لا أدري من الذي نصح الفاضلة كاميليا بالظهور في قناة تقتات بسب الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم ليل نهار مع ما في هذا من تلميح بدعم الكنيسة لزكريا بطرس وأمثاله من المتحرشين بالإسلام والمسلمين. في هذا الظرف الحرج الذي يمر به البلد لا وجود لرفاهية الخطأ بالبطء في حل الأزمات. من أشعل أزمة كاميليا ابتداءً؟ الذي حدث أني رأيت جموعا تصرخ "خطفوا مرات أبونا وبكرة هيخطفونا"، وجمع القساوسة حشودا للمظاهرات، وسُلمت كاميليا إلى أمن الدولة - مثلما حدث مع وفاء وغيرهما - فأعادها إلى أهلها، ثم سمعنا ما أذهلنا من الأنبا أغابيوس بقوله إنهم سيقومون بغسيل مخ فوق ما تم لها من غسيل، وكأنها ليست عاقلة وراشدة وحرة تختار ما تشاء. ظلت الكنيسة صامتة مثلما صمتت عن إساءات بطرس، وتطرف البعض من شباب الأقباط إلى ذبح من أسلمت وزوجها وأولادها، وليست آخر الجرائم ما حدث لسلوى. ولاحظ بالمقابل استقبال شيخ الأزهر للأخ الذي قطعت أذنه وتعويضه. إذا كانت كاميليا مسيحية وستموت مسيحية فلماذا اختفت كل هذا الوقت؟ والأهم من هذا لماذا لا نعطي المسارات الطبيعية حقها؟ فنحن في دولة فيها نيابة وقضاء، وليكن القانون حكما في دولة بها تنوع ديني. فضلا عما ارتكبه الأنبا بيشوي من قوله إن المسلمين ضيوف وطعنه في القرآن الكريم، ما زلت أذكر في كل حوارات البابا وهو يشير صراحة إلى اضطهاد الأقباط في مصر في الوظائف والتعليم، وأن التطرف أبعد ما يكون عن المسيحي. والحقيقة أن البابا ينكر تغير الخطاب القبطي إلى ما يشبه البلطجة في التحرش بالإسلام والمسلمين على نحو أسهل ما تراه على مواقع الإنترنت، وشاشات الفضائيات المسيحية، وجرائم القتل والذبح لبنات ونساء تركن المسيحية. وبعد تصريحات الأنبا بيشوي قال البابا نحن قادرون على الرد، واحتقن وجهه قائلا: لم أعتذر لأحد، وهو يرى أن ما يتقيؤه زكريا بطرس من سب مقيت ومقزع لديننا ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ما هو إلا فكر يستوجب من شيوخ الإسلام الرد، والأدهى أنه اشترط سكوته بسكوت المنتقدين للمسيحية، وكأننا في سجال أو شادر سمك يتنابز البائعون فيه بأحط الألفاظ حتى يروجوا بضاعتهم. ولو دققت في كلام البابا لوجدته يقول بالحرف: "يعني كل ما نسكت أقباط المهجر تهيجوهم" والمعنى واضح. إن أصل الداء لما نحن فيه اليوم من فتنة حقيقية وخطر داهم هو أنه لم يكن هناك من البداية ترسيم لحدود الجميع من رجال الدين والساسة وضباط الأمن والمتابعين لهذا الشأن. فليس لرجل الدين المسيحي أن يكون وصيا على إرادة المسيحيين، أو أن يمارس السياسة، أو أن يحجز مخلوقا ولو قطة صغيرة، وليس لضابط جاهل أن يتعاطى ملفا له أبعاد دينية واجتماعية ونفسية لا حدود لها. والجميع يشهد أن محمد حجازي ونجلاء الإمام ورحومة وغيرهم قد هاجموا الإسلام على مرأى الجميع، ولم يتعرضوا لأذى، ولم تكلف الكنيسة خاطرها بإنكار بسيط يحفظ لها قيمتها في نفوس المسلمين خاصة ومواقفها مشرفة في رفض التطبيع وإظهار كل ما يؤكد وطنيتها. في الملف الطائفي بمصر، والواقع أن ثمة فتنة بالفعل، ترى كل المقاربات والمعالجات لهذا الملف إما تهويل أو تهوين. تقرأ مثلا للأستاذ بلال فضل مقالا عجيبا عنوانه: "بصقات مقدسة" يورد فيه رسالة مواطن من البحيرة يحكي فيها بحزن شديد عن أخته ذات الستة عشر ربيعا والتي ما إن تخرج حتى تعود وملابسها كلها مغطاة ببصقات المسلمين لأنها مسيحية، وليت شعري وليسمح لي، سيما وقد أكد الرواية بقوله في ختامها إنها ستجد من يتجاهل ما فيها من "اضطهاد مؤسف"، كما ردح للدكتور نافعة وأهانه لما قال الأخير إنه يشك في تدبير بعض أقباط المهجر لجريمة القديسين، ثم إنه لا يمل من الحديث عن رسائل من مسلمين (واخد بالك يا مرسي، مسلمين) تكفره، أقول ليسمح لي: هل هذه طبيعة المصريين الذين أزعم أنهم من أعظم شعوب الأرض رحمة واعتدالا وسماحة، بل وشباب مصر أكثر ثقافة من الأمريكيين عن خبرة ومعايشة للاثنين؟ كيف يعرف السائرون في الشارع كونها مسيحية ثم يتفقون جميعا على حيلة قذرة لا تتوافق والنخوة والإنسانية فيغرقون ملابسها بصاقا؟ القصة غبية ومفضوحة الفبركة، وتذكرني بقاريء مسيحي كان يتعمد وقت نقدي للخطاب السلفي أن يدخل باسم مسلم ليشتمني سابا أمي وأبي، ولما ارتبت في أمره من تطابق الألفاظ المستخدمة في شتائمه في التعليقات والرسائل الإلكترونية أرسلت أعاتبه، وأقول له إني أطبق وصية المسيح عيسى بن مريم العذراء التي تؤمن بها: أباركك وأغفر لك وأحبك فاعترف بغلطه، ولم أعجب من هذا لأني أصر على أن التطرف أصيل الصلة بالصحة النفسية والتربية الخاطئة والتعليم الخرب والوعي الزائف والشحن الطائفي، وإن أصر المرء مرارا على أن تعاليمه هي أن الله محبة وأحبوا أعداءكم. الشاهد مرة أخرى أني لم أحتج في ودي له إلى أن أكتب صراحة ما يدل على إيماني بعقيدة المسيحيين من صلب المسيح، وأن أكتب نفس الكلمات الأرثوذوكسية العقائدية في تماه عجيب معها كما تفعل الأخت فاطمة ناعوت حتى جعلها الإخوة المسيحيون أيقونة في مواقعهم! والتهوين هو كل ما تراه في الإعلام من حديث التزلف والمسكنة، والذي وصل إلى محاولة الأستاذ مكرم محمد أحمد التخفيف من حدة كلمته لما رأى إرهاب معتز الدمرداش له بعد الكلمة التي قالها: "للدولة رمزية مهمة لا ينبغي للمسيحيين إغفالها، وهي أنها دولة مسلمة غالبيتها مسلمون، وبالتالي تتأطر الحقوق والواجبات بناء على أغلبية وأقلية." وهكذا لما أحس الرجل بأن الموج عال تلجلج وتلعثم وجاهد للتخفيف من هذه الكلمات المباشرة بأي كلام والسلام. وإني والله يعلم أني لا أحب كلمة الأقلية هذه بل إن المنطق يقول إن أفضل دعاية لأي دين هو أن يعامل أتباعه الآخرين بالحب والتحنان. بل أقول إن حسبناها بالعدد أن تكون رحم الوطن والدم بيننا داعية إلى أن تتحمل الأكثرية ما هو أكثر وأن يكون عفوها أكبر وقلبها أرحم. وأما عن السلفيين الذين نقدت خطابهم فإني أشهد الله تعالى أن القوم أبعد ما يكونون عن العنف، وأن أخص خصائص السلفيين أنهم يرفضون العنف، وأني أختلف معهم فقها وطريقة وثقافة وسلوكا لكني أصر على أنهم طاقة ينبغي ألا نخسرها أو نحيدها أو نظلمها. أقول هذا وقلبي يبكي مما حدث في امبابة، والحل لا يحتاج إلى كد الذهن. الحل أن يطبق القانون على الجميع، وأن من قتل يُقتل، ومن حبس يُحبس، وأن اليد التي تذبح شخصا لأنه غير دينه أو اختار طريقا أخرى في الحياة هي يد نجسة ينبغي قتل صاحبها قصاصا بلا فرق بين مسلم ومسيحي. ينبغي أن تسعى الكنيسة إلى تحسين صورتها برجال يحيون فينا حب المسيحيين مثل الأنبا موسى أسقف الشباب أو الأنبا بسنتي أسقف حلوان والمعصرة وكلاهما يحملان السمت والأخلاق التي هي راسخة عندي عن المسيحيين الطيبين النبلاء خاصة الأنبا موسى. أبعدوا صقور الكنيسة وأطلقوا اليمام. [email protected]