شاعرة ومثقفة ومقاتلة وميلادها ذكرى روحانية للمصريين آل بيت النبى (صلى الله عليه وسلم)، يعرفون مصر وحب مصر لهم ويدركون أن أبناء مصر من أكثر محبيهم ومريديهم، لما لا وقد اختارت السيدة زينب رضى الله عنها مصر دون عن أى وجهة بعد كربلاء وقالت «أنا أعلم ما يحمله أهل مصر لنا»، كان هذا كافيًا لتتشرف أرض مصر بهذا النور وتبارك لنا أرضنا باختيارها. ونأخذكم فى جولة بسيطة وافية غير كافية، للتعرف على إحدى سيدات آل البيت وسادتهم وهى السيدة زينب رضى الله عنها التى توفت فى مصر ودفنت فى أرضها. مُريدو السيدة زينب وفى كل عام وتحديدًا يوم ذكرى ميلادها يتجمع المُريدون حول مسجدها من شتى بقاع مصر، حريصين على زيارة مسجدها، تضاء من حولهم الأنوار ويعيشون وقتًا ربانيًا يتبادلون بينهم المحبة والحب والسلام، راغبين فى التبرك بآل بيت النبى. ويفترش حول المسجد عن يمينه وشماله المحبون فى أجواء ربانية جليلة، للتجارة والبيع والزيارة والتقرب، كل يأتى ليحصل على ما يحب ولا يرد أحد إلا وقد نال ما تمنى. ولكن من هى السيدة زينب الكبرى رضى الله عنها، أمها: السيدة فاطمة البتول بضعة سيدنا الرسول وأبوها سيف الله الغالب سيدنا على بن أبى طالب، وجدتها السيدة خديجة بنت خويلد، وأخواها الشقيقان: الإمام الحسن والإمام الحسين رضى الله عنهم جميعًا. وُلدت بعد مولد سيدنا الحسين بسنتين، ويقال إن كليهما ولد فى شهر شعبان، أمَّا هى ففى السنة الخامسة أو السادسة للهجرة، فعاصرت إشراق النبوة عِدَّةَ سنوات، وسَمَّاهَا الرسول «زينب»، إحياءً لذكرى ابنته السيدة زينب ومعنى زينب: الفتاة القوية المكتنزة الودودة العاقلة. واشتهرت السيدة زينب بجمال الخِلقة والخُلُقِ، اشتهارها بالإقدام والبلاغة، وبالكرم وحسن المَشُورَةِ، والعلاقة بالله، وكثيرًا ما كان يرجع إليها أبوها وإخوتها فى الرأى، ويأخذون بمشورتها، لبُعْدِ نظرها وقوة إدراكها. تزوجت بابن عمها عبدالله بن جعفر «الطيَّار» بن أبى طالب، وكان عبدالله هذا فارسًا شهمًا نبيلًا كريمًا، اشتهر بأنه «قطب السخاء»، وهو أول طفل ولد أثناء الهجرة الأولى بأرض الحبشة، وهو يكبُر «زينب» بخمس سنوات، أى أنه عاصر إشراق النبوة عشر سنوات، ومنه أنجبت ذكورًا وإناثًا، ملؤوا الدنيا نورًا وفضلًا، وهم: جعفر، وعلى، وعون الكبير، ثم أم كلثوم، وأم عبدالله، وإليهم ينسب الأشراف الزَّيَانِبَة، وبعض الأشراف الجعافرة. ولمَّا خرج الإمام الحسين رضى الله عنه فى جهاد يزيد بن معاوية شاركته السيدة زينب فى رحلته وقاسمته الجهاد، فكانت تثير حَمِيَّةَ الأبطال، وتشجع الضعفاء، وتخدم المقاتلين، وقد كانت أبلغ وأخطب وأشعر سيدة من أهل البيت خاصة، والنساء عامة فى عصرها. ولما استشهد سيدنا الحسين وساقوها أسيرة مع السبايا، وقفت على ساحة المعركة، تقول: «يا محمداه! يا محمداه! هذا الحسين فى العراء، مزمَّل بالدماء، مقطع الأعضاء، يا محمداه! هذه بناتك سبايا، وذريتك قتلى، تسفى عليها الرياح»، فلم تبقَ عين إلا بكت، ولا قلب إلا وجف. كما كان لها مواقفها الجريئة الخالدة مع ابن زياد ومع يزيد، وبها حمى الله فاطمة الصغرى بنت الحسين من السبى والتَّسَرِّى، وحَمَى الله عليًّا الأصغر زين العابدين من القتلِ، فانتشرت به ذرية الإمام الحسين، واستمرَّت فى الثورة على الفساد ولا تزال، ولقبت زينب بلقب «بطلة كربلاء زينب». وَلَمَّا أعادوها رضى الله عنها إلى المدينةالمنورة بعد أن استبقَوا رأس الحسين بدمشق ليطوفوا به الآفاق، إرهابًا للناس، أحسُّوا بخطرها الكبير على عَرْشِهِم، فاضطروها إلى الخروج، فَأَبَتْ أن تخرج من المدينة إلا محمولة، ولكن جمهرة أهل البيت أقنعتها بالخروج، فاختارت مصر لما علمت من حب أهلها وواليها لأهل البيت. دخلت مصر فى أوائل شعبان سنة 61 من الهجرة، ومعها فاطمة وسكينة وعلى أبناء الحسين، واستقبلها أهل مصر فى «بُلْبَيْس» بُكَاةً معزِّين، واحتملها والى مصر «مسلمة بن مخلد الأنصاري» إلى داره بالحمراء القُصوى عند بساتين الزهرى «حى السيدة الآن». كان المسجد الزينبى الذى هو بيت أمير مصر مَسْلَمَةَ بن مخلد قائمًا على الخليج المصرى، عند قنطرة على الخليج كانت تسمى «قنطرة السباع»، لأنها كانت مُزَيَّنَةً من جوانبها بسباع منحوتة من الحجر، ولما رُدِمَ الجزء الذى عليه القنطرة من الخليج زالت القنطرة فاتَّسَعَ الشارع، وظهر مسجد السيدة بجلالِه وتوالت التجديدات عليه، وقد أنشئ هذا المسجد فى العهد الأموى، وزاره كبار المؤرِّخِين وأصحاب الرحلات. ومشهدها ترياقٌ مجرَّبٌ، ترفع فيه التوسلات إلى الله، وتستجاب فيه الدعوات، وأمَّا ما قد يكون فيه أحيانًا- كما يكون فى غيره- من بعض المخالَفَات لظاهر الشرع الشريف، فهو من أثر الجهل، الذى يخفف من سوئه حسن نية أصحابه وسلامة اعتقادهم، والحمد لله. ويجب أن تسمى الأشياء بأسمائها، فلا يُسَمَّى الجهل شركًا ولا كفرًا، وأمَّا من ينكرون وجود قبرها بمصر فهم خصوم أهل البيت الذين يكرهون أن يحيا لهم ذكر، أو يعرف لهم قبر، ولا اعتبار لأقوالهم على الإطلاق بعد أن ألزمناهم الحُجَّةَ التى لا تدفع بالتهريج والغل الدفين.