والدى أتاح لنا بيئة قرآنية منذ نعومة أظافرنا ونستكمل مسيرته الموهبة تورث.. وشهرة «أبى» سبب حب الناس لنا الجينات الوراثية عامل مؤثر.. وأرفض تقليد المقرئين ابن الوز عوّام.. ذلك المثل باللهجة العامية ينطبق على كل شىء يشبه بعضه البعض، وفى ظل هذا المثل يتساءل البعض: هل تنتقل قراءة القرآن وحلاوة الصوت ودقة الإحساس بآيات الله مع الجينات الوراثية أو تسرى فى الدم من الأب إلى الابن إلى الحفيد؟، ومن هؤلاء المقرئين الذين ورثوا حلاوة الصوت القارئ ياسر نجل أمير دولة التلاوة المصرية الشيخ ياسر عبدالباسط عبدالصمد رحمه الله، لينطبق قول الله عز وجل عليهم «ذرية بعضها من بعض»، الشيخ ياسر لم يكن من خريجى الأزهر الشريف، فقد تخرج فى كلية الآداب بقسم اللغات الشرقية ويجيد ثلاث لغات، إلا أنه اتخذ مسار والده هو وشقيقه اللواء طارق عبدالباسط والذى دخل أيضًا إلى عالم التلاوة استكمالاً لمسيرة العملاق الكبير والده الشيخ عبدالباسط. الشيخ ياسر عين قارئًا للسورة بمسجد سيدى حسن الأنور ثم مسجد الإمام الشافعى الذى ظل يقرأ والدهما فيه لسنوات طوال، ومنذ نعومة أظافره ورث حلاوة الصوت واصطحبه والده معه فى كثيرٍ من الحفلات الدينية والليالى القرآنية، حتى إنه قرأ لأول مرة أمام حشد المصلين فى مسجد العارف بالله سيدى عبدالرحيم القنائى بصعيد مصر والذى شهد أول قراءة للشيخ ياسر وعمره 7 سنوات، وبالتأكيد مع تراكم وتتابع السنوات اكتسب القارئ ياسر نجل أمير القراء الصوت الحسن وحسن التلاوة، ليصبح نقيب قراء القاهرة حاليًا ويستكمل مسيرة والده فى دولة التلاوة، «الوفد» التقت القارئ ياسر عبدالباسط عبدالصمد وهذا نص الحوار: إذا عدنا إلى البدايات فى حياتك فماذا تقول؟ والدى الشيخ عبدالباسط رحمه الله أتاح لنا البيئة القرآنية المناسبة التى نشأنا فيها منذ نعومة أظافرنا وكنا ندرس على يد الشيخ عبدالعزيز بكرى، وحصلت على ليسانس آداب قسم اللغات الشرقية وأجيد ثلاث لغات. كما حصلت على شهادة عالية القراءات وحاليا تخصص القراءات بمعهد الأزهرى، بالإضافة إلى دراستى الجامعية، وعينت قارئاً للسورة بمسجد سيدى حسن الأنور منذ عام 2003 لمدة «13» عاماً، وبعد ذلك انتقلت لمسجد الإمام الشافعى منذ 6 سنوات تقريبًا، وهو المسجد الذى كان يقرأ فيه الوالد لمدة 35 عامًا، وحاليًا أنا نقيب قراء القاهرة وعضو مجلس إدارة النقابة لمدة «18» عامًا حتى الدورة الماضية. وماذا تقول عن والدكم رحمه باعتباره أمير دولة التلاوة؟ إذا تحدثت عن والدى رحمه الله وأسرته فقد ولد فى الأول من يناير عام 1927 بمدينة أرمنت بمحافظة الأقصر حاليا جنوب مصر، وعندما بلغ السادسة من عمره أرسله والده لكتاب القرية لحفظ القرآن بصحبة شقيقيه الأكبر «محمود» وكان يعمل مدرسًا فى الثانوية الزراعية بالهرم، و«عبدالحميد» ويعمل مدرساً فى أرمنت، وأصغر أشقائه «عبدالمنعم» والذى كان يعمل بالجمعية التعاونية للبترول، وكعادة أهل الصعيد آنذاك، كان يذهب مع شقيقيه محمود وعبدالحميد لكتاب القرية، لكن الشيخ أعجب به أشد الإعجاب، واعتاد الفتى الصغير على سماع القرآن من قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت من الراديو الوحيد بالبلدة بمنزل العمدة، وعند عودته لبيته كان يرتل ما يسمعه بصوت عذب جميل، ما جعل أهل بلدته يطلقون عليه لقب «الشيخ» فى هذه السن الصغيرة، وحينما بلغ سن العاشرة من عمره أتم حفظه للقرآن الكريم وأرسله والده إلى قرية «المطاعنة» التابعة لمدينة إسنا لكى يتعلم علوم القراءات على يد الشيخ محمد سليم المنشاوى القاريء المعروف بعلوم القراءات، فى حين أرسل أشقاءه للقاهرة ليلتحقوا بالأزهر الشريف، وقد أقام والدى بديوان وسراى عائلة إبراهيم بك فراج طايع عضو مجلس النواب وحظى برعاية وحب واهتمام أهل المطاعنة، وكان تعلقه بشيخه فرصة لمرافقته فى الليالى القرآنية التى كان يدعى لها الشيخ محمود سليم فى المناسبات الدينية المختلفة فاشتهر فى محافظات الوجه القبلى حتى ذاع صيته هناك. وماذا عن أسرة الشيخ عبدالباسط رحمه الله؟ أما عن أسرة الشيخ وأبنائه فنحن 7 ذكور و4 إناث توفيت شقيقتنا الكبرى والشقيق الأكبر لنا وجميع أبناء الشيخ رحمه الله لهم صلة بالقرآن سواء بالحفظ أو القراءة، لكننى وشقيقى طارق استكملنا مسيرة الوالد فى عالم التلاوة. كانت زيارة الشيخ عبدالباسط إلى القدس إحدى النقاط المهمة فى حياة القارئ الكبير فماذا عنها؟ فى السادس والعشرين من شهر يناير عام 1963 اجتمع عدد كبير غير مسبوق من أهل القدس ومن حولها من بلدان فلسطين فى أول يوم رمضان المعظم عام 1382ه وامتلأ المسجد الأقصى بصحنه وملحقاته فى وجود أكثر من 50 ألفاً خارجه، وبعد أن انتهت صلاة العصر أعلنت ميكروفونات المسجد الأقصى ليقرأ فيه وتنهمر الدموع وتعلو الهتافات فى المسجد الأقصى وانهالت العروض على الشيخ عبدالباسط من مشارق الأرض ومغاربها لإحياء شهر رمضان بها. ماذا عن تأسيس نقابة القراء وكيف اختيرأول نقيب لها؟ أما عن قصة تأسيس نقابة القراء فقد سعى الشيخ أحمد الرزيقى مع الشيخ عبدالباسط والشيخ البنا، وكان من المعروف أن الشيخ البنا متعلق بعبدالناصر بشدة حتى إنه كان يقرأ فى ذكراه دون أجر حتى رحيله، وذهب الثلاثة إلى وزير الأوقاف ولم ينجحوا فى شىء، فكتبوا خطاباً للرئيس السادات فاستجاب لهم وحدد لهم موعداً وذهبوا للقائه فى استراحة «القناطر الخيرية» حتى طلب «السادات» من سكرتيره الشخصى فوزى عبدالحافظ تلبية طلبات القراء وأن يتم تأسيس نقابة للقراء واختيار القراء بالإجماع للشيخ عبدالباسط كأول نقيب لهم. هناك شبه كبير بين صوتك وصوت والدك فهل ورثت الموهبة منه؟ لا شك أن الموهبة تورث أحياناً، وشهرة والدى فتحت لى آفاقاً كبيرة، ولم أكن أتصور أن والدى له شهرة واسعة بهذا الشكل إلا بعد أن سافرت خارج مصر، ففى سوريا على سبيل المثال رفض سائق التاكسى تقاضى أجرته عندما علم أننى ابن الشيخ عبدالباسط، وكذلك رأيت شهرة والدى فى العديد من البلدان العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التى تكن لوالدى حبا كبيرا. هل رافقت والدك فى رحلاته وسهراته القرآنية وقرأت فى وجوده؟ بالتأكيد كان والدى يصطحبنى أنا وإخوتى كثيرا معه، وقد قرأت القرآن فى مسجد سيدى عبدالرحيم القنائى وكان عمرى وقتها 7 سنوات فى وجوده، وقد أثنى الحاضرون على أدائى فى التلاوة كثيرا، وكان والدى يطلب منى القرآة أمام ضيوفه من داخل مصر وخارجها أو أن أؤذن وقت الصلاة، ودائما كان يصطحبنى معه أنا وأشقائى إلى مسجد الإمام الشافعى، والذى ظل قارئا به إلى أن توفاه الله. هل أفادتك شهرة والدك أم أنها كانت عائقاً أمام تواجدك على الساحة فى دولة التلاوة؟ بالطبع أفادتنى كثيرًا، فشهرتى جاءت من شهرة والدى رحمه الله، لكننى أدفع ضريبتها، حيث يتجمع الناس حولى ويسلمون على ويعتبروننى تكملة لوالدى رحمه الله، وهذا شىء جيد لكنه مرهق، وأنا لم أقلد والدى يوماً، لكن الجينات الوراثية بالتأكيد لها دور كبير فى تشابه الأصوات، وإذا أردت التقليد فسأقلد مقرئاً غير والدى، ولكن الحمد لله لى بصمتى وأدائى الخاص بى. هل قارئ القرآن له مواصفات خاصة يجب الالتزام بها؟ نعم.. لا بد أن يكون متمكناً من حفظ كتاب الله كاملاً حتى لايتعرض للحرج، ويفضل أن يكون على دراية بالروايات ومعرفة بها إن أمكن، وإذا لم يكن على دراية بها فليست مشكلة، ولابد أن يتوفر فيه حسن الأداء والصوت الحسن والقراءة التعبيرية عن المعنى سواء فى آيات الترغيب أو الترهيب، حتى تقع الآية على مسامع القارئ، كما أرادها الله عز وجل وأن يراعى الله فى القراءة. أخيراً.. ما أهم التكريمات والأوسمة التى حصل عليها والدك رحمه الله وما زلتم تحتفظون بها؟ زار والدى العديد من الدول العربية والأوروبية ومنها المملكة العربية السعودية والعراق وسوريا والمغرب والأردن والجزائر والكويت وقطر والإمارات والبحرين وليبيا وباكستان وجزر المالديف والهند وجنوب أفريقيا ونيجيريا والسنغال وفرنسا والمملكة المتحدة وإسبانيا والولايات المتحدة بواشنطن، أما الأوسمة والنياشين فقد حصل على أوسمة عديدة من مصر والعالم مثل وسام الاستحقاق من سوريا ووسام الأرز من لبنان والوسام الذهبى من ماليزيا ووسام الاستحقاق من السنغال ووسام الكفاءة الفكرية من ملك المغرب محمد الخامس والوسام الذهبى من باكستان ووسام العلماء من الرئيس ضياء الحق ووسام الإذاعة المصرية فى عيدها الخمسين سنة 1984 ثم وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى من الرئيس مبارك فى احتفالية ليلة القدر سنة 1990 والوسام الفلسطينى من ياسر عرفات تسلمه شقيقى القارئ اللواء طارق نيابة عنه فى 2001 وعدد من النياشين من تونسولبنان والعراق.