» قد يتعرض فيها للاضطهاد، ولا يجوز استثناء من المبدأ السابق إلا في حالة وجود أسباب قاهرة، تتعلق بالأمن القومي أو لحماية السكان كما في حالة التدفق الجماعي للاجئين.
ومن جانبها اعتبرت اللجنة الأوروبية لحقوق الانسان أن طرد أو تسليم أجنبي لاجئ إلى بلده رغماً عنه يعتبر عملاً غير إنساني ويشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.